شنّت إسرائيل في نهاية 2008 حرباً على قطاع غزة على نطاق لم تشهده فلسطين لعقود. وأمضى قسمُ القانون الدولي التابع للجيش الإسرائيلي شهوراً قبلها بصياغة ”مشورة قانونية سوغت سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين“. وافتتح هذا نقطة بداية التفاعل الفلسطيني الرسمي مع المحكمة الجنائية الدولية، وجرتْ محاولة أولية فاشلة قامت بها السلطة الفلسطينية لدعوة المحكمة الجنائية الدولية لفرض ولايتها القضائية على جرائم ارتُكبت في فلسطين المحتلة. مرَّ اثنا عشر عاماً قبل أن تعلن الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أخيراً في شباط وآذار 2021 أن المحكمة تملك في الحقيقة ولاية قضائية، وأكدتْ المدعية العامة أنه سيتم الشروع بالتحقيق. أثناء تلك الأعوام، بدا كأن مكتب المدعية العامة حاول جاهداً أن يطيل الجدل حول السؤال الأولي فيما إذا كان يستطيع قبول الولاية القضائية. في هذه الأثناء، كانت غزة محاصرة وتتعرض للقصف، ومرة بعد أخرى:“سماء كالسكاكين… ومعادن تتناسخ، وأطفال يعرجون وغبار رمادي تحت الأبنية المدمرة“، كما صورت الشاعرة حلا عليان الوضع. وتجسد الدمار الأكبر في حرب إسرائيل على غزة في 2014. ولجأت إسرائيل أيضاً إلى القوة المهلكة أيضاً في 2018 لإلحاق الأذى بالفلسطينيين الذين تظاهروا في المسيرة الكبرى للعودة وقتلهم.
[جو ساكو، هوامش في غزة، ص 256]
إن العنف الساخن للهجوم العسكري واسع النطاق والمفرط والذي شمل الغارات الجوية والقصف المدفعي واختراق جدار الصوت والفوسفور الأبيض وتدمير المنازل والقنص بهدف القتل، بالإضافة إلى مقاومة الجماعات الفلسطينية المسلحة (التي كان مداها و“خطرها“ أقل) سيكون الموضوع الذي سيركز عليه تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في أحداث بدأت منذ حزيران 2014 فصاعداً. لكن الكاتب تيجو كول يعتقد أن ”العنف ليس كله ساخناً“. وتواصل العنف البطيء والبارد لسياسة الفصل العنصري الإسرائيلي بحدة أكبر، ويندرج في إطارها المشروع الاستيطاني والاستغلال الاقتصادي للأرض والعمالة الفلسطينية في الضفة الغربية والرفض التام لعودة اللاجئين الفلسطينيين، والدستور الإقصائي لدولة إسرائيل. وكما بين حسن جبارين، يتجاوز هذا خطوط التقسيم ويتغلغل عبر نظام قانوني واحد من الهيمنة الإسرائيلية العنصرية على الفلسطينيين. تتواصل كل هذه العناصر، وتشكل أعمدة لما تؤكد لانا طاطور أنه الهيكل الاستيطاني الاستعماري الشامل لنظام الفصل العنصري، وكل هذا من المحتمل أن يكون ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. بالتالي إن هدفنا هنا ليس المزيد من الإسهاب حول التفاصيل الفنية للولاية القضائية بل أن نجعل وضع المحكمة الجنائية الدولية أساساً للتأمل في سياسة الانخراط القانوني الفلسطيني. ونموضع هذا التأمل في السياق الأكبر للفصل العنصري الاستعماري الإسرائيلي، وننظر إلى التكتيكات القانونية الفلسطينية، و(تهمة جريمة سياسة الفصل العنصري بشكل خاص) في علاقة مع الاستراتيجية السياسية. نعي حدود القانون الجنائي الدولي، ونؤمن في الوقت نفسه أن اللجوء إلى العدالة الجنائية الدولية كموقع للصراع يمكن أن يغذي التحولات الأكثر راديكالية للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي نحتاجها لإنهاء الاستعمار الاستيطاني 1وتحرير فلسطين.
الحرب، الحرب القانونية وحدود القانون الجنائي الدولي
يمكن أن ينظر كثيرون إلى التحقيق الجنائي والملاحقة القضائية لأغراض المساءلة والردع كغايتين في حد ذاتهما. وينصبّ اهتمامنا الخاص على احتمال أن تحدث محاولة المحكمة الجنائية الدولية، والتي أثارها عنف الحروب على غزة، ثغرة تستطيع من خلالها محكمة دولية أن تتعامل مع العنف المتعمد لسياسة الفصل العنصري الإسرائيلية. ومن الجلي لنا أن القانون نفسه، وخاصة القانون الجنائي الدولي ”غير كاف كي يقود الفلسطينيين إلى التحرر“. نعي عدم قدرة المسؤولية الفردية على إنتاج تحول اجتماعي، ونتفق مع انتقادات خاصة للقانون الجنائي الدولي جاءت من تويل TWAIL ومن منظورات ماركسية تنظر إلى القانون الجنائي الدولي“كإعادة إنتاج لمهمة التحضير“ و“كعدالة رأسمالية منتصرة“.
إن المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة سياسية ”تعمل إيديولوجياً“ كجزء من نظامنا العالمي المعاصر ”لتدعيم تكتلات القوة السائدة“. وبيّن كامري ماكسين كلارك كيف أن المحكمة تجسّد التفوق الأبيض وتساعد على تمويه واستمرار العلاقات بين المركز والأطراف القائمة على الاستغلال الاقتصادي واللامساواة. ولو كانت الديناميات المؤسساتية في الأمم المتحدة مختلفة، لوجهنا بالتأكيد جميع الحجج والطاقات في الدعوة إلى ضرورة فرض العقوبات السياسية والاقتصادية على إسرائيل ولما قمنا برفع دعاوى جنائية ضد بعض المسؤولين. وفي ضوء الوضع القائم إن المحكمة الجنائية الدولية هي الباب المؤسساتي الذي أُجبر على الانفتاح قليلاً، بالتالي من الملح التفكير بأي فرصة يمكن أن يقدمها للأشكال المناهضة للاستعمار. ومن هذا المنطلق، ندعم الشعور بأن قرار الولاية القضائية شكل انتصاراً للناشطين القانونيين الفلسطينيين وشهادة على عملهم الذي لا يكل. ويجب أن يكون صريحاً السؤال الوظيفي فيما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تستطيع قبول الولاية القضائية على وضع في فلسطين يقع تحت نظام روما الأساسي، هذا إن لم يكن استجابة للطلب الأولي في 2009، وبشكل مؤكد بعد أن قُبلت فلسطين كعضو كامل في المحكمة في 2015. وكان بوسع المحكمة الجنائية الدولية العثور على طريقة لرفض الولاية القضائية في ظل ضغط ”الحجج الواهية والنفاق الواضح“ لأعضاء المحكمة الداعمين لإسرائيل، أو الاستمرار في سحب أي قرار إلى أجل غير مسمى. بالتالي، كان النصر في وضعه الحالي ثمرة نضال صعب. وشكل انتصاراً لفلسطين على دول رئيسية أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية مثل ألمانيا وكندا والبرازيل وأوغندا تدخلت بقوة للضغط على المحكمة وإجبارها على التخلي عن الولاية القضائية (وتبنت البرازيل وأوغندا موقفين ”تناقضا بشكل صارخ مع اعترافهما السابق بفلسطين، نزولاً عند تحالفات استعمارية جديدة مبرمة حديثاً). وشكل هذا أيضاً انتصاراً للمنظمات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين على النائب العام الإسرائيلي وعلى الذين نصّبوا أنفسهم ”خبراء بارزين في القانون الدولي“ ويظهرون على مواقع مزيفة ”للولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية“ ترعاها وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية. كما يجب الإقرار، في الوقت نفسه، أن الانتصار مؤقت جداً. لقد تم التغلب الآن على الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن المعارضة الإسرائيلية والأميركية المدعومة بازدواجية أوربية جوهرية لكنها ستتضاعف من جديد في المنافسات ذات الرهانات الأكبر القادمة. وستفاقمُ ضغوطٌ خارجية كهذه التحديات اللوجستية والتقنية الخاصة لمحاكمة أشخاص إسرائيليين في سياق يتسم بغياب أي تعاون رسمي من قبل إسرائيل، واحتمال نشوء تحديات للولاية القضائية مرة ثانية في حالات فردية. ويشكل التمويل وتحديات إدارية أساسية أيضاً مشكلة مادية متواصلة للمحكمة. وفي بيانها الذي يؤكد أنه سيتم الشروع بتحقيق الآن، حرصت المدعية العامة على تخفيف التوقعات المتعلقة بأولوية وسرعة الإجراءات، وحاولت من خلال التعبير عن شعور بالندم تقريباً إقناع إسرائيل بالوثوق بالمحكمة الجنائية الدولية. 2 لكن إسرائيل أكدت أنها لا تعترف بسلطة المحكمة ولن تتعاون مع التحقيق. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قرار المحكمة بقبول الولاية القضائية بأنه ”معاداة صرفة للسامية“. ويتلاءم هذا الزعم السخيف مع أسلوب اللعب الإسرائيلي. فقد أمضت إسرائيل ووزارة الشؤون الاستراتيجية فيها السنوات الخمس عشرة الأخيرة في محاولة لتقويض حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وتستخدم الآن تكتيكات مشابهة لنزع الشرعية عن المحكمة الجنائية الدولية. ويوضح تعيين إسرائيل للواء من الجيش 3 بدلاً من محام من أجل ”قيادة المعركة ضد المحكمة الجنائية الدولية“، أن ”الحرب القانونية“ لإسرائيل ”تزداد حَرْفية“، كما علق المراقبون ساخرين. في هذا السياق، إن مسائل الاستراتيجية والتكتيكات جوهرية.
التكتيكات والاستراتيجية
في مقال نشره في مجلة ”نيوليفت ريفيو“ في 1971 شدّد المفكر الفلسطيني والناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غسان كنفاني أنه من الضروري ألا تُمْلي ”أخلاقيةٌ برجوازية وطاعةٌ للقانون الدولي“ الصراعَ ضد الاستعمار. ثمة نقد شرعي مفاده أن مشروع التحرر الفلسطيني صار منذ ذلك الوقت مُثْقلاً بالمسألة القانونية وعمل على تهدئة هياكل السلطة بدلاً من تعطيلها. ويوضح كلٌّ من مزنة قاتو وكريم ربيع القضية بشكل مقنع مشيرين إلى أن العمل في إطار القانون الدولي يختزل الهدف الأصلي والأعلى ل“حتى التحرير والعودة“ إلى تعويل على قوانين ليبرالية أقل طموحاً وفي النهاية هازم للذات. وأضاف الباحثان الواعيان لتشابك القانون الدولي مع الاستعمار أن النضال القانوني ينتهي إلى التوجه ”نحو استعمار أفضل وليس نحو إنهاء الاستعمار“. وبتركيزها على تجاوزات إسرائيل وليس على جوهر الصهيونية، تُغْفل العملية القانونية الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للدولة والبنى الداعمة للإمبريالية والرأسمالية“. بهذا المعنى، سيكون من الإشكالي جعل استراتيجية الحركة تتمحور حول هيئات القانون التي بزغت من أجل قوننة الإمبريالية، والتي تعمل غالباً لقوننة الاستعمار الإسرائيلي“. إن الإشارة إلى الاستراتيجية أساسية هنا. إذ لا يمكن أن تقتصر الاستراتيجية على القانون. لكن التكتيكات القانونية يمكن في أوضاع معينة أن تعمل لدعم الاستراتيجية التحويلية. إن ما نحن بأمس الحاجة إليه في السياق الفلسطيني، كما قلنا سابقاً معتمدين على أبحاث دنكان كينيدي وروبرت كنوكس وآخرين، هو ”استراتيجية سياسية متماسكة توظف تكتيكات قانونية ملائمة مدروسة“ و“حركة سياسية قوية تدعم العملية القانونية وتستفيد من المكاسب التكتيكية“. بهذا المعنى يتطلب الانخراط من خلال القانون فهماً عميقاً للمؤسسات القانونية الدولية كميدان للصراع السياسي. ويقوم كل من كوكس ونتينا تزوفالا بتعقب نسب صراع سياسي كهذا في الحركات المضادة للاستعمار وصولاً إلى النظرية البلشفية للإمبريالية، والتي اتسمت ب ”عدم توقير معين للقانون الدولي، وبإحساس واضح أنه يجب أن يتم إخضاعه لمشروع مضاد للإمبريالية أشمل“.
ثمة اليوم تراث غني ومتنام من الباحثين والناشطين الفلسطينيين الذين يفكرون بعمق حول هذه الديناميات في حقول مختلفة ومنهم جورج بشارات ولانا طاطور، مازن مصري، نمر سلطاني، سامرة إسمير، يارا هواري، رفيف زيادة، سهاد بشارة، فكتور قطان، ناهد سمور، ناديا سمور، إيميليو دابد، إردي أمسيس، عطا هندي، هديل أبو حسين، ريم البطمة، حسن جبارين، منير نسيبة، ومضر قسيس، وكثيرون آخرون. ثمة مواضيع جوهرية مشتركة يتناولونها في أعمالهم كالجوهر الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل، واضطهادها للفلسطينيين ككل، وحقيقة الدولة الواحدة وسرديات التقسيم، والقانون الذي هو دائماً محوري لهذه المشكلات، وضرورة وجود استراتيجية سياسية في علاقة مع القانون والحقوق والتنمية والاعتراف وهكذا دواليك. إن ما قاله المصري يوضح الأمر:“ لا يمكن أن يحل القانون والتكتيكات القانونية مكان الاستراتيجية، لكن يمكن أن يلعبوا دوراً في الاستراتيجية يتمتع بمستوى عال من الدعم، ويقوموا بتعبئة الحركات الجماهيرية، ويوظفوا عدداً من الأدوات وتقودهم رؤية واضحة“. بهذا المعنى، هناك مجال كي تؤدي التكتيكات القانونية المبدئية المضادة للفصل العنصري إلى احتمالات تحويلية، هذا إذا سُخّرت بشكل فعال في الأوضاع الملائمة لخدمة استراتيجة سياسية مقنعة. على أي حال، في ضوء الوضع الحالي للقيادة الفلسطينية والانفصال بين المؤسسات السياسة الفلسطينية والحركات الشعبية وحملات التضامن العالمية، نرى أن أوضاعاً واستراتيجية كهذه غير موجودة. وبعد أن هجرت منظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية الدولة الديمقراطية الواحدة، وبعد تكتيكاتها ”الثورية البراغماتية“ (خاصة بعد أن أشار انهيار محادثات كامب ديفد إلى الموت المفترض لعملية أوسلو للسلام) اتبعت القيادة الفلسطينية سياسةَ إذعانٍ، وآمنتْ بفكرة أن السلوك الجيد للسكان الأصليين سيُكافَأ بأفعال خيرٍ إمبريالية، برغم الأدلة الدائمة والمتواصلة التي تشي بعكس ذلك. وبالطبع تخضع السياسة الخارجية الفلسطينية لقوى إكراهية جهازية أكبر، و“مصيدة السيادة“ التي تعرقلها حالياً مبنية من العلاقات الدولية والقانون الدولي. لكن الجهاز الرسمي الفلسطيني ضحّى أيضاً بفرص مهمة في العقدين السابقين لإعادة بناء استراتيجية سياسية جدية مناهضة للاستعمار ولتوظيف الآليات القانونية المتاحة لخدمة ذلك. وقدّم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار عام 2004 فرصة كبيرة للقيادة الفلسطينية الرسمية كي تبني تحالفاً من أجل دفع أعضاء الأمم المتحدة للامتناع عن الاعتراف بالبنى التحتية للاحتلال ومساعدتها، ولسحب الاستثمارات من إسرائيل ومعاقبتها. ولعب المجتمع المدني الفلسطيني دوره بإطلاق دعوته للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في 2005 في الذكرى الأولى للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. وكان هذا مستوحى من الصراع لإلغاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وسعى للبناء على الحركة المتنامية المعادية لسياسة الفصل العنصري من أجل فلسطين وتوسيعها. يجب أن تعكس القيادة الفلسطينية هذا على المستوى المؤسساتي. وكان بوسعها أن تشكل رؤية استراتيجية شاملة واستباقية لإنهاء الاستعمار تستند إلى الأهداف الثلاثة لحملة المقاطعة (إنهاء الاحتلال والاستعمار، المساواة الكاملة، وعودة اللاجئين). لكن القيادة الفلسطينية انشغلت بدلاً من ذلك ب“التأنق كدولة“، حتى ولو كان هذا يعني بانتوستاناً محدوداً. وبدلاً من أن تقود السلطةُ الفلسطينية صراعَ الحرية ضد سياسة الفصل العنصري تورطت في سياسة الفصل العنصري النيوليبرالية وفي مراكمة غير متكافئة لرأس المال.
[محمود سباعنة، من «أبيض وأسود: كاريكاتير من فلسطين]
دعمَ هذا السياق النقاشات الدائرة بين المزاولين والباحثين القانونيين الفلسطينيين التي تمحورت حول ما يستطيع الفلسطينيون واقعياً الحصول عليه من خلال المحكمة، مقابل ما يحتاج الفلسطينيون لفعله من أجل تحفيز التحولات النموذجية والتي تنطوي على كلفة حقيقية تتمثل بخسارة المعارك القانونية على طول الطريق. نحن متعاطفان مع مدرسة الفكر التي تفضل التقدم البراغماتي والقانوني على التكتيكات الأكثر راديكالية، ولكن في ظل غياب استراتيجية مؤسساتية لتسخير تطورات كهذه نجد أن هذا النهج غير مقنع.
كيف إذاً تتغلب مقاربة تكتيكية أكثر جذرية على الغياب المنهك لبرنامج من الأعلى قائم على رؤية؟ لا تفعل هذا. إنه بالأحرى رهان يوضع على قدرة الحركة على تطوير استراتيجية في سياق ما سيكون منافسة سياسية صريحة ومضطربة. يسعى هذا النهج إلى دفع التناغم الاستراتيجي من الأسفل في مجرى صراع وإثارة حماسي ولكن مائع، يستند إلى الدليل التاريخي بأن المجتمعات يمكن تجهيزها لحركات عدالة اجتماعية تحويلية لكنها لا تستطيع أن تُمْليها. يمكن أن يكون هذا النهج غير مرغوب، ولكن في ضوء الوضع القائم والبدائل غير الملهمة، هناك القليل لخسارته. وإذا فكرنا بهذا في سياق المحكمة الجنائية الدولية سنرى أنه يتضمن قبول حدود العملية بشروطها الخاصة ويركز على كيف تُسخَّر تكتيكياً في ”حرب الشرعية“، بصرف النظر عن النصر أو الهزيمة في قاعة المحكمة. إن الملاحقات القضائية الجنائية، حتى لو حصلت، لن تحقق العدالة للفلسطينيين في ظل الهيكلية الاستعمارية الاستيطانية التي تصوغ حياتهم. وسيبقى الصراع سياسياً. إذا وضعنا هذا في الاعتبار، ما هي الفرص التكتيكية التي يمكن أن تتوفر من ممارسة محكمة العدل الدولية لولايتها القضائية؟ أجرى مايكل كارني تحليلاً مهماً لكل من جريمة الحرب المتمثلة في نقل المستوطنين ورفض حق العودة كجريمة ضد الإنسانية بينما أشارت المنظمات الفلسطينية إلى نهب واستخراج وتدمير الموارد الطبيعية الفلسطينية. تُعد كل هذه جوهرياً أشكالاً من الجريمة الاستعمارية داخل نطاق اختصاص المحكمة، وتوفر سبلاً لإرباك جوانب معينة من الصهيونية من خلال ملاحقتها قانونياً. إن الإطار الهيكلي الأكبر الذي تُرتكب داخله كل هذه الجرائم هو نظام الفصل العنصري الصهيوني المطبق على الفلسطينيين. إن كشف الجريمة ضد الإنسانية والتي هي سياسة الفصل العنصري يمكن أن يخدم تكتيكياً استراتيجية جوهرية مضادة للفصل العنصري ويفيد التنظيم الشعبي. يمكن أن يعمل أيضاً كجسر جوهري على عدد من الجبهات: يصل بين العنف الساخن لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل والعنف البارد لبناها القانونية التي تقوم بنزع الملكية والإقصاء والاضطهاد، ويصل من جديد بين الوقائع المجزأة لكن المشتركة للفلسطينيين المحتلين والمنفيين والمحولين إلى مواطنين بموجب النظام الدستوري الإسرائيلي، ورسم المسار من مسؤولية أفراد عن جرائم الفصل العنصري إلى مسؤولية الدولة لتحديد المسؤولية وفرض العقوبات على من يقومون بتطبيق سياسة الفصل العنصري.
[شارع الشهداء، الخليل، الضفة الغربية]
نتهم سياسة الفصل العنصري؟
نجم الجدل الذي طغى على مؤتمر الأمم المتحدة في دوربان ضد العنصرية سنة 2001 عن إلحاح الحركات الاجتماعية من جميع أنحاء العالم على تسمية إسرائيل دولة فصلٍ عنصري. كانت هذه حجة سياسية وأخلاقية لتحدي العنصرية المُمارَسة ضد الفلسطينيين في سياق فعل عالمي مناهض للعنصرية. وأصبح الإطار المناهض للعنصرية محورياً على نحو متزايد للتنظيم السياسي والتضامن العالمي من خلال دعوة حركة المقاطعة الفلسطينية ومبادرات مثل أسبوع سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي. وفي الآونة الأخيرة تمخض عن تجديد التضامن من حركات السود ومطالب حركة ”حياة السود مهمة“ بسحب الاستثمارات من نظام الفصل العنصري في إسرائيل. وبينما شخّص الفلسطينيون وتحدثوا بالتفصيل عن أوضاع الفصل العنصري الإسرائيلي لعدة عقود من قبل، لم يتم الشروع بتطوير الحجج القانونية المصاحبة إلا في التسعينيات على يد الباحثين الأفراد ومنظمات الحقوق الفلسطينية. وبدأت تحليلات قانونية مشابهة أكثر تنسيقاً تتبع ذلك بعد مؤتمر دوربان. وطبقت منظمات فلسطينية مثل البديل والحق والعدالة، و“أوقفوا الجدار“ المنع على نظام الفصل العنصري كجزء من تفكيكها للقانون والسياسة الإسرائيليين. وازدادت بشكل منتظم التقارير والمنح والدراسات القانونية العالمية. وتدارست محكمة راسل بشأن فلسطين المسألة في كيب تاون وخلصتْ إلى أن ”حكم إسرائيل للشعب الفلسطيني، في كافة المناطق التي يتواجد فيها، يرقى إلى سياسة فصل عنصري واحدة متكاملة“. وقام المقررون الخاصون للأمم المتحدة ولجنة القضاء على التمييز العنصري ولجنة إسكوا باكتشافات مشابهة في مجالاتهم. 4 ثمة زخم واضح.
[ملصق حقوق الإنسان الفلسطيني، 1982]
وبعد أن انضمت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في 2015، بدأ تجمع من منظمات الحقوق الفلسطينية بتقديم ملفات إلى المدعي العام تتحدث بالتفصيل عن جرائم ارتكبها مسؤولون إسرائيليون مدنيون وعسكريون قياديون. وكانت الملفات الثلاثة الأولى المقدمة تدور حول العنف الساخن للحروب وحصار غزة. وقُدم الرابع، المؤلف من 700 صفحة في 2017، ويغطي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الضفة الغربية، بما فيه جريمة سياسة الفصل العنصري. وبعد قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الصادر في 2021 والمتعلق بالولاية القضائية، كررت المنظمات التهمة بالرغم من أنها اقتصرت في هذا السياق على تجليات سياسة الفصل العنصري في الضفة الغربية: إن فصل إسرائيل المنهجي للفلسطينيين وإخضاعهم يشكل ”نظاماً مؤسسياً من الهيمنة والاضطهاد العرقي، يرقى إلى جريمة فصل عنصري، لهذا من الضروري أن يضمّن المدعي العام أفعال الفصل العنصري في نطاق تحقيق المحكمة“.
كانت منظمات الحقوق الفلسطينية التي قدمت الملفات للمحكمة الجنائية الدولية أكثر قانونية في مقاربتها وأقل جذرية في سياستها. ونفهم ”تهمتها“ بالفصل العنصري على أنها متأثرة قليلاً بـ ”عريضة نحن نتهم الإبادة الجماعية“ التي قدمها مجلس الحقوق المدنية إلى الأمم المتحدة في 1951. يروي كنوكس وتزوفالا كيف أن الراديكاليين السود الذين وقفوا وراء العريضة تأثروا بمفاهيم ماركسية عن الإمبريالية والاقتصاد السياسي وباتفاقية الإبادة الجماعية. وجسدت العريضة ”توظيفاً تكتيكياً للقانون الدولي من أجل خدمة أهداف تحول اجتماعي راديكالي أكثر شمولاً“، وكانت تهدف يشكل واع إلى ”ربط العنصرية الأميركية في الوطن ببنى الإمبريالية الأميركية في الخارج“. و”أثيرت تكتيكياً كي تقوي تلك القوى التي تناهض العنصرية والإمبريالية“، دون أن تراهن على أن سيرورة قانونية دولية قادرة لوحدها على حل الظلم العنصري الشديد في الولايات المتحدة. إن العريضة التي أتت في لحظة تحول حاسمة لحركة حرية السود وعمليات بناء مؤسسات الأمم المتحدة، ومناورات الحرب الباردة، ونضالات التحرر في العالم الثالث على حد سواء، كانت مهمة لتعبئة الدعم الدولي وإلحاق الضرر بالوفود الأمريكية في الأمم المتحدة. وقد شكت إلينور روزفلت من أن العريضة حظيت ”بتغطية ممتازة في الصحف، 5 أثناء انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في باريس، وأقرت أنها ”ألحقت بنا بعض الضرر“، وكان لها أيضاً تداعيات متواصلة داخل الولايات المتحدة، على خلفية تقديمها للأمم المتحدة وانتشارها الواسع في صيغة كتاب في آن واحد معاً. كشفت مدى العنف العنصري القائم، ”وأمّنت نوع الضغط الضروري الذي قاد إلى التشقق النهائي للعمود الفقري لقوانين جيم كرو“، 6 وافتتحت مساراً أكثر جذرية للصراعات من أجل المساواة ما يزال يتردد صداها. وكان وليم باترسون، المهندس الرئيسي للعريضة، صريحاً في الرد على نقد عناصر محافظة معادية للشيوعيين في القيادة الأميركية من أصل أفريقي ل”تسييس“ منظمته للحقوق المدنية: ”إن موقف الاقتصار على استخدام المقاربة القانونية فيه شيء من شخصية بوكي تي. واشنطن. لم تفهم قيادة الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين خطورة الموقف. 7
[بول روبسون يقدم كتاب وليام باترسن، «نوجه تهمة الإبادة» إلي سكرتارية الأمم المتحدة في نيويورك، ١٧ كانون الأول، ١٩٥١.]
بالرغم من أنه أتى في لحظة وفي سياق سياسي مختلفين جداً، 8 إلا أن اتهام الناشط الفلسطيني لإسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري هو تأكيد طليعي مماثل للاضطهاد الممارس كجريمة دولية ويتخطى في فعاليته ما أفصح عنه الممثلون الرسميون للجماعة المُضطهدة. إنه بشكل مماثل اتهام تبذل الدولة المسيئة جهوداً كبيرة لتقويضه على أنه خارج حدود التصرف المقبول. وعلى نحو جوهري، إنه أيضاً الزعم القانوني الذي يغذي بشكل أكثر مباشرة التعبئة الشعبية الجماهيرية للحركات الاجتماعية الفلسطينية والعالمية في العشرين عاماً الأخيرة، والتي شددت على الهيكلية القانونية العنصرية لنزع الملكية الاستعماري الاستيطاني. وحتى بهذا النهج الراديكالي نسبياً، يجب الاعتراف بالمخاطر التكتيكية المميزة الناجمة عن خرط المحكمة الجنائية الدولية بعامة وجريمة سياسة الفصل العنصري بخاصة. ومن الواضح أنه تكتيك لا يمتلك تحكماً بالأجندة إذا ما قورن بأشكال أخرى من الملاحقة القضائية المدنية أو بين الدول.
يمكن أن تختار المدعية العامة تجاهل سياسة الفصل العنصري بشكل كامل وتركز التحقيق على جرائم حرب أكثر انفصالاً، دون أن تكترث بتدخلات الفلسطينيين. إن إشارات التحذير موجودة مسبقاً في نطاق التحقيق. وفي ملخص المدعية العامة لمكتشفات الفحص الأولية، أُشير إلى عدة جرائم على أنه من المحتمل أنها ارتُكبت. وتشير الوثيقة إلى خمس فئات من جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل (أربع في غزة، بالإضافة إلى نقل المستوطنين إلى الأراضي المحتلة) وست فئات من جرائم الحرب حين يتعلق الأمر بالجماعات الفلسطينية المسلحة. لا توجد إشارة إلى سياسة الفصل العنصري أو أية جرائم أخرى ضد الإنسانية. وبعد قول هذا، تشدد الوثيقة على أن الجرائم المذكورة ”توضيحية فقط“ و“التحقيق لن يقتصر على الجرائم المحددة التي أدت إلى التقييم في مرحلة الفحص الأولى“. سيُعيَّن مدعي عام جديد قبل أن يتم الشروع بأي تحقيق، وهذا سيضيف متغيراً آخر إلى هذا الخليط. 9
من أجل إدانة مسؤولين إسرائيليين بسياسة الفصل العنصري يحتاج الادعاء العام إلى أن يبدي نية لتأكيد اضطهاد عنصري منهجي. ثمة إدراك بأن إثبات هذا العنصر من النية أصعب من فئات أخرى من الجرائم. لكن الطبيعة المتعمدة للنظام هي التي تشكل أساس دلالة جريمة الفصل العنصري، كما أن التصميم المنسق والمحافظة على نظام إسرائيل القمعي موثقان جيداً،
وكجريمة هيكلية، يقتضي الأمر ملاحقة قضائية لمهندسيها السياسيين القياديين. لهذا السبب، بالإضافة إلى ”السياسة العنصرية للقانون الجنائي الدولي“ لم تحدث أبداً مقاضاة لجريمة سياسة الفصل العنصري في أية محكمة. بهذا المعنى، نرى تهمة إسرائيل بالفصل العنصري على أنها إدانة للقانون الجنائي الدولي نفسه وتحدي له في آن. وإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية غير قادرة على التحقيق في جرائم الفصل العنصري وملاحقتها قضائياً في المثال الأكثر تحليلاً من سياسة الفصل العنصري منذ جنوب أفريقيا (بعد أن زوّدها الخاضعون لسياسة الفصل العنصري بالوثائق وطلبوا منها أن تفعل ذلك) فإن هذا يقول الكثير عن سياسة القانون الجنائي الدولي.
إن حقيقة أن الفلسطينيين يوجهون هذا الاتهام ضد سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية في محكمة دولية يمكن أن يكون لها إسهامها التكتيكي الخاص في الاستراتيجية المناهضة للاستعمار، بما أن الوعي العالمي للعنف البارد الذي تمارسه سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية يواصل نموه. وفي كثير من الأحيان، إن العنف البارد ”يأخذ وقته وفي النهاية يشق طريقه“، بالتالي، لمناهضة هذه السياسة من الجوهري أن نركز بشكل أكثر نباهة على الآفاق الاستراتيجية التي أمامنا. وما من شك أن للمعارك القانونية دوراً في تلك الفسحة، غير أننا يجب ألا نخضع للأوهام حيال احتمالات رؤية نتانياهو ونظرائه على المنصة، أو احتمال تحقيق ”انتصارات“ كبرى في قاعة محكمة للفلسطينيين. وفي النهاية، لا يمكن أن يخدم القانون كبديل لـ“ما لا يقدر على إنجازه إلا جماهير واسعة من الناس“.
[ترجمة أسامة إسبر. لقراءة النص الأصلي اضغط/ي هنا]
هوامش
1. يتجاوز إنهاء الاستعمار الاستيطاني هنا الفهم القانوني الدولي للاستعمار وإنهاء الاستعمار الذي بدأ يتبلور في أعقاب الحرب العالمية الأولى. يستحضر أدبيات دراسات السكان الأصليين التي أوضحت أن الأرض تبقى عنصراً أساسياً لهيمنة الاستعمار الاستيطاني وتفكيكه. تتحدى أيضاً الزمن كاستمرارية خطية حيث الجسد المحلي يقف كشخصية بدائية وبالتالي كاحتمال عفا عليه الزمن للصيرورة. Relevant works include Nick Estes, Our History Is the Future: Standing Rock Versus the Dakota Access Pipeline, and the Long Tradition of Indigenous Resistance (Verso, 2019); Audra Simpson, Mohawk Interruptus: Political Life Across the Borders of Settler States (Duke University Press, 2014); Eve Tuck & K Wayne Yang, ‘Decolonization is not a Metaphor’ (2012) 1:1 Decolonization: Indigeneity, Education & Society; Rana Barakat, ‘Lifta, the Nakba, and the Museumification of Palestine’s History’ (2018) 5:2 NAIS: Journal of the Native American and Indigenous Studies Association 1; Lana Tatour, ‘The Culturalisation of Indigeneity: the Palestinian-Bedouin of the Naqab and Indigenous Rights’ (2019) 23:10 International Journal of Human Rights 1569; Raef Zreik, ‘When Does a Settler Become a Native? (With Apologies to Mamdani)’ (2016) 23:3 Constellations 351.
2. حول مسألة السرعة والأولويات، بحسب تصريح المدعية: ”كيف سيحدد المكتب الأولويات بخصوص التحقيق سيُعلن في الوقت المناسب، في ضوء التحديات العملياتية التي نواجهها من الوباء، والموارد المحدودة المتاحة لنا، وحمل عملنا الثقيل الحالي. … نحث كلاً من الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين والجماعات المتأثرة أن تتحلى بالصبر“. حول النقطة المتعلقة بموضوع مناشدة إسرائيل تخرج المدعية عن طريقها كي تشدد أنه في الموقف الآخر الذي أحيل سابقاً إلى المحكمة بخصوص إسرائيل (الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قافلة مرمرة الإنسانية) رفضت أن تطلق أي تهم. إن إشارات البيان إلى التكامل والنطاق المتواصل للتحقيقات المحلية، وكذلك إلى التزام المحكمة ”بالتحقيق في ظروف التجريم والتبرئة بالتساوي“، تظهر أيضاً مصممة لتهدئة مخاوف معينة أثارتها إسرائيل مؤخراً.
3. كان هذا الجنرال سابقاً قائد لواء حُقق معه بين 2009 و2011 ويدعى إتاي فيروب حين ”أقر أنه شجع جنوده على استخدام العنف ضد الفلسطينيين الذين يحققون معهم“. أقر المحامي العسكري الإسرائيلي العام أن فيروب لم يكن يناصر ”العنف من أجل العنف“ بل بالأحرى ” العنف الذي كان ضرورياً للمهمة“. وهكذا برئ فيروب في 2011 ورفعه مباشرة رئيس هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلية آنذاك بيني جانتز وواصل الترقي في الرتب. See +972 Magazine’s report here.
4. في الآونة الأخيرة تبنت منظمتا حقوق الإنسان الإسرائيليتان يش دين وبيت سليم إطار الفصل العنصري ولو كان مستنداً على نوعاً ما ”قراءات أكثر ليبرالية لسياسة الفصل العنصري الإسرائيلية“- ومن المتوقع أن تتبع منظمات حقوق الإنسان الدولية.
5. Gerald Horne, Communist Front? The Civil Rights Congress, 1946–1956 (Associated University Presses, 1988) 172.
6. Ibid, 167.
7. Quoted in Carol Anderson, Eyes Off the Prize: The United Nations and the African American Struggle for Human Rights, 1944-1955 (CUP 2003) 210. The NAACP is the National Association for the Advancement of Colored People. كان بوكر تي واشنطن قائداً أسود معتدلاً في أوائل القرن العشرين نظر إليه كثيرون من ناشطي الحقوق المدنية المعاصرين واللاحقين على أنه ملائم جداً لتفوق العرق الأبيض.
8. كانت عملية تقديم عريضة ”نتهم الإبادة الجماعية“ مادياً للأمم المتحدة كارثة لاتفاقية حقوق الطفل. طلب باترسون من ويب دي بوا وبول روبسون الانضمام إليه في باريس لتقديم العريضة للجمعية العمومية للأمم المتحدة. كانت الولايات المتحدة قد حاولت لتوها أن تقاضي دو بوا كعميل أجنبي وصادرت جواز سفره، ومنعته من السفر. وجردت وزارة الخارجية روبرتسون من جواز سفره أيضاً مما عنى أنه كان قادراً فقط ”على إرسال نسخة من العريضة إلى ”مرؤوس في مكتب الأمين العام“ في نيويورك (أندرسون، المصدر نفسه). اعتُرضت الشحنة الرئيسية من نسخ العريضة في الطريق إلى باريس، فاضطر باترسون لإحضار نسخ أخرى إلى بودابست كي يوزعها في الجمعية العمومية. ثم اضطر للهرب من باريس حين حاولت السفارة الأميركية مصادرة جواز سفره وترحيله. إن ما قدمته منظمات حقوق الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية كان عملية أكثر عادية، لكن لم تحدث بدون خلفية درامية: سلم الملف الذي يحتوي على الاتهام بسياسة الفصل العنصري إلى المدعي العام من قبل مدير منظمة الحق شعوان جبارين التي سجنتها إسرائيل سابقاً دون محاكمة ومنعتها من السفر لأعوام كثيرة، والباحثة ندى كيسوانسون التي تعرضت لتهديدات متكررة بالقتل بسبب عملها حول المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين.
9. كان هناك الكثير من التكهنات حول التداعيات المحتملة لتعيين كريم خان كمدعي عام قادم، بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية بعامة وللتحقيق حول فلسطين بشكل خاص. ووفقاً لبعض التخمينات الإعلامية، ”أفيد أن إسرائيل تأمل أن خان من المحتمل أن يكون أقل عدوانية أو حتى أن يلغي التحقيق. في رسالة بتاريخ نيسان 2021 من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى مجموعة المحافظين الأصدقاء لإسرائيل صرح علناً لأول مرة أن الحكومة البريطانية معارضة لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية حول فلسطين، وأيضاً يبدو أنه زعم أن تعيين خان، المواطن البريطاني، يشكل انتصاراً لبريطانيا وحلفائها الذين ينشدون إصلاح المحكمة وفق أجدنتهم الخاصة. إن دور المدعي العام مستقل رسمياً عن أية مصالح، لكن من الواضح أن كلمات جونسون يجب أن تكون إما انعكاساً لمبادرة دبلوماسية مصممة مسبقاً أو بياناً متعمداً لتعليم بطاقة خان.