منتصف عام 2013. تحديدًا وسط ميدان رابعة العدوية بالقاهرة حيث أقامت جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوها اعتصامًا مفتوحًا بدايةً من يوم 28 يونيو- حزيران إلى يوم فُضَّ الاعتصام (14 أغسطس) بواسطة قوات الأمن المصرية، وذلك اعتراضًا على بيان 3 يوليو- تموز وهو البيان الذي ألقاه وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي لعزل الرئيس المصري محمد مرسي قبل أن يأخذ مكانه في الرئاسة تماشيًا مع سُنّة الانقلابات العسكرية. خلال تلك الفترة دوّى الميدان بالهتافات والأغاني المناوءة لما جرى بواسطة شباب عُرفوا باسم رابطة أولتراس نهضاوي، مِن بعد الفضِّ تفرقت تلك التجمّعات من جديد، ولكن استمر نزولها إلى الشارع للاحتجاج تحت أسماءٍ كثيرة، ولكنّها ميّزت الحراك الاحتجاجي من حيث شكله وتفاعله، بل ميّز الأولتراس أنفسهم عن طريق عدة طرق ووسائل مناهضة للنظام في مصر فكانوا أول أولتراس ذو فكرة وغاية سياسيّة وهنا الكناية بالأولتراس السياسيّ كوّنهم مُشجعون لحزبٍ سياسيّ ألا وهو حزب الحريّة والعدالة. على غرار الأولتراس الرياضي الذي يشجع فريقا رياضيا.
أحاول في هذا المقال توثيق ظاهرة الأولتراس السياسي في مصر تحديدًا فترة ازدهاره 2014 إلى 2016 بالإجابة عن كيفية خروج الأولتراس من المدرجات إلى الشوارع، وما هي الأشكال والأفكار الذي خرج بها؟، وإلى أين وصل به الحال تنظيميًا بعد أن قضى النظام الأمني في مصر على احتجاجات الشارع التابعة لتحالف دعم الشرعية بحلول منتصف عام 2016؟ ابتعدت عن تناول الكثير من التفاصيل التي تخُص الأولتراس السياسي، وهذا لأني بعيدًا عن اتخاذ زاوية بحثية مُحكمة، وركزتُ بشأن التفاصيل التي توثّق وتساعدنا على رسم ملامح النشأة والتطور والإشكاليات التي مرّ بها تلك الفترة. [1]
البداية - التنظيم ثم الانتشار
[أولتراس نهضاوي مايو 2012 - موقع إخوان أون لاين]
في أبريل من عام 2012 قررت جماعة الإخوان المسلمين ترشيح عضوها محمد مرسي لخوض صراع الانتخابات الرئاسية المصرية، وكأي دعاية انتخابية يقف الحزب ومُنتميه في الشوارع أو يدوروا من حولها ليُحدّثوا الناس فرادى وجماعة عن مرشحهم آملين أن يضعوا علامة الصح على صورته عند وقت الانتخاب، اتخذ شباب الإخوان دورًا مهمًا من أجل هذا، جمّعت الشُعب (المناطق) بمسؤولية أعضائها بعض الشباب المتحمّس ليأسسوا رابطة عرفت باسم «أولتراس نهضاوي». الأولتراس انتماءًا لمجموعة الأولتراس التي تُعرف بحماسها الزائد تجاه تأييد وتشجيع شيء ما (فريق كرة قدم) ونهضاوي (كنايةً عن مشروع النهضة التابع للإخوان) ليردد هؤلاء الشباب الهتافات والأغاني بدوره في الميادين أثناء حملة الدعاية الرئاسية، وبتعميم التكتيك تكوّن في أكثر من محافظة مصرية عدد من الشباب تجمعهم تيشرتات بيضاء عليها شعار مُوحد كزيٍّ لرابطتهم، يغنون الأغاني التي تعبر عن مشروع جماعتهم النهضوي لمصر، ليصبح نهضاوي أول أولتراس سياسي يقف في الشارع بعيدًا عن روابط الكرة التشجيعية في المدرجات، ويتخذ من يوم 22 مايو عام 2012 ذكراه التأسيسيّة الأولى ويرسم بالإنجليزية UN12 شعارًا له.
وبعد أسابيع قليلة فاز مرسي بالانتخابات الرئاسية، وذهب إلى استاد القاهرة ليحدث الشعب المصري كرئيس للجمهورية المصرية، كان نهضاوي معه حاضرًا، ولكن من أكثر مِن محافظة، فقد حافظت الرابطة على تجميع نفسها، والتواصل مع روابط المحافظات الأُخرى، ليرددوا هتافاتهم وأغانيهم السياسية من قلب مدرجات الاستاد.
استمر وانحصر نشاط الرابطة ضمن أجواء تجمُّعات جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة إلى أن جاء يوم بيان 3 يوليو 2013 الذي انقلب فيه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي، اعتصمت جماعة الإخوان ومؤيدوها من المستقلين والأحزاب الإسلامية في ميدان رابعة والنهضة بالقاهرة، بل وقامت الجماعة عن طريق تنظيمها القوي على الحشد بالتظاهر في محافظات مصر كُلها مطالبةً بعودة الشرعية متمثلة في الرئيس المعزول محمد مرسي ودستور 2012. أُدير الاعتصام بواسطة قيادات الجماعة والرموز الإسلامية الأُخرى من على منصة رابعة، إلا أن وجد أولتراس نهضاوي حاضنة زمكانيّة قوية لتجميع أفراده، وسرعان ما طَبع تيشرتات بلوجو (شعار) مُوحد، وفرت الجماعة أيضًا لهم دعمًا لوجسيتيًا كَبعض الألعاب النارية (الشماريخ) والطبلة وعصيانها (الطرومبيطة) رافعين شعارات قماشية (بنرات) تعبّر عن رابطتهم ونداءاتهم ليديروا مشهدًا احتجاجيّا حماسيًا يشعل الميدان وسط عشرات الآلاف من المعتصمين.
يوم 14 أغسطس 2013. وهو بمثابة يوم الصدمة المتوقعة لقيادة الجماعة، فَضَّ النظام المصري اعتصاميّ رابعة والنهضة، ليُقتل ويعتقل المئات من المُعتصمين، بعد ذلك تتجمّع الاحتجاجات طيلة شهور اُخرى في جامعات وميادين حَضر وريف مصر، ازدهر دور نهضاوي في إدارة المشهد الاحتجاجي أكثر، بل أصبح لأعضاء الأولتراس رمزيّة قيادية وسط كثير من الشباب، وأمسى شكل الاحتجاج ملهمًا بل واستقطابيًا للكثير من الشباب الذين ذهبوا بدورهم إلى قيادات الأولتراس الشبابية يطلبون منهم الانضمام إليهم، فضلًا عن عرضهم تأسيس رابطة الأولتراس في منطقتهم أو قريتهم أو محافظتهم حتى أصبح تعداد الأولتراس يساوي بضعة آلاف خلال شهور من رسم الاحتجاجات بأشكال الإبداع في شوارع مصر.
تتمتّع القوى الإسلامية الشبابية الحركية بوجود زخم كبير من حيث التعداد، ولذلك من لم ينضم لأولتراس نهضاوي لأسباب مختلفة، ويرفض تكوين الاحتجاج تحت مظلة تحالف دعم الشرعية الذي يتمتّع بشيخوخة حركية لا تتماهى مع الحماسية الشبابية، يؤسس بدوره كيانًا يوازي نهضاوي، فَأُسست روابط شبابية أخرى تحت مسمى أولتراس ربعاوي و أولتراس مصري سياسي، واللذان أدارا المشهد الاحتجاجي في الشارع خاصةً قرى المحافظات كالجيزة والمنوفية وكفر الشيخ وغيرها. إلا أن تلك المسمّيات مهما اختلف شكلها ومظهرها الاحتجاجي ولكنها تندرج تحت مظلة جماعة الإخوان أو بمفهومٍ أكثر سياسيّة [2] كجماعة ضغط تستفيد منها الجماعة إعلاميًا من خلال كثرة الأسماء والكيانات التي تعادي النظام المصري الجديد، وحتى إن اعترفت الدولة المصرية بتلك الكيانات الجديدة على المستوى الإعلامي من حيث الخبر إلا أنها تعاملت معها كنباتات نضجت في حقل الجماعة، ولا تعاملها قانونيًا أو سياسيًا بشكل فردي، بل تُعرّفها أنها كيانات تابعة لِجماعة الإخوان المحظور نشاطها في مصر.
الاستقلال التام
[أولتراس نهضاوي - الحساب الرسمي على تويتر]
بالرغم من تعدد الكيانات تحت مُسمّى أولتراس إلا أن الكيان الأبرز تنظيميًا واحتجاجيًا كان نهضاوي، يرجع هذا التميّز إلى أسبقيته في الاحتجاج والإبداع (22 مايو 2012)، فضلا عن رموزه الشبابية التي كان لها صدى وكاريزما استطاعت احتواء وجذب الكثير من الشباب غير المُنتمين للتنظيمات الإسلامية وغير ذات السمت الديني تحت رايتهم. ممّا مكّن نهضاوي من الانتشار السريع في قرى ومدن مصر كافة، لاسيما القاهرة والجيزة والشرقية. ترك نهضاوي أثرًا كبيرا خلال عاميّ 2014 و 2015 من خلال زخمه الاحتجاجي والإبداعي في الشارع المصري حتى بدأت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية كالجزيرة الإنجليزية وموقع mada masr بالنسخة الإنجليزية وموقع egyptian streets و daily news egypt ومجلة foreign policy الأمريكية والإنجليزية the economist تتناول احتجاجاته بشكلٍ منفصل، وتناقش دوره في مقاومة النظام الحاكم بشكلٍ جديدٍ ومبدع يتخلله نوع المقاومة غير العنيفة مثل ضرب الألعاب النارية كالشماريخ وأنواعها للتصدي لفض قوات الأمن تظاهراتهم ووقفاتهم.
أدرك قادة الأولتراس عندئذٍ حجمهم الذي أصبح كبيرًا من حيث الزخم والحشد (عام 2015. قُدرت الأعداد ببضعة آلاف) ويستطيع حشد التظاهرات وحده دون التنسيق مع الإخوان أو تحالف دعم الشرعية كما كان يُطلق عليه كمُنظم للفاعليّات، فقاموا بوضع عدة لوائح لتأسيس الرابطة في مناطق جديدة و لتنظيم دخول الأفراد وترقيتهم داخل الرابطة وفق شروط معيّنة من ضمن اللائحة
قانون الانتخاب
قانون التعيين
شروط انضمام العضو الجديد
تحديد أسماء مراتب الأعضاء داخل الرابطة وهى بالصعود
normal (منضم جديد)
active (منضم قديم ونشط ومسرول منطقة أو قرية)
capo (مسؤول محافظة)
leader (مسؤول جمهورية)
تحديد أسماء للقرى (المنطقة) والمحافظة أي مجموعة أفراد داخل قرية يسمون team (فريق) أما أفراد المحافظة مُجتمعين يسمّون section (قطاع)
تجميع اشتراك شهري من الأعضاء في صندوق مخصص للمال يشرف عليه شخص يعلوه شخص وهكذا.
تُصرف الأموال المُجمعة في شراء الألعاب النارية وأدوات الرسم والأقمشة والأعمال الفنيّة
بدأت الأمور تتزن أكثر من حيث فاعليات الرابطة، أصبح نهضاوي هيكلًا هرميًا من حيث الشكل الإداري آخذًا نمط الهيكلية من أولتراس كرة القدم من حيث أسماء المراتب وأسماء المناطق كأولتراس أهلاوي مثالًا إلا أنه يختلف عنه من حيث الفكرة ومكان النشاط، وبالرغم من توّفر العنصر البشري واللائحة التي تُنظم وجود هذا العنصر بها، ولكنه فقد وجود فكرة واضحة أو مناهج ثقافية تَتغذي أذهان أفراده عليها. كل ما في الأمر أنه كان يردد شعارات مثل جيل الخلافة القادم قاصدًا الخلافة الإسلامية على نهج النبوّة، فكانت شعاراته المرسومة كَخوذة صلاح الدين وهتافاته المسموعة لا تخرج عن إطار يوتوبيا الأمة الإسلاميّة الواحدة. وفنياً، أنتج أولتراس نهضاوي قُرابة 10 أغنيّات خاصّة به يُمجد في كلماتها ثورة يناير واعتصام رابعة العدوية وينادي بالقصاص للشهداء وحق السجناء في الحرية.
نوفمبر 2014. اجتمعت قيادة الرابطة متمثلةً في مسؤولي الجمهورية والمحافظات لتقييم رابطتهم من حيث الفعاليّة الحركية للاحتجاج. والحديث عن وضع مناهج فكرية وثقافية لأعضائها، لتكوّين بارادايم (نموذج) فكري إسلامي يتفق مع ما تطالب به الرابطة، إلا أن الحال وصل بهم للتفكير فيما بعد نزول الاحتجاجات، يريدون أن تكون لهم مناهج ولو بشكلٍ مبسط يعملون تحت أدواتها الفكرية، وبما أن لديهم العنصر البشري ومعهم اللائحة القانونية فلا لا يتخذون أدوات فكرية ومنهجية يصعدون بها إلى سُلّم الحركات الفكرية المستقلة، خلصوا في هذا الاجتماع إلى أمرين مهمّين.
الأول هو تكوين مكتبين، الأول يختص بالأمور الإعلامية عبر صفحات السوشيال ميديا أو التصريح للمؤسسات الصحافية أو القنوات التلفزيونية إن سمح الأمر نظرًا للملاحقات الأمنية والثاني وهو المكتب السياسي الذي يتولى كتابة البيانات وإبرام التحالفات السياسية مع القوى الحركية الأُخرى سواء كانت شبابية ناشئة كحركة أحرار أو روابط أولتراس كرة القدم (أولتراس أهلاوي UA) و (أولتراس زملكاوي UWK) أو حتى قوى شبابية مدنية غير إسلامية.
والأمر الآخر هو الاستقلال ككيان إسلامي شبابي مستقل لا يتبع جماعة الإخوان المسلمين لا منهجيًا ولا فكريًا ولا إداريًا، ولكن يتعاون معها فقط من حيث إدارة الحراك وأي أمورٍ أُخرى. هذا الأمر سبب تصدّعًا في الآراء بين القيادة الشبابية حيث وافق البعض وبشدة بشأن الطرح كونهم أصبحوا الآن قوة تنظيمية لا تحتاج إلى الإخوان في شيء، فضلًا عن عدم رضا هؤلاء الشباب عن قيادة الإخوان للحراك أو تصريحاتهم بشأن التداعيات أو رؤيتهم الضبابية بشأن المستقبل. بينما رفض البعض الانفصال عن الإخوان بسبب أنه الفصيل الأم بالنسبة لهم وأنهم يفضلون القعود تحت مظلته دائمًا عكس الرؤية الأولى التي كانت أكثر طموحًا وإدراكًا للقوة التنظيمية التي أصبحوا عليها. وآلَ الأمر فيما بعد إلى الاتجاه نحو الاستقلال وتغيير اسم الرابطة من أولتراس هدفه التأييد والدعم الحركي لاتجاه سياسيّ ما إلى حركة فكرية سياسية شبابيّة مستقلة
الموت الزؤام
[أولتراس نهضاوي - الصفحة الرسمية - فيس بوك]
لم يكتمل حلم استقلال الرابطة وتكوين حركة شبابية إسلامية صاعدة، بل تدمّر تمامًا، وبدلًا من أن تُرسم له خريطة تنظيمية على المستوى القُطري وليس المصري فقط، أصبح أعضاؤه بين سجين ومهاجر ومُشتت. يرجع فشل الرابطة في الاستمرار وتحقيق الأهداف التي حددت خطوطها الأولى ثلاثة أسباب.
الأول هو ضعف القدرة الفكرية والإدارية لدى قيادات الرابطة، فكانت القيادة الشبابية حينها غير مُغذاة بالثقافة التي تُعِينها على وضع منهاج ثقافي كامل للحركة، بل كانت أذهانهم في بدايات التغذية التي اكتسبها البعض من مناهج التربية لدى الإخوان، فضلًا عن كُتب محمد الغزالي وسيد قطب ومحمد عمارة وغيرهم من المعالم الإسلامية العربية الصاعدة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بالتزامن مع القراءة السطحية غير المعمّقة للتاريخ المصري وتدني الإحاطة بشكل كامل بعُمق الدولة المصرية ومؤسساتها وتاريخها. أما على المستوى الإداري فكما ذكرنا استطاعت الرابطة جذب الكثير من الشباب في الآونة الأولى إليها إلا أنها فشلت في كيفية الاستمرار في الحفاظ على الكيان بسبب عدم اتجاهها نحو استراتيجية النفس الطويل الذي لَعِبَ عليه النظام الأمني في مصر في ضرب الكيانات المناوئة له. ناهيك عن التباطؤ الشديد وضعف القدرة التخطيطيّة في اتخاذ التكتيكات السريعة والمرنة لتنفيذ أولى خطوات الاستقلال والإعلان عن حركة شبابية، حتى الاجتماعات المُصغرة (أفراد المنطقة مع قائدهم)، والاجتماعات الأعلى مستوى (قادة المناطق مع قائد المحافظة) كانت لا تثمر أي مجهود فكري أو إداريٍّ حقيقي، بل كانت لتقييم الحراك وتجميع الاشتراكات الشهرية وغير ذلك من الأمور البسيطة، فضلًا عن صغر سنّ الكثير من أفراد الأولتراس (عمر الفرد من 16 إلى 26 عاما) وحتى من قياداته فكان عُمر القيادة يترواح بين 19 إلى 26 عامًا.
والسبب الثاني هو ضيق صدر الجماعة عند استقبال بعض قياداتها لنيّة وعزم الرابطة الاستقلال عنها. فالجماعة التي أسست الرابطة وساعدتها على الظهور في الاعتصام وما بعد الاعتصام لتكون جماعة ضغط سياسية وإعلامية هي الآن تتمرّد عليها وتنوي التحليق بعيدًا عن أهدافها.وهذا دائمًا ما يزعج الجماعة لأنها تمتلك فطرةً أبوية أو بنيةٍ صلبة لا تقبل الانفكاك عنها كما يصفها الباحثون أو بعض نُقادِها، [3] زاد قلق الإخوان بشأن تكوين كيان شبابي إسلامي منفصل عنها لاسيما بعد مظاهرات يوم 28 نوفمبر 2014. وهى مظاهرات دعت لها الجبهة السلفيّة مطالبين فيها الشعب المصري بالنزول والتظاهر برفع المصاحف تأكيدًا على الهويّة الإسلامية للشعب المصري، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عدم مشاركتها في هذا اليوم، وأعلنت جماعة الضغط الشبابية التابعة لها والتي تُعرف بـ «شباب ضد الانقلاب» عدم مشاركتها أيضًا تنفيذًا وطاعة لما صرّح به الكيان الأمّ، بينما أعلن أولتراس نهضاوي مشاركته في التظاهرات في خطوة استباقية حركية منه يُعبّر فيها عن قراره الذي يخص رؤيته السياسية فقط وغير تابعة للجماعة الأمّ التي ينوي فعليًا الانفصال عنها.
أما السبب الثالث يرجع إلى القبضة الأمنية التي ضربت الرابطة بقوة بدايات عام 2015 إلى منتصف 2016، حيث كانت بداية الخطوات الجادة لظهور كيان شبابي إلا أنه تم القبض على غالبية قيادات الرابطة في جميع المحافظات، وليست القيادات الأولى فقط، بل حتى الشباب من القيادة الثانية، ممّا جعل البقية القليلة تترك العمل الحركي نهائيًا وتركز في حياتها بعيدًا عن النضال أو الاحتجاج، أو تهاجر خارج البلاد خوفًا من الملاحقة الأمنيّة، أيضًا سهل القبض على هؤلاء الشباب صيتهم الواسع في محافظاتهم لأنهم كانوا قيادات الحراك في الشارع ممّا سهل على الأمن معرفة أسمائهم وملاحقتهم والقبض عليهم بسهولة، ممّا يجعلنا نُشير إلى ضعف الخبرة الشبابية في مُعضلات الحفاظ على النفس وأُسس المقاومة دون الظهور.
قيّد المحاولة
[أولتراس نهضاوي - 2016 - الصفحة الرسمية فيس بوك]
بحلول أوائل عام 2017. في معركة النفس الطويل فاز الجهاز الأمني في مصر واستطاع إحكام قبضته على أي احتجاجٍ شارعيّ يزعزع صورة استقراره أيًا كانت مرجعيّته، ساعده في هذا انقسام جماعة الإخوان المسلمين إلى نصفيّن، والإدارة المندفعة لتظاهرات الشارع التي سُيطر عليها ممّا أفقدها سريعًا ورقة الضغط التي تلعب بها الجماعة مع النظام المصري.
حُكم على شباب الرابطة بأحكام كبيرةٍ وخفيفة، خرج الكثير منهم ولكن كان الخروج بمراجعة إدارية وفكرية لما كانوا عليه قبل الاعتقال سواء كانت المراجعة محضّ أفكارٍ ووحيٍّ شخصي للتجربة أو حتى مراجعة فرضها الواقع بمجرد أن العمل الحركي الاحتجاجيّ قد انتهي وهذا ما كان يجمعهم بالرابطة، فالآن لا شيء يجمعهم، بل كان النقد محلّ وجود لاستراتيجيات الماضي، فكانت جماعة الإخوان وقيادة الرابطة تدفع بالشباب وبأنفسهم إلى التظاهرات دون رؤية تقدميّة لما بعد الحراك أو وجود حلّ تفاوضي مع النظام في مصر، فاكتشفوا أن التظاهرات كانت غاية وليست وسيلة كما يجب أن تكون، لذا تجربة الماضي بالنسبة لكثير من الشباب تجربة مُهلكة للأنفس دون داعٍ حقيقي لهذا الهلاك.
فشلت ظاهرة الأولتراس السياسي في الاستمرار أو حتى العدول إلى حركة سياسية مستقلة ذات مرجعيّة فكرية كما كان مُخططاً لها، وكما تجمّع أفرادها حول حراك شارعيّ، فَفُضَّ الحراك فتفرّق الجمع مرّةً أُخرى، ومن لم يتوجّه من الشباب الإسلاميّ بشكلٍ عام وشباب الرابطة بشكلٍ خاص إلى معيشة حياته العاديّة حيث الدراسة والعمل والطموح إلى تكوين الأسرة، وما زالت تربطه أحبال أفكار مرّةً أُخرى، ارتمى في أحضان منهاج إسلام ما بعد التنظيمات، أي السعي للحصول على الثقافة الإسلامية بشكل فردي تعليميّ عن طريق حضور دروس الفقه والعقيدة والفلسفة والاجتماع وعلم النفس في أماكن واقعية تُدرس بشكل رسميّ محض علمٍ دون توجّه، أو عن طريق حضورات تلك الدورات والاستماع إلى مُعلّميها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التعليمية عبر الإنترنت.
الهوامش
1- وهذا من خلال مقابلات أجريتها مع بعض قيادات الرابطة، (مسؤولي جمهورية ومحافظات) نتج عنها شهادات وسرديات وتفاصيل ذكرت منها ما رأيته مناسبًا لمقالنا.
2- جماعة الضغط. pressure group .. الموسوعة السياسية. رابط.
3- انظر. جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان المسلمين نموذجًا، ط1 (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015م)
عبد المنعم أبو الفتوح، شاهد على الحركات الإسلامية، ط1 (القاهرة: دار الشروق، 2010م).
خليل العناني - داخل الإخوان المسلمين - الدين والهوية والسياسية - 2016. .Oxford University Press.