(جامعة سيراكيوز للنشر، 2020)
جدلية (ج): ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب؟
بيتر غران (ب. غ.): منذ بداية مسيرتي المهنية في السبعينات، وإلى حين بدأت مؤخرا بالأبحاث من أجل هذا الكتاب، لم أكن قادرا على فهم سبب تعامل القراء مع كتابي السابق "الجذور الإسلامية للرأسمالية" (1976) بكل ذلك القدر من الريبة. كان من البديهي بالنسبة إليّ أن معظم الدول قد أثبتت وجود جذور حديثة لتاريخها الحديث. وقد شهد عدد من البلدان حركة تنوير في القرن الثامن عشر. لماذا إذا واجهت وما زلت أواجه في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مشكلات حول أطروحتي القائلة بأن التطورات عينها وجدت في مصر أيضا؟ كما أنّني وجدت صعوبة في فهم سبب كون أكثر النقاد تطرفا هم غالبا من الذين عرفوا جيدا قاموس الزبيدي وتأريخ الجبرتي. وكان محيرا أيضا أن معظم الباحثين لا يقاربون أبدا موضوع الإطار النظري المتبع في ذلك المجال أصلا.
في الختام، وصلت إلى فرضيّة بأن تفسير ذلك يكمن في قصور داخل حقل الدراسة نفسه. فوظيفة الحقل هي حماية جزء من الهوية الغربية، فكرة أن مصر هي دولة مستبدة وشرقية عصيّة راكدة، أيقظها نابليون في العام 1798. الحفاظ على 1798 كنقطة تحوّل لم يكن عبادة لنابليون بل كان بالأحرى وسيلة للحفاظ على صورة مصر "الأصليّة" مصر "سفر الخروج" كما جاء في الكتاب المقدّس، بلد أضحى راكدا بعدما غادره شعب الله المختار. وفي الواقع، فأن الباحثين الحاليين ليسوا بالضرورة متدينين، إلّا أن القصة السائدة لسفر الخروج هي ضرورية للهوية الغربية. وفيما كنت أعمل على تحليل هذا الجزء من الخلاصة، بات واضحا بالنسبة إليّ أنّني توصلت لتفسير حول سبب استقبال كتابي بتلك الطريقة. فقد دخلت حقل دراسة له حماته، حقل وجد للدفاع عما يعني أن تكون غربيا، وهو دفاع لازم نظرا لحجم القتلى الأبرياء الذين سقطوا خلال ما يسمى بنهضة الغرب.
وعبر الحفاظ على مصر التي في سفر الخروج، تمكن الحقل من الحفاظ على نوع ما من التبرير لما ارتكبه أجدادنا طبعا، كان هناك ضحايا "جانبيين" لدى الحديث عن العالم الجديد. ولكن وكما يبيّن حقل الدراسات المصرية فإن الله تسبب بالعديد من الموتى الجانبيين عبر إغراق جنود مصر في البحر الأحمر. وقد أثار كتاب "الجذور الإسلامية للرأسماليّة" عددا من الأسئلة حول الركود المفترض لبلد من المفترض أنه شرقي، وجاء رد الفعل بناء على ذلك.
ج: ما هي الموضوعات والمسائل والأدبيات التي يتطرق لها الكتاب؟
ب. غ.: معظم الكتاب يتوجه للمختصين بالتاريخ المصري، على الرغم من أن الخلاصة الأكثر شمولا تتوجه بشكل متساو إلى القارئ العام في الدراسات الأميركية، إلى أولئك المعنيين بما يُبقي التفوق الأبيض قائما، وإلى الذين جذبهم انتقاد ادوارد سعيد لفكرة الشرق.
ج: كيف يرتبط هذا الكتاب، أو يبتعد عن عملك السابق؟
ب. غ.: أرى الكتاب على أنه استمرارية أكثر منه ابتعادا عن الأعمال السابقة. في البداية، وبعدما واجهت ترددا من الزملاء للتخلي عن النموذج الاستبدادي الشرقي بعدما نشرت "الجذور الإسلامية"، قررت أن أبيّن الأنواع الطاغية من العلاقات بين الحكام وبين المحكومين في العالم الحديث، لكي أتكمن من إظهار كيف يمكن إعادة تموضع مصر على أسس أخرى
وخلال تقدمي في العمل، أدركت أن المعلومات التي لدي عن مصر، تفوق ما يتطلبه كتاب عام عن أنواع الهيمنة. هكذا، التفت لدراسة دول أخرى، مخططا للعودة لتأليف كتاب عن مصر مبنٍ على جزء واحد من هذا الكتاب.
عندما نشر كتابي السابق "ما وراء المركزية الأوروبية": نظرة جديدة لتاريخ العالم الحديث (1996)، سأل معلّق لماذا ليست النظريات الكبرى لتاريخ العالم أكثر وضوحا وتفصيلا؟ وقد ألهمني ذلك كي أكتب "صعود الأغنياء: نظرة جديدة لتاريخ العالم الحديث" (2009). في ذلك الكتاب، قدّمت فكرة تواطؤ العناصر المهيمنة على المركز وعلى الهوامش في السوق العالمية. وطرحت أسئلة حول استمرار سعينا للحفاظ على نموذج نهضة الغرب، لاسيّما منذ نهضة الصين. وقد قادني ذلك إلى مقاربة مشكلة "ثبات الاستشراق"، ليس كنقد لأي عمل أكاديمي محدد بل كانعكاس عام لكلفة التمسك بهوية ما بناء على نموذج هيغل لنهضة الغرب، ولركود الشرق، ولفكرة شعوب بلا تاريخ.
ج: من تأمل أن يقرأ هذا الكتاب، وما نوع التأثير الذي ترغب أن يخلّفه؟
ب. ج.: آمل أن يقرأه الزملاء في حقل الدراسات المصرية الحديثة. كما آمل أن تلقى فكرة أن هذا الحقل هو بمثابة حامٍ، اهتمام الذين همشتهم نهضة الغرب والرواية الأورو-أميركية حول من نحن، كأميركيين. أود أن أرى هذا الحقل يتقدم في هذا الاتجاه، وبعيدا عن الحماية.
ج: ما هي المشاريع الأخرى التي تعمل على إنجازها الآن؟
ب. ج. : أعمل حاليا على كتاب يقارن بين التاريخين المصري والإيطالي. وعنوانه المبدئي هو "مصر كطريق إيطالي"
مقطع من الكتاب (من المقدمة)
بدأ الكتاب ببساطة من ملاحظة أنه حقل كتب القليل عنه-وأنه لم يشهد إلا القليل من السجالات ولكن أكثر بكثير مما يستحقه من الأساطير. وكان إحساسي بأن الأمرين متصلان.
قاربت الموضوع بفرضيات هي بالأكثر تقليدية، ولكن، وفيما كان عملي يتقدم، اكتشفت أنها غير مستدامة تقول إحداها أنّ مجال التخصص، بالمعنى العلمي، انطلق بعد الحرب العالمية الثانية، في أعقاب قيام مؤسسات مثل مراكز الشرق الأوسط، وأن ما سبقها كان مجموعة من الكتابات الاستعمارية والإرسالية، من الممكن أن تكون مفيدة أحيانا، إلا أنها لم تكن علمية، باستثناء الأعمال الأولى للعلماء الفرنسيين خلال حملة نابليون. ما اكتشفته زعزع ثقتي في تلك الفرضيات بدرجة كبيرة. ما وجدته هو أن الكتابات الاستعمارية البريطانية عن مصر هي التي وفّرت الإطار للكثير مما كتب إلى اليوم. كانت كتابات إرساليات عن الإسلام، بعضها كان أميركيا، وفرت الأساس للدراسات الأنجلو-أميركية للمجتمع الإسلامي. الاثنان معا في الواقع حددا مضمون المنظومة الفكرية بأن مصر هي نظام استبداد شرقي، وهي المنظومة الفكرية التي تستمر الدراسات الحديثة بالاستناد عليها.
لذلك، ولأسباب أخرى، انتهى بي الأمر بالبدء بالعمل على فترة أبكر من المتوقع، والنظر في الطبيعة الفعلية للمجال – وعلى عكس التوقعات، ثانية- بصفته آنجلو- أميركي، وليس أميركيا صرف.
[نشرت على جدلية. ترجمة هنادي سلمان]