في صيف العام 2020، بثت قناة "بي بي سي الرابعة" سلسلة وثائقيّة بعنوان "فن بلاد فارس". وغطّت السلسلة ثلاثة آلاف عام من التاريخ وقدّمت لمشاهديها سرديّة شائعة ومألوفة عن إيران وعن الهوية الإيرانيّة، حيث تَظهر كل من "الأمّة الإيرانيّة" و"الهويّة الإيرانيّة" طبيعية ومتجانسة وبعناصر متجذرة عبر التاريخ. والعرق الفارسي يكمن في صلب السرديّة، في حين أنّ اللّغة الفارسيّة قُدّمت على أنّها منقذ الهويّة الفارسية في وجه الشدائد، مثل "الغزو العربي". وهذه الطريقة من رواية التاريخ الإيراني مستوحاة بدرجة كبيرة من سردية قوميّة أضحت رسميّة للمرة الأولى خلال حكم أسرة بهلوي، وقامت على جهود المثقفين الحداثيين في إيران في نهاية القرن التاسع عشر، وهي سردية تقلّل من أهميّة التنّوع الإيراني لصالح هوية وطنية متجانسة وموحّدة.
تلتزم السلسلة الوثائقية بهذه السرديّة من زوايا عدّة. فهي مثلًا تستخدم، بطريقة غير متّسقة تاريخيًّا، مفاهيم عصريّة مثل "الهوية الوطنيّة" وتنسبها إلى الماضي القديم. وهي تخلط مرارًا بين تعبيريّ "إيراني" و"فارسي" إلى درجة أن المشاهد يمكن أن يفترض أن كل الإيرانيين هم من الفرس، على الرغم من أنّ خمسين بالمئة من الشعب الإيراني فحسب يتكلمون الفارسية كلغتهم الأمّ. حتى أن السلسلة تقدم معلومات خاطئة كليًّا، مثل زعمها أن النيروز هو "بداية العام الفارسيّ حصريًّا"، في حين أن هناك شعوبًا عدّة تحتفل بعيد النيروز، ابتداءً من آسيا الوسطى ووصولًا إلى غرب آسيا. كما أنها تدّعي أن الفرس هم الشعب الوحيد في الشرق الأوسط، بعد الحملة العربية، الذي "حافظ" على لغته وهويته. وهذا خطأ؛ فقد شهد الأكراد، والجيلاكيون، والمانزانداريون، واللكيّون، والبلوش، والآشوريون، التجربة ذاتها. فإنّ بروز العربية لم يعنِ أن هذه اللغات انقرضت، فقد صمد بعضها وظل موجودًا، وتحوّل بعضها الآخر عبر تداخله مع العربية، تمامًا كما أثّرت حضارات أخرى عليه من قبل ومن بعد.
السردية القومية لتاريخ إيران، والتي تبنّتها السلسلة، تستند عمومًا على فكرة "حضارة فارسيّة صافية" قائمة على صراع دائم مع "الإسلام العربي"، وهي فكرة شائعة في السياسة المعاصرة. وتقترح هذه السردية مرارًا أن ثورة العام 1979 حملت هذا الإسلام إلى السلطة السياسيّة، قامعة القوميّة الإيرانيّة لمصلحة هوية إسلامية جامعة ترتكز فقط على "الأمّة" (المجتمع الإسلامي الدولي). وعلى الرغم من أن السلسلة لا تركّز على سياسات الجمهوريّة الإسلاميّة، إلا أنه يبدو أن إطار الوثائقي يهدف إلى دفع المشاهدين لاستخلاص أن الحضارة "الفارسية الصافية" و"الهوية الإيرانية" ستتغلّب على أي "غزو" آخر. هذه السرديّة تعتبر أن مشروع الجمهورية الإسلامية لبناء هويّة وطنيّة يتعارض مع مشروع أسرة بهلوي، معتبرة الأول "إسلاميًّا" في مواجهة آخر آري\إيراني.
وتظهر دراسة متأنيّة للموضوع أن هذين المشروعين لا يتعارضان مع بعضهما البعض. فتحديد الجمهوريّة الإسلاميّة لمفهوم الهويّة الوطنيّة هو، بطرق عدّة، بناء منطقيّ على ما بدأته الأسرة البهلوية من قبلها. صوّر أتباع إرث الأسرة البهلوية مشروعهم الأيديولوجي، حالهم حال الجمهورية الإسلامية، على أساس أنه على النقيض من الآخر. ولكن التدقيق في كيفية تصوير الهوية الوطنية منذ العام 1979 يكشف الكثير من أوجه التشابه بين المشروعين، أكثر بكثير مما يرضى الطرفان الاعتراف به، الأمر الذي يربك الانقسام الثنائي المتمثل في الهوية الإسلامية في مواجهة الهوية الإيرانية، وهو انقسام في قلب العديد من النقاشات المعاصرة حول إيران.
الشاه رضا، الذي أسس حكم الأسرة البهلوية في العام 1925، أقام مشروعه لبناء الدولة على التمجيد والاحتفاء بماض متخيل طوباوي، وآريّ صافٍ. وكانت تلك أيديولوجيّة يناصرها المثقفون الغربيون الناشطون في إيران من جهة، والمفكرون المحليون الحداثيون والقوميون من جهة ثانيّة. وكجزء من الترويج لتلك الأيديولوجيّة الآريّة، شُجعت ترجمة وإنتاج أعمال أكاديمية قوميّة، ووُظّفَ مؤرخون لدراسة تاريخ إيران وصياغته.
وعلى وجه الخصوص، فإنّ أفكار عالم الآثار الألماني إرنست هيرتزفلد حول إيران الأخمينيّة كمفهوم جيوسياسي، وأنّها كانت "إمبراطوريّة الآريين"، بالإضافة إلى فكرته بأن "الأمّة الإيرانيّة" انبثقت خلال العهد الأخميني، اعتُبرت الأفكار الرسميّة لمشروع الهويّة الوطنيّة للأسرة البهلوية. من جانبه، اتبع الحاكم البهلوي الثاني، الشاه محمد رضا، هذه الأيديولوجيّة الآريّة التي أضحت واحدة من أكثر السمات تميّزًا في العهد البهلوي، رغم أنها كانت مرفوضة كحقيقة تاريخية على نطاق واسع.
وكجزء من برنامجه التحديثي، اصطدم رضا شاه مع بعض أوجه العقيدة الإسلاميّة في إيران. فهو مثلًا، حظر طقوس عاشوراء، وارتداء التشادور، ثم ولفترة من الزمن، فرض على النساء قانونيًّا الظهور علنًا من و دون حجاب.
لكن، وعلى عكس الاعتقاد الشعبي الذي غالبًا ما يُبرز الشاه رضا على أنّه معادٍ للإسلام، إلّا أنّه لم يكن كذلك فعليًّا، وإنما يمكن وصفه كشخص حاول صياغة شكل الإسلام في إيران. وتبين أن معظم المحظورات التي رفضها لم تلق قبولًا شعبيًّا وأُلغيت لاحقًا. ومثله، لا يمكن اعتبار ابنه، الشاه محمد رضا، معاديًا للإسلام، بعدما روّج لدور الإسلام في المجتمع، وشارك علنًا في الزيارات الدينيّة، ورعى الشعائر الدينيّة. كما أنّه كان على علاقة وثيقة برجال الدين، الأمر الذي يبدو واضحًا بالنظر إلى الأحداث التي أحاطت تولي محمد مصدّق لرئاسة الوزراء وانقلاب عام 1953، حين أظهر أعلام رجال الدين تأييدًا تامًّا للشاه الشاب.
خلال حكمه، كان هناك تأييد منتظم للنقاشات الدينية، إذ أُبزت لمحاربة التأثير المتنامي للأفكار الثوريّة الماركسيّة، والتي كان يعتبرها تهديدًا أكبر لحكمه. وعلى سبيل المثال، مُنح العالم الإسلامي مرتضى مطهري، الذي كتب ضد الماركسية وحاضر ضدّها، عضوية "الأكاديميّة الإمبراطوريّة الإيرانيّة للفلسفة" كما مُنح "الجائزة الملكية لكتاب العام"، وأُعطي منصب محاضر في جامعة طهران. في كتابه "شرقيّة وغربيّة معًا: تاريخ فكري للحداثة الإيرانية"، يبين أفسين متين-أصغري كيف استوعب البلاط الملكي الحملات الدينية المعادية للماركسيّة، بالإضافة إلى جهود العديد من الدوائر الفكرية الإسلامية الرامية إلى بناء "ثقافة وطنيّة إيرانية أصليّة" ترتكز على الإسلام الشيعي وعلى انتقاد جذري لـ"الغرب". ومن بين الشخصيات المؤثرة الفاعلة في تلك الدوائر كان هناك كلّ من أحمد فرديد، وهنري كوربن، وجلال الأحمد، ودريوش شايغان، ومرتضى مطهري، وسيد حسين نصر.
من بين هذه الشخصيات، سيد حسين نصر، وهو فيلسوف إسلامي محافظ (تقليدي) شهير، برز على أنّه رمز لهذه الصلة بين العالمين؛ فقد عُيّن في منصب السكرتير الشخصي لفرح بهلوي، "شاهبانو" (إمبراطورة) إيران، ورئيسًا لمكتبها الخاص. وأُوكلت إليه مهام إنشاء "الأكاديمية الإمبراطورية الإيرانية للفلسفة" وقيادتها، مبنية على مبادئ الفلسفة التقليدية. وبينما كان نصر على علاقة مباشرة بالبلاط الملكي، كان مرتضى مطهري على علاقة دائمة ومباشرة بالخميني الذي كان في ذلك الوقت يعيش في المنفى في النجف في العراق. وأدّت الأفكار التي دفعتها تلك الدوائر إلى الواجهة، دورًا هامًّا في تطوير أيديولوجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة. ويمكن المحاججة بأن بدايات صياغة النسخة القوميّة الإيرانيّة للجمهوريّة الإسلاميّة، مع التركيز على ثقافة وطنية إسلاميّة أصلية، كانت قد بدأت تُدفع إلى الواجهة قبل الثورة، من قِبل البلاط الإمبراطوري.
وفي حين لم يتبنَّ ساسة الجمهورية الإسلامية أبدًا القوميّة في العلن إبّان السنوات الأولى التي تلت الثورة، إلا أنهم استمروا في تطبيق العديد من السياسات القومية الموروثة عن أسرة بهلوي. وهي تتضمن نظام التعليم بالفارسية فقط، بالإضافة إلى الخدمة العسكرية الإلزاميّة. كما أنها تشمل أيضًا السردية القومية الإيرانية؛ فقد استمرّ المنهج الدراسي لمادة التاريخ على الخط الذي كان عليه من قبل، مركّزًا على هوية إيرانية مستمرة عبر التاريخ.
في بحثه "القومية الإسلامية-الإيرانية وتداعياتها على دراسة الإسلام السياسي والقومية الدينية"، يناقش كامران سكوت أغايي أنه في عهد الجمهورية الإسلامية "عوملت فكرة الأمة الإيرانية الأصولية على أنها حقيقة قائمة، وأُثني على أمجاد ماضيها، بما في ذلك تراث إيران ما قبل الإسلام". لم يكن مشروع بناء الدولة التابع للجمهورية الإسلامية مبنيًّا على هوية إسلامية بحةت بل دُمجت عناصر قوية من المشروع البهلوي. وأنتج ذلك نوعًا من الاستثنائية في الإسلام الإيراني.
وفي حين أن الخطاب الرسمي للنظام الجديد لم يتضمن أي إشارة إلى "العرق الآري"، إلّا أنّه لم يعارض الأيديولوجية الآريّة بانتظام. من جهة أخرى، فإنّ ما ركّز النظام عليه هو سمة الإسلام الشيعي في الهوية الإيرانية، وهي سمة شكّلت مكونًا هامًّا في حملات بناء الإمبراطوريات للعديد من النخب الحاكمة في تاريخ إيران، مثل الصفويين. وعمليًّا، أدى ذلك إلى فرض قيود على أقليّات دينية مثل الزردشتيين. وبسبب أهميّة الزردشتيين في السردية القومية البهلوية، اعتبر بعض المراقبين أن في ذلك سياسة معادية للإيرانيين أو القوميين، من دون أن يأخذوا في الحسبان واقع أن أقليّات دينية أخرى، مثل البهائيين أو الصوفيين، وقعوا ضحية إجراءات أكثر قمعية.
استثنائية الإسلام الإيراني، أو بمعنى أدقّ، استثنائية الشيعية الإيرانية، تبدو جليّة في الحملات الدعائية للحرب الإيرانية خلال حرب إيران والعراق (1980-1988)، التي تلت مباشرة ثورة عام 1979. في وثائقيات بُثت عبر التلفزيون الرسمي، صُوّر المقاتلون الإيرانيون كطلائع مبشرين بعالم إسلامي جديد ينتظره الكوكب منذ قرون. وكان دور مرتضى أفيني، مخرج السلسلة الأيقونية لوثائقيات الحرب "سيرة انتصار" (1986-1988)، مركزيًّا في إنتاج الخطاب الدعائي (التعبوي) للجمهورية الإسلاميّة. في مقابلة مع مجلة "فيلم"، مزج أفيني متعمدًا بين المذهب الشيعي وبين نوع من الاستثنائية الإيرانية، زاعمًا أن "إيران هي مصدر الثقافة الإسلامية كلّها، بما في ذلك الصوفية الروحانية الإسلامية. حتى النقاشات الفقهية والأكاديمية حول الفكر الديني في الإسلام تأتي من إيران والفكر الإيراني. والعلاقة التي أسسناها، نحن الإيرانيون، مع الإسلام، كانت أفضل من العلاقة التي أسسها العرب".
هذا النوع من الاستثنائية الشيعية الإيرانية أصبح واحدًا من أبرز أوجه حكم الجمهورية الإسلامية خلال العقدين الماضيين، لا سيّما أثناء رئاسة محمود أحمدي نجاد (2995-2013). أصرّ أحمدي نجاد وفريقه على تفسيرٍ إيرانيّ للإسلام، وعلى ما أسموه بـ"الإسلام الإيراني" أو "المدرسة الإيرانية" (مكتبي إيراني). وفي حين شهدت هذه المقاربة ردود فعل سلبية من بعض دوائر رجال الدين، الذين اعتبروا أنها تضعف الوحدة الإسلامية، إلا أنها أثبتت شعبيتها وكان لها تأثير طويل الأجل. ونجح أحمدي نجاد وفريقه في إحضار أسطوانة قورش مؤقتًا إلى إيران من بريطانيا لعرضها باحتفاء ضخم أمام جمهور تغلبه الحماسة. وأسطوانة قورش هي واحدة من أكثر الرموز شهرة وأيقونية في الأيديولوجية الآرية الإيرانية.
عملت سردية الآلة الدعائية البهلوية على تشويه محتوى الأسطوانة في سبيل تدعيم مصداقيتها ومحاربة الاتهامات بخرق حقوق الإنسان. في حين أطلق أحمدي نجاد على الأسطوانة تسمية الشرعة الأولى على الإطلاق لحقوق الإنسان، معلنًا أن "العالم اليوم هو بحاجة ماسّة لثقافة الأمة الإيرانية وحكمتها". وفي خطوة رمزية خلال حفل إزاحة الستار عن الأسطوانة، وضع أحمدي نجاد كوفيتين إيرانيتين (من النوع الذي يرتديه أعضاء الباسيج، التنظيم الإيراني الملسح) حول رقبتي ممثلين أحدهما يؤدي دور قورش الكبير والثاني كافيه الحداد (وهو شخصية أسطورية من حقبة ما قبل الإسلام).
في كتابها "إعادة تأطير إيران: قلق السلطة في الجمهورية الإسلامية"، تناقش نرجس باجوغلي، أنه بعد رؤية تأييد شبابي واسع النطاق لـ"حركة الخضر" في عام 2009، بدأ واضعو الأيديولوجيات والثقافات في الجمهورية الإسلامية، بالتفكير جديّا في إعادة رسم صورة الحكومة عن طريق إدخال عناصر قوميّة إيرانية بوضوح في الإنتاجات الفكرية الثقافية. وهدف هؤلاء المنتجون الثقافيون إلى جعل حملاتهم الدعائية أكثر جاذبية للأجيال الشابّة التي لم تعايش الثورة والحرب، ولم تكن بالضرورة مهتمة حصريًّا بالسرديّة الإسلامية لتاريخها. إذ لاحظت باجوغلي في السردية التي قُدّمت في "متحف الدفاع المقدّس" في طهران، وهو مجمع ضخم أسس سنة 2010 وكُرس لتاريخ الحرب العراقية-الإيرانية، كيف "أعيدت صياغة الحرب كمشروع قومي.. عوضًا عن كونها مهمة دينية".
منذ انتهاء ولاية أحمدي نجاد سنة 2013، تغلغل هذا التوجّه الرسمي نحو تاريخ إيران ما قبل الإسلام في عدد أكبر من النشاطات الثقافية الحكومية، بدءًا من الجداريات في المدن، ووصولًا إلى الأفلام. ولم يعد من المفاجئ رؤية رسوم لشخصيات أسطورية تعود إلى ما قبل الإسلام مثل آرش كمانجير (ويقال أنّه حدّد حدود إيران برمية رمح) إلى جانب رسومات الأئمة أو رجال الحرس الثوري. في الوقت ذاته، فإنه من المألوف رؤية شبّان يلطمون على صدورهم خلال شهر محرم حزنًا على الإمام الحسين، فيما يرتدون قلادات فارافاهار، وهو رمز زردشتي يعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، روّجت له الإمبراطورية في السابق على أساس أنّه رمز وطني. هذه التطورات الحديثة في الاستراتيجية الرسمية للدولة والسلوك الثقافي للجماهير هي جزء من التأثير المتبادل المستمر بين التوجهات القومية وتلك الإسلامية في إيران المعاصرة.
وأثبت هذا التوجه الجديد فائدته في تبرير الانخراط الإيراني في حروب حديثة في المنطقة. فعبر تقديم المقاتلين الإيرانيين في الخارج كمدافعين عن إيران بالإضافة إلى كونهم "مدافعين عن المقامات المقدّسة" (في مواجهة تدنيس المقامات الشيعية في سوريا والعراق)، فقد جذبوا انتباه قطاعات مختلفة من الشعب، من المسلمين المتدينين إلى القوميين المتحمسين. وقد غذّوا تأييدًا عامًّا لشخصيات مثل قاسم سليماني، الذي اعتُبر شخصية موحِّدة قادرة على جمع كل هذه القطاعات المتنوعة والمتعارضة في آن في المجتمع الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، وصلت دعوات تأييد مثيرة للاهتمام ولها دلالة سياسية من عدد من المؤيدين للأمبراطورية المنفيين. في السنوات الأخيرة، بات لدى بعض الملكيين نقطة ضعف تجاه الجمهوريّة الإسلاميّة، وهو أمر كان في السابق غير قابل للتخيّل. فمثلًا، قام أوميد دانا، وهو ناشط ملكي في السويد، مرارًا، بمقارنة علي خامنئي، المرشد والقائد الأعلى الإيراني، بداريوش الكبير، الملك الأخميني في فترة ما قبل الإسلام. وقد رثى مقتل سليماني وشبّهه ومقاتليه بوحدة عسكرية أخمينية تُعرف بـ"قوات الخالدين" (غارد ايه جافيدان). أمّا أكثر الأمور إثارة للدهشة كانت عندما أعلن اردشير زاهدي، الدبلوماسي الرفيع في عهد ما قبل الثورة، والملكيّ بقوة، في مقابلة مع "بي بي سي فارسي"، أن سليماني كان ابن إيران وجنديًّا وطنيًّا مشرّفًا.
ما يمكن أن يبدو للوهلة الأولى متناقضًا - ملكيّون منفيون يؤيدون الجمهورية الإسلامية - يبدو مفهومًا بالنظر إلى كل من دور الإسلام في القومية الإيرانية البهلوية والسياسات القومية للجمهورية الإسلامية منذ 1979. شدّد كل من الملكيين ومؤيدي الجمهورية الإسلامية على فروقات كل منهم عن الآخر، في موقف يبدو أنه قد أثّر على وثائقي الـ"بي بي سي" أيضًا. ولكن، يُظهر هذا المقال كيف أن الطرفين هما فعليًّا متشابهان في أوجه عديدة، وكيف، ربما بصورة مفاجأة، تبنّت الجمهورية الإسلامية العديد من السياسات البهلوية المتجذرة بالقومية واستمرت عليها. ولا تقتصر هذه النماذج على إظهار كيف أن الجمهورية الإسلامية متجذرة بعمق في إيران وحسب، وإنما كيف دعّمت الدولة نوعًا من الوطنية الشيعية، عن طريق قيامها بدمج أوجه من الأيديولوجية الآرية الوطنية في مشروعها لبناء الأمة، واستمرارها في استخدام هذا الدمج في سبيل حشد تأييد جماهيري والحصول على شرعية سياسية.
مراجع
- أغايي ك. س. (2014) "القومية الإسلامية-الإيرانية وتداعياتها على دراسة الإسلام السياسي والقومية الدينية"، في كتاب "إعادة النظر في الوطنية الإيرانية والحداثة"، محرر، أغايي ك. س. وماراشي، أ. جامعة تكساس للنشر.
- أفيني م. (1992) "السينما، التكنولوجيا وبنيّة الهوية للرجل الجديد". في مجلة "فيلم" (123). في أفيني م. (2015) "المرآة السحرية"، المجلّد الثالث. فآهي. طهران. ص 119 إلى 180.
- باجوغلي، ن. (2019) "إعادة تأطير إيران: قلق السلطة في الجمهورية الإسلامية". (جامعة ستانفورد للنشر).
[ترجمة هنادي سلمان. نشر النص بالانكليزية في Ajammc.com]