تتّسم القصائد التي اخترناها هنا للشاعر الأميركي كوس كوستماير باستلهام روح الاحتجاج والرفض والتي تُخْرج القصيدة الأميركية من عزلتها الشكلية والتجريبية وتفتحها على جمهور أوسع. وفيها يتحرك كوس كوستماير دوماً ضد الحدود وخارجها، منتقداً الإرهاب العسكري، والتكنولوجيا التي وُظفت لصالح الشر، والنزعة العنصرية والاستعلائية وعبادة السلطة والدمار الذي يمكن أن يسببه غرور السلطة وعماها للبشرية. لكن رغم الصورة العدمية التي تتشكل في العالم، تبحث القصيدة عن بصيص أمل في الظلام والركام وأرض خراب العالم، وتعثر عليه في قصيدة مترجمة من لغة أخرى، أو في مقطوعة موسيقية، أو في وجه بشري يتساقط عليه الضوء، أو في أزهار بيضاء تبدو كالغيوم بين يدين تنويان تقديمها كهدية، أو في مطر صباحي جميل، أو في الاحتفاء بعشق امرأة استثنائية، وفي عناق للآخر وتضامن معه، يخرج الذات من شرنقة عزلتها داخل الحدود القومية ويدفعها إلى عناق أكثر كونية.
هذه هي الأفكار التي تسكن بعض قصائد كوس كوستماير، وتشغل ذهنه، وهو يقف إلى جانب قوة الحياة ضد كل ما يدفع بها إلى هاوية الظلام والكآبة.
كوس كوستماير ألف العديد من المسرحيات التي عُرضت في أرقى المسارح الأميركية والأوربية، وله في الشعر الدواوين التالية: ”سرير الزواج“، ”العام الذي اختفى فيه المستقبل“، ”دون عنوان“ (قيد الصدور)، أما في الرواية فله ”دين مفقود“، ”سياسة اللامكان“، و“جادة الأيام الحزينة“، ورواية ”فارغو بيرنز“.
القصائد المختارة
زيارةٌ مسائية مع محمود درويش ومارثا
فيما كنتُ أقرأُ أشعارَ محمود درويش غفوتُ وحلمتُ بهضاب فلسطين البعيدة:
كم أزهرت على نحو ساحرٍ في الكلمات التي تركها خلفه!
حين استيقظتُ شاهدتُ زوجتي في حديقة المنزل تقطف حبقاً ونعناعاً ووروداً برية لصديقٍ. كان الضوءُ الساقط على وجهها في ذلك الصيف برهاناً كافياً لي أن كل الهندسة الرحبة والسريعة للزمان والمكان كلمةٌ أخرى للحب.
ماتَ محمود درويش في المنفى. يعيشُ الآن إلى الأبد في مكانٍ المطرُ فيه نادرٌ واللغةُ عريقةٌ والفهود الذين يركبون ريح إنجازاته سيباركون النمر والحمل.
يعيشُ محمود درويش إلى الأبد في أرض العسل والملح والحجر.
يعيشُ في الماء والعمل والخوف.
يعيشُ إلى الأبد في الضوء المتغيّر الذي قادَ زوجتي عبْر الحديقة وهي تحمل غيوماً من الأزهار بين يديها.
خيّم الليلُ بسرعة وفجأة توحّدتْ جميع ألوان السماء (النبيذي الذي بلون الدم، الأبيض الفضي، النحاسي والأسود البرّاق) كي تضع الظلام على النار.
السماوات العالية شعّتْ فوقنا. توهّجت كبساتين مشتعلةٍ في هضاب فلسطين، كبيوتٍ مقصوفةٍ وفارغةٍ في أرض إبراهيم.
الكتاب
ما الذي حدثَ للكتاب؟
اعتدتُ سماعه يتحدّث مع نفسه
وهو يسير في الشارع
محاطاً بالأطفال.
في صباحات أيام الأحد
كنا نُحْضر للكتاب أباريق ماء بارد
وأرغفةَ خبزٍ طازجة
متوسلين إليه من أجل
قصة أو قصيدة أو أغنية.
بعد أن يتغذّى على امتناننا
يرفعنا الكتاب إلى أعلى
يضعنا في الريح
ويحملنا بعيداً إلى أرضِ
حكاياتٍ طويلة وأناشيد مقدسة.
لم نرغب بالعودة إلى البيت أبداً.
الآن يختبئُ الكتابُ في زقاق
كبائعٍ متجول أمامه كوبٌ مكسورٌ
يتوسّل من أجل كسرة خبز.
في السابق اعتاد أن يحلّق
لكنه الآن يعرج عبر الصحراء كطائر جريح
وتتسرّب من منقاره المكسور كلمة: ”الرحمة!“
نشيد وطني في مزاج نغم أزرق (1)
نغنّي لليل ونحن نعبرُ الجليد إلى لا مكان.
نحملُ ثقلاً أبيض.
قال أحدهم: هناك بعض التفاحات الفاسدة في العنقود لكنك تشعر
أن البستان كله فاسد.
نثقُ بالأشجار طالما لا تتحدثُ الإنجليزية معنا.
نسعى إلى الزمن الذي سبَقَنا حين تُصبحُ الأيامُ التي خلفنا عمياء.
نستأصلُ مدائحنا بالفأس من الأعماق.
نذهبُ بعيداً جداً كي نموت قريباً.
نحثُّ الخطى بكل بوصة من دمنا
ونموتُ عالياً جداً حيث لا تستطيعون النيل منا.
نفكّر بالمكان الذي نقدر أن نتنظّم فيه،
ونزهر حيث نستطيع.
قليلٌ من الموسيقى يعني أننا سلخنا جلد الأفعى.
قليلٌ من الموسيقى يعني أننا نتعلّم البكاء
قليلٌ من الموسيقى يعني أن النهار وشيك
قليل من الموسيقى يعني أن الناس يسيرون على الماء
حيث المذبحة لا تنطقُ أبداً.
من الكائنات العارية التي تخطو في رحم أمك؟
من بنى الأقفاص على الهضبة؟ من شيّد صروح الجريمة هذه؟
في الظلام ننامُ وأعيننا مستيقظة، وحين ننهضُ نغني لليل.
نَحفظُ عن ظهر قلب زُمَرَ دمنا. ندرسُ الجير الحي في نظراتكم.
نزرعُ نباتاتنا الخضراء في تربة خصبة ونُبقي فؤوسنا حادة ونظيفة.
قليلٌ من الموسيقى يعني الصلاة من أجل السلام.
قليلٌ من الموسيقى يعني أن تختار مصيركَ.
قليلٌ من الموسيقى يعني أن تُحْضر النار.
قليلٌ من الموسيقى يعني أن الوقت هو الآن.
قليلٌ من الموسيقى يعني أننا لن ننتظر.
هاملت يُنشد النشيد الوطني
شيءٌ ما غير عادي، شيءٌ ما يائسٌ
في الدماغ النائم
أوقظ فيَّ خوفاً مفاجئاً
وقذفني خارج الأمان
كحجرٍ في مقلاع
فاستيقظتُ مجفلاً في الظلام.
الأسوار ذاتُ الفتحات كئيبةٌ الليلة.
الريحُ صاخبةٌ حول القلعة
واحتمالُ الراحة بعيد.
أمس، في البلدة
فتاةٌ شابة جمالها خارقٌ
عُلقت من عنقها وشُنقت حتى الموت
من أجل جريمة لم تقترفْها.
يقولون: هذا يحدث دوماً،
يقولون: هناك شيء شرير،
شيء متعفّن في الدولة.
في الليل أسيرُ في صالات القلعة
وأنتظرُ الله أو إنساناً أو الخوف
كي أمنح معنى لحزني.
أتساءل غالباً حول مهرجان العنف والتقوى
الذي يقرّر مصيرنا. أعرفُ أن وقت الهجوم قد حان
ومع ذلك أسأل نفسي بشكل متكرر: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
الريحُ مليئةٌ الليلة بأخبار سيئة
لجميع من يفكرون بطبيعة العالم
أو يقفون بيدين فارغتين خارج أسوار القصر.
أستلقي غير قادر على النوم وأتساءلُ عن مجيء النهار.
هناك تنين على البوابة. هناك رجل آلي على الباب.
في قلبي، أصلّي أن يكون الوقت مبكراً، وفي ذهني أعرف أنه تأخر.
هذه المرأة: أغنية أخرى لمارثا
تدفنُ هذه المرأة بذوراً في التربة السوداء وتنتظرها كي تتحدث معها كدراق أو خوخ.
تؤمنُ بالأشجار لا بالرايات. لا تؤمنُ بالعنف ولا بالبنادق. لا تعبد النظام. لا تعبد الرجال.
لا تتعالى على أي شخص.
لا تزعج نفسها بالكذب.
تثقُ بالقمر كي يحرس نومها.
تستطيع أن أن تسمي جميع الإجاصات في شجرتها المفضلة. تحب أن تعمل في التراب.
تسقي نباتاتها كل يوم، تصلي بالتنفس، بالحياة، بالأكل، تبحث كل صباح
عن الفردوس في قن الدجاج.
إذا سألتَها: من أتى أولاً، الدجاجة أم البيضة؟ ستقول لك: السماء.
تعرف هذه المرأة الليل حين يوقظها في الظلام كي تغني عن اليوم القادم. تغتسل بضوء الفجر.
في أيام الصيف تضعُ بطيخة في الجدول كي تبردها، ثم تحك جسدها وتنظفه باللب الأحمر الغامق للثمرة الندية.
تحب الطريقة التي تحافظ بها الطيور على الوقت: تغريدتان من أجل لقمةٍ، ثلاث تغريدات في الشجرة، ورفرفة ضيق حين يقترب الخطر.
لا يهمها أن تنظّم خلايا النحل أو أن تدرّب الأرانب أو أن تجمع الأسود بالسوط.
تقرأُ هذه المرأة من أجل المتعة والحب والمعرفة. في رأسها ثلاثُ لغاتٍ، اثنتان للأحياء وواحدة للموتى.
لا تذهب هذه المرأة أبداً إلى الكنيسة، وحين تشرب من إناء الله وتجده فارغاً، تنغمس في حريتها.
المتعة التي تفضلها تزدهر على مذاق الكرز البري ونكهة النعنع الطازج والحياة المتبدلة دوماً، التي يتركها الموت خلفه.
ست طرق لرؤية الفردوس
-1-
الناس منشغلون في الجمهورية الفاضلة.
الكنائسُ تغصُّ بالروّاد.
العنصريةُ تزدهر. الجيش قويٌّ.
الجريمة تتفشّى. النقودُ تتحدث.
الناس يَثرون. الأسواق تنتعش.
الطائراتُ تتحطم. الأسواقُ تنهار.
الناس يائسون. لا أحد يقرأ.
الناس فقراء. لا أحد يحتاج لمعرفة الحقيقة.
-٢-
القنبلةُ القذرة (2) سلاحٌ تقليدي
مليءٌ بالمواد المشعة.
لا تأكلْ ولا تتنفسْ ولا تشربْ
لا تحاولْ مضاجعة هذه المادة
إلا بعد الحصول على إذن من الحكومة.
لا تضعها على خبزك أثناء الفطور.
لا تُحْضرها إلى المدرسة للعرض والمناقشة.
لا تأْخذها إلى السينما
أو تعلّمْها القراءة والكتابة
آملاً دون جدوى
أنها سترسل لك بطاقة تتمنى لكَ فيها صحة جيدة.
-٣-
تدرّبُ الحكومةُ الشبّان والشابات
كي يصبحوا قناصين.
تُعلّمهم تقنيات التنفس البطيء،
تُعلمهم أن يصفّوا أذهانهم
من أجل القتل.
-٤-
هياكل ثلاثية التصفيح بارتفاع المباني
مكسوة بالفولاذ والقوة المصفحة للدولة
ترتفع في مدى البصر.
يا له من مشهد: أنهار يلمع فيها البلاستيك
تلمع بقعٌ براقة
تجري داكنة كالدم
تحت أضواء السجن المتوهجة!.
-٥-
أتذكّر الطائر الذي هربَ من السفينة
وعاد بعد عدة أيام بغصنٍ في منقاره.
قالت جدتي: الغصن كلمةُ الله
المُرسلة إلى الأرض
كي ترينا أن العالم آمن مرة ثانية
وسيكون آمناً إلى الأبد.
-٦-
هذا الوباء طورٌ عابر فحسب،
وكل الأنباء جيدة اليوم.
سيقابلكم الرئيس بعد قليل.
بالمناسبة لا يُسمح للأجانب بالدخول. لا يُسمح بالضحك.
لا يُسْمح بالأحلام غير القابلة للتحقق. لا يُسْمح بالتماثيل العارية، ولا بالانشقاق.
الدخول مجاني ولكن عليكم أن تدفعوا بالطبع.
من فضلكم ابقوا في الصف وجهّزوا أوراقكم،
سيقابلكم الرئيس الآن،
لا تلمسوا أي شيء، تظاهروا بأنكم سعداء.
لا تنسوا الركوع. كونوا مستعدين للصلاة.
العام الذي اختفى فيه المستقبل
كم هو مخيف وقاس أن نشاهدَ
نيرانَ السماء تتكشّف عن عظام متفحّمة
أن نرى وجوهَ الأطفال المدماة
تُرْمى في حفرة مشتعلة
أجسادهم معلقة كجلود الحيوانات المذبوحة
على أسلاك بث المعلومات المهدئة.
كم هو صعب أن نرى
المواد الكيماوية تشتعل داخل الجهاز التنفسي الممزق.
كم هو صعب أن نسمع
الناس وهم يهربون مذعورين من صدمة
المعدن الحارق الذي يحوّل اللحم إلى هلام
الأجسادَ تتساقط في نيران المواد المشتعلة
العناوين التي تطمس الأخبار
العتاد المعقد الذي يستخدمونه لجمع الجثث.
لا بد أن هذا كان العام
الذي اختفى فيه المستقبل
العام الذي عُلِّم فيه الجلْدُ والعظمُ أن يشعرا
بما يجب ألا يتحمله إلا الفولاذ والحجر
العام الذي فيه تظهر الأشياء التي في مرآة الخلفية
فجأةً أمامنا، وهي تعوي في الهواء السائلي.
سؤال
خوفٌ في المرآة
بقايا قش على الأرض
نيرانٌ في الليل
ومحنةٌ على الأرض.
وصلنا إلى النهاية
حيث لا أصوات للموتى.
النهر راكدٌ ومليء بالدم والأنقاض.
هل كانت هذه آخر قشة رأيتها في الريح؟
كاليغولا يزور المدينة
”لنسمح بقتل الموتى“
زبنغيو هربرت
-١-
كم هو محزنٌ أن تكره الثقافة التي تحبها
حين تحب البلاد التي تكرهها.
-٢-
في هذه الأيام يجب أن نكون مستعدين
كي نحمل أكفاننا أينما ذهبنا
كي نحملها على ظهورنا
ونلبسها عميقاً داخل ابتساماتنا
ونخبئها في رؤوسنا كي نحفظها.
-٣-
نعيش خائفين لأن زعيمنا عاملٌ مسبِّبٌ للمر ض
يتغذّى أفضل ملائكتهِ على الأسى واليأس.
يرضعون أحلام التعذيب في نومهم.
يغسلون أجنحتهم بالبنزين ويعيشون متعهم السرية
ممارسين الجنس مع العناكب في الظلام.
لا يؤمنون بأي شيء يمكن أن أغنّي أنا وأنت عنه،
لكنهم يحبون أن يرفعوا أصواتهم عالياً
في مديح البلاد والله والمقتنيات الثمينة.
-٤-
أمس زار هذا الحاكم الجبار البلدة في سيارة مصفحة
كان وجهه الأبيض ملطخاً بكعكة شوكولاتة وجسده المدهن
مغلفاً بإحكام في حزام ملطّخ بالدم.
تهديده الواضح يعلّمنا أن نفهم كيف أن الرداءة
والقدر يسافران أحياناً متشابكي اليدين.
يقول البعض إن هذا الرجل يشبه جرحاً متقيحاً على وشك
أن ينفجرقيحه لكن الذين يعبدونه يفهمون
كم هم محظوظون لأنهم يعيشون على أرض
الخزانات الذهبية والسراويل التي تُبْرز الأعضاء.
-٥-
يبدو أن للمقت والأسى استخدامات كثيرة.
نتعلّم العيش دون نوم.
نتعلّم إبقاء أعيننا مفتوحة في الظلام.
نتعلم ارتداء الليل حول أعناقنا كأنشوطة.
-٦-
صوت الاحتضار الذي تسمعونه
نداء إيقاظ لجعلكم تعرفون
أن صوتكم تلاشى في الريح.
ولن يُسْمع مرة أخرى أبداً.
الناس الذين تحبونهم وتثقون بهم
ركضوا خارج متناول المطر.
إنهم يختبئون تحت الأرض.
يغنون قرب النار،
ويُحْصون عظامهم.
-٧-
وفق آخر الأخبار
أحدٌ ما يحرق الهواء حياً
أحد ما يملأ المطر بمادة الرصاص
أحد ما ينتظر كي يسرق العميان.
أحد ما قادم لقتل الموتى.
حذاء
حين رحلتَ
تركْتَ خلفك حذاءكَ
متوضعاً في الردهة.
حاولتُ حمل الحذاء
ووضعه في مكان آخر
لكنه كان أثقل من المنزل،
أثقل من الدنيا كلها.
آه يا صغيري،
يا طفل جميع الأنفاس التي أتنفّسها
قلْ لي، كيف لصغيرٍ
مثلك أن يركض بعيدا هكذا؟
رسالة إلى حفيدتي جيسي
في الضوء الباهت ليومٍ من أيام شباط الأخيرة
أصغيتُ مرة ثانية للأنباء المُحْزنة
عن عنفٍ لا يُعْقلُ وراء البحار.
يبدو أن المسافة التي تفصلنا
عن أحزان الآخرين تتلاشى.
قيل لنا مراراً إن الموت العنيف
في طريقه إلينا، وإنه لا شيء نقوله أو نفعله
يمكن أن ينقذنا من تاريخنا الخاص.
ربما كان هذا صحيحاً
لكن بالرغم من هذا يتبقى لنا
الجمال البسيط لمطر الصباح كي نمدحه.
تساقطَ المطرُ لساعاتٍ يا جيسي،
وأشعلتُ ناراً كي أتدفأ من الصقيع.
لدي هنا موسيقى أيضاً من بوق ليستر يونغ(3)
غنائية ومقتصدة وتعبّر عن حنيننا.
حين تصغين إلى ليستر
وهو يصقلُ الجو بين الألحان
يسحركِ كيف يعمل بمهارة
كي يبني مكاناً على نحو طقسي
مُقْصياً منه الحاجة إلى القتل.
يسحرك كيف يتجاوز برشاقةٍ الحزنَ الذي نشعر به
باحثاً عن متعة أعمق،
كيف يداعبُ الكمال ويعمّقُ الفهم
كيف ينادينا ويواصل نداءه
عبر العالم الساقط.
كم هو جيد أن تكون الملك
أوقفْني إن كنتَ تعرفُ قصةَ الملك
الذي حوّلَ ممارسةَ التضحية بالبشر
إلى عملٍ فنيّ رائع ومفيد.
أولاً أرسلَ الملك في طلب
مهندسٍ معماري مشهور
كي يصمّم ويبني
نسخة برونزية من ثور.
نوى الملك أن يشوي أعداءه أحياء
داخل الحيوان المعدني المجوف
وطلب من المهندس
أن يبني الصرح بطريقة
تُسْمع فيها صيحات المحتضرين
كموسيقا حية وهي تخرج من الفم الناري.
حين أنهى المهندس الصرح
نظّم الملك حفلة عامة
ثم أمر بإشعال نار كبيرة تحت
البطن الفولاذي للثور.
شعر المهندس بالإثارة
إلى أن أدرك أن الشخص الأول
الذي ينوي الملك أن يشويه حياً
في الداخل المشتعل هو المهندس نفسه.
بعد ساعات، تدفقت من الفم المعدني
الصيحات الإيقاعية لألم المهندس الذي لا يُحتمل
وملأت الملك بالمتعة.
كان واضحاً للجميع في تلك الليلة
أن الألم البشري صار الآن
أداة سلطة ملكية.
كان هذا واضحاً للجميع،
وخاصة للمهندس، الذي نُسي اسمه.
هوامش
1- في موسيقى الجاز والبلوز، النغم الأزرق (blue note) لحن يُغنى أو يُعزف لأغراض تعبيرية بنبرة مختلفة قليلاً عن المعيار. عادةً ما يكون التغيير بين ربع نغم وشبه نغم، لكن هذا يختلف باختلاف السياق الموسيقي.
2- القنبلة القذرة، قنبلة مصنوعة من نفايات نووية إشعاعية ومتفجرات تقليدية والهدف من استخدامها هو تلويث منطقة وليس تدميرها.
3- ليستر يونغ (1909-1959) عازف ساكسفون أميركي. أُطلق عليه في الثلاثينيات لقب ”زعيم الجاز“.
[ترجمة: أسامة إسبر]