كثرو وحوش الغابة وعتمت المدينة
سنعد الآن للاثني عشر
وسنبقى صامتين
دعونا لا نتحدث بأي لغة
ولو لمرة واحدة على الأرض
هيا نتوقف لثانية
ولا نحُرّك أيادينا كثيراً
كم ستكون هذه لحظة غير مألوفة
بطيئة، بدون محركات
سنكون جميعنا فيها معاً
في غُربةٍ فجائية
(باولوا نيرودا)
1- ٢،٧٥٠ طن من المواد المتفجرة دمرت ميناء بيروت؛ هشّمت دوائر الموت والخراب والتهجير التي تمركزت حولها أجزاء من المدينة ومن حياة الناس هناك. أغرقت الفيضانات شوارع اليمن، تلك التي يُعاقب أهلها بحرب قاسية لا تُغفر، وأدت إلى كوارث صحية. أعلنت موريتانيا حالة الطوارئ بعدما حول ألف طن من البترول بحرها للون الأسود ووضع حياة اثنتين من المحميات المائية البيئية هناك تحت التهديد. بينما أرسلت إسرائيل، بسلسلتها غير المتناهية من الجرائم الاستعمارية، قذيفة سقطت على أرض مدرسة ابتدائية في غزة، وتستمر بسياستها في هدم منازل الفلسطينيين، هذه المرة في بيت لحم. أكٌدت الامارات العربية المتحدة خيانتها لأكثر من سبعين عاماً من النضال والدعم الشعبي من أجل وقف الاستعمار الصهيوني المستمر لفلسطين بتطٌبعيها لعلاقات دبلوماسية مع السلطات الاستعمارية. قوبلت التظاهرات الأخيرة لحركة حياة السود مهمة بشراسة قمعية؛ شراسة يألفها إلى حد كبير أفراد ومواطنو الدول الحليفة للولايات المتحدة التي تحرضها وتدعمها بالأسلحة. مرت سنة على انتزاع سلطات الاحتلال الهندية الحكم شبه الذاتي من كشمير وفرضت إغلاقاً عسكرياً عليها. وبالطبع، كلنا الآن تحت الحظر بسبب فايروس كوفيد 19 (باستثناء كبير مستشاري رئيس الحكومة البريطانية، دومينك كومنغز).
ما الذي يحدث في العالم؟ هنالك شعور بأن غالبية الناس على هذه الأرض يمارسون حياتهم اليومية من خلال حالة دائمة ومتجددة من الفوضى، مروعة أحياناً، وعادية في أحيانٍ أخرى. السؤال الذي يتعقب الخطوات المترددة داخل هذا الشعور هو: ما الذي يمكن أن نفهمه ونقوم به؟
2- تركيزي هنا على أولئك الآملين بتقديم وممارسة تضامنهم مع الناس في لبنان، والنية أن هذا نقاش له انعكاسات على أماكن وسياقات أخرى. كبداية، ونحن نحاول التفكير في هذا الموضوع، يمكننا أن نقول بشكل واضح بأن الطبقة السياسية اللبنانية مسؤولة عن هذه الجريمة. ولنقل لأنفسنا بعد ذلك، وبشكلٍ واضحٍ أيضاً، بأن الطبقة السياسية التي تحكم لبنان هي نفسها الطبقة السياسية التي تحكمنا. فتلك الطبقة ليست شاذة عن القاعدة، في عالمٍ، على خلاف ذلك، رحيم ويعمل بطريقة عادلة وفعالة. يجب علينا رفض النظام نفسه؛ ذلك الذي يُقصي من ينتزع منهم أغلى الأثمان عبر هرم الرأسمالية العالمية. لا تقل لأطفالك: "على الأقل، نحن لسنا لبنان/ غزة/ سوريا (استبدل سياقاً آخر هنا)". فإن كنت من دولة متواطئة في إلحاق معاناة دائمة للشعوب، سواءً من خلال بيع أسلحة (مثل فرنسا)، أو مراوغة سياسية (مثل السعودية)، أو من خلال علاقات دبلوماسية (مثل إيران)، أو علاقات اقتصادية (من ضمنها الأرصدة الخارجية، مثل المملكة المتحدة)، او عقوبات اقتصادية (مثل الولايات المتحدة) عليك العمل كذلك على تنظيم منزلك من الداخل. وهذا يعني إنه علينا تجديد التزامنا بالتنظيم المحلي الشعبي من أجل تحدي الأنظمة المفلسة سياسياً ورفض قمع الدولة (وغيرها مما يجعل العالم غير قابل للعيش)، كل هذه الأشياء التي تتم إدانتها حالياً في السياق الذي نتحدث عنه ، أي لبنان.
3- ما الذي يتضمنه التفكير بهذا الشكل؟ إن أول ما يشير إليه هو أن المطلوب من الشعوب هو التضامن، وليس العمل الخيري، وأن هذا التضامن كان قائماً قبل الكارثة، وسيبقى قائماً بعدها. فهناك تاريخ طويل من التنظيم والتعبئة من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي الذي ربط شعوب العالم مع بعضها البعض من خلال أيدولوجيات وممارسات صاغت مسارات للتحرير وطرقاً أخرى للوجود. يمحي هذا النوع من التضامن الشعبي مركزية الجهة المانحة، وعلى وجه مثالي، سيقلل مساحة التمثيل الأدائي الذي يسمح للمانحين الاعتقاد بأنه من المقبول لهم أخذ صور شخصية بين ركام البيوت وحياة الناس.
4- يتساءل المرء إن كان باستطاعة إيمانويل ماكرون؛ هذا المصرفي السابق الذي قوبلت سياساته الاقتصادية بما يقارب العامين من الإضرابات والمظاهرات وتشريعات تعزز عنف الشرطة، أن يؤدي في فرنسا نفس مسرحية العلاقات العامة البشعة التي قام بها في لبنان. تُظهر التقارير من الأرض أن استقبال ماكرون كان أقل حميمية مما تواردته معظم الجهات الإعلامية. وقبل اثني عشر يوماً فقط من الانفجار، رفض وزير خارجيته (الذي غيّر حرفياً مجاز" ساعد نفسك وسيساعدك الله" إلى “ساعد نفسك وستساعدك فرنسا") تقديم دعم إضافي للبنان إلا إذا تبنى صفقة البنك الدولى المقترحة. كان لسياسات هذا البنك وعروض الدعم الخاصة به في مقابل قيام الحكومة اللبنانية بإجراءات تقشفية صارمة، دور أساسي في استدامة التفاوت الطبقي المتزايد هناك، هذا بالطبع من دون التطرق لأسباب الفقر وحالة اليأس الاقتصادي والاجتماعي الهيكلية. يمكننا ممارسة تضامننا مع لبنان في الوقت ذاته الذي نعبر فيه عن رفضنا لخطاب " لبنان المسكين" (وكذلك، دعونا نترك سردية "طائر الفينيق" البالية – ليس هناك حاجة لأي مكان أو شعب أن ينهض من الرماد لمرات عديدة كي يرتقي لهذا المجاز؛ الذي ربما يكون ذو نية حسنة، ولكنه، في نهاية المطاف، مجاز مُنهِك).
5- من جهة أخرى، لأولئك الذين يحاولون استغلال ما تبقى لإنقاذ الموقف، سواءً مستعمرين سابقين أو استغلاليين جدد، يمكننا أن نأخذ درساً من العمل البارع الذي يقوم به آخرون لكي نقول: أجل، عليكم أن تقدموا لنا تعويضات، من دون كل هذه الدراما المتلفزة - فأنتم تدينون لنا بها، وعلى الأرجح، تدينون بأكثر من ذلك.
6- بالحديث عن الدراما المتلفزة، هل يُمكننا توخي الحذر من اهتمام وسائل الاعلام السائد المتحدث بالإنجليزية، الواضح والمفاجئ، بتحقيق الشعب اللبناني لآماله وطموحاته؟ وهل يمكننا أيضاً تجنب الانخراط في بورنوغرافيا المعاناة التي يتم إعادة انتاجها في شبكات الاعلام، وأن نسأل أنفسنا ما المغزى من هذه الصور والمجازات المتكررة؟ تكتب آريلا آيشا أزولاي أن الصور هي دعوة لإنتاج معنى؛ أي أنها فهم مُحتمل "يستمر ويُكشف عنه عندما يتفاعل معه آخرون". لطالما جرى استغلال صور الدمار والمعاناة الشخصية كوسيلة لخلق تصور دائم عن فرد عاجز وسيء الحظ. يجب فهم الدعوة ل “انقاذ لبنان المسكين" التي تستلبها برامج الدعم الخارجية من هذه الصور على ما هي عليه بوضوح. تعمل الأنظمة السياسية في البلدان التي تُدير وسائل الاعلام السائدة شبكاتها منها كوسيلة ضغط من أجل أن تقدم تبريرات للنهج السياسي لهذه الحكومات ومشاريعها الدموية على الأرجح. بذلك يتموضع الاستغلال الحالي لمعاناة اللبنانيين بأريحية بجانب حملات سابقة في الاعلام حول أسلحة الدمار الشامل، التي ليس لها وجود، في العراق سنة ٢٠٠٢ وبجانب خطاب "انقاذ المرأة الأفغانية" ممهداً لاحتلال وطنها عام ٢٠٠١. هذه فقط بعضاً من الأمثلة الأكثر بشاعة، ولكن هنالك الكثير غيرها.
7- وبالبقاء في موضوع الاعلام السائد، هل أستطيع القول إنه على الرغم من شعوري بالرضى لرؤية شخص قذر كجبران باسيل ينال حقه من التوبيخ على يد مذيعة إعلامية، يراودني السؤال التالي: أين يغيب هذا الكم من الاستجواب المشتعل والموقف القوي عندما يتعلق الأمر بقادة آخرين؟ هناك العديد من المواضيع التي حاولت المذيعة أن تستجوب رئيس الخارجية اللبناني السابق بشأنها كالواسطة والفساد والنُخبة الحاكمة التي "تجر البلد نحو حالة من اليأس". بالطبع، هناك الكثير من الأشياء هنا لانتقادها (واحدة منها قد تكون الاستشراق)، ولكن النقد الأكثر عملية هو أن نطلب من بيكي أندرسون، المذيعة الإعلامية هذه، أن تستضيف أفراد أكثر من النخبة الحاكمة العالمية لتفضح جرائمهم التي يرتكبونها وينسقوها داخل حدود بلدانهم وخارجها. هذا النوع من الإصرار على فصل سياق لبنان من السياق العالمي يدّعي أن المعضلات التي يعاني منها هذا البلد ليس لها علاقة بتداخله العميق في النظام المالي للرأسمالية العالمية وشبكاتها، ولا بالأنظمة في البلدان التي يتم منها إنتاج هذا النوع من الخطاب الإعلامي. يجب التنويه هنا أن الصحفيين في لبنان يتحدثون عن هذا التحدي الذي يفرضه الاعلام السائد ويشاركون كذلك شهادات وآراء مهمة تُلقي الضوء على الظروف الصعبة هناك. بإمكانكم الاطلاع على بعض من عملهم هنا وهنا و هنا وهنا وهنا
8- في الوقت العاجل، ينصح الناس بالمؤسسات غير الحكومية كوسيط مناسبة لتقديم الدعم كونها تتعامل مع حالات ما بعد الطوارئ وتستطيع توصيل معونات ومعدات للناس في لبنان بحُكم أهليتها الرسمية. ويقترح الكثير من المتواجدين هناك الصليب الأحمر اللبناني كأفضل جهة لاستلام الدعم وذلك بسبب تعاملهم السريع مع الاحتياجات الطارئة للانفجار ومع المظاهرات التي تبعته. ولكن على المستوى البعيد، سيكون من المهم علينا أن نجدد ونبني علاقات مع المنظمات ذات القواعد الشعبية في لبنان من أجل دعمها في تولي زمام القيادة. أفكر هنا بشيء شبيه بالدعم والعون المتبادلين. يعمل هذا النوع من الدعم مع الناس العاديين بشكل مباشر لكي يتجاوز المستثمرين النهيمين والعقاريين في القطاع الخاص الذين سيتبعون، بلا شك، الحكومات الجشعة التي تحاول الاستثمار في عملية إعادة الإعمار. "من يُسبب الدمار لن يؤتمن على إعادة الإعمار"
9- بالتأكيد، يٌشكل خطاب "الأزمة" فرصة، ويشهد على ذلك الامتداد العالمي لشبكات المنظمات الغير حكومية وقطاع ال NGO. تُوظف بعض من هذه المنظمات طواقم عمل مستنيرة، مخلصة لعملها بشكل عظيم، وتقوم بعمل مهم ومنقذ لحياة الناس. بإمكاننا الاقرار بهذا في نفس الوقت الذي نُثير فيه ننتقد عن بعض مبادئ هذه المنظمات. فإضافةً لكونها مشكوك فيها هيكلياً، يمكن القول بأن المنظمات الغير حكومية تمتص أيضاً من أموال الدعم وقوة عمل في المبادرات الشعبية. وساهمت لدرجةٍ ما في محي التاريخ الممتد للعمل المجتمعي الشعبي والمنظمات السياسية والحركات العمالية التي كان لها في الماضي قوة كبيرة في النضال لتحقيق التغيير الاجتماعي. على الأمد البعيد (ويبدو أنه سيكون التزام بعيد الأمد كذلك)، ذلك النوع من الدعم الذي يتظاهر بكون غير سياسي لا يجب عليه أن يكون المساحة الذي نستثمر فيها مجهودنا وعملنا.
10- دعونا نقول ما هو واضح: هناك مبادرات مجتمعية موجودة بالفعل بين الناس. كيف يمكننا معرفة ما يريدون منا عمله؟ هنالك أمل بالتأكيد بأن تقوم القوى الاجتماعية المتنوعة بتوحيد صفوفها الميدانية في لبنان والتنظيم معاً من أجل تعافي مستقبل البلد، وهو شيء لمح له بعض الباحثين والنشطاء المتواجدون هناك. هل يمكننا أن نتعلم، من خلال قراءة جهودهم، الأشياء التي يمكن العمل بها لكي ندعمهم؟ وهل يمكننا تجرأ التفكير بطرق عمل تعيد توجيه خطوط التنمية والتعافي لتكون من خلال إقامة صلات مع الناس وليس من خلال المنتفعين السياسيين وشركات القطاع الخاص ؟ لا أدري.
لربما تكون واحدة من البدايات في هذا الاتجاه بأن نستمر في أو أن نعيد تنظيم أنفسنا أينما كنا (علماً بأن القوى السياسية، وخاصة تلك التي ظهرت بعد ٢٠١١، تحاول أن تقضي على إمكانية حدوث هذا) والعمل مع حلفائنا ورفقائنا في كل مكان من هذه البداية نحو مستقبل نتشاركه جميعاً؟
إذا كان التاريخ القصير لـ ٢٠١١ وما بعده يعلمنا شيئاً فهو أن من هم في مواقع السُلطة يضمنون بقاءهم في قصورهم وأجنحتهم الرئاسية بينما (نحاول) نحن أن نحمي ونُبقي بعضنا البعض على قيد الحياة، صامدين وغير مستسلمين.
11- وصفت مناضلة بحرينية كيف أن تجربة تنظيم حملة دعم للفلسطينيين المصابين والنازحين بعد نكسة ١٩٦٧ عبر منظمة نسائية محلية، كانت، كممارسة، في جوهر عملها نحو التغيير السياسي والاجتماعي. لعب أعضاء الحزب الشيوعي العراقي وحزب توده الإيراني دوراً في تطوير النضالات السياسية والعمالية في دول الخليج منذ الخمسينيات. في السنوات العشرين التي تلت النكبة الفلسطينية عام 1948، تطورت حركة القوميين العرب من خلال شبكات امتدت من جنوب اليمن إلى الجزائر. وسمحت مساهمة أحد أعضائها المركزيين، وهو طبيب من الكويت، بتسعين بالمائة من راتبه الأول بأن تقوم المجموعة بتنظيم أعمال في أيامها الأولى. تم بناء العمل الاجتماعي والتعليمي والثقافي والثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية في أيامها الأولى من خلال المساهمات المالية التي أرسلها فلسطينيون يعيشون في الخليج. في ظفار، تضمنت الحركة الثورية اليسارية، التي نجحت في المقاومة المسلحة ضد القمع العسكري الاستعماري البريطاني الوحشي هناك من أواخر الستينيات إلى منتصف السبعينيات، متطوعين، من بينهم: مدرب عسكري من فلسطين، مهندس زراعي من البحرين، فدائيون من الكويت ومعلمون من البحرين من بين آخرين. وعمل مكتب إعلامي في دمشق على دعم هذه الجهود.
تشكلت هذه الشبكات من خلال المجموعات الطلابية، الاتحادات العمالية، والأندية الرياضية والثقافية والمهنية، وكذلك من خلال الانتاجات الثقافية والفكرية. وكانت تُدار هذه الشبكات عبر الحركات السياسية. ربط هؤلاء الأشخاص أنفسهم، أيديولوجيًا وعمليًا، بآخرين مثلهم وبالنضال من أجل عالم مختلف في سياقات أخرى، مثل فيتنام وأفغانستان وإثيوبيا وكوبا. لا نحتاج لأن ننظر على هذه التجارب السابقة بطريقة رومانسية أو أن نتظاهر بأن هذه العلاقات لم تكن من دون تعقيدات أو عرضة للتغيرات من أجل استخلاص بعض الدروس حول مساحات النضال المشتركة بينهم. ويعني هذا أن ممارسة وتنمية التضامن يجب أن يكون من خلال علاقات التزام وصداقة وحب ورفاقة. في بعض الأحيان، تتجاوز هذه العلاقات حدود المجتمعات المتخيلة التي فرضتها البيروقراطيات الإمبريالية على الهويات والجنسيات، وتعمل نحو رؤية سياسية مشتركة. فقد سعت حركات التضامن بين الشعوب بمرور الوقت نحو جعل الروابط بين العمل في السياق المحلي والسياق العالمي أكثر وضوحاً (من خلال الدعم المالي والتقني والمعنوي الخ). وكان هذا العمل من منظور تضامني وليس من منظور خيري. كانت الجبهات والقواعد متجذرة محليًا ولكن الروابط التي تطورت بعد ذلك ونطاق عملها كان إقليميًا (وفي بعض الأحيان أممياً). هنالك صعوبة وجمال وقوة في العمل مع الاختلافات ومن خلالها، وكذلك في هدم المسافات من خلال معرفتنا أننا نحارب من أجل أنفسنا كما نحارب مع (وليس فقط "من أجل") الآخرين. لا يتطلب هذا العمل محو الاختلافات في الهويات أو خصوصيات التجارب المُعاشة أو منهجنا في المقاومة. ولكن بدلاً من ذلك، يبدأ العمل بسياقات الهوية أو المكان كنقطة انطلاق نحو تطوير فهم مادي للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية، وفهم مكاننا في هذ الشبكة والنطاق والقيود المكانية الذي يمكننا فيها التصرف ضمن "جماعة" أكبر من الحياة الفردية.
12- كلن يعني كلن
على الرغم من أن هذا ليس محور هذه المقالة، ولكن من المهم الاعتراف بأن هذه المجموعات والحركات الاجتماعية التي تصرفت بقوة شعبية هائلة، وعلى فترات زمنية مختلفة، كانت مرتبطة أيضًا مع دول وأجهزة الدول الصديقة.
في الوقت الحالي، يجب أن نُبقي ذلك كتذكير بأنه إذا كنا جادين في تغيير الظروف التي أدت إلى الكارثة الأخيرة في بيروت، فإن الهدف النهائي لعملنا يجب أن يكون الاستيلاء على هذه الدول جنبًا إلى جنب مع نزع الجذور العسكرية / السلطوية / الأوليغارشية / الاحتكارية / الطائفية / الأبوية الرأسمالية. وأنه علينا رؤية عملنا التضامني من أجل التحول الاجتماعي كجزء من ذلك. هل هناك سبيل لمن يلتزم بالتضامن ليجد طرقًا تجعل إعادة إعمار لبنان مختلفة عن سابقتها؟ جاءت "إعادة الإعمار" من الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا واتخذت شكلها الكامل بعده. ويجب القول هنا بأن العديد من حروب منطقتنا كانت مترابطة (وتم خوضها في بعض الأحيان من خلال) المعارك بين القوى السياسية على الأرض هناك. أن "إعادة الإعمار" تقع في صلب الهياكل السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية للحياة بعد الحرب الأهلية – ونهايةً في صلب انفجار المرفأ يوم 4 أغسطس؟
بما أننا بدأنا بالصمت، دعونا ننتهي بأغنية. يعود تاريخ هذه الأغنية إلى التراث الشعبي الأمازيغي الممتد لقرون، والذي أعادات تقديمها فرقة برتغالية-فلسطينية باللغة العربية، يقول مقطع منها: "العتمة لما تخافيها، يابا غنيلي". عم نسمعكم.
[نشرت المقالة على «جدلية». ترجمها عن الإنكليزية سارة يوسف ويارا إسماعيل]