خربشات على جدران المدينة
أحب الليل كثيرًا،
سأرمي شرشفًا على النهار.
صحيح أن الجنادب لا تعمل
لكن النمل لا يستطيع أن يغني.
قالت جدتي: كلا للمخدرات، وماتت.
الحياة مرضٌ يذهب لوحده.
هذا المصنع يدخّن طيورًا.
يكذب أبي كأنه سياسي.
لا مزيد من الأفعال. نريد وعودًا!
إن الأمل هو آخر شيء فقدناه.
لم نُسأل عن المجيء إلى العالم
لكننا نطلب أن نُسأل عن الحياة فيه.
هناك بلاد مختلفة في مكان ما.
طيران/ 2
في شوارع المكسيك، تستنشق فتاة التولوين (البنزين) والمذيبات والصمغ، سمّه ما تشاء. حين تتوقف عن الارتجاف، تقول: "سكنني الشيطان، أعني دخلتُ في الشيطان وحينها، آه، كنت على الحافة، كنت على وشك أن أقفز، كان البناء بارتفاع ثمانية طوابق، وكنت على وشك أن أقفز، لكن حينها توقفت هلوستي، غادرني الشيطان. أما الهلوسة التي أحببتها أكثر فهي حين ظهرتْ أمامي العذراء غوادالوبه. لقد رأيتها مرتين".
وجهات نظر/ 1
من وجهة نظر البومة والخفاش والبوهيمي واللص، الغروب هو وقت الإفطار.
المطرُ أخبارٌ سيئة للسياح وأخبار جيدة للمزارعين.
من وجهة نظر المحليين، السياح هم الجميلون لالتقاط الصور.
من وجهة نظر السكان الأصليين للجزر الكاريبية كان كريستوفر كولومبس بقبعته المريشة وردائه المخملي الأحمر أكبر ببغاء سبق أن شاهدوه.
وجهات نظر/ 4
في شرق العالم، نهار الغرب ليل.
في الهند، الذين يعزّون يرتدون الأبيض.
في أوروبا القديمة، كان اللون الأسود، لون الأرض الخصبة، لون الحياة وكان الأبيض لون العظام، لون الموت. وبحسب الحكماء العجائز لمنطقة تشوكو في كولومبيا، كان آدم وحواء أسودي البشرة، وهكذا كان قابيل وهابيل، ولداهما. وحين قتل قابيل أخاه بضربة واحدة، رعَدَ غضب الله عبر السماوات. شاعرًا بالإحراج من غضب الرب، صار المجرم شاحبًا من الخطيئة والخوف ولهذا بقي أبيض حتى نهاية حياته.
نحن البيض أبناء قابيل.
هكذا بُرهن أن الهنود أدنى
(بحسب الفاتحين في القرنين السادس عشر والسابع عشر)
لماذا ينتحر السكان الأصليون للجزر الكاريبية؟
لأنهم كسالى ويرفضون العمل.
لماذا يخرجون عراة، كما لو أن أجسادهم كلها وجوه؟
لأن المتوحشين لا يشعرون بالخجل.
لماذا لا يعرفون أي شيء عن حق الملكية، ويتقاسمون كل شيء، ولا يرغبون بالثروات؟
لأنهم أكثر قربًا من الإنسان العادي إلى القرد.
لماذا يستحمون بتواتر مثير للريبة؟
لأنهم مثل هراطقة الطائفة المحمدية الذين يحترقون جيدًا في نيران محاكم التفتيش.
لماذا يؤمنون بالأحلام ويطيعون أصواتها؟
هذا تأثير من الشيطان أو غباء واضح.
لماذا يمارسون الجنس بحرية؟ ولا أهمية للعذرية؟
لأنهم فاسقون ويعيشون على أبواب الجحيم.
لماذا لا يضربون أبدًا أطفالهم ويتركونهم أحرارًا؟
لأنهم غير قادرين على العقاب والانضباط.
لماذا يأكلون حين يجوعون وليس في أوقات الوجبات؟
لأنهم غير قادرين على السيطرة على غرائزهم.
لماذا يعبدون الطبيعة، التي يعتبرونها أمهم، ويعتقدون أنها مقدسة؟
لأنهم غير قادرين على التدين ولا يستطيعون الاعتراف إلا بالأوثان.
هكذا بُرهن أن السود أدنى
(بحسب مفكري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر)
فولتير، الكاتب المعارض لرجال الدين، مناصر التسامح والعقل:
السود أدنى من الأوروبيين لكنهم متفوقون على القردة.
كارلوس لينايوس، مصنف النباتات والحيوانات:
الأسود متشرد، كسول، مهمل، ومنحل أخلاقيًّا.
ديفيد هيوم، معلم الفهم البشري:
السود يمكن أن يطوروا بعض مواصفات البشر، بالطريقة التي ينجح فيها الببغاء بالتفوه ببعض الكلمات.
إتيين سيريس، عالم التشريح:
محكوم على السود أن يكونوا بدائيين بسبب المسافة القصيرة بين سررهم وأيورهم.
فرانسيس جالتون، عالم تحسين النسل:
إن التمساح لن يصبح أبدًا غزالًا، ولن يصبح أسود عضوًا في الطبقة الوسطى.
لويس أجاسيز، عالم الحيوان البارز:
إن دماغ الراشد الأسود مساو لدماغ الجنين الذي في عمر سبع سنوات، ويتوقف تطور الدماغ لأن جمجمة الأسود تنغلق قبل جمجمة الأبيض بوقت طويل.
وجهات نظر/ 6
لو كانت حواء هي التي ألّفت سفر التكوين ما الذي ستقوله عن الليلة الأولى من الحب الإنساني؟
كانت حواء ستصرّح أنها لم تولد من ضلع أحد، ولم تعرف أية ثعابين، ولم تقدم لأحد تفاحًا، ولم يقلْ لها الله أبدًا إن الإنجاب سيؤلم أو إن زوجك سيخبرك ماذا ستفعلين.
كانت جميع هذه القصص مجرد أكاذيب صرّح بها آدم للإعلام.
الخوف العالمي
من يعمل يخاف أن يفقد عمله.
من لا يعملون يخشون أنهم لن يعثروا على عمل أبدًا.
إن كل من لا يخاف من الجوع يخاف من الأكل.
السائقون مرتعبون من المشي والمشاة هلعون من الدهس.
الديمقراطية تخاف من التذكر واللغة تخشى التحدث.
المدنيون يخشون العسكر، والعسكر يخشون نقص الأسلحة، والأسلحة تخشى نقص الحروب.
إنه زمن الخوف.
خوف النساء من الرجال العنيفين وخوف الرجال من النساء اللواتي لا يخفْن.
خوف من اللصوص، خوف من الشرطة.
خوف من أبواب بلا أقفال، من وقت بلا حراسة، من أطفال بدون تلفزيون، خوف من الليل من دون حبوب منومة وخوف من النهار بدون حبوب لليقظة.
الخوف من الحشود، الخوف من العزلة، الخوف مما كان وما يمكن أن يكون، خوف من الموت، خوف من الحياة.
موجّه للأطفال
يُعتبر بيع المسدسات للقاصرين مخالفًا للقانون في الولايات المتحدة، لكن الإعلانات تستهدف الزبائن بأية حال. وترى أدبيات الجمعية الوطنية للبنادق أن مستقبل رياضة الرماية يعتمد على أحفادنا، فيما تشرح نشرة من مؤسسة رياضة الرماية الوطنية أن جميع الأطفال الذين في العاشرة ويبقون وحيدين في المنازل أو يذهبون لوحدهم إلى المتاجر يجب أن يكون لديهم مسدسات. في كتالوغ الأسلحة النارية في نيوإنجلاند، نقرأ أيضًا أن الأطفال هم مستقبل الرياضة. وبحسب إحصاءات من مركز سياسة العنف، يقتل الرصاص 14 فتى تحت سن التاسعة عشرة كل يوم في الولايات المتحدة الأميركية، من خلال الجريمة والانتحار أو الحوادث.
تهمهمُ البلاد معبرة عن قرفها وتهزّ رأسها من تواتر تحول المدارس إلى ساحات معارك لكن القتلة ليسوا فتيانًا سودًا من الأحياء الفقيرة بل بيض منمشون من سكان الضواحي.
وجهات نظر 7
على حائط في سان فرانسيسكو: "إذا غير التصويت أي شيء سيصبح مخالفًا للقانون".
على حائط في ريو دي جانيرو: "لو كان الرجال قادرين على الإنجاب لأصبح الإجهاض قانونيًّا".
هل يدعون في الغابة عادة التهام الأضعف "قانون المدينة"؟
ما معنى عملة صحية من وجهة نظر المرضى؟
مبيعات الأسلحة أنباء طيبة للاقتصاد. هل هي أيضًا أنباء جيدة للذين يُقتلون بها؟
ألغاز
علامَ تضحك هذه الجماجم؟
من مؤلف النكات التي بلا مؤلف؟ من هذا العجوز الذي يدوّن ملاحظات بارعة وينشرها في العالم؟ في أي كهف يختبئ؟
لماذا سمح نوح للبعوض بدخول سفينته؟
هل أحب القديس فرانسيس الأسيزي البعوض أيضًا؟
هل التماثيل التي ينبغي أن تكون لدينا عديدة كالتي نملكها ولا نحتاج إليها؟
إذا كانت تكنولوجيا الاتصالات أكثر تقدمًا لماذا يخف اتصال الناس؟
لماذا لا يفهم أحد خبراء الاتصالات حتى الله نفسه؟
لماذا تريد منا كتب تعليم الجنس التخلي عن الجنس لسنوات عديدة؟
في الحروب، من يبيع الأسلحة؟
رغبة
عثر رجل على مصباح علاء الدين وهو يتسكع. بما أنه قارئ كبير عرفه الرجل وحكّه. ظهر الجني، انحنى باحترام، وقال: "شبيك لبيك، عبدك بين يديك. تمنَّ أمنية واحدة فقط".
وبما أنه فتى جيد، قال الرجل، "أتمنى أن تعود أمي من الموت".
عبس الجني. "أنا آسف يا معلمي، هذه الأمنية مستحيلة. هل يمكن أن تتمنى أمنية أخرى".
بما أنه رجل جيد قال: "أتمنى أن يتوقف العالم عن إنفاق النقود لقتل الناس".
بلع الجني ريقه: "آه.. ماذا قلت إن اسم أمك؟"
أحب أن أعرف
لماذا يخلط الناس بين الكوكا والكوكايين؟
إذا كان نبات الكوكا منحرفًا هكذا، لماذا أحد رموز الحضارة الغربية يدعى كوكا-كولا؟
إذا كان الكوكا خارجًا عن القانون لأنه يُستخدم لغايات سيئة، لماذا لا يُعتبر التلفزيون هكذا أيضًا؟
إذا اعتُبرت صناعة المخدرات خارجة على القانون لأنها عمل إجرامي، لماذا لا يعتبرون صناعة الأسلحة خارجة على القانون، وهي أكثر إجرامًا؟
بأي حق تتصرف الولايات المتحدة كأنها شرطي مخدرات العالم، بينما تشتري نصف كل المخدرات التي ينتجها العالم.
كيف تدخل طائرات صغيرة محملة بالمخدرات وتخرج من الولايات المتحدة بسهولة مدهشة؟ كيف لا تستطيع التكنولوجيا المتطورة القادرة على أن تصور قملة في الأفق أن ترصد طائرة تطير قرب النافذة؟
لماذا لم يقبض على شخص واحد من ملوك الأفيون (ملوك الثلج) الذين يتزعمون تجارة المخدرات في الولايات المتحدة؟
لماذا تتحدث وسائل الإعلام كثيرًا عن المخدرات وقليلًا عن سبب تعاطيها؟ لماذا تشجب مدمني المخدرات بدلًا من نمط الحياة الذي يسبب القلق والألم والوحدة والخوف أو ثقافة الاستهلاك التي تقود الناس إلى السعي وراء العزاء الكيميائي؟
إذا جُعل المرض جريمة والجريمة جُعلت عملًا، هل من العدل معاقبة المرضى؟
لماذا لا تشن الولايات المتحدة حربًا على مصارفها التي تبيّض كل دولارات المخدرات تلك؟ أو ضد الصرافين السويسريين الذين يبيّضونها أكثر؟
لماذا تجار المخدرات هم الداعمون الأكثر حماسة للقوانين المضادة للمخدرات؟
ألا يفضل الانتشار الحر للسلع ورأس المال التهريب غير القانوني؟ أليس عمل المخدرات النموذج البدئي الأكمل للتفكير النيوليبرالي؟ ألا يقوم المهربون فقط باتباع القاعدة الذهبية للسوق: أن كل طلب سيقابل بعرض؟
لماذا المخدرات الأكثر شعبية اليوم هي المخدرات التي ترفع الإنتاجية وتزيد التركيز؟ تلك التي تخفي الإعياء والخوف، تلك التي تمنح القدرة المطلقة المزيفة، التي تساعدك على أن تنتج وتكسب أكثر؟ ألا نستطيع أن نقرأ في هذا علامة الأزمنة؟ هل هي مصادفة أن المخدرات التي لا تعزز الإنتاجية والتي تسبب الهلوسة مثل الإل أس دي، مخدرات الستينيات، تراجعت إلى ما قبل التاريخ؟ هل كان يائسو تلك الأزمنة مختلفين؟ ماذا عن حالات يأسهم؟
إلى رجال الدين
حين زرتُ روما للمرة الأولى فقدتُ إيماني بالله. كانت الأرض بالنسبة لي الفردوس الوحيد والجحيم الوحيد. لكن ذكرياتي عن الإله الأب من أيام الطفولة لم تكن سيئة، وعميقًا في داخلي حافظتُ على مكان خاص لله الابن، متمرد الجليل الذي تحدّى المدينة الإمبراطورية حيث كانت طائرتي التابعة للخطوط الجوية الإيطالية تهبط.
أعترفُ أنه من الروح القدس لم يتبق معي الكثير، إلا ذكرى غامضة لحمامة بيضاء تهبط بجناحين مفرودين وتُحبل العذارى. وحالما سرت في مطار روما ظهرتْ يافطة ضخمة أمام عيني: مصرف الروح القدس.
كنت شابًا وولّد هذا انطباعًا قويًّا لديّ بأنّ هذا ما يفعله الروح القدس.
ذاكرة محطمة
في نهاية القرن الثامن عشر، اكتشف جنود نابليون أن كثيرًا من الأطفال المصريين يعتقدون أن الفرنسيين أو الإنكليز هم الذين بنوا الأهرامات.
في نهاية القرن العشرين، اعتقد كثير من الأطفال اليابانيين أن القنبلتين اللتين سقطتا على هيروشيما وناغازاكي رماهما الروس.
وفي 1965 قاوم شعب سانتو دومنغو غزوًا شنّه 42 ألفًا من المارينز لمدة 132 ليلة. قاتل الناس من منزل إلى آخر، ويدًا ليد، بالعصي والسكاكين والقربينات (البنادق الصغيرة) والأحجار والزجاجات المحطمة. ما الذي ظنه الأطفال الدومينيكانيون بعد مدة من الآن؟ تحتفل الحكومة بهذه المقاومة البطولية ليس كيوم للكرامة بل كيوم للأخوة، مساوية بين الذين قبّلوا أيدي الغزاة وأولئك الذين عروا صدورهم للدبابات.
إطلالة على الغسق في نهاية القرن
إن الأرض التي تدفننا أو تردعنا مسمومة.
لا يوجد هواء، ليس هناك إلا اليأس.
لا يوجد نسيم، ليس هناك إلا الروائح النتنة.
لا مطر سوى المطر الحمضي.
لا يوجد حدائق، هناك مرآبات فقط.
ليس هناك شركاء، لا يوجد إلا شراكات.
هناك شركات بدلًا من الأوطان
وهناك مستهلكون بدلًا من المواطنين
وهناك تكتلات بدلًا من المدن.
لا يوجد بشر، هناك جماهير فقط.
لا يوجد علاقات إلا العلاقات العامة.
لا يوجد رؤى، هناك تلفزيونات فقط.
إذا أردتَ مدْح زهرة قل: "تبدو بلاستيكية".
أنباء
على ساحل لاغونا، في جنوب كاليفورنيا، خرج ظبي من الغابة عام 1994 وعدا في الشارع، فصدمته سيارة. قفز فوق سياج وكسر نافذة مطبخ ودخل منها ثم كسر نافذة أخرى وخرج إلى شرفة طابق ثاني ورمى نفسه منها واندفع داخلًا إلى فندق، وكطلقة ملطخة بلون الدم الأحمر انطلق عابرًا المالكين المندهشين لمطاعم الواجهة الشاطئية، قبل أن يرمي نفسه في البحر. اصطاده رجال الشرطة في الماء ورفعوه إلى الشاطئ، حيث نفق وهو ينزف بغزارة.
قال رجال الشرطة: "كان مجنونًا".
بعد سنة في سان دييغو (في جنوب كاليفورنيا أيضًا) سرقَ محاربٌ قديم دبابة من ترسانة وسحق وهو يقودها أربعين سيارة، وألحق الضرر بعدة جسور، وفيما كانت تطارده سيارات الشرطة سحق في طريقه كلَّ ما عبره. حين علقَ في منحدر شاهق تسلق رجال الشرطة الدبابة وفتحوا الباب وخردقوا الجندي السابق بالرصاص. تابع مشاهدو التلفزيون الحادثة كلها في بث حي ومباشر.
قال رجال الشرطة: "كان مجنونًا".
طيران/ 3
في المجارير، تحت الإسفلت، يبني الأطفال المهاجرون لمدينة كوردوبا الأرجنتينية منازلهم. يخرجون أحيانًا كي يحصلوا على كتب الجيب والمحفظات. وإذا لم تقبض عليهم الشرطة وتشبعهم ضربًا، يستخدمون غنائمهم كي يشتروا البيتزا والبيرة كي يتقاسموها، وكي يشتروا أيضًا أنابيب الصمغ كي يستنشقوها.
سألتهم الصحفية مارتا بلاتيا: بماذا تشعرون حين تسلطنون؟
أجاب أحد الأطفال أنه يدوّر إصبعه ويخلق الريح: يشير إلى شجرة فتتأرجح في الريح التي يرسلها.
روى آخر أن العالم يمتلئ بالنجوم ويحلق عبر السماء، وهناك سماء فوق السماء وسماء تحت السماء إلى الزوايا الأربع للأرض.
وأضاف طفل آخر أنه كان يجلس إلى جانب الدراجة النارية الأجمل والأغلى في المدينة. فقط بنظره إليها تصبح له، وبنظرة أقوى يركب عليها بالسرعة الكاملة بينما تنمو وتغير ألوانها.
إنها نكتة 1
في جادة كبيرة في مدينة أميركية لاتينية كبيرة ينتظر رجلٌ كي يعبر. يقف على الرصيف، مرتبكًا من الدفق الذي لا يتوقف للسيارات.
ينتظر الرجل عشر دقائق، عشرين دقيقة، ساعة. ثم يدير رأسه ويشاهد رجلًا يستند إلى حائط ويدخن. سأله: "أخبرني، كيف أعبر إلى الجانب الآخر؟"
أجاب الرجل: "لا أعرف، لقد ولدتُ هنا".
حالات فقر
إن الناس الفقراء حقًّا لا يمتلكون وقتًا لتضييع الوقت.
لا يمتلك الفقراء حقًّا صمتًا ولا يستطيعون شراءه.
إن الفقراء حقًّا يمتلكون سيقانًا لا تتذكر كيف تمشي أكثر من تذكر أجنحة الدجاج كيف تطير.
إن الفقراء حقًّا يأكلون القمامة كما لو أنها طعام ويدفعون مقابلها.
إن الناس الفقراء حقًّا يمتلكون الحق كي يتنفسوا الخراء وكأنه هواء ولا يدفعون مقابله.
إن الناس الفقراء حقًّا يمتلكون الحرية كي يختاروا بين قناة تلفزيونية واحدة وأخرى.
إن الناس الفقراء حقًّا يعيشون حالات درامية عاطفية مع آلاتهم.
إن الناس الفقراء حقًّا دومًا ملتصقون ببعضهم ودومًا وحيدون.
إن الناس الفقراء حقًّا لا يعرفون أنهم فقراء.
وجوه وأقنعة 1
محكوم على الفقراء فقط بأن يكونوا دميمين وهرمين. يستطيع البقية شراء الشعر والأجفان والشفاه وعظام الخدين والبطون والمؤخرات والأفخاذ، أو عضلات سيقان يحتاجون إليها كي يصححوا خطأ الطبيعة ويبطئوا مرور الزمن. إن غرف عمليات جراحة التجميل هي مولات تسوّق حيث تستطيع العثور على الوجه والجسم والعمر الذي تسعى إليه. "إن الجراحة هي ضرورة للروح"، يشرح جواب أرجنتينا لرودان، روبرتو زيليكوفتش.
في ليما، تقدم ألواح الإعلانات أنوفاً مكتملة وجلداً أبيض لكل جيب يستطيع الدفع. قابل التلفزيون البيروفي شاباً استبدل أنفه الهندي المعقوف بكرة لحم صغيرة عرضها بفخر، بوجه كامل وجانبياً. قال إن وضعه تحسن مع الفتيات الآن.
في مدن مثل لوس أنجلوس وساو باولو وبوينس آيرس الذين يملكون النقود يستطيعون الانغماس في ترف الذهاب إلى غرفة العمليات بالطريقة التي يذهب فيها بقيتنا إلى طبيب الأسنان. وبعد بضع سنوات وعدة عمليات، يبدون متشابهين. يمتلك الرجال وجوهًا كالمومياوات دون تجاعيد والنساء يبدين مثل صديقة دراكولا، وكلهن مكتوب عليهن المعاناة في التعبير عن أنفسهن. حين يرمشن تقفز أزرار بطونهن.
عصر المعلومات
تمامًا قبل عيد الميلاد عام 1989 شاهدنا جميعًا دليلًا مريعًا على عمليات القتل التي أمر بها نيكولاي تشاوسيسكو في رومانيا.
قتل هذا الطاغية المجنون الذي أحب أن يدعى بـ"الدانوب الأزرق للاشتراكية" أربعة آلاف منشق في مدينة تيميسوارا. شاهدنا كثيرًا من الجثث بفضل التغطية العالمية للتلفزيون والعمل الجيد للوكالات الدولية التي تغذي بالصور الصحف والمجلات. صدمتْ صفوف طويلة من الجثث، المشوهة من التعذيب، العالم.
فيما بعد نشرت بعض الصحف تصحيحًا، بالرغم من أن كثيرين لم يقرأوه. حصلت عمليات القتل بالفعل في تيميسوارا، لكن عدد الضحايا بلغ مائة وضموا بعض أتباع الدكتاتور. فضلًا عن ذلك، تم تمثيل تلك الصور التي تقبب شعر الرأس. ليس للجثث أية علاقة بالقصة، ولم يشوهها التعذيب بل مرور الزمن.
نبشتها معامل الأنباء من المقبرة وجعلتها تأخذ وضعية أمام الكاميرا.
لنلعب الحرب/ 2
لألعاب الفيديو جمهور كبير ومتنام من جميع الأعمار. يقول مروجوها إن العنف في ألعاب الفيديو بريء لأنه يحاكي الأنباء وإن هذه التسلية جيدة لمنع الأطفال من الخروج إلى الشوارع وتبعدهم عن إغواء السجائر.
تتحدث ألعاب الفيديو لغة مصنوعة من ضجيج الأسلحة الرشاشة، وموسيقى أفلام الرعب، والصرخات المؤلمة والأوامر النابحة: "اقض عليه!"، "اضربهم"، "أطلق النار عليهم!".
حرب المستقبل، المستقبل كحرب: تجري أشهر ألعاب الفيديو في ساحات المعركة حيث يجب أن يطلق اللاعب النار دون لحظة تردد، مدمرًا كل ما يتحرك. لا وقفة أو هدنة ممكنة ضد عدو خارجي محتقر، روبوتات شرسة، حشود بشرية، عفاريت سبرانية شبحية، وحوش متحولة، وجماجم تمد ألسنتها. كلما قتل اللاعب المزيد من الخصوم كلما اقترب من الفوز. في اللعبة التي صارت كلاسيكية وتُدعى مورتال كومبات تحصل على نقاط إضافية من أجل ضربات تبتر العدو وترسل رأسه طائرًا، وتنتزع قلبه المدمى من صدره أو تفجر رأسه إلى ألف قطعة.
هناك أيضًا بعض ألعاب الفيديو التي ليست عن الحرب. منها مثلًا سباق السيارات. في أحد هذه السباقات، ثمة طريقة جيدة لكسب النقاط وهي دهس المشاة.
أقرباء
نحن أقرباء كل ما يتبرعم وينمو وينضج ويتعب ويموت وينبثق ثانية.
لكل طفل عدة آباء وعمات وأعمام وأشقاء وشقيقات وأجداد. الأجداد هم الموتى والهضاب. أبناء الأرض والشمس، ترويهم أمطار مؤنثة وأمطار مذكرة، كلنا لنا علاقة بالبذور، بنباتات الذرة، بالأنهار، بالثعالب التي تعلن كيف سيتكشف العام. للأحجار علاقة بالثعابين وبالسحليات. الذرة والفاصولياء شقيقان ينموان معًا دون شجار. البطاطا بنات وأمهات الذين يزرعونها لأن الذي يخلق مخلوق.
كل شيء مقدس، ونحن أيضًا. نحن آلهة أحيانًا والآلهة أحيانًا فقط بشر صغار.
هذا ما قيل وعُرف بين هنود جزائر الهند الغربية.
الموسيقى
كان ساحرًا على القيثارة. في مروج كولومبيا، لا يمكن أن تحصل حفلة في غيابه. يجب أن يكون ميسي فيغويريدو هناك بأصابعه الراقصة التي أمتعت النسيم وجعلت السيقان تصبح وحشية.
في إحدى الليالي، وهو في طريقه إلى حفل زفاف، تعرض للسرقة على طريق منعزل. كان ميسي على بغله، والقيثارة على بغل آخر، حين قفز عليه اللصوص وأشبعوه ضربًا.
في اليوم التالي عثر عليه أحدهم مستلقيًا على الطريق، كومة دموية من الأسمال وميتًا أكثر مما هو حي. بما تبقى من صوته قال رقاقة اللحم: "أخذوا البغال".
أضاف: "أخذوا القيثارة".
لكنه تنفس وضحك قائلًا من جديد: "لكنهم لم يأخذوا الموسيقى".
[ترجمة: أسامة إسبر. الترجمة مراجعة على الأصل الأسباني].
المصدر:
Eduardo Galeano
Upside Down: A Primer for the Looking- Glass World
Metropolitan Books