مشهدٌ من صوب الكرخ
خُوّذٌ على ضِفَّة النهر
رَهْطٌ من الجنود
يَرطنونَ لغةً أجنبيّةً
غريبةً على مَسمعِ الطفل
الذي ينشجُ بجوار سَطلٍ للزبالةِ
على حافة الشوّاكة
في بغداد
عند الفجر
حيثُ تَمرُّ
كفّ يَدٍ مُشتاقة ليدٍ
تسبحُ خَلفها يدٌ تسبقُ جثةً
تتقلبُ مسرعةً أسفلَ النهر
يتبعها سربٌ من الغربان
تنقضُّ، شبقةً
على عينٍ طافيةٍ
أنفٌ
قدمٌ مبتورةٌ
تتبعُ الجثّة
التي تُزيغُ نظرة الطفل عن
رَهط الجنود
ليكُفّ عن النحيب
ويُكركر:
"ماما"
وينعق جنديٌ أشقر:
“What a shit hole!”
ثُّمَ يبصقُ
ويلقي نظرةً أخيرةً
إلى جسر الشهداء
حيثُ تقاطرت أسرابُ الثكالى
ليقفزنَ
تباعاً
من الجِسرِ
إلى قاع النهر
كما يفعلن
عندنا
كُلّ يوم
روتين يوميّ
ها قد أَذِنَ مَقْدمُ الليل لي
أن أرتاحَ قليلاً
فحصيلةُ اليوم أكتملت:
قتلى من الجُند في كركوك
جثةٌ متفسخةٌ لغريقٍ منسيٍ
اِنتُشِلَتْ من نهر دجلة
وصبيٍ
لن تعرف اسمهُ أنت، يا رفيق
ولا أنا
داس ضاحكاً
على لُغمٍ أرضيٍ كهلٍ
تُعذبهُ الشمس
في صحراء المُثنى
ليوقظهُ
وليلتهمَ اللُغمُ ساقه
ويقتله
وليقول، ملكُ الموت
الدَنغوز
مُتفشياً:
"صيدُ اليومَ وفيرٌ"
وليمضي، مُدندناً
أغنيةً للأطفال
في طريقهِ
حافياً، كعادتهِ
إلى النجف
تاركاً أياي هُنا
في عَتمة حُجرتي
حيثُ أُسجي، وحيداً
قتلى الأمس
على ضوء شمعةٍ
يرفُ لكفرةٍ مكبوتةٍ
أٌطلقها
لاعناً
وأنام
مُسلماً نفسي
لطناطل تُعربدُ
في عزِّ كوابيسي
حتى مَطلّعُ الفجر
حتى يأذَنَ المؤذنُ
(من منارةٍ طَرّزها
بالرصاص
جنديّ بريطاني)
للشمسِ الطالعة
مِن خَلفِ المقابر العامرةِ (دوماً)
أن تكشفَ
عن جُثةِ أمرأةٍ
-
تنتحرُ الأن
-
تطفو
بسكينةٍ
في مياه الفرات