ما الذي يجب القيام به للنهوض بتعبئة سياسية ناجحة لصالح صفقة خضراء عالمية جديدة - برنامج يتضمن تخفيضات الانبعاثات، ويوسّع مصادر الطاقة المتجددة، ويلبي احتياجات العمال المعرضين للخطر، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام والمتساوي؟ تحدث العالم السياسي سي جي بولكرينيو مع نعوم تشومسكي والخبير الاقتصادي روبرت بولين، الذي كان في طليعة المناضلين من أجل اقتصاد أخضر قائم على المساواة لأكثر من عقد، لمناقشة آفاق التغيير، والصلات بين المناخ وبين وباء COVID-19 ، وما إذا كانت الاشتراكية البيئية خياراً قابلاً للتطبيق لتعبئة الناس في النضال من أجل خلق مستقبل أخضر. تم اقتباس هذا الحوار من كتاب تشومسكي وبولين الجديد «أزمة المناخ والصفقة الخضراء العالمية الجديدة: الاقتصاد السياسي لإنقاذ الكوكب».
بولكرينيو: كيف تسلط جائحة الفيروس التاجي والاستجابة له الضوء على الكيفية التي يجب أن نفكر بها بشأن تغير المناخ وآفاق صفقة خضراء جديدة عالمية؟
تشومسكي: في وقت كتابة هذا التقرير، كان القلق بشأن أزمة COVID-19 مستنفداً بالكامل تقريباً. هذا مفهوم. إنها حالة خطيرة وتعطل الحياة بشدة. لكنها ستمر، وإن كان ذلك بتكلفة رهيبة، وسيكون هناك انتعاش. لن يكون هناك انتعاش من ذوبان الصفائح الجليدية في القطب الشمالي والعواقب الأخرى للاحتباس الحراري.
يواصل السوسيوباتيون "العدائيون المناهضون للمجتمع" المخلصون لتسريع الكارثة جهودهم بلا هوادة. وكما هو الحال، يفخر ترامب وحاشيته بقيادة السباق نحو الدمار. في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة بؤرة الوباء، وبفضل حماقتهم إلى حد كبير، أصدرت عصابة البيت الأبيض مقترحات الميزانية الخاصة بها. كما هو متوقع، تدعو المقترحات إلى تخفيضات أكبر في دعم الرعاية الصحية وحماية البيئة، وتفضل بدلاً من ذلك الجيش المتضخم وبناء سور ترامب العظيم. ولإضافة لمسة إضافية من السادية، "تعزز الميزانية" طفرة طاقة "الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة ، بما في ذلك زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والنفط الخام. وفي الوقت نفسه، ولتثبيت مسمار آخر في النعش الذي يعده ترامب وشركاؤه للأمة والعالم، أضعفت وكالة حماية البيئة التي تديرها الشركات معايير انبعاثات السيارات، مما أدى إلى تعزيز تدمير البيئة وقتل المزيد من الناس من التلوث. كما هو متوقع، تصطف شركات الوقود الأحفوري في طليعة قطاع الشركات الذي ينادي الدولة الحاضنة، وتناشد مرة أخرى الجمهور السخي لإنقاذها من عواقب أفعالها السيئة.
باختصار، لا هوادة في سعي الطبقات المجرمة وراء السلطة والربح، مهما كانت العواقب البشرية. وستكون هذه العواقب وخيمة إذا لم يتم التصدي لجهودها، وهزيمتها في الواقع، من قبل أولئك المعنيين بـ "بقاء البشرية ". ليس ثمة وقت لتصّنع كلمات في مجاملات في غير موضعها. إن "بقاء البشرية "معرض للخطر في مسارنا الحالي. لنقتبس مذكرة داخلية مسرIبة من جي بي مورجان تشيس، أكبر بنك في أمريكا، تشير على نحو خاص إلى سياسة الإبادة الجماعية للبنك المتمثلة في تمويل إنتاج الوقود الأحفوري.
من السمات المشجعة للأزمة الحالية ارتفاع عدد المنظمات المجتمعية التي تبدأ جهود المساعدة المتبادلة. يمكن أن تصبح هذه مراكز لمواجهة التحديات التي تعمل بالفعل على تآكل أسس النظام الاجتماعي. إن شجاعة الأطباء والممرضات، الذين يعملون في ظل ظروف بائسة فرضتها عقود من الجنون الاجتماعي والاقتصادي، هي إشادة بموارد الروح البشرية. ثمة طرق للمضي قدماً. لا يمكن السماح بانتهاء الفرص.
روبرت بولين: بالإضافة إلى الاعتبارات الأساسية التي أكد عليها نعوم، ثمة عدة طرق أخرى تتقاطع بها أزمة المناخ lu وباء فيروس كورونا. كان أحد الأسباب الكامنة وراء تفشي COVID-19 - بالإضافة إلى الأوبئة الحديثة الأخرى مثل إيبولا، وفايروس غرب النيل، وفيروس نقص المناعة البشرية - هو تدمير مواطن الحيوانات من خلال إزالة الغابات والتعدي البشري، فضلاً عن تعطيل المواطن المتبقية من خلال زيادة تواتر وشدة موجات الحر والجفاف والفيضانات.
كما كتبت الصحفية سونيا شاه في فبراير 2020، فإن تدمير المواطن يزيد من احتمالية أن الأنواع البرية "سوف تتواصل بشكل متكرر مع المستوطنات البشرية التي تتوسع في مواطنها الممزقة حديثاً. هذا النوع من الاتصال الحميم والمتكرر هو الذي يسمح للميكروبات التي تعيش في أجسامها بالعبور إلى أجسامنا، وتحويل الميكروبات الحيوانية الحميدة إلى مسببات الأمراض البشرية المميتة.
من المحتمل أيضاً أن يواجه الأشخاص الذين يتعرضون لمستويات خطيرة من تلوث الهواء عواقب صحية أكثر خطورة من أولئك الذين يتنفسون هواء أنظف. صرح آرون بيرنشتاين من مركز هارفارد للمناخ والصحة والبيئة العالمية أن "تلوث الهواء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخطر إصابة الناس بالالتهاب الرئوي والتهابات الجهاز التنفسي الأخرى وتفاقم المرض عند الإصابة بالالتهاب الرئوي.
وجدت دراسة أجريت على سارس، وهو فيروس وثيق الصلة بـ COVID-19، أن الأشخاص الذين استنشقوا هواءً ملوثاً كانوا أكثر عرضة للوفاة من الذين أصيبوا عن طريق العدوى بمقدار الضعف.
هناك نقطة منفصلة أثيرت خلال الأشهر الأسوأ لانتشار جائحة COVID-19 وهي أن الاستجابات في البلدان التي تعاملت على الفور مع الأزمة بشكل أكثر فعالية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، أظهرت أن الحكومات قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة و العمل الفعال في مواجهة الأزمة. كانت حصيلة الوفيات الناجمة عن COVID-19 في هذه البلدان ضئيلة، وعادت الحياة الطبيعية بعد فترة وجيزة من فرض الحكومات عمليات الإغلاق الأولية. وبالمثل، يمكن للتدخلات الحاسمة أن تتعامل بنجاح مع أزمة المناخ إذا ما توفّرت الإرادة السياسية القوية وكانت القطاعات العامة تتمتع بالكفاءة.
ثمة عناصر مهمة من الحقيقة في رؤى كهذه، ولكن يجب علينا أيضاً أن نكون حريصين على عدم المضي بعيداً في هذا الاتجاه. جادل بعض المعلقين بأن إحدى النتائج الإيجابية للوباء هي أنه بسبب الإغلاق الاقتصادي، انخفض استهلاك الوقود الأحفوري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون جنباً إلى جنب مع النشاط الاقتصادي الكلي خلال فترة الركود. في حين أن هذا صحيح، لا أرى أي دروس إيجابية هنا فيما يتعلق بالدفع ببرنامج انبعاثات قابل للتطبيق يمكن أن يقودنا إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. بدلاً من ذلك، توضح التجربة سبب عدم جدوى اتباع نهج خفض النمو للحد من الانبعاثات. لقد انخفضت الانبعاثات بشكل حاد بالفعل بسبب الوباء والركود. لكن هذا يرجع فقط إلى انهيار الدخول وارتفاع معدلات البطالة خلال نفس الفترة. هذا فقط يعزز الاستنتاج القائل بأن المسار الفعال الوحيد لاستقرار المناخ هو الصفقة الخضراء الجديدة ، لأنها الطريقة الوحيدة التي لا تتطلب انكماشاً جذرياً أو "تراجع نمو" الوظائف والدخل لخفض الانبعاثات.
من التطورات الإيجابية حقاً للوباء والركود أن النشطاء التقدميين في جميع أنحاء العالم حاربوا لإدراج استثمارات الصفقة الخضراء الجديدة في برامج التحفيز الاقتصادي في بلدانهم. من الضروري الاستمرار في دفع عجلة تطوير ونجاح هذه المبادرات.
ودعماً لهذه الغاية، يجب أن نفكر بجدية في كيفية تعظيم فوائد التحفيز قصيرة الأجل والتأثيرات طويلة الأجل لبرامج الصفقة الخضراء الجديدة. أعرف أهمية هذه الاعتبارات من التجربة الشخصية في العمل على مكونات الاستثمار الأخضر لقانون أوباما الأمريكي للتعافي وإعادة الاستثمار لعام 2009، حيث تم تخصيص 90 مليار دولار من إجمالي 800 مليار دولار لاستثمارات الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة. كانت المبادئ الأساسية التي قامت عليها مكونات الاستثمار هذه دقيقة، لكن الأشخاص الذين عملوا في البرنامج في مراحله المختلفة، بمن فيهم أنا لم يحسبوا بشكل كاف الوقت اللازم لتنفيذ العديد من المشاريع. كنا نعلم أنه من الضروري تحديد المشاريع "الجاهزة للتنفيذ" - تلك التي يمكن تنفيذها بسرعة على نطاق واسع وتوفر دفعة اقتصادية فورية. لكن عدداً قليلاً نسبياً من مشاريع الاستثمار الأخضر كانت جاهزة حقاً للتنفيذ في ذلك الوقت، إذ كانت صناعة الطاقة الخضراء لا تزال مؤسسة ناشئة حديثاً. لذلك، كان تراكم المشاريع الجديدة المهمة ضعيفاً. هذا التراكم أقل ضعفاً إلى حد ما اليوم.
هذا يعني أن الأشخاص الذين يصممون برامج تحفيز الصفقة الخضراء الجديدة يجب أن يحددوا المجموعة الفرعية لمشاريع الاستثمار الخضراء التي يمكن أن تبدأ بشكل واقعي في العمل على نطاق واسع في غضون أشهر. أحد الأمثلة الذي يجب أن يكون قابلاً للتطبيق في كل بلد تقريباً هو التعديلات التحديثية لكفاءة الطاقة في جميع المباني العامة والتجارية. قد يستلزم هذا تحسين العزل، وختم إطارات النوافذ والأبواب، وتحويل جميع المصابيح الكهربائية إلى مصابيح LED، واستبدال أنظمة التدفئة وتكييف الهواء القديمة بأخرى فعالة (يفضل مضخات الحرارة). يمكن لهذه البرامج أن تولّد بسرعة عدداً كبيراً من الوظائف للأمناء وسائقي الشاحنات والمحاسبين وعمال البناء ومهندسي المناخ. يمكنها أيضاً توفير الطاقة وتقليل الانبعاثات بسرعة وبتكلفة منخفضة نسبياً. بناء على مثل هذه المشاريع الجاهزة بالفعل، يمكن لبقية برنامج الاستثمار في الطاقة النظيفة أن تتسارع بعد ذلك وتوفر أساساً قوياً للاقتصادات التي تنتقل من الركود إلى مسار الانتعاش المستدام.
بولكرينو: أصبحت الاشتراكية البيئية عقيدة رئيسية في المراجع الأيديولوجية للأحزاب الخضراء في البلدان الأوروبية وأماكن أخرى، والتي قد تكون السبب وراء جاذبيتها المتزايدة للناخبين وخاصة الشباب. هل الاشتراكية البيئية مشروع سياسي متماسك بما يكفي لأخذها على محمل الجد كبديل من أجل المستقبل؟
تشومسكي: بقدر ما أفهم الاشتراكية البيئية - ليس بعمق كبير- فهي تتداخل بشكل كبير مع التيارات الاشتراكية اليسارية الأخرى. ومع ذلك، لا أعتقد أننا في مرحلة يكون فيها تبني "مشروع سياسي" معين مفيداً للغاية. هناك قضايا حاسمة يجب معالجتها الآن. يجب أن تسترشد جهودنا بنوع المجتمع المستقبلي الذي نريده، والنوع الذي يمكن بناؤه داخل مجتمعنا الحالي. من الجيد أن تُناقش مواقف محددة حول المستقبل بتفاصيل أكثر أو أقل، ولكن في الوقت الحالي يبدو لي أن هذه هي أفضل الطرق لصقل الأفكار بدلاً من البرامج التي يجب الالتزام بها.
ذريعة جيدة يمكن تقديمها مفادها أن السمات المتأصلة للرأسمالية تؤدي بلا هوادة إلى تدمير البيئة، وأن إنهاء الرأسمالية يجب أن يكون من أولويات الحركة البيئية. لكن هناك مشكلة أساسية واحدة في هذه الحجة: المقاييس الزمنية. إن تفكيك الرأسمالية أمر مستحيل في الإطار الزمني المتاح لدينا لاتخاذ إجراءات عاجلة، الأمر الذي يتطلب تعبئة وطنية ودولية إذا أردنا تجنب أزمة حادة.
علاوة على ذلك، فإن النقاش برمته حول الاشتراكية البيئية مضلل. المجهودان - تفادي كارثة بيئية، وتفكيك الرأسمالية لصالح مجتمع أكثر حرية وعدالة - ينبغي ويمكنهما المضي قدما بالتوازي. أحد الأمثلة على ذلك هو جهود توني مازوتشي لتشكيل تحالف عمالي لا يتحدى سيطرة المالك والإدارة في مكان العمل فحسب، بل يكون أيضاً في طليعة الحركة البيئية أثناء محاولته إضفاء الطابع الاجتماعي على القطاعات الرئيسية في الصناعة الأمريكية. ليس هناك وقت نضيعه. يجب أن يتم النضال ويمكن أن يتم على جميع الجبهات.
بولكرينو: بوب، هل يمكن للاشتراكية البيئية أن تتعايش مع مشروع الصفقة الخضراء الجديدة برأيك؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما نوع الأجندة السياسية الأيديولوجية التي قد تكون مطلوبة لتوليد مشاركة سياسية واسعة في النضال من أجل خلق مستقبل أخضر؟
بولين: من وجهة نظري، وبعيداً عن تفاصيل الخطاب والتشديد، فإن الاشتراكية البيئية والصفقة الخضراء الجديدة هي في الأساس نفس المشروع. توفر الصفقة الخضراء الجديدة، كما ناقشنا المصطلح، الطريق الوحيد لتحقيق استقرار المناخ الذي يمكنه أيضًا توسيع فرص العمل الجيدة ورفع مستويات المعيشة في جميع مناطق العالم. إنه يحدد بديلاً واضحًا وقابلاً للتطبيق لاقتصاديات التقشف على نطاق عالمي. لقد عملت أنا وزملائي على هذه المسألة - تطوير الصفقة الخضراء الجديدة كبديل لاقتصاديات التقشف - في بيئات دول مختلفة على مدار السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك إسبانيا وبورتوريكو واليونان. من وجهة نظري، فإن الصفقة الخضراء الجديدة هي النهج الوحيد لاستقرار المناخ القادر أيضاً على مواجهة التفاوت وهزيمة النيوليبرالية العالمية والفاشية الجديدة المتصاعدة.
لا أعرف بالضبط ما يمكن أن تعنيه الصفقة الخضراء الجديدة ما وراء "الاشتراكية البيئية". هل تعني الإطاحة بكل الملكية الخاصة للأصول الإنتاجية لصالح الملكية العامة؟ كما اقترح نعوم، هل يعتقد الناس بجدية أن هذا يمكن أن يحدث في الإطار الزمني الذي يجب أن نثبت فيه المناخ، أي في أقل من ثلاثين عاماً؟ وهل نحن على يقين من أن القضاء على الملكية الخاصة سيكون عملياً أو مرغوباً فيه من وجهة نظر العدالة الاجتماعية، أي من وجهة نظر النهوض برفاهية الطبقة العاملة العالمية والفقراء؟ كيف نتعامل مع حقيقة أن معظم أصول الطاقة في العالم مملوكة ملكية عامة بالفعل؟ كيف يمكننا، بشكل أكثر تحديداً أن نكون على يقين من أن الانتقال إلى الملكية العامة الكاملة سيؤدي بحد ذاته إلى انبعاثات صافية صفرية بحلول عام 2050؟ يتمثل التحدي الأكبر، بالنسبة لي، في محاولة فهم المسارات البديلة لبناء مجتمعات مساواة وديمقراطية ومستدامة بيئياً بشكل أكثر فاعلية - وضع جميع المسميات جانباً والاستعداد كما أصر ماركس نفسه، لتوظيف "نقد لا يرحم" تجاه كل المعطيات، بما في ذلك جميع التجارب السابقة مع الشيوعية والاشتراكية. والانفتاح، في هذا الصدد، على انتقاد جميع الكتاب، بمن فيهم ماركس نفسه. في الواقع، اقتباسي المفضل من ماركس هو "أنا لست ماركسياً".
لقد تطرقنا بشكل موجز فقط إلى "حدود الكوكب" إلى جانب أزمة المناخ، بما في ذلك تلوث الهواء والماء، فضلاً عن خسائر التنوع البيولوجي. أفهم أن الحركة الاشتراكية البيئية تولي اهتماما كبيراً لهذه القضايا البيئية الحاسمة. أشاركهم مخاوفهم وأرحب بتركيزهم على هذه القضايا. لقد ركزنا هنا على أزمة المناخ لسبب بسيط هو أنها المسألة الأكثر إلحاحاً.
بولكرينو: تنمو حركة العصيان المدني في أوروبا، بقيادة متظاهري تمرد الانقراض كاستراتيجية لمعالجة أزمة المناخ وخلق عالم عادل ومستدام، على قدم وساق، خاصة بين الشباب، ولكن يبدو أيضًا أنها تزعج العديد من المواطنين وقد تستعدي الجمهور العام أيضاً. نعوم، هل يمكنك أن تشاركنا بأفكارك حول استراتيجية العصيان المدني الجماعي كطريقة للتعامل مع حالة الطوارئ المناخية؟
تشومسكي: لقد انخرطتُ في العصيان المدني لسنوات عديدة، وأحياناً بشكل مكثف، وأعتقد أنه تكتيك معقول - أحياناً. لا ينبغي تبنيه لمجرد شعور المرء بقوة تجاه هذه القضية ويريد عرض ذلك على العالم. قد يكون هذا التكتيك مناسباً، لكنه ليس كافياً. من الضروري النظر في العواقب. هل تم تصميم العمل بطريقة تشجع الآخرين على التفكير والفهم والانضمام؟ أم أنه من المرجح أن يثير العداء و الغضب، ويدفع الناس إلى دعم الشيء نفسه الذي يتم الاحتجاج عليه؟ غالباً ما يجري الحط من شأن الاعتبارات التكتيكية - "هذا للعقول الصغيرة ، وليس لرجل جاد ذي مبادئ مثلي". الأمر على النحو المعاكس تماماً. للاعتبارات التكتيكية عواقب بشرية مباشرة. إنها مصدر قلق عميق. لا يكفي التفكير "أنا على حق، وإذا لم يتمكن الآخرون من الرؤية، فهذا أمر سيء للغاية بالنسبة لهم" غالباً ما تسبب هذه المواقف ضرراً جسيماً.
لكني لا أعتقد أن هناك إجابة عامة على سؤالك. يعتمد ذلك على الظروف وطبيعة الإجراء المخطط له والعواقب المحتملة بأفضل ما يمكننا التأكد منها.
بولكرينو: بوب، ما هو موقفك من هذا السؤال؟
بولين: أود فقط أن أضيف أنه ينبغي النظر بجدية في أي تكتيك وكل التكتيكات التي قد تقربنا من حل أزمة المناخ. وهذا يشمل العصيان المدني. لكن علينا أيضاً أن ننظر في الآثار السلبية لنجاح العصيان المدني. على سبيل المثال، إذا تم إغلاق الطرق أو أنظمة النقل العام في أيام الأسبوع، فلن يتمكن الأشخاص من الذهاب إلى العمل، ولا يمكن للآباء اصطحاب أطفالهم إلى الحضانة، ولا يمكن للمرضى الوصول إلى مكتب الطبيب. مثل هذه العواقب ستعزز فقط وجهة النظر الموجودة بالفعل - سواء كانت عادلة أو غير عادلة - بأن نشطاء المناخ لا يهتمون بحياة الناس العاديين. الإجراءات التي تعزز هذا الرأي لدى عامة الناس كارثية من الناحية السياسية.
كما هو الحال، يتم تعزيز هذا الرأي بالفعل عندما لا يُظهر نشطاء المناخ التزاماً حقيقياً ببرامج الانتقال للعمال والمجتمعات التي ستتضرر من إغلاق صناعة الوقود الأحفوري. يتم تعزيز هذا الرأي بشكل أكبر عندما يفضل نشطاء المناخ ضرائب الكربون دون خصومات بنسبة 100 في المائة لمعظم السكان، بدءاً من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض. هذه الحسومات تعوض الناس عن الزيادات في تكلفة المعيشة التي سيواجهونها ببساطة من خلال قيادة سياراتهم أو استخدام الكهرباء في منازلهم. إن حركة السترات الصفراء التي ظهرت في فرنسا في عام 2018 لمعارضة مقترحات ضريبة الديزل التي أقرها الرئيس إيمانويل ماكرون الأصم كلياً هي أحد الأمثلة الواضحة هنا.
يجب بالتأكيد إدراج العصيان المدني كتكتيك إذا اتضح أنه سيكون فعالاً حقاً. أعني بكلمة "فعال" أنه من المفيد النهوض بمشروع الصفقة الخضراء الجديدة القادر على تحقيق اقتصاد عالمي خالٍ من الانبعاثات بحلول عام 2050.
بولكرينو: كما ناقشنا، لا تزال النيوليبرالية مهيمنة، بل إن الحركات الاجتماعية الفاشية الجديدة الأكثر خطورة آخذة في الصعود. في هذا السياق، لا تبدو آفاق تنشيط الناخبين من أجل المطالبة بمستويات أساسية من التعبئة السياسية لمواجهة أزمة المناخ واعدة بشكل خاص. في الواقع، يبدو أن الشباب هم الذين يصرون بشكل أساسي على معالجة تغير المناخ بمستوى الإلحاح الذي يتطلبه. في هذا السياق، ما رأيك بشأن الوقت الذي سيستغرقه تغيير الأمور ورفع مستوى تغير المناخ إلى قمة جدول الأعمال العام في جميع أنحاء العالم؟ نعوم، لنبدأ معك.
تشومسكي: أصبح من الصعب تقريباً هذه الأيام الاستشهاد بملاحظة غرامشي، من سجن موسوليني، أن "القديم يحتضر والجديد لا يمكن أن يولد؛ في هذه الفترة الفاصلة، تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية.
قد تظل النيوليبرالية تعويذة النخبة المهيمنة، لكنها مترنحة بشكل واضح. لقد أحدثت تأثيراً قاسياً على عامة الناس في كل مكان تقريباً. في الولايات المتحدة، يمتلك ما يقرب من نصف السكان صافي ثروة سلبية، بينما يمتلك 0.1 في المئة أكثر من 20 في المائة من الثروة – بقدر ال 90 في المائة الأدنى على السلم الاجتماعي. علاوة على ذلك، يتزايد تركيز الثروة الفاحشة جنباً إلى جنب مع تأثيره المباشر على تدهور الديمقراطية والرفاهية الاجتماعية. في أوروبا، التأثير أسوأ من بعض النواحي، حتى لو تم تخفيفه إلى حد ما ببقايا الديمقراطية الاجتماعية. والأعراض المرضية في كل مكان: الغضب؛ الاستياء؛ صعود العنصرية وكراهية الأجانب وكراهية أكباش الفداء (المهاجرين والأقليات والمسلمين، إلخ)؛ ظهور الديماغوجيين الذين يؤججون هذه المخاوف ويستغلون الأمراض الاجتماعية التي تظهر في أوقات الفوضى واليأس؛ وعلى الساحة الدولية، ظهور دولي رجعي برئاسة البيت الأبيض يضم شخصيات مثل جاير بولسونارو، ومحمد بن سلمان آل سعود، وعبد الفتاح السيسي، وبنيامين نتنياهو، وناريندرا مودي، وفيكتور أوربان، وغيرهم. لكن مثل هذه الأعراض المرضية يقابلها النشاط المتزايد. الجديد لم يولد بعد، لكنه يظهر بطرق عديدة معقدة وليس من الواضح ما هو الشكل الذي سيتخذه. ثمة الكثير مما لا يمكن التنبؤ به، لكن ثمة بعض الأشياء التي يمكننا أن نقولها بثقة: إن لم يواجه الجديد الذي يتمخض التهديدين الوشيكين للبقاء - الحرب النووية والكارثة البيئية - ويفعل ذلك بسرعة وبقوة، فلن يكون مهماً ماذا يحدث أيضاً.
بولكرينو: بوب، ما هي أفكارك حول هذا الموضوع؟
بولين: سأبدأ بقول مأثور آخر من أنطونيو غرامشي: "تشاؤم العقل؛ تفاؤل الإرادة ". أي، إذا أخذنا علم المناخ على محمل الجد ثم فحصنا وضع العالم اليوم، فإن احتمالات قيامنا بتحريك العالم إلى مسار استقرار مناخي قابل للحياة - على وجه التحديد، الوصول إلى الهدف المعلن للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المتمثل في صفر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 - ضعيفة في أحسن الأحوال. من ناحية أخرى، أن نستدعي مقولة مارجريت تاتشر الشهيرة، "ليس ثمة بديل" لفعل كل ما هو ممكن لتحقيق هذه الأهداف.
فيما يتعلق "بتفاؤل الإرادة"، يمكننا أن نشير إلى المد المتزايد بسرعة للنشاط المناخي الذي حقق اختراقات كبيرة. ومن المؤكد أن هذا يشمل الإضراب العالمي للمناخ في سبتمبر 2019، بقيادة المراهقة السويدية الرائعة جريتا ثونبرج. تشير التقديرات إلى مشاركة ما بين 6 و7.5 مليون شخص في 4500 موقع في 150 دولة.
يعكس الإضراب من أجل المناخ تطورات مهمة بنفس القدر، وإن كانت أقل وضوحاً، حول العالم. أحد الأمثلة على ذلك هو الحركة الناجحة في دول غرب البحر الأبيض المتوسط ، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، لحظر التنقيب عن النفط والغاز الجديدين والتنقيب فيهما، فضلاً عن التخلص التدريجي من المشاريع القائمة. بدأت هذه الاختراقات السياسية الأخيرة في حوالي عام 2016. في إسبانيا، من عام 2010 إلى عام 2014 - حيث كانت البلاد تعاني في ذلك الوقت من توابع الأزمة المالية العالمية والركود العظيم - وقع المسؤولون الحكوميون أكثر من مائة تصريح مع شركات النفط لبدء عمليات استكشاف جديدة ومشاريع الحفر في جميع أنحاء البلاد. لكن النشطاء البيئيين وحدوا جهودهم مع أصحاب الأعمال في صناعة السياحة لشن مقاومة ناجحة ضد تطوير الوقود الأحفوري كخطة للتعافي الاقتصادي. كانت جهود الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال فتح البلاد للتنقيب عن النفط والحفر "حلماً سيئاً"، على حد تعبير مسؤول بلدي من جزيرة إيبيزا الإسبانية. قال: "لحسن الحظ استيقظنا".
هذا النوع من النشاط المناخي الشعبي في جميع أنحاء أوروبا الغربية أدى أيضاً إلى قيام المفوضية الأوروبية رسمياً بإنشاء مشروع الصفقة الخضراء الأوروبية. والهدف الأسمى هو أن تحقق القارة بأكملها هدف اللجنة الدولية للتغيرات المناخية "IPCC"[1] المتمثل في صافي انبعاثات صفرية. اعتباراً من أوائل عام 2020، صوتت الهيئات التشريعية في الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي لتأييد المشروع. بالطبع إصدار الهيئات التشريعية للقرارات مهمة سهلة. ما إذا كان لدى المقيمين الأوروبيين الإرادة لمتابعة هذه الالتزامات يظل سؤالاً مفتوحاً.
تكتسب حركات مماثلة زخماً في الولايات المتحدة، على الرغم من إنكار الرئيس دونالد ترامب المهين للمناخ. في يونيو 2019، أقرت ولاية نيويورك مجموعة الأهداف المناخية الأكثر طموحاً في البلاد، بما في ذلك الكهرباء الخالية من الكربون بحلول عام 2040 واقتصاد انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050. تتبع مبادرة نيويورك تدابير مماثلة، وإن كانت تدابير أقل طموحاً إلى حد ما حتى الآن، في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن وكولورادو ونيو مكسيكو ومين. أحد العوامل الرئيسية في هذه التطورات على مستوى الولايات المتحدة هو المشاركة المتزايدة للحركة العمالية الرئيسية. تولى أعضاء الاتحاد أدوارًا قيادية رئيسية في بعض الحالات. تحتاج هذه التدابير على مستوى الدولة الآن إلى دمج برامج انتقالية كبيرة وعادلة للعمال والمجتمعات التي تعتمد سبل عيشها حاليًا على صناعة الوقود الأحفوري. يواجه هؤلاء الأشخاص والمجتمعات ضربات كبيرة لمستويات معيشتهم في غياب برامج انتقالية سخية. من خلال تبني اعتبارات الانتقال العادلة ووضعها في واجهة حركة المناخ، تبني النقابات على إرث زعيم العمال صاحب الرؤية توني مازوتشي الذي ناقشه نعوم سابقاً.
تظل التحركات المناخية عند مستويات متواضعة في معظم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ولكن هناك فرصة معقولة ستتغير بسرعة. يتزايد النشاط، جنبًا إلى جنب مع التحالفات بين دعاة حماية البيئة والمجموعات العمالية وقطاعات الأعمال. أحد أسباب التعبئة هو أن تلوث الهواء يجعل جميع المدن الرئيسية تقريبًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل غير صالحة للعيش، بما في ذلك دلهي ومومباي وشنغهاي وبكين ولاغوس والقاهرة ومكسيكو سيتي. أمان شارما، شاب ناشط في إضراب المناخ في دلهي، قال لصحيفة الغارديان في سبتمبر 2019، "نحن هنا لاستعادة حقنا في الحياة، وحقنا في التنفس وحقنا في الوجود، وهو ما حرمنا منه جميعاً بسبب عدم كفاءة نظام سياسي يعطي مزيداً من الاحترام للأهداف الصناعية والمالية بدلاً من المعايير البيئية".
من العوامل الحاسمة في دفع هذه الحركة، في البلدان النامية وغيرها، إظهارها كيف يتزامن استقرار المناخ مع توسع فرص العمل اللائق، ورفع مستويات المعيشة الجماعية، ومكافحة الفقر في جميع مناطق العالم. يجب الاعتراف بهذا على أنه الاقتراح الأساسي الذي تقوم عليه الصفقة العالمية الخضراء الجديدة. لذلك يجب فهم التقدم في صفقة خضراء جديدة عالمية قابلة للحياة على أنها الوسيلة التي يتم من خلالها إحياء "تفاؤل الإرادة" في تحديد الاقتصاد السياسي لإنقاذ الكوكب.
[ترجمة أزدشير سليمان. نشر الحوار بالإنكليزية في بوسطن ريڤيو]
[1] اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة وتتألف من ثلاثة آلاف من علماء المناخ، وماسحي المحيطات وخبراء الاقتصاد وغيرهم. وهي الجهة العلمية النافذة في مجال دراسة الاحتباس الحراري وتأثيراته.
تأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عام 1988 لتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات الاستجابة لهذا التغير. وهي هيئة علمية تقوم باستعراض وتقييم أحدث المعلومات العلمية والفنية والاجتماعية – الاقتصادية المتوافرة في كافة أنحاء العالم ذات الصلة بفهم تغير المناخ.
وقد قامت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منذ إنشائها بإعداد خمسة تقارير للتقييم. كما حازت جائزة نوبل للسلام لعام 2007م مناصفة مع آل غور بسبب مجهودتها في دراسة ظاهرة الاحتباس الحراري.