(1)
لقد كان من تبعات انتشار وباء الكورونا أن أدى إلى تكاثر الكتابات حول شكل العالم ما بعد انتهاء الوباء، أو حتى كيف سينتهي إن انتهى. وقد سبقت هذا الوباء أوبئة أخرى في العقود الثلاثة الماضية، منها وباء الإيبولا، والسارس، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وجنون البقر، من بين أوبئة أخرى قبل ذلك. غير أن ما ميز هذا الوباء هو انتشاره على نطاق عالمي، وعلى وجه الخصوص أثره الاقتصادي أولاً، وعلى الأنظمة الصحية ثانياً، وأثره الممكن أو المتوقع على الحياة مستقبلاً.
لذا، لم يكن من المستغرب نشوء مجموعة من الأسئلة حول المستقبل والتوقعات الممكنة بناء على النتائج المعروفة في أي وقت من الأوقات. ولعل السؤال الأهم التالي يجمل هذه التساؤلات: هل ستكون الحياة "عادية" بعد انتهائه أم أنه ستكون هناك "عادية" أخرى لا نعرف يقيناً ملامحها بعد؟
لكن صيغة هذا السؤال كما يجيء في العديد من الكتابات مضللة في الواقع. فلم تكن هناك "عادية" واحدة في العالم أجمع، أو في أي بلد من البلدان. وتكفي الإشارة، هنا، إلى مؤشر واحد لما فيه من دلالة على مختلف نواحي الحياة. فقد بينت دراسات أجريت في العام 2018 أن أغنى 1% من سكان العالم يملكون 45% من الثروة في العالم، وأن 64% من سكان العالم يملكون أقل من 2% من الثروة على نطاق عالمي. وهذا التباين موجود، أيضاً، في الدول "المتقدمة". فمثلا، نجد في الولايات المتحدة أن 1% يحوزون على 40% من الثروة. وتقاس الثروة كمجموع الممتلكات النقدية والعقارية وأصول أخرى ناقص أية ديون موجودة.
هذا التباين الكبير له أثر واضح على مختلف نواحي الحياة، من صحة وتعليم ونوع العمل ومستوى المعيشة، وطول العمر أيضاً. فلا غرابة -إذاً- أن عدداً من الأسئلة الأساسية حول المستقبل تمحورت حول الصراعات الممكنة أو المتوقعة في عالم ما بعد الكورونا، وبخاصة بوجود فقر أكبر وبطالة أكثر انتشاراً وعلى نطاق عالمي، كإحدى النتائج المتوقعة بفعل الأثر الاقتصادي للوباء.
لم ينشأ هذا التباين الكبير في معنى وماهية "العادية" في غفلة من الزمن. إنها، كما يقر الجميع الآن، نتيجة سياسات محددة في حقبة النيوليبرالية التي بدأت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى الآن. عنوان هذه الحقبة الخصخصة: تقدم دور القطاع الخاص في معظم نواحي الحياة، وتقهقر دور الدولة في معظم نواحي الحياة: في الصحة، والتعليم، والضمان الاجتماعي، والماء، والكهرباء، والخدمات العامة، وعولمة هذا النموذج، وفتح الأسواق للقطاع الخاص. صحيح أن بقايا دولة الرفاه ما زالت موجودة في عدد من الدول، لكنه صراع مستمر فيه مدٌّ وجزر. وقد يكون من المفارق أن القوى التي تسمى يسارية في الدول الغربية على وجه التحديد، أصبحت هي التي تلعب دوراً محافظاً في الواقع، للحفاظ على ما هو موجود من حقوق اجتماعية واقتصادية، أو العودة إلى ما كان سابقاً.
في واقع الأمر، إن الصراع المتوقع القادم، كان قد بدأ قبل انتشار الوباء وفي دول مختلفة، ومتّخذاً أشكالاً عدة، من بينها ازدياد الشعبوية السياسية والغوغائية المرافقة لها في العادة، التي تتغذى على العنصرية من بين عناصر أخرى، والتي يمثلها الرئيس ترَمب بشكل أفضل من غيره نظراً لدور الولايات المتحدة في العالم، ولشخصيته الفريدة نوعاً ما. والمفارق هنا، في الولايات المتحدة ودول أخرى أيضاً، أن الفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً من النيوليبرالية المعولمة، هي التي تشكل أجزاءً مهمة من القاعدة الانتخابية لترمب وآخرين من السياسيين؛ ذلك أن هؤلاء السياسيين لا يوجد لهم برنامج اقتصادي مختلف عن السياسات الاقتصادية التي أدت إلى إفقار ناخبيهم، بل نجد، في معظم الحالات، سياسات يمينية تماماً، أو أسوأ، كما في حالة ترمب وبولسنارو بالنسبة للبيئة، وتخفيف الضرائب عن الأغنياء. ولعل هذا الوضع يعطي معنى متجدداً لعبارة "الوعي الزائف" لدى من ينتخبونهم من المتضررين من سياساتهم الاقتصادية.
والمفارق أيضاً، أن هذه السياسات الاقتصادية التي يتبناها صندوق النقد الدولي وعلى نطاق معولم -منها الوصفة المعروفة القاضية بتقليص إنفاق الدولة على المنافع العامة، أو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ورفع الدعم عن مواد أساسية يحتاجها الفقراء- من المفارق أنه باعتراف باحثين من صندوق النقد الدولي نفسه، أنها أثبتت فشلها. ففي مقالة نُشرت في العام 2016، كتبها ثلاثة من الباحثين الرئيسيين في الصندوق، بينوا فيها أن السياسات الاقتصادية في هذه الحقبة من الرأسمالية المعولمة، تؤدي بالضرورة إلى ازدياد الفقر وعدم المساواة الاقتصادية، داخل الدول وعلى نطاق عالمي، هذا إضافة إلى الأثر السلبي لازدياد عدم المساواة هذا على النمو الاقتصادي.[1]
وعلى الرغم من أنه يصعب التيقن من مختلف نواحي الحياة ما بعد الكورونا، توجد نواحٍ يوجد فيها رأي أغلبية من الاقتصاديين، حول التبعات الاقتصادية للوباء، وعلى نطاق عالمي؛ ذلك أن الكثيرين منهم يتوقع كساداً اقتصادياً معولماً سيبان بوضوح أكبر في العام 2021، ويُتوقع حسب البعض أن يستمر لعشر سنوات، وستبقى آثاره لما بعد ذلك. فعلى سبيل المثال، تطلب ستة أعوام للعودة إلى نفس نسبة التشغيل أو البطالة في الولايات المتحدة، بعد أزمة الرهن العقاري في العام 2008. بالمقارنة، تعتبر الأزمة الحالية حسب بعض الاقتصاديين أكبر من أزمة العام 1929. هذا في الولايات المتحدة، فكم بالحري في العالم العربي الذي يعاني من أزمة بطالة مزمنة أكبر بكثير كما سنرى.
لذا، من المتوقع أن نشهد صراعاً معولماً سببه الفقر، بين من يريد أن يحافظ على ما لديه، أو العودة إلى ما كان لديه من وضع اقتصادي، وبخاصة الشركات الكبرى المعولمة، وبين ما أفقر وأملق بسبب تبعات الوباء.
من الواضح أن العالم العربي لن يكون بمنأى عن هذه التبعات. وفي الواقع، كانت أغلبية من الدول العربية تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة قبل انتشار الوباء، إضافة إلى كونها من ناحية سياسية أنظمة سلطوية استبدادية، حتى لو وجد اختلاف في الدرجة بين دولة وأخرى. وربما كان مفاجئاً أن بدأت الانتفاضات والثورات العربية في تونس وليس في دولة عربية أخرى، مثلاً مصر، بوجود مؤشرات واضحة على غليان داخلي، من إضرابات واعتصامات ومطالبات، مترافق مع إغلاق باب العمل السياسي وعسف الأجهزة الأمنية. وأذكر أنه في نقاشات مع بعض الزملاء بعد الثورة في تونس أن قال بعضهم: "الله يستر شو بدو يحصل في مصر". لكن ذلك لم يكن مستغرباً، إذ إن الحاجة إلى تغيير جذري كانت قد وُضِعَت على جدول أعمال شعوب المنطقة العربية منذ سنوات خلت.
(2)
لغرض توقع الاحتمالات الممكنة لوضع العالم العربي ما بعد الكورونا، من الضروري الإشارة، ولو بإيجاز، إلى بعض عناصر الوضع ما قبل الانتفاضات والثورات العربية، أخذاً بعين الاعتبار أن هذا الوضع لم يتغير بعد الثورات، وبخاصة في الجوانب الاقتصادية، ولأسباب سأشير إليها لاحقاً. لكن من يريد الاطلاع بدرجة من التفصيل على الوضع العربي قبل الانتفاضات والثورات، أشير إلى أفضل كتابين حول الموضوع: كتاب "الشعب يريد" للدكتور جلبير الأشقر، وبخاصة الجزء المتعلق بأسباب إعاقة التنمية في معظم الدول العربية، وتقرير أو كتاب "إسكوا"، أي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الذي صدر في كانون الأول/ديسمبر 2016. ولعل عنوان الكتاب يوحي بالكثير: "الظلم في العالم العربي"؛ نعم الظلم.
إن نظرة سريعة على الوضع في العالم العربي من خلال بعض الأرقام توحي بالكثير. مثلاً، إن نسبة الشباب في الدول العربية، أسوة بمعظم الدول الفقيرة، أعلى منها من الدول الغنية، إذ أن حوالي 70% من السكان دون سن الثلاثين. وتبلغ نسبة البطالة بين من هم بين أعمار 15 و24 عاماً، 24.4% حسب أرقام منظمة العمل الدولية للعام 2010؛ أي عشية الانتفاضات العربية. وتبلغ نسبة الفقراء في الدول العربية حسب تقرير "إسكوا" 21.3% حسب خط الفقر الوطني في كل بلد. وتبلغ نسبة شبه الفقراء أو المعرضين للفقر حسب التقرير 19.5%. بالتالي، يصبح مجموع الفقراء وشبه الفقراء 40.8% من مجموع السكان.
على الرغم من هذا، كانت تقارير صندوق النقد الدولي عن بعض الدول، مصر مثلاً، "مشجعة"، واجتهدت فيها هذه التقارير لتجد بعض نواحي "التقدم". وقد يبان أن الحكمة تأتي بعد الحدث، إذ قالت مديرة الصندوق كرستين لاجارد بعد اندلاع الثورات إن البطالة المرتفعة كانت فعلاً "قنبلة موقوتة". وبخلاف تقارير صندوق النقد الدولي، كانت التقارير المكتومة للسفارة الأمريكية في القاهرة قبل الثورة، التي كانت ترسل إلى وزارة الخارجية، والتي نشرت ويكيليكس بعضاً منها، كانت هذه التقارير أكثر واقعية في تحذيرها من احتقان الوضع في مصر والإشارة إلى المخاطر المحتملة.
إذا نظرنا للوضع في العالم العربي بشكل إجمالي من ناحية سياسية ومن ناحية اقتصادية وتساءلنا أولاً: من يحكم؟ الإجابة هي: تحالف ثلاثي بين السياسيين والأمن أو الجيش وعدد من رجال ونساء الأعمال. أما بالنسبة لاقتصاد معظم الدول العربية، فقد يبان أنه اقتصاد سوق، وهذا بمعنى معين صحيح، ولكنه ليس اقتصاداً رأسمالياً بالمعنى الموجود في الكتب، ولهذا يسمى بـ اقتصاد المحاسيب، إذ أن العلاقات الزبائنية جزء أساسي من بنية هذه الأنظمة، حتى لو اختلف الوضع أو الدرجة بين دولة وأخرى. لذا، إن بقاء هذه الأنظمة يتطلب أن تكون استبدادية أو سلطوية حتى يتم منع التغيير. هذه الدول لا تنتج تنمية أو فرص عمل حسب حاجة مواطنيها، وبخاصة في إطار العولمة الجارية حالياً. بالتالي، وبتعبير أكثر درامية، هذه الدول لا خيار لها إلا أن تكون استبدادية، إذا أرادت استمرار السرقة والنهب الحاصل في معظمها، وإن اختلفت الدرجة من دولة لأخرى. فيوجد نهبا "معتدلا" ونهبا متطرفا ونهبا "متواضعا".
وأستثني هنا تونس على الصعيد السياسي، التي نجحت في إحداث تغيير سياسي ودستور جديد ومجلس نيابي منتخب بحرية، لكنها لم تنجح حتى الآن بإحداث تغيير اقتصادي، وبخاصة في المناطق الجنوبية الأفقر تقليدياً. توجد لذلك أسباب عدة، لكن يتساءل المرء عن مقدرة تونس على إجراء التغيير المطلوب في ظل شروط صندوق النقد الدولي الذي منح تونس قرضاً في العام 2016 مشروطاً بتخفيض أجور القطاع العام، وتعويم الدينار، الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط قيمته الشرائية. هذا إضافة إلى شروط منظمة التجارة العالمية التي تشترط "الانفتاح التجاري"، الذي بان أنه يعمل لصالح الدول الكبرى وشركاتها العابرة للحدود على حساب الدول النامية وصغار المزارعين والمنتجين فيها. وقد سمى تقرير الإسكوا سياسات منظمة التجارة العالمية هذه بـ"إنفاق الفقير على الثري".
(3)
إذاً، إن كانت الأزمة الاقتصادية العالمية ستترك أثرها على معظم الدول العربية كما يتوقع الكثيرون، بما في ذلك مديرة دائرة البحث في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث ( Gita Gopinath ) التي قالت إن العالم سيشهد أسوأ كساد منذ الكساد العظيم في العام 1929، من الجلي أن البطالة ستزداد بما في ذلك بين الشباب، ونسبة الفقراء وشبه الفقراء ستتعدى الخمسين في المائة في معظم الدول العربية، باستثناء بعض دول الخليج فيما يتعلق بمواطنيها فقط، ولكن ليس بالعاملين فيها من مختلف الدول، حتى لو ناب مواطنيها إفقارٌ نسبي. بالتالي سنشهد اضطرابات اجتماعية واحتجاجات وإضرابات في مختلف الدول، ومن المتوقع أن تبدأ موجة ثالثة من الانتفاضات ستسعى إلى قمعها بطرق مختلفة الثورة المضادة العربية، التي قادتها منذ العام 2011 دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، لكن الآن بتحالف علني مع دولة إسرائيل من قبل الإمارات على الأقل.
وأشير، بشكل خاص، إلى مصر، التي كان من شأن ثورة 25 يناير، والتضحية بمبارك من قبل الجيش والولايات المتحدة أيضاً، ككبش فداء خشية حدوث تغيير جذري بفعل الثورة، كان من شأن ذلك أن أثار هذا الوضع خوفاً وصل إلى حد الهلع في أوساط من أصبح لاحقاً الثورة المضادة العربية. وقد بان هذا القلق البالغ في كتابات عدد من وسائل الإعلام السعودية والخليجية عموماً، وفي نقد غير مسبوق للولايات المتحدة، وكيف أنها "تخلت عن أصدقائها" المفترض أن توفر الحماية لهم، مقابل تبعية دولهم لها.
لقد كانت هذه نقطة محورية من منظور هذه الدول، وفي تقديري هذا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت السعودية ودولة الإمارات إلى توثيق التحالف مع إسرائيل، ليس فقط من أجل الصراع مع إيران، وإنما أساساً لتوفير النفوذ داخل الولايات المتحدة الذي تملكه إسرائيل، لغرض إيجاد ضمان أكبر بعدم تكرر سيناريو التخلي عن مبارك. وقد عبر عن هذا بوضوح وبشكل فظ ومهين أيضاً، الرئيس ترمَب عندما كرر أكثر من مرة أنهم إن أرادوا الحماية، عليهم أن يدفعوا. ورأينا كيف تم الدفع، وعلى مراحل، وما زال.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، لعبت الإمارات، بشكل خاص، دوراً متقدماً على السعودية، وعلنياً أيضاً كرأس حربة الثورة المضادة العربية. وقد رأينا هذا في السودان وتونس بشكل خاص إلى درجة أن عضو البرلمان التونسي ورئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى اتهمت من قبل برلمانيين آخرين بأنها ممثلة الإمارات في البرلمان، كونها تلعب دوراً نشطاً في الهجوم على حزب النهضة الإسلامي. وكانت دولة الإمارات قد قادت منذ سنوات حملة نشطة داخل وخارج الدولة ضد الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية التي اعتبرتها إدارة الرئيس أوباما "معتدلة"، لأنها الوحيدة المرشحة لاستلام الحكم كبديل للأنظمة القائمة في عدد من الدول العربية.
وإذ كان من الممكن أن نشهد موجة ثالثة من الانتفاضات العربية بفعل الإفقار المتوقع وازدياد البطالة إلى نسب غير مسبوقة في معظم الدول العربية في العام القادم وما بعد، ستلعب الثورة المضادة العربية دوراً نشطاً في منع التغيير ما أمكنها ذلك. وسيتم هذا بالدعم الممكن غير المباشر من قبل إسرائيل، وبخاصة في حالة مصر.
وأشير إلى مصر تحديداً لأنها، أيضاً، مرشحة لانفجار الوضع فيها مرة أخرى. ففي دراسة مهمة صدرت مؤخراً في نهاية شهر آب من العام الحالي، قام بها ثلاثة باحثين عرب أحدهم يزيد الصايغ، الذي صدر له كتاب عن الوضع في مصر قبل حوالي العام، تستخلص الدراسة التالي:
"لقد تم بناء استقرار الأمن والاقتصاد الكلي في مصر مؤخراً على أسس ضعيفة، كشفت عن هشاشتها جائحة كوفيد-19. وبالتالي عادت البلاد الآن إلى نُقْطَة البِدَايَة، في موقفٍ يشبه إلى حد بعيد ما كانت عليه قبل ثورة 2011: مستقرة في الظاهر، ولكن في الداخل ثمّة مشكلات بنيويّة عميقة ومظالِم اجتماعيّة محتدمة، مع استنفاد كل ما يمكن أن يخفّف من حدّتها" [2].
بالتالي، سيستخدم النظام الأدوات نفسها لقمع أية انتفاضة ممكنة، وربما تستطيع الإمارات والسعودية إسعاف النظام بدعم مالي سخي كما حصل ما بعد 25 يناير، حتى لو كانوا هم ليسوا في البحبوحة الاقتصادية السابقة نفسها.
في النهاية، سيعتمد نجاح أية موجة ثالثة من الانتفاضات العربية الممكنة على ثلاثة عوامل:
1. ما إذا كان للجيش دور سياسي واقتصادي أساسي في النظام، أي مصلحة بعدم التغيير. بالتالي، ليس مثل مصر أو السودان، ولكن مثل تونس. أيضاً، مدى تماسك الجيش إن قام هو بالقمع المباشر، أي مثل سوريا الذي بقي الجيش فيها موالياً للنظام.
2. وجود أحزاب وحركات منظمة لها قيادات معروفة ومطالب محددة وليست عرضة للتفتت، أي ليس مثل لبنان، أو حركات قادرة على لم صفوفها بسرعة مثل تجمع المهنيين في السودان.
3. أهداف غير متباينة تسعى أساساً إلى تغيير طبيعة النظام، وليس الوصول إلى الحكم تحت وصاية الدولة العميقة. أي ليس كمصر، حيث انقلبت قوى الثورة الشبابية على نظام مرسي، وانضمت موضوعيا إلى الدولة العميقة، فأكلت نفسها يوم أكل الثور الأبيض، أو بعد ذلك بقليل.
هوامش
[1] Jonathan D. Ostry, Prakash Loungani, and Davide Furceri, “Neoliberalism Oversold?”, Finance & Development, June 2016.