[يصادف الثامن والعشرين من أيلول مرور نصف قرن على وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر. ما زال السجال النقدي يدور حول إرث عبد الناصر السياسي. بهذه المناسبة، تنشر صفحة «مصر» على «جدلية» ثلاث مقالات حول الموضوع. وتدعو الباحثين والمهتمين بهذه الحقبة إلى الإدلاء بدلوهم وإرسال مقالاتهم]
المخبر العضوي وتراث الوطنية المصرية[1]
"في تصوري المجتمع المصري مجتمع تاريخي له حضارة عريقة ولكنه مجتمع غير عصري، مجتمع متخلف" هكذا اختتم الراحل أحمد عبد الله رزه تعليقا له حول تاريخ الحركة الوطنية في مصر ضمن أعمال ندوة كان هو مقررها في ١٩٨٧.. ولكي لا نسارع إلى اتهام الرجل بكراهية الذات أو باحتقار وطنه ومواطنيه فلنعرض لمداخلته المسجلة بشكل أكثر شمولا، يقول أحمد عبد الله "[إن] درجة نضج المجتمع تتحدد بالأمرين معا، بقدرته على إدارة الصراعات، وقدرته على صياغة الاتفاق. المشكلة عندنا في مصر أن صراعاتنا غير ناضجة! القدرة الوحيدة التي أثبتناها في تاريخنا الحديث هي: (١) الإتفاق في الشارع بين فئات الشعب حين تكون هناك سلطة محتلة فنتفق في الشارع بين صفها مثل تجربة ثورة ١٩١٩ والوفد كجبهة وطنية في البداية على الأقل. (٢) الاتفاق حول جهاز الدولة مثل تجربة الإلتفاف حول عبد الناصر. فالملايين كانت تؤيد عبد الناصر بالفعل، ولكن دون أن تكون لها حريات سياسية وحقوق في الصراع الاجتماعي في الشارع فدون ذلك قمع شديد. أي أنه كان هناك إتفاق ما، ولكن هذا الإتفاق لا يأتي من "التعددية" وإنما يأتي من "الأحادية". وهذا معناه أننا في مصر حين نتفق إنما نتفق على أن نكون أطرافا إضافية أو تحابيش معاونة لجهاز الدولة... بهذا المعنى في تصوري المجتمع المصري مجتمع تاريخي له حضارة عريقة ولكنه مجتمع غير عصري، مجتمع متخلف.[2]
كم تبدو هذه الكلمات اليوم نافذة في تعبيرها عن الواقع السياسي في مصر، خاصة في الفترة التالية على يناير ٢٠١١، والتي فشلت فيها القوى السياسية والمجتمعية في الاتفاق على حدود دنيا تحكم التأسيس لسلطة الدولة بشكل ديمقراطي بعد إزاحة مبارك يتيح قدرا من إدارة التعددية السياسية والاجتماعية، وهي الصراعات التي أفضت إلى انهيار المسار السياسي التالي على الثورة بفاعليه وبدستوره وبمؤسساته بانتصاف ٢٠١٣. والملاحظ أن الخروج من دوامة الفوضى وبوادر العنف الأهلي والصراع الوجودي بين القوى السياسية خلال حكم الإخوان المسلمين القصير كان بتصدر الجيش للمشهد ممثلا عن الدولة والشعب معا، والشروع في بناء إجماع وطني يقوم على استدعاء تراث الوطنية المصرية الطويل بكافة مكوناته السابقة على يوليو ١٩٥٢ والتالية عليها بهدف إعادة التأسيس لسلطة الدولة في أعقاب أعمق أزمة سياسية واجتماعية تمر بها مصر في تاريخها الحديث.
على أن هذا الإجماع قد أتى بتكلفة باهظة إذ اقتضى مصادرة غالب المكتسبات التي تحققت بعد يناير ٢٠١١، خاصة في شق الحريات السياسية وحرية التعبير والتنظيم، والعودة إلى الإدارة الأمنية للمجال العام، حيث تتمثل فرص فرض إجماع وطني ما في التضحية بالنزر اليسير من الحريات والحقوق التي تم انتزاعها من دولة عرفت تاريخيا بسلطويتها وتحكمها من ناحية أخرى.
فلم كان الإجماع الوطني في مصر دائما يتأسس على افتراض وربما فرض الأحادية على حد تعبير أحمد عبد الله قبل ثلاثة عقود؟ يسعى هذا المقال للإجابة على هذا السؤال في ذكرى الرحيل الخمسين لمن يعتبر أحد مؤسسي دولة ما بعد الاستقلال -إن لم يكن هو مؤسسها الأول-، وذلك من خلال تتبع جذور الضيق بالتعدد في تراث الوطنية المصرية لا إلى لحظات تأسيس دولة يوليو فحسب، بل إلى ما قبل هذا، إلى بدايات الحركة الوطنية المصرية الأولى في مطلع القرن العشرين.
كان التأكيد على "الأحادية" محورا من محاور بناء الهوية الوطنية المصرية الحديثة في مواجهة الاستعمار البريطاني، فبينما كانت إستراتيجية الحزب الوطني القديم في مطلع القرن العشرين هي التأكيد على الإنتماء العثماني لمصر، وبالتالي إبراز الرباط الديني بين مسلمي البلاد وبين الدولة العثمانية كانت إستراتيجية حزب الأمة ثم الوفد المصري مغايرة تماما إذ أنها قامت على الدفع بوجود هوية مصرية واحدة تجمع كل المصريين بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية في المقام الأول بين مسلمين ومسيحيين، والعرقية والجهوية والقبلية في المقام التالي، ومن هنا فقد تبنى الوفد فعليا خاصة بعد اندلاع ثورة ١٩١٩ خطابا ومشروعا سياسيا مقاوما للنظرة التقليدية التي روجها البريطانيون عن مصر منذ عهد كرومر، والتي عبر عنها في كتابه الأشهر "مصر الحديثة" بنفيه وجود شعب مصري من الأساس، وحديثه في المقابل عن وجود "سكان لمصر" لا مصريين، هم عبارة عن أخلاط من المسلمين بتنوعاتهم (فلاحون وعرب ونوبيون ومغاربة وأتراك وشراكسة وغيرهم) ومن المسيحيين بتنوعاتهم (أقباط وسريان وأرمن) غير الأقليات اليهودية، علاوة على الإسهاب في الحديث عن الاختلافات الثقافية بين التقليديين والمتغربين وبين الريف والمدن ما يحول دون ظهور أي وعي جماعي لهؤلاء السكان، هذا بالطبع بالإضافة للأجانب المقيمين من يونانيين وإيطاليين وأوروبيين آخرين. وقد كان يدعم من الناحية العملية تصور كرومر هذا خطاب الحزب الوطني الإسلامي النزعة، والذي كان يسوغ للبريطانيين الحديث عن مناهضي وجودهم في مصر باعتبارهم "متطرفين" مسلمين في استعارة لذات الوصف الذي سبق وأن أطلقوه على أنصار الحركة المهدية في السودان في نهاية القرن التاسع عشر.
إذن كان خطاب التعدد الديني والثقافي تاريخيا جزءا من إستراتيجية الإدارة البريطانية لتبرير استمرارها في حكم مصر رغم افتقاد وجودها العسكري والإداري لأي مسوغ قانوني أو اعتراف أوروبي طيلة الفترة بين ١٨٨٢ و١٩١٤، ومن هنا يمكن فهم نشوء الخطاب الوطني المصري بعد الحرب العالمية الأولى وقد أعلى من قيمة الوحدة على مستوى هوية المصريين من ناحية، وعلى مستوى مواقفهم السياسية المنادية بالاستقلال عن بريطانيا (وعن الدولة العثمانية الآيلة للسقوط وقتذاك، والتي اختفت من الوجود كليا بحلول ١٩٢٤) من ناحية أخرى. وكان منطقيا أن يأتي التأكيد على الوحدة والاصطفاف في سبيل الاستقلال على حساب أي اعتراف ناهيك عن الاحتفاء بالتعدد سواء على مستوى الهويات دون القومية التي قد تميز مجموعة ما أو منطقة ما أو على مستوى المواقف السياسية، ولعل هذا ما يفسر رفض سعد زغلول باستمرار بعد صدور دستور ١٩٢٣ لاعتبار الوفد حزبا سياسيا كغيره من الأحزاب، مثل الأحرار الدستوريين والحزب الوطني، وتأكيده على أن الوفد هو وكيل الأمة بما لا يدع مسوغا لقبول التعددية الحزبية أو التنافس السياسي.
وكما يبين أحمد عبد الله فثمة استمرارية ما في جزئية التأكيد على الوحدة والضيق بالتعدد بين الناصرية ودولة يوليو من جهة وبين تراث الوفد المصري من جهة أخرى، وإن تحول الالتفاف حول هدف الاستقلال إلى الالتفاف حول دولة ما بعد الاستقلال في المرحلة التالية على ١٩٥٢.
كانت دولة يوليو امتدادا لتراث الحركة الوطنية في الضيق بالتعدد والتأسيس للنضال الوطني من منطلقات الأحادية، وإن كانت لا تمثل امتدادا للوفد المعروف بدستوريته وبرلمانيته ـ اهم معلم للحركة الوطنية السابقة على يوليو ١٩٥٢ ـ بقدر ما كانت امتدادا للجناح السلطوي من الحركة الوطنية، والذي جمع بين العداء للدستور والبرلمانية الذي ميز حركات مثل مصر الفتاة والإخوان المسلمين منذ الثلاثينيات، والذين دارت أطروحاتهم حول صيغ شمولية إسلامية أو قومية مصرية أو خليط من الاثنين، كما أنه طالما ميز موقف السراي من الوفد ودستور ١٩٢٣ والبرلمان، وليس من قبيل الصدفة أن التيارات المعادية للجناح الدستوري من الحركة الوطنية قد وجدت فرصا للتحالف مع القصر الملكي في مراحل متعددة، وإن كان انفصام عرى التحالف هو المصير الأغلب.
مع حسم أزمة ١٩٥٤ لصالح الجناح السلطوي في الضباط الأحرار انتقلت تصورات وكالة الأمة المصرية من الوفد للدولة التي كان يمثلها الجيش في تلك الفترة، وكما رأي شريف يونس في كتابه نداء الشعب فإن انتصار ذلك الجناح على خصومه جميعا وخاصة الوفد والتعددية الحزبية التي كان يكفلها دستور ١٩٢٣، والانتقال إلى إدعاء التماثل بين الدولة المصرية حديثة العهد بالاستقلال وبين الشعب المصري الملتف حولها والمتوحد حول أهداف الاستقلال والنهضة الوطنية كان تحققا فعليا لأحلام القصر الملكي منذ العشرينيات، والذي شهد محاولات متعددة ومتكررة طيلة حكم الملك فؤاد ثم فاروق لإيجاد صيغة تواصل مباشرة مع الجماهير تحجب عن الوفد شعبيته وشرعيته، وتجعل من الملك رئيس الدولة وممثل الإجماع الوطني في الوقت ذاته، وقد فشلت محاولات الملك فؤاد المتكررة في إنشاء أحزاب قصر تحظى بأي شعبية بدءا من حزب الاتحاد وانتهاء بحزب الشعب كما فشل فاروق من بعده خاصة مع انهيار تحالف السراي مع الإخوان ومصر الفتاة (وامتدادها في الحزب الاشتراكي) في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات.
ويرى شريف يونس أن صيغة ١٩٥٤ والتأسيس لدولة يوليو وللنظام الناصري على وجه الخصوص كان انتصارا لإستراتيجية السراي وإن حل فيها الجيش كمؤسسة ممثلة للدولة محل الملك، وحلت بمقتضاها الجمهورية محل الملكية في ١٩٥٣،[3] ولكن تكمن الاستمرارية في محاولات إيجاد نوع من التماهي بين الدولة والشعب من خلال تنظيمات الحزب الواحد بدءا من هيئة التحرير ومرورا بالاتحاد القومي وانتهاءا بالاتحاد الاشتراكي، وإن كان أهم تجليها كان زعامة جمال عبد الناصر باعتبارها حبيب الملايين وممثل الجماهير الساعية نحو الاستقلال الوطني ثم النهوض الاقتصادي والاجتماعي ومناهضة الإمبريالية والصهيونية.
بيد أنه خلافا للتنظيمات المناهضة للوفد كمصر الفتاة والإخوان فإن نظام يوليو كان نتيجة لانقلاب من داخل أهم مؤسسة في الدولة المصرية وقتذاك ـ والآن ـ ممثلة في القوات المسلحة، ومن ثم كان المشروع السياسي معبرا عن هذه الدولة الآخذة في التشكل مع إجلاء البريطانيين وتوسع صلاحياتها لتشمل مناح متعددة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يفسر تحول المشروع السياسي إلى التأكيد على تماهي الدولة المصرية مع شعبها كما سبقت الإشارة، وإلى البحث عن كيانات وسيطة تصل الدولة هذه بشعبها إما من خلال شخص الزعيم أو من التنظيمات الحزبية المتصلة بالجهاز الإداري والأمني للدولة.
كانت مقتضيات هذا المشروع السلطوي هو إخلاء المجال العام من أي فاعلين مستقلين أيا كان توجههم وإخضاعه في المقابل للإدارة البيروقراطية والأمنية خاصة، وهو ما انطبق على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية في مصر منذ منتصف الخمسينيات من المدارس والجامعات إلى الشوارع والمقاهي والمساجد وغيرها من الأحواز التي أخضعت للرقابة ثم للإدارة الأمنية، وبمقتضى هذه الصيغة تم نفي السياسة ـ بمعناها الليبرالي والماركسي ـ من المجال العام، فمن وجهة النظر الليبرالية السياسة هي السماح بتعدد تمثيل المصالح وتنافسها بغية تحقيق الصالح العام، ومن وجهة النظر الماركسية فالسياسة هي الصراع بين ممثلي المصالح الطبقية المتضاربة، وفي كلتا الحالتين لم يكن للسياسة مكان في ظل دولة يوليو إذ أن البديل الذي تأسست عليه شرعية النظام وممارساته للحكم والسلطة كان الاصطفاف والوحدة، والتي تحولت من ائتلاف المصريين جميعا في الهوية والهدف كما كان الحال بعد ثورة ١٩١٩ إلى تماهي المصريين مع الدولة والتفافهم حولها، ولعل نفي السياسة هو الملمح الذي استمر بعد انتهاء فترة حكم عبد الناصر (١٩٥٤ـ١٩٧١) رغم التغيرات الكبيرة وربما الجذرية التي شهدتها السياسات الخارجية والاقتصادية، ما يجعل فترات حكم السادات ومبارك امتدادا مؤسسيا لنظام يوليو الناصري، وإن اختلفت القرارات والسياسات والتوجهات اختلافا كبيرا. وذلك على نحو يبرز نفاذ تحليل غالي شكري في كتابه الهام "الثورة المضادة في مصر" عندما تتبع سياسات الانفتاح الاقتصادي والتحول نحو الكتلة الغربية والسلام مع إسرائيل في عهد الرئيس السادات إلى الجناح اليميني في النظام الناصري عوضا عن تصورات الناصريين عن انقلاب ما أحدثه السادات ليأتي بما لم يأت به عبد الناصر من قبل.[4]
يمدنا تراث الوطنية المصرية من بعد التأسيس للجمهورية وحتى اللحظة الراهنة بتصورات وممارسات مؤسسية تفيد بأنه ليست هناك مساحة حقا للنشاط الحر للمواطنين المهتمين بشئون بلادهم العامة، مهما كان ولاؤهم ودرجة تأييدهم للدولة ولقيادتها، فخلافا لغيرهم من المواطنين القانعين بالانضمام لحزب الدولة (حال ما كان موجودا) أو لبعض الشبكات غير الرسمية المرتبطة بها، لتحصيل بعض المزايا والمكاسب فإن هؤلاء يهتمون حقا بمستقبل بلادهم، ويرغبون من هذه الزاوية في التعبير عن هذا والانخراط في نشاط "سياسي" ما بحكم الضرورة ـ كون السياسة في تعريف أرسطو الأولي هي الاهتمام بإدارة الشأن العام بغية الوصول لصالح الجميع، ومما يزيد الأمور تعقيدا أنه في مقابل مصادرة الدولة للسياسة بشتى أشكالها، فإن أجهزتها منذ الاستقلال وحتى اليوم تعمل على تنشئة المواطنين على الولاء للدولة وعلى الوطنية وتشجع على الاهتمام بالشأن العام، وتثني على من يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، وهو ما يحضر بقوة في العديد من الممارسات اليومية بدءا من التعليم الإلزامي ومرورا بالإعلام والتجنيد وفي خطب الجمعة.
وتسلمنا هذه التناقضات إلى مخرج واحد وهو تحول المواطنين الشرفاء هؤلاء إلى مخبرين للدولة يساعدون أجهزتها الأمنية على إدارة المجال العام بتصفيته وتنقيته من أي مظاهر للسياسة، ومن أي إشارة للتعدد الذي يخرج عن تعريف الدولة للهوية الوطنية الجامعة، والتي تضيق بالتعدد والتنوع بحكم التعريف، ويكون المواطن مخبرا هنا لا لأنه يشغل وظيفة أمنية ولا لأنه يتقاضى راتبا عن هذا أو يحقق مصلحة مباشرة إنما يكون هذا هو الطريق الوحيد للانشغال بالشأن العام وللتعبير عن وطنيته. ويتزايد هذا المنحى مع غياب عصر التنظيمات الحزبية التي تضطلع بجهود التعبئة والتلقين كما كان الحال مع تنظيمات الحزب الواحد التي انتهجها نظام عبد الناصر بدءا من هيئة التحرير ومرورا بالاتحاد القومي ثم الاتحاد العربي الاشتراكي، والتي كانت توفر مساحة للمواطنين لممارسة السياسة بالتعبير عن التماهي مع قرارات السلطة من ناحية، بالإضافة إلى الانخراط في إعادة توزيع الموارد من خلال شبكات زبونية بالأساس من ناحية أخرى. وهو ما لم يعد متوفرا اليوم في ضوء غياب أي قنوات أو ترتيبات تقوم بمهام التعبئة أو الحشد أو حتى الوساطة فيما يتعلق بالتوزيع غير الرسمي للموارد كما كان الحال في عصري السادات ومبارك بعد تفكك ما كان للنظام الناصري من تماسك أيديولوجي.
إن المواطن الحريص على الصالح العام إذن هو من يعمل في صمت ويساند جهود الدولة، وعلاوة على الأفعال غير السياسية كالاستمرار في الحياة اليومية والعمل بكد واجتهاد من أجل رفعة الوطن، فإن حيز الفعل السياسي المتاح هو مد يد العون للدولة للتغلب على خصومها من خلال تسليمهم أو الإبلاغ عنهم. ومن هنا جاز نعته بالمخبر العضوي ـ على غرار المثقف العضوي الذي تحدث عنه أنطونيو جرامشي، والذي يقوم بدوره في التوعية والتنظيم من منطلق موقعه الطبقي ـ ذلك أنه يقوم بدوره كمخبر من موقعه الاجتماعي، ومن باب وعيه بمكانه في الجماعة الوطنية، وبدوره كمواطن تجاه الدولة.
هوامش
[1] نشرت نسخة مبكرة من هذا المقال في "عالم الكتاب" في فبراير 2015.
[2] أحمد عبد الله رزة: تاريخ مصر بين المنهج العلمي والصراع الحزبي أعمال ندوة: الالتزام والموضوعية في كتابة تاريخ مصر المعاصر ١٩١٩ـ١٩٥٢ القاهرة ١٩٨٧ المحرر أحمد عبد الله رزه، ص ٣٩١.
[3] شريف يونس (2012) نداء الشعب: تاريخ نقدل للأيديولوجيا الناصرية. القاهرة: دار الشروق
[4] غالي شكري (1978) الثورة المضادة في مصر. بيروت: كتاب الأهالي رقم 15