1
في قلبِ الغابة التقيا..
ليلى والذئب.
قال؛ لستُ كما قالوا،
وقالت؛ أدري.
2
امرأة برداءٍ أحمر، ما عادت بُنية
وشبحُ ذئبٍ،
أكثر من شبحٍ، وأقل من ذئب
والحكاية الكذب
3
لم يأكل الذئبُ جدة ليلى.
لم يذهب بعيدًا في الخديعة..
وقال أنا ذئبٌ،
لا ثعلبَ لا ضبعَ،
لا رجل برلمانٍ ولا شيخٌ ولا دعيٌ ولا كاهنٌ ولا قاضٍ..
لا ألفق الحكايات الساذجة،
وأحمل ذنب القمصان المنقوعة بالدم الكذبِ، وإثم العاشقاتِ المتغيّباتِ عن بيوت الفضيلة.
ذئبٌ يضيق بالمكرِ وينفرُ في الليل ويطلق عواءهُ في العراء،
ذئبٌ يجوع إلى الجبال،
لأن الغابة في الحكاية مجرد صدفة
4
يجلسان في الغابة حيثُ الصدفة،
يعيدان ترتيبَ الحكاية..
تسأله؛ أيُّ جزءٍ من البنيات يحبُّ أن يقضم؟
ويقول بطّة ساقها، وتفكر ليلى بالدوالي، آثار تشققات الجلد، الغضون حول عينيها والتجاعيد تنفرطُ كلما همّت بالكلام وضاع منها القول، خيوط البياض تسيل من مفرق رأسها، وكيف صارت هي الجدَّة.
تفكّر ليلى بسنواتها الأكثر من حكاية المئة عام،
بالطفلة التي هرمت من فرط ما حُوّلت إلى عبرة للنشء،
بالسذاجة العار،
بقصةٍ ملفقةٍ عن السّمع والطاعة
قلبها يضربُ قضبان الصدر،
كلما اقترب القمر الأحدبُ من كمالِه
5
وقرّر الاثنان إشهار الحكاية التي لا يعرفها أحد،
لأن أحدًا لا يهتمُّ بما تقوله الذئاب.
ولا بما تهمسُ به الغابات، ولا البنيات ولا الجدات، ولا حفيف الأقحوان الطفوليّ، ولا أجراس قصص العشق الصغيرة ولا رنين القصائد ولا أنين المهزومين..
الحكاية التي انتصرت هي حكاية الصياد، حكاية الفأس المسننة والبطن المبقورة وعجوز تخرج من جوف الذئبِ منقوعة بعصارات الهضمِ دون أن تموت - كذبة عصية على الذوبان في أسيد اللغة.
جدة تحولت إلى سوط يجلدِ ظهور البنات.
حفيداتها تحديدًا.
6
"أعضُّ بطات سيقان البنات"، قال،
يجيلُ الذئبُ عينيه في الشجر وطفولة الأقحوانِ وفضة النبع..
"وأحوّلهن إلى مستئذبات".
ولم تشعر ليلى بالخوف من أن تستذئب، لكنها خافت من البشريّ فيها.
من فأس الصياد، من الدَّم الحرام،
من الجاراتِ في القرية يخبزن النمائم وعلقم القول والمكائد الصقيلة،
من الخطاطيفِ معلقة على ظهرها وزنديها
من الرجال والسَّكاكين والقصص المذبوحة على منصّة السمع والطاعة
من عجوز تعشق الذئاب وتعشقها الذئاب تلفظها القرية وتفردُ لها الغابةٌ أخضرها الفسيح.
من الرداء الأحمر بصفته..
فضيحة للأنوثة.
7
لم تفهم ليلى..
كيف ستعود إلى القرية بعد كل الذي قيل؟
كيف يمكن لمن لامست تخوم الوحشية أن تعود إلى عالمٍ داجن؟
ولكنّ بطة ساقها قليلة، والجدّة ماتت منذ عشرات السنين، والبُنية أفلست من حجج الذهاب، وليس لديها وردٌ تماطل به الطريق، والأغنيات تكلّست في حلقها والصوت جفّ، وما عادت بُنيّة.
8
وقال الذئبُ يا ليلى..
أنا أنتِ، أنا الوحشيّ فيكِ،
أنا الدمويّ النافر من أخضر الغابات،
عواءٌ مديد يذهب حتى أقاصي الليل يلامسُ البدرَ الليلكيّ،
وأنا الرقص وأنا الخمرُ وأنا الأمر،
وأنا العطشُ إلى النهر وأنا النّهر،
وأنا النابُ وأنا الفريسة في لعبة الطرائد وأنا الفخاخُ كلّها
وأنا.. أنتِ.
9
وقالت ليلى وأنا أنتَ..
لستُ السذاجة ولا الضحية ولا غباء الصغيرات يملؤون به قصص الطفولة،
سمعتُ النداء واكتويتُ بمحض دمي،
وأنا التي بحثت عنكَ في الحكايةِ
وعثرت عليك في القصيدة،
وأنا الغابة تتوهُ فيها إلى الأبد،
وأنا ابنة الذئب المنفيّ في البشريِّ
وأنا جريمتك الأخيرة
وأنا صك براءتك،
وأنا أنتَ.
22 أغسطس 2020