أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثالث عشر من آب\أغسطس عن إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. احتفى بهذه التطور كفتح ”يعزز السلام في الشرق الأوسط“. وتخطط الدولتان لتبادل السفراء والبدء بالتعاون في مجالات الأمن والسياحة والتجارة والرعاية الصحية. وتجعل الاتفاقية الإمارات العربية المتحدة البلد العربي الرابع بعد مصر والأردن وموريتانيا الذي يعترف رسمياً بإسرائيل. بالمقابل، تعهدت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتانياهو بوقف عمليات ضم الأراضي، فيما أعلن البيت الأبيض أن إسرائيل وافقت على ”تعليق إعلان السيادة على مناطق مذكورة في رؤية الرئيس الأميركي للسلام وتركز جهودها الآن على توسيع الروابط مع بلدان أخرى في العالم العربي والإسلامي“.
يظهر الاتفاق إلى العلن أحد أسوأ أسرار الشرق الأوسط المخبأة، محولاً تحالفاً سرياً كان ينمو بهدوء إلى تحالف علني. وترى كلتا الدولتين أن هذا التحرك سيحصد فوائد استراتيجية. فإسرائيل تأمل تدعيم تحالف إقليمي ضد إيران، وتشجيع دول خليجية أخرى على إقامة العلاقات معها. وسيمكّن هذا التحرك الإمارات العربية المتحدة من تقوية علاقاتها مع إدارة ترامب دون الابتعاد عن معسكر بايدن، ومن الحصول على دعم أميركي واسع النطاق والتخفيف من خسائرها في وقت خفّ فيه كثيراً التعاطف الأميركي العام مع دول الخليج. وستساعد الصفقة الإمارات العربية المتحدة أيضاً على بناء تحالف ضد ما تنظر إليه على أنه التهديد الرئيسي في المنطقة ضدها، والذي هو جماعة الإخوان المسلمين وداعموها، قطر وتركيا. وتشكل الصفقة على نحو خاص انقلاباً في العلاقات الدبلوماسية والعامة بالنسبة للدولة الخليجية الصغيرة في سعيها لتصوير نفسها على الساحة الدولية كمنارة للتسامح في جزء من عالم مزقته الصراعات. غير أن هذه الاتفاقية التي تعقد صفقة في تجاهل تام للفلسطينيين، تفعل القليل كي تسهم في تحقيق حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن القول إنها تقلل من احتمالات الحل. كما أنها تسلط الضوء على تقارب متزايد بين معظم دول الخليج في توسيع روابطها مع إسرائيل، بينما تكشف اختلافات واضحة حول رغبتها في الاعتراف بهذه العلاقات أو جعلها رسمية. وتكشف الردود المتسارعة على الاتفاقية من فاعلي المجتمع المدني في الخليج المزيد من الاختلافات بين اتجاه سياسة الدولة والعاطفة العامة، داخل بعض الدول الخليجية الأصغر.
الفلسطينيون
في أعقاب إعلان ترامب أصدرت كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل عدداً من التصريحات المتناقضة حول ما الذي تعنيه الصفقة للفلسطينيين. ففي تغريدة على تويتر، أعلن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أنه تم التوصل إلى الاتفاق لإيقاف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، التهديد الذي تعهد نتانياهو بتنفيذه هذا العام. ولكن في خطاب تلفزيوني لاحق أكد نتانياهو أنه ”علق مؤقتاً“ خططه في الضم فحسب، مضيفاً أنه ”ما يزال ملتزماً“ بضم أجزاء من الضفة الغربية. وفي الخامس عشر من آب/أغسطس، أكد مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية الإماراتي، عمر سيف غباش، أن الإمارات العربية المتحدة لم تتلق ضمانات حقيقية من إسرائيل بأنها لن تضم الأراضي الفلسطينية المحتلة في المستقبل. وشجبت السلطة الفلسطينية الصفقة كـ “اعتداء على الشعب الفلسطيني“، ساحبة سفيرها من البلاد، وداعية إلى عقد قمة للجامعة العربية.
بالنسبة للفلسطينيين، تثير الاتفاقية الذعر بسبب فشلها في التعامل مع جبهتين حاسمتين في صراعهم لبناء دولة مستقلة: بناء المستوطنات والضم. ذلك أن إسرائيل لم تلتزم بإيقاف بناء المستوطنات اللاشرعية في الضفة الغربية المحتلة أو القدس الشرقية. وستزيد مواصلة بناء المستوطنات خارج نطاقها الحالي تهديد أية مساع لبناء دولة كهذه. فضلاً عن ذلك، تركز الاتفاقية حصرياً على إيقاف الضم الشرعي (الرسمي) بينما يتواصل توسيع إسرائيل لنطاق سيطرتها الإدارية والاقتصادية على الضفة الغربية، ولا تلزم الاتفاقية إسرائيل إلا بتعليق إعلان السيادة فوق مناطق معينة مذكورة في الخطة. ويرى الفلسطينيون أنه بمكافأة إسرائيل لإيقافها المؤقت لخطط الضم في الضفة الغربية من دون تجميد بناء المستوطنات أو العمل على بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة، قامت الإمارات العربية المتحدة بدعم ومناصرة نصف قرن من الاحتلال العسكري. ويرون أن هذا ينسف الفكرة المكرسة في مبادرة السلام العربية، والتي تجعل من التطبيع مع العالم العربي مكافأة لتسوية متفاوض عليها وليس تنازلاً مجانياً قبلها.
العلاقات الخليجية مع إسرائيل
كشفت الاتفاقية اتجاهاً مشتركاً بين معظم دول الخليج في موقفها من إسرائيل. وكأعضاء في الجامعة العربية، بقيت كلٌّ من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ملتزمة رسمياً بمبادرة السلام العربية لعام 2002، كخطة توسطت فيها السعودية وترأسها ولي العهد آنذاك الملك عبد الله. ومن خلال هذه المبادرة، أجمع الأعضاء الاثنان والعشرون في الجامعة العربية على الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود ووافقوا على تطبيع العلاقات الدبلوماسية معها مقابل انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 وقبول دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية. بقي هذا موقفاً رسمياً للجامعة العربية، لكن طموحات إيران الإقليمية في العقد الأخير ولّدتْ مصالح مشتركة بين البعض داخل المعسكرين وقادت في النهاية إلى تعاون ثنائي بين إسرائيل وعدة دول خليجية كالبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقرّب الغضب من دعم أوباما للإطاحة بحكومة مبارك في مصر، وانتصار الإسلاميين في الانتخابات في البلاد، بصورة خاصة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وحدث التعاون المتنامي في حقل الدفاع والأمن الإلكتروني علناً لكن بهدوء، وسرَّع علاقة موجودة سابقاً. وفي الإمارات العربية المتحدة، مهّد تغيّر للقيادة بعد وفاة مؤسس الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 2004 الطريق لجيل جديد من القادة كانوا راغبين أكثر في التطبيع مع إسرائيل. وفي 2007، كافأت الإمارات عدة شركات إسرائيلية بعقود لتطوير نظام ”مراقبة ذكي“ يشمل المدينة كلها في أبو ظبي. وفي 2015 تم إنشاء بعثة إسرائيلية على المستوى الدبلوماسي كجزء من وكالة طاقة متجددة في أبو ظبي. وصارت الاجتماعات بين كبار القادة أكثر شيوعاً. وفي 2018، عُزف النشيد الوطني الإسرائيلي في دوري للجودو في أبو ظبي بعد أن فاز المتسابق الإسرائيلي بالميدالية الذهبية. وفي أوائل هذا العام، وقّع أكبر متعاقدي دفاع إسرائيليين اتفاقية مع شركة مقرها في أبو ظبي لتقديم حلول تكنولوجية تتعلق بوباء كوفيد 19. وأصبحت الصناعة الدفاعية مجالاً أساسياً للتعاون، وقيل إن شركات إسرائيلية باعت بإشراف وزارة الدفاع أسلحة متقدمة للإمارات، بينها أجهزة للرصد الصاروخي.
كان القلق المتنامي من التهديد الإيراني هو الذي سرّع بشكل رئيسي علاقات المملكة العربية السعودية مع إسرائيل، والتي تجلت في مجالات الدفاع والأمن الإلكتروني. ففي 2012، مسح هجوم إلكتروني ضد شركة أرامكو السعودية (اعتبر من أضخم الهجمات الإلكترونية في التاريخ) سبعة وخمسين بالمائة من حواسيبها فدُعيت الشركات الإسرائيلية بسرعة لتقييم الأضرار وإصلاحها. ووسّعت بعض الشركات التي تم التعاقد معها لهذا الغرض، فيما بعد عملها كي يضم رصد المعطيات ومراقبة الإعلام الاجتماعي. ويبدو أنها في دخلت في محادثات ليكون لها تواجد في نيوم، المدينة العابرة للحدود على ساحل البحر الأحمر حيث يقال إن عدد الروبوتات سيتجاوز عدد البشر. وفي 2018 عبّر ولي العهد السعودي عن الأهداف المشتركة مع إسرائيل وأضاف أنه ”إذا تم السلام، سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي“.
انخرطت بعض دول الخليج الأصغر أيضاً مع إسرائيل. ففي 2018 قامت عمان التي تتبع عادة سياسة خارجية أكثر محايدة من جيرانها، باستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي قام بزيارة رسمية إلى مسقط. وقبل أقل من سنة بعد ذلك حضر وفد إسرائيلي من 30 عضواً مؤتمراً للأعمال في البحرين مما ناقض تصريحات من مكتب وزير الاقتصاد بأن الزيارة ألغيت بسبب مخاوف أمنية وغضب عام. ودخل الصحفيون الإسرائيليون أيضاً البلاد لتغطية ورشة عمل جاريد كوشنر المشهورة ”السلام من أجل الازدهار“ التي كانت ورشة صاخبة وبراقة عُقدت في فندق الريتز- كارلتون وتمت وسط الغياب الملحوظ لأي ممثلين فلسطينيين.
أقامت قطر أيضاً صلات مع إسرائيل. وفي 1996، سُمح لإسرائيل بفتح مكتب تجاري في الدوحة عمل لأكثر من عقد قبل أن يُغلق فجأة بعد حرب 2009 في غزة. وعملت الدوحة أيضاً كوسيط بين حماس وإسرائيل في مناسبات عدة، وزار المسؤولون الإسرائيليون العاصمة مرات عديدة كما حدث في أوائل هذا العام، حين التقى رئيس الموساد يوسي كوهين بمسؤولين حكوميين كبار. وبقيت الكويت خارج هذا الخط في مجلس التعاون الخليجي، وصارت قيادتها تعلن بشكل روتيني أنها لن تنخرط مع إسرائيل، وهذا إعلان يضاهيه الفعل كما يبدو.
ردود الفعل على الاتفاقية
قاد قرار الإمارات العربية المتحدة بأن تخالف رسمياً إجماع العالم العربي المعلن حول التطبيع إلى رسائل مختلطة من جيرانها. ففي يوم الجمعة، أصدرت كل من عمان والبحرين تصريحات هنأت قيادة الإمارات العربية المتحدة واحتفلت بالصفقة ك“خطوة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط“. وأعلنت المملكة العربية السعودية، التي ظن البعض بأنها ستحذو حذو الإمارات بسبب المصلحة المشتركة في الدفع ضد إيران، أنها لن تبني علاقات دبلوماسية إلى أن توقع إسرائيل عملية سلام معترف بها دولياً مع الفلسطينيين، مبعدة نفسها بشكل فعال عن الموقف الإماراتي. أما قطر (التي قطعت معها كل من البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العلاقات في 2001) فقد بقيت صامتة. وامتنعت الكويت أيضاً عن التعليق على التطور.
كانت الردود من المجتمع المدني متباينة. ففي يوم الاثنين، وقع ائتلاف من 23 مجموعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني في البحرين بياناً مشتركاً رفض التطبيع مع إسرائيل. وتضمنت القائمة عدداً من الجماعات السياسية اليسارية والقومية والليبرالية، والاتحاد العام لنقابات العمال في البحرين (أكبر نقابة عمال في البلاد تمثل على الأقل ٢٥ألف عامل) ومنظمات مهنية مثل جمعية محامي البحرين. جاء هذا البيان بعد بيان سابق أصدره ائتلاف من سبعة أحزاب سياسية دعا الحكومة البحرينية إلى عدم تغيير موقفها من إسرائيل. وبعد تغريدة من وزير الخارجية السابق، احتفت بالتحرك واعتبرته لصالح الفلسطينيين، رد قائد معارضة يساري بارز بغضب متهماً الدبلوماسي بالتفوه ب“الهراء“. وأكد وزير الأمن الإسرائيلي أن البحرين وعمان يمكن تكونا ثاني الدول في الخط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وظهرت فورة من التصريحات أيضاً في الكويت بعد الإعلان. وصدرت بيانات شديدة اللهجة دعت إلى موقف موحد من قِبل 29 حزباً سياسياً ومنظمات مجتمع مدني، بما فيه فاعلون سياسيون وقوميون وإسلاميون يتمتعون بدعم واسع النطاق. وانضمت الجماعات البيئية والمنظمات الخيرية لهذا المسعى. وصدر بيان ثان أصدره 37 برلمانياً من مجلس الأمة الكويتي، المكون من 50 عضواً دعا فيه البرلمانيون الحكومة إلى تأكيد موقفها ضد التطبيع. وأصدرت مجموعة من 25 شخصية عامة بارزة بياناً أكدت فيه ”وقوفها مع المجتمع المدني الكويتي في دعمه للفلسطينيين“، وهذه إشارة ظاهرة إلى وجهة نظرهم بأن موقف الحكومة لم يذهب بعيداً بما يكفي. ودعمت جماعات الطلاب هذا التوجه، حيث قام ائتلاف من 14 مجموعة طلابية كويتية (بما فيه اتحاد الطلاب الكويتي الذي يمثل لوحده 40 ألف طالب) بتوقيع عريضة ضد التطبيع. وفي عمان، أصدر المفتي العام للبلاد بيانه حذر فيه بشدة من الأمر قائلاً أن تحرير المسجد الأقصى والأراضي التي حوله ما يزال واجباً مقدساً. وأصدرت مجموعة من 25 مفكراً في البلاد أيضاً بياناً دعا الحكومات إلى احترام إرادة شعوبها.
بزغت أيضاً دعوات موحدة من جماعات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، ”خليجيون ضد التطبيع“، وعُقد مؤتمر عام حضره خطباء من كل من الدول الست، بما فيه الإمارات العربية المتحدة. وبينما لم يصدر المجتمع المدني السعودي أية بيانات فإن الهاشتاغ ”سعوديون ضد التطبيع“ بزغ كأحد الهاشتاغات الثلاثة الأكثر انتشاراً على تويتر بعد الإعلان. وبعد أربعة أيام من الإعلان، أصدرت مجموعة تتألف من 20 شخصية من المجتمع المدني الإماراتي تضم ناشطين ومحامين ورجال أعمال بياناً انتقد قرار الحكومة بالتطبيع. وعزت المجموعة في بيانها الصمت الواسع للمجتمع المدني إلى التهديد المحتمل بعقوبات جنائية، والتي قالت إنها يمكن أن تتضمن أحكاماً بالسجن لمدة عشر سنوات.
لم تكن اتفاقية السلام بدون داعمين، فقد دافعت شخصية إعلامية سعودية بارزة عن القرار منوهة أن ”إيران الثورية وإردوغان تركيا قتلا من العرب أكثر مما قتلت إسرائيل ودمرا في المنطقة أكثر مما دمرت“. واعتبر أن القضية الفلسطينية تنتمي إلى الماضي ذاكراً معلقاً آخر قال إن ”المسألة الإسرائيلية الفلسطينية هي هامشية الآن بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل 2011، حين كانت تحتل خشبة المسرح. لقد حجبتها مسائل أخرى مثل الحرب في سوريا والصراع مع إيران“. وعبرت شخصيات في الإعلام الاجتماعي الإماراتي عن فرحها بالإعلان، بما فيه حسن سجاوني الذي قال في تغريدة ”أخيراً نحن في الإمارات سنكون قادرين على الصلاة في المسجد الأقصى“ وظهرت في موقعه صورة لبناء بقبة ذهبية. سارع الفلسطينيون إلى تصحيح ذلك قائلين إنه نشر صورة لقبة الصخرة، وهو صرح مختلف.
وبينما انطلقت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لحصد الفوائد الاقتصادية والسياسية من علاقتهما المفتوحة، واجه الفلسطينيون إحباطاً متنامياً من أن الدول العربية التي ناصرت مرة قضيتهم يبدو أنها تخلت عنهم نهائياً الآن.
[نشرت المقالة بالإنكليزية على «جدلية» وترجمها أسامة إسبر]