في نقد المعارضة المصرية: موظفون وأكاديميون وحقوقيون

في نقد المعارضة المصرية: موظفون وأكاديميون وحقوقيون

في نقد المعارضة المصرية: موظفون وأكاديميون وحقوقيون

By : Ahmed Abdel Halim أحمد عبد الحليم

تستقبل مصر الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير عام 2011 تحت حكمٍ شديد السلطويّة أحيا نفسه وقتل أحلام الكثير بالاحتفال بتلك الذكرى العظيمة وذلك بانقلابٍ عسكريٍّ في يوليو عام 2013. كالعادة أي كالذي يحدث كل عامٍ، كانت دعوات عشوائية للنزول والاحتجاج يقودها بعض الصحافيين والإعلاميين المقيمين في تركيا والعاملين في القنوات التابعة لجماعة الإخوان برفقة واستضافة المقاول المصري محمد علي. دعوات في واقعها باتت لا تثمر ولا تغني، بل على العكس تحدُث إثر ضجّتها حملات اعتقال واختفاء بحق الكثير من الناشطين والصحافيين والباحثين والمعتقلين السابقين، فتجد الخاسرين مرّةً أُخرى هم مَن خسروا سابقا باعتقالهم واختفائهم لشهور وسنواتٍ أُخرى.

في ذلك الظرف، ضمنيا لا أحد يستطيع أن يُحمّل هؤلاء نتيجة وازدياد تلك الضربات الأمنية. لكن يجب أيضا البحث والتساؤل عمّا وراء تلك الدعوات، عمّا وراء 7 سنوات من المعارضة ذاتها، وما هي فائدتها بالأساس؟ في هذه المقالة أحاول البحث على أسئلة تدور في أذهان الكثيرين عن كيف ولماذا تفككت وضعفت المعارضة المصرية بالخارج؟ لتصبح أطرافا كلٌ يعمل في واديه بين الوظيفة الإعلامية والدراسة الأكاديمية والتوثيق الحقوقي؟ وما الانتقادات التي يجب أن نوجّهها لتلك الأطراف مِن منظور الثقافة والفعل والدور الثوريّ لهم؟ وكيف نقرأ ظاهرة المقاول محمّد عليّ الاحتجاجيّة بعد أن حققت نجاحا قبل أن تفشل ربما للأبد؟ وهل من انفراجة سياسية قريبة أم أن استقرارية القمع باتت جزء رئيسيا من استمراريّة النظام الحالي؟

قراءة في عشوائية الإخوان

تجلّت ملامح فشل قيادات جماعة الإخوان مبكرا، بعد الانقلاب العسكري مباشرةً، حينَ وصلت شخصيات قيادية إلى تركيا وتم إنشاء قنوات إعلامية وإقامة تحالفات سياسيّة. كَتحالف دعمالشرعية، والذي ضمّ كيانات إسلامية أُخرى أبرزها تمثّل في الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي حزب البناء والتنمية، والجبهة السلفية، وحزب الوسط الأقل إسلامويّة من الناحية الأيديولوجية. ولكن سرعان ما انشقّ الثلاثة وتركوا جماعة الإخوان وحدها. بيانات الانشقاقات عبّرت عن مدى ضيق الأفق السياسي لجماعة الإخوان، واستفرادها بقيادة التحالف دون الاستماع لآرائهم. استمرّ هذا التحالف في إدارة الحراك الشارعيّ حتى أحكم الأمن المصري قبضته على الميادين بحلول عام 2017، بالإضافة إلى بياناته الهشّة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي انتهت عند موت الرئيس مرسي في سجنه وهو ممثل الشرعية في يونيو من عام 2019.

في أغسطس من عام 2013، أُسس ما يعرف بالمجلسالثوريالمصري، ليكون أكثر استيعابا لقوى سياسية مدنيّة. وتزعمت المجلس شخصيات أكاديمية وبحثية مثل مها عزام ووليد شرابي ومحمد عادل. لكنّ هذا التحالف لم تكن له قوّة فعلية على الواقع، بل تمثّلت نشاطاته في كتابة بيانات تعلّق على الأحداث، وتتضامن مع الحقوق والحريّات، وتعيد إحياء الذكريات الثورية.

بالعودة إلى الإخوان، فقد أدى انشقاقهم مطلع عام 2015 إلى جبهتين ومكتبيْن، إثر الخلاف بين المكتب القديم للإخوان بقيادة محمود عزت ومحمود حسين، وبين اللجنة الإدارية العُليا بقيادة القيادي المقتول بواسطة الأمن المصري محمد كمال على أحقّية إدارة ملفات الجماعة ومشروعية العنف في مواجهة النظام المصري، أدى إلى الضعف والتفكك وانعدام أي استراتيجية للمواجهة والخروج من الأزمة [1].

لم توجه لقيادات الإخوان طيلة فترة فشلها انتقادات إدارية حول ضعف التنظيم واستراتيجيات العمل في مواجهة النظام المصري فقط، بل زادت اتهامات أخلاقية بشأن المسؤولية تجاه رسائل آلاف المعتقلين التي تستغيث بهم لمحاولة حلّ الأزمة والتفاوض مع النظام المصري للإفراج عنهم. وقتئذٍ قال إبراهيم منير مسؤول الجماعة بالخارج أنّ تلك الرسائل هي ألعوباتٍ أمنية لضعف همّة المعتقلين. وحتى في حال صحتها أجاب أن الجماعة ليست مسؤولة ولم تُجبر أحدا على مواجهة النظام معها. هذا بالإضافة إلى تسريباتٍ عدّة من شخصيات إخوانية في الخارج تشير إلى التلاعب بأموال الجماعة وتوظيفها لمكتسباتٍ شخصية. بينما تستمر جماعة الإخوان بالخارج في إقامة أنشطة دعوية متمثلةً في لقاءاتٍ لمنتسبيها وإحياء الذكريات السنوية لها، مثل ذكرى تأسيسها ويوم فضّ اعتصاميّ رابعة والنهضة.

موظفون

امتدت للمعارضة المصرية أذرع ومساحات إعلامية وصحافية متعددة لها وجهان أيديولوجان. الأول هو الوجه الإسلامي المتمثّل في قنوات مثل مكملين والشرق والحوار. هذا الوجّه يُنتقد كثيرا من المتابعين والمتخصصين، وذلك لعدم مهنيّته في مهمته الإعلامية فهو يهاجم النظام المصري طيلة الوقت دون أي عقلانية أو موضوعية، ولا يستضيف أي آراء تخالفه، ودائما ما يُمجّد في النظام التركي ورئيسه الطيب أردوغان ويصل به إلى منزلة تشابه النّبوّة. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لكوادر إعلامية من مذيعين ومُحاورين مُختصين بالشؤون المختلفة للوضع المصري، بل يعتمد على المذيع الذي يقدم حكايات يسمّونها "مقدمات نارية" مثل معتز مطر وسيد توكل ومحمد ناصر وصابر مشهور.

دائما ما يهاجم الوجه الإعلامي المحافظ سالف الذكر الوجه الآخر ذا التوجّه الليبرالي متمثلا في مجموعة "العربي الجديد" المُتموقعة في لندن وقطر. وتحاول الثانية أن تكون أكثر التزاما بواجبها الإعلامي والصحافي تجاه القضايا المصريّة، مبتعدةً تماما عن كونها أداة إعلامية تابعة للمعارضة مثل  التوجّه الأول، بل ومنتقدة أحيانا بعض شخصياته في برنامجها السياسيّ الساخر جوشو الذي يقدّمه الشابّ يوسف حسين ممّا أدى إلى حالة شِجار دائمة بين الطرفين واتهام الطرف ذي التوجّه الإسلامي للطرف الآخر بأنّه يدير أجندة صهيونية بتمويلات ضخمة، حيث تساوي ميزانية المطبخ داخل التلفزيون العربي ميزانية قناة مثل مكملين على حدّ قول المذيع محمد ناصر، وذلك أثناء توبيخ ناصر للكاتب والسيناريست بلال فضل لانتقاد الثاني الطيب أردوغان في صورة كاريكاتيرية على فيس بوك كوّنه أحد كتّاب صحيفة "العربي الجديد".

مع الوقت وبفضل الهشاشة التنظيميّة، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين بمثابة "جماعة ضغط وظيفيّة" تلعب دورا مستمرا عبر وجودها التنظيمي و ذراعها الإعلامي وكتّابها ووجوهها في تحشيد العاطفة العربية نحو تمجيد تركيا ورئيسها مستندين على العاطفة الدينية وذكريات الخلافة العثمانية، ناهيك عن مهاجمة النظام المصري في النزاعات المشتركة بينه وبين النظام التركي في ملفّات عدّة، كَالنزاعالليبي بين حكومة طرابلس وجيش حفتر، وملفّ الغاز وترسيم حدود البحر المتوسط. فَمصلحة النظام التركي برفقة مموّل أنشطة الجماعة هما اللذان يتحكّمان في المشهد ويوظّفان جهود الجماعة - وإن كانت ضعيفة - في ترسيخ سياسةٍ معادية للنظام المصري ربما تتغيّر مع الوقت.

أكاديميون

على مرّ السنوات العشر الفائتة، أُسست عدة مراكز بحثيّة ومنتدياتٍ تعليمية وغير ذلك من فضاءات تحتاج للعشرات من الأكاديميين في حقول العلوم الإنسانية المختلفة لترصد التحولات على مستويات مختلفة مرّت بها المنطقة العربية. بعد الانقلاب العسكري في مصر، غادر الكثير من الأكاديميين المصريين وطلاب الدراسات العليا إلى تركيا وقطر ولندن وبلدان أُخرى أملا في العمل والدراسة بتلك المؤسسات، ولأسبابٍ تتعلق بالمضايقات الأمنية المتوقّعة من النظام المصري بسبب معارضتهم للانقلاب العسكري.

نجد الصورة الآن خلال الذكرى العاشرة للثورة أكثر وضوحا. هؤلاء الأكاديميين لم يَشتبكوا مع العمل السياسي كمثقّفين معارضين، عليهم البحث والعمل لإيجاد مخرجٍ من الأزمة، بل عملوا كمثقفين أكاديميين يتنقّلون بين منصات منتدى الشرق والمعهد المصري للدراسات والمركز العربي للأبحاث وأكاديمية العلاقات الدولية وشاشات الجزيرة والتلفزيون العربي وغير ذلك من المنصات التعليمية والصحافية والبحثية، يعملون بها كرؤساء وباحثين ومُعلّمين. تلك الوجوه لا تكتفي حتى بمنصبٍ واحد للعمل، بل غرقت في المنافسة الأكاديمية وفي إصدار الكتب والحلقات وغيرها متجاهلين تماما دورهم الثوري كمثقّفين.

يضاف إلى ذلك إخفاق كلٍ من الكتلة الأكاديمية المثقّفة والكتلة السياسية التنظيمية متمثلةً في جماعة الإخوان أو حتى قوى مدنيّة أخرى -إن وُجدت- في التعاون لإيجاد مخرجٍ من تلك الأزمة السياسية في مصر. بل على العكس نجد تراشقات مستمرّة بينهم لا تتوقف، كالتي حدثت بين دكتور العلوم السياسيّة ومستشار الرئيس محمد مرسي سابقا، سيف عبد الفتاح وبعض مؤيّدي الإخوان عندما تحدّث مع الصحافي سليم عزوز على كواليس الرئاسة ذاكرا بعض أخطاء الرئيس محمد مرسي. بالعودة إلى دور المثقّف العضوي كما يسمّيه المناضل الماركسي غرامشي يجب على الأكاديميين مراجعة دورهم في الفاعليّة السياسية الواقعية والسعي إلى التغيير[2]، وألا يتيه أو يؤدلج هذا الواجب وسط تمويلات المشاريع البحثية الضخمة، وأن يوظّفوا ثقافتهم في الفعل الثوري وليس في الفعل الثقافي فقط، كما جاء في نصائح المفكر الأردني غالب هلسا لمنظمة التحرير الفلسطينيّة [3].

كيف ولماذا تفككت وضعفت المعارضة المصرية بالخارج؟ لتصبح أطرافا كلٌ يعمل في واديه بين الوظيفة الإعلامية والدراسة الأكاديمية والتوثيق الحقوقي؟ وما الانتقادات التي يجب أن نوجّهها لتلك الأطراف مِن منظور الثقافة والفعل والدور الثوريّ لهم؟ وكيف نقرأ ظاهرة المقاول محمّد عليّ الاحتجاجيّة بعد أن حققت نجاحا قبل أن تفشل ربما للأبد؟ وهل من انفراجة سياسية قريبة أم أن استقرارية القمع باتت جزء رئيسيا من استمراريّة النظام الحالي؟

حقوقيون

بالنسبة للعمل الحقوقي، فقد شهد تطورا وانتشار سريعا في السنوات الأخيرة. انتشار يَعكسُ حجم انتهاك الجهاز الأمني في مصر لعموم المواطنين والفئات السياسية المعارضة له. وفّر العمل الحقوقي مساحةً كبيرة تضم كافة التيارات الأيديولوجية التي رفضت أن تتجمع يوما ما على الطاولة السياسيّة. فتجد منظمات حقوقية كثيرة، تجمع بين اليساريين والإسلاميين والليبراليين والصحافيين والناشطين المستقلّين، يعملون من أجل توثيق ورصد الانتهاكات في تقارير ودراسات دوريّة.

يعدّ العمل الحقوقي إنجازا كبيرا، حيث عملت منظمات مثل نحن نسجل we record، وجمعية من أجل العدالة Committee for Justice، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان وغيرها على رصد كافة الانتهاكات التي تحدث للمصريين سيّما السجناء السياسيين، من وفيّات إثر التعذيب داخل مقرّات الاحتجاز، والتصفيات الجسدية، والانتهاكات الجسدية للسجينات . يحتلّ هذا العمل إلى الآن مكانة التقدير والامتياز نظرا للظروف الأمنية الصعبة التي يعملون في ظلّها، ولِصعوبة الحصول على الأرقام والمعلومات التي تفيد التسجيل الصحيح للانتهاكات.

مع هذا التقدير بشأن التوثيق والرصد إّلا أنّ العمل الحقوقي يُنتقد من سياقيّن، الأول وهو سياق تاريخيّ حركيّ يكاد يكون مُكررا، حيث نالت الانتقادات أوساط اليسار في مصر بسبب توجّههم إلى العمل الحقوقي مطلع الألفية الثانية حيث بداية ازدهار المنظمات الحقوقية في مصر وتركهم العمل السياسي والثوري المتمثل في تحشيد العقل الثوري في اجتماعات هي بالأساس قلب اليسار مثل العمّال والطلاب، ممّا أضعف اليسار وشتت برنامجه التنظيري والفعليّ في الإجابة على سؤال ما هو اليسار؟ وما هو الحل؟ ربما يتكرر حاليا ذلك التوجّه الحقوقي مصطحبا معه تيارات ليبرالية وإسلامية وسطية أو منشقّة، وذلك لوجود فضاءات حقوقية فارغة تحتاج إلى العمل الحقوقي لرصد توسّعات الانتهاك، بالإضافة إلى وجود ضفّة الحريات الفردانية كالحقوق الجندرية التي رست في منطقتنا العربية بقوّة والتي توجّه لقيادتها نشطاء أكثر تقدّمية من اليسار والليبراليين [4].

الانتقاد الثاني يتبلّور في سؤال ما بعد التوثيق؟ أي ما هو تحرّك تلك المنظمات بعد رصدها لكافة الانتهاكات والجرائم؟ ربما يجب على الحقوقيين التفاعل أكثر مع السياسيين المعارضين، لكي يشكّلوا جبهة ثنائية بدورها تتواصل مع صنّاع القرار وأصحاب السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للضغط عليهم باتخاذ قرارات تضغط على النظام المصري لتخفيف قمعه على الحالة السياسية في الداخل، عِلمًا بصعوبة وجود ذلك التأثير في عالم أكثر شعبويّة لا يعرفُ سوى إدارة مصالحه لتحقيق المكتسبات بغضّ النظر عن أي حقوقٍ وحريّات.

محمد علي كظاهرة احتجاجية

لم يكن ظهور المقاول محمّد علي مجرّد شخص ينادي ويحرض بالثورة على النظام المصري الحاليّ، بلي مكن أن تقرأ الاستجابة له في حين والتخلي عنه في آخر واعتزاله السياسة وعودته مرّة أُخرى في عدّة سياقات. أولها في السياق الأيديولوجي، فعندما ظهر المقاول أوّل مرّة في أوائل سبتمبر عام 2019 ليفضح استغلال رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في هدر أموال الدولة لبناء قصور رئاسية واستراحات عائلية بعشرات الملايين في ظل الفقر السائد وسط جموع المصريين، تحدّث على كوّنه خريج دبلوم الصنايع الذي لا ينتمي إلى أي جماعة ولا يتبنى أي فكرٍ سوى فكرة خلاص الناس من الجوع والاستبداد. حظِيَّ عليّ وقتها بتأييد جموع كثيرة من الشعب فضلا عن الاستجابة ونزول مظاهرات تطالب السيسي بالرحيل قبل السيطرة عليها بالقمع والاعتقال من قِبل قوات الأمن.

لكنّ حديث المقاول في المرة الثانية ودعوته للنزول والاحتجاج مرّةً أُخرى في 25 يناير عام 2020، قوبل بعدم الاهتمام والانتقاد وعدم النزول، لأسبابٍ منها تصدّر محمد علي كسياسيً يُحضّر أجندة ويكتب وثائق ما بعد السيسي، ويُحلل المشهد السياسي والاقتصادي في مصر بطريقة ساذجة وعشوائيّة. أيضا أعلن المقاول تحالفه مع الإخوان المسلمين وظهر يوميًا على شاشات القنوات الإعلامية التابعة لهم كَقناة مكملين والشرق ممّا أغرقه في طابع أيديولوجي لا يخاطب مطالب المواطن المصري بشكلٍ صريح، هذا الظهور أعطى للإعلام المصري التي تسيطر عليه الدولة حجّةً لأخونته واتهامه بالتمويل والأدلجة من قبل جهات خارجية.

أما الاحتجاجات البسيطة التي خرجت في سبتمبر الماضي في عدد من القرى المصرية التي تضررت بسبب هدم المناطق المخالفة لقانون البناء، بالإضافة إلى رسوم التصالح المفروضة على الأهالي، عبّرت عن ضيق الأهالي من قرارات الحكومة المصرية أكثر منها استجابةً لدعوات المقاول. تُقرأ أيضا استجابة النزول للتظاهر والاحتجاج في السياق الأمنيّ، فلو خلت الميادين من تواجد قوات الأمن في أي وقت وحتى بدون دعوات للتظاهر، ستمتلئ تلك الساحات بالغاضبين كما حدث في 20 سبتمبر 2019 فَقوات الأمن المصرية هي التي سمحت للمتظاهرين بالتجمّع والهتاف عن طريق حيادها في أول الاحتجاج، ومِن ثمَّ بعد البدء شرعت قوات الأمن في فضّ الاحتجاج والقبض على آلاف المتظاهرين سيّما في المناطق المُصرّة على التظاهر كَمنطقة وسط البلد بالقاهرة ومحافظتيّ دمياط والسويس.

هل من ديمقراطية قادمة؟

في يوم 9 ديسمبر. صرّح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بالتوجه الرئاسي له بالانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة. أثار تصريح مدبولي الكثير من السخرية، اعتقادا وجزما بأن النظام المصري بالقيادة الحالية هو نظام شديد القمع بكلّ معارضيه. كما أن التحدّث عن نيّة تخفيف القمع طُرح بعد فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ممّا سيعني وجود إدارة أمريكية تتعامل بأقل يمينيّة من إدارة الخاسر دونالد ترامب في ملفات الحريّات والحقوق الخاصة بمصر والمنطقة. لكن قبل مناقشة إمكانية تخفيف القمع ووجود إمكانيّة سياسية قابلة للممارسة، يجب قراءة واسترجاع مبادرات الحلّ التي طُرحت من شخصيات مختلفة التوجّه والسلطة لحلّ وتخفيف الأزمة السياسية في مصر.

لم تهدأ المبادرات لحل الأزمة السياسية في مصر حتى موت الرئيس مرسي منتصف عام 2018، أسماء ومراكز مثل زياد بهاء الدين نائب رئيس وزراء حكومة حازم الببلاوي، والسياسيّ عبد المنعم أبو الفتوح قبل اعتقاله، أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة قبل اعتقاله والإفراج عنّه مؤخرا، الأكاديمي سعد الدين إبراهيم، المحامي والمفكر محمد سليم العوا، زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، القيادي السابق بالإخوان كمال الهلباوي، مرشد الإخوان الحالي إبراهيم منير، والسفيرين السابقين عبد الله الأشعل ومعصوم مرزوق قبل اعتقال الثاني والإفراج عنّه. شملت تلك المبادرات بنودٍ كثيرة كانت أهمّها نبذ العنف لدى الإخوان كشرطٍ للمصالحة السياسية، قبول النظام المصري تلك المصالحة ومن ثمّ وجود مجال سياسي للممارسة من كُل القوى السياسية، وإخراج المعتقلين غير المتورّطين في قضايا عنف وتخريب.

بالرغم من فرض النظام المصري قوّته من خلال تَحايُل تلك المطالب إلّا أنّه لم يستجب أو يَرد على أصحابها، بل بادر باعتقال البعض منهم مثل عبد المنعم أبو الفتوح وحسن نافعة ومعصوم مرزوق، في دلالة واضحة أن لا مصالحة سياسية سواء مع الإخوان أو غيرهم، تكمُن تلك الدلالة الرافضة في الخطاب الإعلامي الذي يظهر على ألسنة مذيعي النظام مثل عمرو أديب وأحمد موسى من ناحية، ومن ناحية  أخرى في خطابات السيسي الحاضرة دائما والتي تتحدث بلسان التهديد والرفض الدائم أن لاتصالح ولا هوادة مع أهل الشر والإرهاب منوّها أن تغيير نظام الحكم الذي حدث إبان ثورة يناير لن يتكرر مرّة أخرى في مصر، ذلك الرفض الدائم أدى إلى عدم طرح مبادرات مجددا على مدار أكثر من عاميّن ونصف.

من المؤكد أن المشهد المصري الحركي بسياقه السياسي والأمني والاجتماعي أعقد من ذلك، ويُقرأ في عدّة سياقات، فحتى الإفراجات الجماعية التي تَصدر في أحيانٍ من دوائر المحكمات المختلفة، هي ليست انفراجة سياسيّة، بل سياقٍ قانونيّ يجري، ربما تلك الإفراجات لا يتمّ خروج أصحابها ويُعاد تدويرهم في قضايا أُخرى، أو حتى يتم القبض عليهم بعد فترةٍ من زمن ضمن سيرورة الاعتقالات التي لا تتوقّف. حتى القبض والإفراج عن نشطاء المبادرة المصرية مؤخرا، يقرأ في نظرة السلطة السياسية للمبادرة، وكيفية التعامل معها التي قد تتغيّر وفقا لرؤى دبلوماسيّة جديدة ينوي النظام تطبيقها، ولا تتغيّر بسبب مقطع فيديو لفنانة هوليوديّة.

من المؤكد أيضا أن ذكرى الثورة العاشرة أتت على الكثيرين من المخلصين وهم يتحسّرون على الفعل السياسيّ الماضي، وآملين في إيجاد فرصة لمخرجٍ واستعادة جزء من أماني الذكرى الأولى لثورة المصريين العظيمة.

المصادر

1- للمزيد حول انشقاق جماعة الإخوان انظر، ياسر فتحي، الإخوان المسلمون وثورة يناير، الجزء الثالث، الإخوانبعدفضّ رابعةمنالاستدراكإلىالانقسام، المعهد المصري للدراسات، نشر في 12 سبتمبر 2019.

2- للمزيد حول مفهوم المثقف العضوي انظر آن شوستاك ساسون ، مداخل إلى غرامشي: السيطرة السياسية والثورة والدولة، ترجمة سحر توفيق، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2016.

3- ناهض حتّر، العقل السلبي والعقل الإيجابي، اختيار النهاية الحزينة، يوميات الصراع الطبقي في الساحة الفلسطينية في عقد الثمانينيات، الانتشار العربي، بيروت، 2008، ص 365.

4- عليّ الرجّال، اليسار في مصر، حدوده وآفاقه في عالم 2011، دفاتر السفير العربي ص 13.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬