في شهر يناير الماضي. عقَد البرلمان المصري أولى جلساته دون وجود النائب المصري والمعارض النشيط أحمد الطنطاوي، وذلك بعد إعلان خسارته في جولة الإعادة في دائرته "قلين" بمحافظة كفر الشيخ. على الرغم من إصرار طنطاوي على أنّه الفائز، برْهن على ذلك بما لديه من أوراق تثبت تقدّمه في الأصوات على منافسيه في دائرته بمحافظة كفر الشيخ. وقد قدّم تظلمات قضائية بشأن ذلك، لكن بلا نتيجة، في دلالة واضحة على سعي السلطة لتشكيل البرلمان الجديد دون الأصوات المعارضة بداخله سيّما أصوات تكتّل 25 -30. ولكن ما هي أبرز مواقف طنطاوي المعارضة في البرلمان في صورته القديمة؟ والتي جعلته مستبعدا من الفوز هذه المرّة؟ وما هي الطرق التي بدأ طنطاوي بالفعل سلْكها للمعارضة من خارج البرلمان؟ بالتوازي مع ردّة الفعل المتوقعة من النظام المصري في احتواء وَطيّ أي أصوات من معارضة داخل أو خارج البرلمان؟
طنطاوي من داخل البرلمان ومن خارجه
طنطاوي صاحب الـ 41 ربيعا من عمره، خريج كلية التجارة قسم المحاسبة من جامعة المنصورة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2005، وهو نفس العام الذي أصبح فيه عضواً مؤسساً لحزب الكرامة الناصريّ ليصبح بعد ذلك أمينا للحزب في بلدة قلين بمحافظة كفر الشيخ.
في الفترة ما بين 2010 إلى 2015. صعد طنطاوي سريعا ضمن أروقة الحزب السياسيّة ليكون عضوا للمكتب السياسي، بالإضافة إلى كتابته الصحافية في عددٍ من الصحف، وتقديمه بعض البرامج مثل "آخر خبر" و"حصاد الأسبوع" إلى أن انتخب رسميّا نائبا في برلمان 2015 عن دائرة قلين بمحافظة كفر الشيخ.
كان دخول طنطاوي البرلمان بمثابة ظهوره البرّاق لجموع الناس من المؤيدين للسلطة والمعارضين لها. فأصبح النائب الشابّ المعارض الذي انضمّ لتحالف 25 -30 داخل البرلمان، وهو تحالف جمع عدداً من الوجوه المعارضة. أهمّ اعتراضات طنطاوي كانت عند اتفاقية ترسيم الحدود والتي عَنت مناقشة قضية مصريّة/سعودية جزيرتيّ تيران وصنافير عام 2016. المرّة الثانية عام 2019 أثناء التصويت على التعديلات الدستورية التي تسمح بتمديد الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات. فضلا عن عددٍ من المشادّات بين طنطاوي ورئيس المجلس آنذاك المستشار علي عبد العال.
ذلك الضجيج المعارض الذي بثّه طنطاوي أثناء جولته البرلمانية جعل وجوده في الانتخابات البرلمانية الجديدة محل انتظار وجدلٍ كبير. حيث ينتظر الناس فوزه، واستكمال نضاله السياسي في وجه السلّطة، عكس ما أرادته السلطة بخسارته وإخراجه من البرلمان في جولته الجديدة، ممّا أثار أقاويل عن التزوير الذي حدّث، واستياء طنطاوي ودفّعه إلى خوض طريق جديد يكمل من خلاله عمله السياسيّ.
في يوم 25 ديسمبر عام 2020. أعلن حزب الكرامة انتخاب عضوه أحمد طنطاوي رئيسا له خلفا للسياسيّ محمد سامي. ليبدأ طنطاوي بذلك الإعلان استسلامه لخسارته في الجولة البرلمانية الجديدة، وبدء تيار سياسيّ إصلاحي يراقب السلطة وقراراتها. هذا الإعلان جعل المشروع السياسيّ لطنطاوي محلّ ترقبٍ لدى الجهات السياسيّة والإعلامية الفعّالة للمشهد المصري.
نتج عن ذلك خروج طنطاوي لأكثر من مرّة ببثٍ مباشرٍ على فيسبوك ليوضّح فيه ملامح الخارطة السياسية الجديدة له على المستوى الشخصي ولحزبّ الكرامة، بالإضافة إلى استضافته مرتيّن على قناة بي بي سي عربي في برنامجيّ "بتوقيت مصر" و"بلا قيود". وظهر كذلك في برنامج "هوا مصر" على قناة فرانس 24، وعلى إذاعة مونت كارلو الدوليّة، ليتحدّث من خلال تلك اللقاءات على ما ينوي فعلّه في الفترة القادمة.
كالعادة بدت على وجْه طنطاوي اللباقة والاتزان والثقة في الحديث عن خسارته في الانتخابات والمستقبل السياسي. لكن تسرّب من هذا الاتزان بعض القلق بشأن اختيار الألفاظ عن السلطة. فهو يختار ألفاظه جيدا، يبتعد طنطاوي عن الألفاظ التي تتهم السلّطة الحالية بالتزوير أو القمع أو الحكم بسلطويّة شديدة، طنطاوي الذكيّ سياسيّا يعرف أنّه ربما يعتقل من السلطة في أي وقت، سيّما بعد فقدان حصانته البرلمانية. أما بالنسبة للمشروع السياسيّ، فلم يأت طنطاوي في تصريحاته بأي خارطة سياسية متكاملة وواضحة تناوئ السلطة، بل سيعمل الحزب وتيار الكرامة كمراقب لِتشريعات وقرارات السلّطة الحالية. يندرج طنطاوي تحت الأيديولوجية الناصرية، لكن بشكلٍ جديد، أكثر تقدّمية من الناصريين القدامى. حيث تيار شبابيّ الفكر يراعي حقوق المرأة والحريّات المدنية والفردانيّة وعدم التمييز الاجتماعي والسياسي والحقوقي على أساس الجنس والنوع الاجتماعي، ويدعو إلى العدالة الاجتماعية ومناهضة الفقر والجوع والسياسات النيوليبرالية التي تضرّ بالمواطن لحساب القطاعات الاقتصادية الخاصّة والأجنبيّة.
بعد خسارة طنطاوي، تداولت بعض الشائعات أنّه ربما ينوي السفر خارج مصر خوفا من اعتقاله، لكنّه نفى تلك الشائعات، مؤكدا على استمرار وجوده وتصريحاته المعارضة للسلطة من داخل مصر. وقال أنه "لا يوجد ما يمنعه من المعارضة في الداخل، مع كامل احترامه لمن قرر أن يُعارض من الخارج". يريد طنطاوي ألّا يسلك طريق المعارضة الموجودة خارج مصر، تحديدا في قطر وتركيا، يحب أن يبتعد عن التصنيفات الأيديولوجية التي تُحسب على الإخوان المسلمين، فعلى مدار كلّ السنوات الفائتة لم يخرج طنطاوي في لقاء على القنوات المحسوبة على المعارضة من الخارج مثل قنوات مكمّلين، الشرق، الجزيرة. وتلك خُطوّة ربما يحسبها طنطاوي بدّقة لخوفه من تصنيفه في تلك الدائرة من قبل القائمين على السلطة وأبواقِها الصحافية والتلفزيونية.
السلطة: مزيدٌ من الحوكمة
أما بالنسبة للسلطة السياسية. فقد تركت طنطاوي على مرّ خمس سنوات في البرلمان، مكتفيّةً بهجوم زملائه النواب عليه من أحزاب الأغلبية المؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي التي أقرّت كلّ التشريعات التي اعترض عليها طنطاوي. إلى أن جاءت الانتخابات مرّة أُخرى لتطيح السلطة بطنطاوي من البرلمان ومعه بعض الوجوه المعارضة من تكتل 25 - 30 مثل محمد عبد الغني، هيثم الحريري، عبد الحميد كمال، طلعت خليل، محمد العتماني، مصطفى كمال الدين. وقد احتفظ التكتّل بمقعدين فقط للنائبين أحمد الشرقاوي وضياء الدين داوود.
نتجّ عن تلك الخسارة استياءٌ شديد من الخاسرين وداعميهم بسبب الرشاوى التي قدّمت للناخبين من حزب مستقبل وطن، بالإضافة إلى التشكيك في فرز الأصوات وترجيح كفة النتائج لصالح مرشحيّن موالين لحزب النظام المصري. تتقارب نسبة حزب مستقبل وطن 52% (539 منتخب + 28 يعيّنهم الرئيس = 568 مقعد) مقارنة بما حصده ائتلاف دعم مصر في برلمان عام 2015 بنسبة 56%. أي أن أكثر من نصف مقاعد الجولتين في يد حزب الدولة المصرية، غير أن البرلمان الحالي أقصى أصواتا معارضة بارزة متمثلةً في تكتّل 25+30.
مؤخراً سلّطت الدولة أيضا الإعلام التابع لها لمهاجمة النائب طنطاوي. أبرز الوجوه كانت للإعلامي نشأت الديهي الذي قال إن طنطاوي لم يكمل تعليمه السياسيّ، واستنكر الديهي ظهور طنطاوي على شاشة بي بي سي، حيث إن ذلك يتعارض مع أفكار عبد الناصر التي يحملها طنطاوي.
ما يجري الآن بين السلطة السياسية/ الأمنية في مصر وبين السياسي المعارض أحمد طنطاوي، هو حالة ترقّب من الطرفين. ربما تنتظر السلطة السياسية بعضٍ من الوقت لِتُقبل على اعتقاله، أو تُشبكه في عدّة قضايا بتهم الإساءة إلى الدولة المصرية ورموزها وهيئتها القضائيّة، أو تحاول بشكلٍ أو بآخر تقييد حواراته الإعلامية إن استمرت أو خرجت عن المألوف. من جهة طنطاوي فهو أيضا حريصٌ على ألا يتلفّظ بألفاظ شديدة تصف القمع التي تمارسه السلطة في حق المعتقلين السياسيين، أو تقييد الحريّات للمواطنين، فضلا عن الإجراءات الاقتصادية الغاشمة التي تزيد من فقر وجوع المواطن المصري. بل يفضّل طنطاوي الحديث عن استمراريّة الكرامة وتيّارها السياسي في مراقبة القرارات الحكومية التي تخالف الدستور والمصلحة العامة للمواطن المصري.
في إحدى جلسات البرلمان الفائتة، تكرر المشهد الذي كان يحدث بين رئيس البرلمان السابق علي عبد العال والنائب السابق أحمد طنطاوي، حيث قام رئيس البرلمان الجديد المستشار حنفي جبالي بطرد النائب الوفديّ محمد عبد العليم داوود من الجلسة، ابن محافظة كفر الشيخ والمُنتخب من دائرة مركز دسوق وفوه ومطوبس، بسبب وصف حزب مستقبل وطن بأنّه دخل المجلس بالكراتين. بعد هذه الضجّة، بدأ استرجاع تاريخ داوود الاعتراضي من داخل المجلس، بما أنّه برلمانيّ منذ 20 عاما، وله مشاجرات وإحالات للتحقيق وشدٍّ وجذبٍ مع الأسطورة الرئاسيّة للبرلمان أحمد فتحي سرور.
بعد ذلك، قام رئيس حزب الوفد بهاء الدين أبو شقة بفصل داوود من الحزب، ما جعله عُرضة للتحقيق في أمر استمراره في البرلمان، حيث تنص المادة 6 من قانون مجلس النواب، أنّه في حالة انتفاء الصفة التي اُنتخب على أساسها العضو، تسقط عضويّته بعد تصويت ثلثيّ مقاعد البرلمان على ذلك. ربما تكون خطوة فصل داوود من الحزب تمهيدا أحدثه النظام المصري للإطاحة به من البرلمان، بواسطة رئيس حزب الوفد ووكيل مجلس الشيوخ الحالي والمقرب من الدولة دليلاً على نيّة النظام الحالي في خلق برلمان بلا معارضة.