نعرف جميعاً مواقف ترامب المنحازة حين يُقتَل المدنيون الأبرياء. فهو دائماً مع القاتل. يصفّق له ويدافع عنه ويعفو عنه عند الضرورة. سواء كان القاتل من النازيين الجدد، في تشارلوتسفيل، أو من الشرطة في منيابولس، أو من المرتزقة في بغداد. كان عفو ترامب عن أربعة من مرتزقة بلاكووتر الذين أدينوا بقتل ١٤ مدنياً في مجزرة ساحة النسور عام ٢٠٠٧ مخزياً، لكنه لم يكن مفاجئاً البتة. فليست هذه أول مرة يعفو فيها ترامب عن شخص أدين بارتكاب جرائم حرب. فقد أصدر قبل عام عفواً عن إيدي غاليغر، الذي أدين بارتكاب جرائم حرب بشعة ضد المدنيين في الموصل. ولم يكتف بذلك، بل دعاه، فيما بعد، هو وزوجته لزيارته في مارالاغو.
في عالم ترامب، حين يقرّر الرجل الأبيض، المتعطّش لاستخدام سلاحه (سواء كان يرتدي بزة رسمية أم لا) إطلاق الرصاص القاتل، فإنه إنما يقوم بواجبه. ويُصوّرُ أولئك الذين كانوا يقفون في مرمى ماسورته على أنهم برابرة أومجرمون. وصف مؤسس شرك بلاكووتر، إيرك برنس، العراقيين بأنهم برابرة. وهكذا فالعفوعمّن يضغط على الزناد متوقع. ليصبح المجرمون الضحايا الجديرين بالتعاطف.
حدثت مجزرة ساحة النسور في سياق حرب العراق. وهي ليست استثناء، بل واحدة في قائمة طويلة من المذابح التي اقترفت ضد المدنيين العراقيين. من قتل ٤٥ شخصاً في حفلة عرس في مكر الديب في ٢٠٠٤، إلى مذبحة حديثة عام ٢٠٠٥، إلى اغتصاب وحرق عبير قاسم الجنابي وقتل عائلتها في المحمودية عام ٢٠٠٦ وغيرها. وكل هذه اقترفها جنود نظاميون لا مرتزقة. لقد كتبتُ سابقاً عن أن الحرب بأكملها كانت جريمة هائلة، وليست «خطأ» أو «هفوة» كما يقال في الولايات المتحدة.
من السهل أن يُدان ترامب، لكن هل لحيوات العراقيين أي قيمة لمعظم الذين سيدينون عفو ترامب؟ لم تكن لحيوات العراقيين أي قيمة لدى صقور الحرب في عهد بوش الذين قرعوا طبول الحرب وهللوا لها، ولكنهم عادوا للظهور مؤخراً بزي جديد ليكونوا في صفوف المعارضة في زمن ترامب. كما لم تكن لحيوات العراقيين أي قيمة تذكر لدى الكتاب والمثقفين الليبراليين الذين انضموا إلى جوقة الحرب ورددوا بببغاوية تنويعات على الخطاب الرسمي قبل وأثناء الحرب من منصاتهم. وكان معظم بل أغلب هؤلاء قد غضوا النظر عّما سمّته الباحثة الأمريكية جوي غوردون الحرب اللامرئية. وأعني بذلك أقسى حصار اقتصادي في العصر الحديث، والذي فرضته الولايات المتحدة وبريطانيا، وقتل مئات الآلاف من المدنيين العراقيين طوال التسعينيات. لكن الهدف كان «يستحق كل ذلك» كما أكدّت مادلين آلبرايت، ممثلة إدارة كلنتون في الأمم المتحدة آنذاك، ذات مرة.
لقد تم العفو عن كل الذين خططوا ونفذوا وشنوا الحروب ضد العراق منذ سنوات. فهم يظهرون علناً في زمن ترامب وقد تخلّصوا من أعباء قراراتهم وأفعالهم الكارثية. بل إن ظهورهم على الملأ يثير حنين الليبراليين إلى زمن كانت الأمور فيه «مهذّبة» و «طبيعيّة». وواحد من الأمثلة الكثيرة هو العواطف الجيّاشة التي أثارها إعطاء جورج بوش قطعة حلوى لميشيل أوباما في جنازة السيناتور جون مكاين.
في خضم الغضب والصدمة التي أثارها عفو ترامب عن مجرمي الحرب، فلنتذكر أن هناك الكثير من الحصّانة والعفو، لا عن الذين ضغطوا على زناد أسلحتهم وقتلوا العراقيين الأبرياء فحسب، بل عن الذين ضغطوا على زناد الحرب أصلاً.
[نشرت في صفحة الرأي في جريدة واشنطن بوست. ترجمها الكاتب]