ملح وماء: إهداء إلى غضنفر أبو عطوان وباسل الأعرج

[مظاهرة تضامن مع الأسرى في يافا (16 شباط 2013). تصوير يوتام رونين عبر ActiveStills.org.] [مظاهرة تضامن مع الأسرى في يافا (16 شباط 2013). تصوير يوتام رونين عبر ActiveStills.org.]

ملح وماء: إهداء إلى غضنفر أبو عطوان وباسل الأعرج

By : Ayah Abo-Basha

اليوم هو اليوم السابع والخمسون. توقّف المغص الناجم عن الجوع وتشنجات المعدة (بين اليوم الأول والثالث)، أو حتّى الإحساس بالعطش (الذّي يختفي في اليوم الخامس عشر). بحلول اليوم الخامس والعشرين، يبقى المرء مع إحساس بالبرد فحسب، ثم المزيد من البرد، وألم في الرأس وخمول ذهني. يصبح الوقوف على القدمين صعبًا أو حتّى مستحيلًا. ويصبح الجسم خفيفًا فعليًّا. هذا هو مسار الجوع. وكما كتبت أماني خليفة، فإنّ الحفاظ على الاستعمار الاستيطاني يتطّلب عنفًا مقيتًا. اليوم هو اليوم السابع والخمسون وجسد غضنفر أبو عطوان المتضّور جوعًا دخل في غيبوبة. أفراد "مصلحة السجون الإسرائيلية" لم يضربوا غضنفر مرّة، بل مرّتين. ثم نقلوا جسده المتضوّر جوعًا في رحلة شاقة من سجن إلى آخر وعمدوا إلى تناول الطعام أمامه، وهي كلّها تهديدات تمارسها إسرائيل دومًا لإجهاد أي معتقل يرفض تناول الطعام. ولكن غضنفر يستمر في الرفض. يرفض تلّقي أي متممات غذائية أو علاجات ويوافق فقط على تناول المياه الممزوجة بالملح لمنع أعضاء جسمه الحيوية من التعفّن. اليوم هو اليوم السابع والخمسون وجسده فقد كميّة من السوائل تملي على قلبه وكليتيه المكافحة على شفير الموت.

لكنّ اليوم السابع والخمسين بالنسبة لغضنفر كان اليوم الحادي والثلاثين بالنسبة لعمرو الشامي ويوسف العامر. أمّا اليوم الثامن والخمسون فسيكون يوم جمال الطويل الثامن والعشرين(1)، ويوم محمد مسالمة التاسع والعشرين. في مكان ما في معتقل هشارون، تقلّص جسد الطويل مع خسارته لثلاثة عشر كيلوغرامًا، ولم يتبق منه إلا بعضه. ويهدف تضاؤل جسده وجسد الآخرين إلى إرساء نوع من عدّاد للوقت يحتسب بالجسد، أي قياس الوقت بحسب وتيرة تردّي الجسد. تسعى رزنامة الجوع إلى اختراق الانتظار الأبدي في الاعتقال الإداري وإعادة ضبط الساعة بمعايير الجسد نفسه. وبذلك، يتدخل المضربون عن الطعام ضدّ الاعتقال، في الترتيب الزمني للانتظار الأبدي الذي يميّز الإدارة الإسرائيلية بأسرها في فترة ما بعد أوسلو.

دوّار الساعة: مرحلة الاعتقال الإداري

حين يعلن أحد المعتقلين الإضراب عن الطعام في مواجهة الاعتقال الإداري، فإنّه بذلك يحيي تجمّعات مختلفة عبر (إعادة) حشدها. تبدأ خيم تضامنيّة مع الأسرى في الظهور في مختلف المناطق بالرغم من التقسيم (الجغرافي) الاستعماري، حيث ينصب الناس خيمًا زرقاء اللون ويصفّون كراسٍ بلاستيكية تحتها. وسواء في خيمة دوّار الساعة في قلب رام الله، أو أمام مركز "اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر" في البيرة، أو في نابلس، أو في مخيم الدهيشة للاجئين بالقرب من بيت لحم، فإنّ كل إضراب عن الطعام يؤدي في العادة إلى نصب خيم زرقاء مماثلة. كلّ الخيم التي جلست تحتها خلال بحثي الميداني في العام 2016، كانت متشابهة بالقدر ذاته: كنت أجد دومًا أمهات، وآباء أو أشقّاء يحملون تحت ذقونهم صورة داخل إطار لأزواجهن، أو بناتهنّ، أو أحفادهنّ. من جهة، كانت الشوادر المنصوبة في أكثر من مكان تجعل من انتظار المعتقلين انتظارًا جماعيًّا. ومن جهة أخرى، كان الانتظار في شوادر الجوع يخلق، عبر جسد المضرب عن الطعام، زمنًا ينبذ الانتظار السلبي للاعتقال الإداري.

وهذه الإضرابات المرتبطة بسياسة الاعتقال الإداري من دون تهم أو محاكمات، ومطالبة المضربين بالحرية، هي مركزية. حتى العام 2011، لم تكن فكرة الإضراب عن الطعام للمطالبة بالحريّة بمجملها أسلوبا سائدًا ضمن الممارسات المتبعة في نضال المعتقلين. بالطبع، نفذّ عدد منهم بعض الإضرابات المهمة على مرّ السنوات(2). إلّا أنّ الكثيرين ينسبون بداية الهيمنة العارمة للإضراب الفردي منذ العام 2011 إلى خضر عدنان الذي أضرب عن الطعام في ذلك العام. قبل 2011، كانت الإضرابات عن الطعام غالبًا جماعية وتطالب بتحسين نوعية الطعام والنوم ومعايير الزيارات العائلية أو الخروج من الحبس الانفرادي، أي تحسين ظروف الاعتقال. ويتعين فهم أهميّة هذه المطالب في إطار مركزية المُعتَقل في الحياة الفلسطينيّة، إذ إنّه بحلول 2014، كانت إسرائيل قد اعتقلت سياسيًّا أربعين في المئة من الذكور الفلسطينيين، بالإضافة إلى العديد من النساء والأطفال، منذ العام 1967.

إلا أن الإضرابات الحاليّة مختلفة. هي "إضرابات للحريّة". هكذا كان يصرّ خضر عدنان على تسميتها حين سألته لاحقًا عن إضرابه عن الطعام سنة 2011، واعتباره من أطلق (سلسلة) الإضرابات التالية "الفردية" المستمرة في وجه الاعتقال(3). ولكن خضر لا يستخدم تعبير "فردي" في حديثه معي: "إضرابات الحريّة"، كان يكرر. "إن اعتقالي الإداري كان هديّة من الله"، يقول، "لأنه أعطاني فرصة المطالبة بالحرية".

إضرابات الحريّة: رفض الاعتقال

بدوره، يربط محمد القيق بين ما سماه البعض بـ"الإضرابات الفردية" وبين سياسة الاعتقال الإداري، بما يكاد يوحي بأن الإضرابات لم تكن ستوجد لولا ارتباطها المركزي بالاعتقال الإداري، فالاثنان متداخلان جوهريًّا بطبيعتهما: "إضرابات الطعام هذه هي اللامنطق الذي يواجه اللامنطق" كما أعلن القيق وهو يتحدث مستخدمًا الميكروفون خلال واحد من خطاباته في خيمة المعتقلين تضامنًا مع بلال كايد. وكايد هو معتقل سابق آخر نفّذ إضرابًا عن الطعام في حزيران/يونيو 2016 حين قامت محكمة إسرائيلية بتحويل عقوبته بالسجن لمدّة أربعة عشر عامًا ونصف العام إلى اعتقال إداري في اليوم المحدّد لإطلاق سراحه.

اللامنطق الذي يتحدث عنه القيق كان يتردّد دومًا خلال مقابلات أجريتها مع أفراد عائلات أسرى معتقلين إداريًّا: "ليس هناك أي منطق لذلك!" الاعتقال الإداري هو سياسة إسرائيل لاعتقال الفلسطيني لمدة ستة أشهر في كلّ مرّة. ولدى نهاية مدّة الأشهر الستّة هناك دومًا إمكانية قيام المحاكم العسكرية الإسرائيلية بالتجديد، بما يبُقي المعتقلين وأسرهم فعليًّا عالقين دومًا في الزمان والترقّب. وكان الانتداب البريطاني هو أول من أدخل الاعتقال الإداري إلى فلسطين التاريخية قبل أن تعدّله إسرائيل لتسهيل استعمارها الاستيطاني. منذ العام 1987، وخلال الهبّات الحاشدة للانتفاضة الأولى، أوقفت إسرائيل خمسين ألف فلسطينيًّا خلال مدة قصيرة من الزمن. وبسبب موجبات الزمان والمكان، كان من المستحيل عمليًّا إحالتهم إلى المحكمة كما تنص السياسة البريطانيّة. ونتيجة لذلك، أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية أولًا أمرًا عسكريًّا ألغى مهلة الساعات الست والتسعين اللازمة لمثول المعتقل أمام المحكمة، وثانيًا تخلّصت كليًّا من شرط المحاكمة قبل الاعتقال (ألكسندروفيتش، 2012).

ومنذ ذلك الوقت، لجأت إسرائيل إلى الاعتقال الإداري لتوقيف الفلسطينيين بسهولة بموجب "أدلّة سرّية" من دون توجيه أي اتهامات أو محاكمة، مما يحرم المعتقلين من فرصة الدفاع عن أنفسهم. وهي ممارسة تقوم إسرائيل بتصعيدها خلال فترات المقاومة المنظّمة لقمع المجتمع الفلسطيني بمجمله.

كانت منال، زوجة شاهر الراعي الذي كان معتقلًا وقتها، تتحدث معي وهي تضم بقوة وسادة صنعتها لابنها البالغ السادسة من العمر وعليها صورة لأبيه، ولشرح اليأس الذي يولّده هذا الانتظار الذي لا ينتهي سألت بصوت عال: "انتظرنا ستة أشهر، ثم قاموا بتجديدها. انتظرنا من جديد، ثم جُدّدت مرّة أخرى. إلى متى سنستمر بالانتظار؟".

ولكن، ماذا يحصل حين يرفض الناس الانتظار؟ ولماذا اتخذ هذا الرفض، لا سيما بين الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، شكل الإضراب الفردي عن الطعام في مواجهة الاعتقال؟ الانتظار في دوّار الساعة يقدّم ربّما الصورة الأنسب للتجربة الزمنيّة في فلسطين المعاصرة بالمجمل. فسياسة الاعتقال الإداري التي يرفضها المضربون عن الطعام كانت تقريبًا طقس عبور للعديد من الرجال الفلسطينيين وعدد أقلّ من النساء الذين عايشوا الانتفاضتين الأولى والثانيّة. ولكن، العديد من المعتقلين السابقين الذين تحدّثت معهم تحدّثوا عن الإضرابات الأخيرة عن الطعام ضمن نظريّة تربط بشكل وثيق تجاربهم في الاعتقال الذي يتجدّد بلا نهاية باتفاقيات أوسلو، بالمفاوضات التي لا تنتهي، والمغالطة المتمثّلة بحلّ الدولتين. لم يعد هناك انتظار لعمليّة سلام. ما تبقّى هو نمط من الحكم الإسرائيلي يستمّر في (إعادة) كتابة بند مؤقت في إطار اتفاقات أوسلو يتعلّق بالاعتقال الإداري: ليس انتظارًا بل انتظار الانتظار (أبو باشا 2017: 38).

يناقش هاني سيّد (2014) أنه منذ اتفاقات العام 1993، لم يعد بالإمكان اعتبار إسرائيل قوة محتلّة. فذلك يستتبع واجب الحكم المدوّن في البند 43 من علاقات لاهاي. وقامت إسرائيل عمليًّا بإعفاء نفسها من هذه المهمة عبر تبني فض الاشتباك ونمط حكم منفصل هدفه الوحيد هو ممارسة السيطرة لدى الحاجة لذلك من دون الاعتراف بأي مسؤوليات "في الحكم"، فيما هي تستمر بتوسيع مستوطناتها (2014:119). وتجلّى ذلك بوضوح برفض إسرائيل تلقيح الفلسطينيين في غزة وفي الضّفة الغربية خلال الجائحة. ويعتبر سيّد هذا النمط من أشكال الحكم بأنه فكّ ارتباط أو تعميما لنموذج غزّة. ويتمثّل هذا النموذج بخطة فكّ الارتباط مع غزّة سنة 2005، حين نُقل المستوطنون والجنود الإسرائيليون من غزة وأربع مستوطنات في الضّفة الغربية بهدف تفويض السلطة الفلسطينية بمسؤولية الحكم (من دون أي سيادة فعلية) في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة(4).

في هذا الفضاء الزمني(5)، فإن إعلان المضرب عن الطعام - "لا أريد أن أنتظر" - لا يعترض سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية فحسب بل أيضًا بالسياسات الزمنية الأوسع لفكّ الارتباط التي يجسّدها نمط الحكم الإسرائيلي في ما بعد أوسلو (أبو باشا، 2017: 22).

أمعاء خاوية وإرباكٌ ليلي: سياسات الاشتباك

سبعة وخمسون يومًا لغضنفر اليوم. ثلاثة وأربعون يومًا لهناء شلبي في 2012. واحد وسبعون يومًا لبلال كايد في 2016. من أين يمكن أنّ نستمّد القدرة على استيعاب هذه الأرقام؟

خلال عملي الميداني، كان العديد ممن تكلّمت معهم يخافون من أن يؤديّ قيام معتقل بالإضراب عن الطعام بمفرده إلى "رفع سقف" مدّد الإضراب عن الطعام من متوسّط يعادل أقلّ بقليل من ثلاثين يومًا خلال الإضرابات الجماعيّة العامّة التي كانت تطّبق حتى العام 2004 وصولًا إلى سبعين يومًا على الأقلّ، وفي بعض الأحيان تسعين يومًا أو أكثر منذ إضراب خضر الفردي سنة 2011.

ويوافق الكثيرون، مثل خضر، على أن إضراباتهم الفرديّة قامت بالفعل بتكوين علاقة مختلفة مع الوقت، وهي إضرابات مرهقة للغاية وقابلة لأن تدوم طويلا. إلا أنّ خضر يعتبر أن امتداد فترة الإضراب لا ترتبط بالفردية العفوية للإضرابات فحسب، بل أيضًا بالهدف المراد منها.

يقول الكثيرون إن خضر عدنان رفع سقف مدّة الإضراب عن الطعام التي كانت تتراوح بين عشرين وثلاثين يومًا من قبله. "نعم، لم يمنحوني حرّيتي (في 2011) حتّى ما بعد اليوم الخامس والستين.. ولكننا هنا نقارن ذلك بالإضراب عن الطعام الهادف إلى تحسين ظروف الحياة وهو مختلف عن الإضراب عن الطعام في سبيل الحرّية. إن إضراب الحرية هو إضراب لكسر (والقضاء على) الاعتقال كليًّا. ليس إضرابًا لإجراء مكالمة هاتفيّة، أو الحصول على فرشة، أو طعام أو كتب أو زيارات. هذا الإضراب يكسر. يكسر سلطات السجن. يكسر الاحتلال. لذلك هو مضني للغاية وثمنه مرتفع، ولكن ما يحققه هو ثمين بالقدر نفسه".

وهذا الفارق الذي أشار إليه خضر يكرره فلسطينيون آخرون يصفون الإضرابات الهادفة إلى تحسين ظروف السجن (الإضرابات المطلبية) بأنّها تختلف عن الإضرابات السياسية. ويمكن مقارنة هذا التباين بالفوارق التي يطرحها علماء الإنسانيات مثل أودرا سيمبسون (2014) حين يقارنون بين فعل المقاومة وفعل الرفض. فالتمييز بين المقاومة وبين الرفض، نظريًّا، يتمحور غالبًا حول علاقة الأولى بما تقاومه. الإضرابات المطلبية لتحسين ظروف الاعتقال هي ضروريّة للغايّة وهي في الوقت ذاته ترتكز على الوجود ذاته للمعتقل في السجون ومراكز الاعتقال. الرفض، في المقابل، يحاول تخّيل سبل للالتفاف على كون هذه العلاقة علاقة مواجهة فحسب وتؤسّس لفضاءات سياسيّة جديدة بالكامل، وهي فضاءات تقدّم نفسها على أنّها نقاط تحوّل حيث يمكن صياغة بدائل جديدة للارتباط بالمكان وبالزمان. وهي بدائل، كما يقول خضر، مستقطعة من سلطات السجن ومستقطعة من البنية القائمة للزمان والمكان التي فرضتها أسلو.

كان باسل الأعرج واحدًا من ستّة أشخاص أضربوا عن الطعام في سجون السلطة الفلسطينية في آب/أغسطس 2016 بعد تعرّضهم للتعذيب. لاحقًا، قامت إسرائيل بملاحقة الباحث والناشط البالغ الحاديّة والثلاثين من العمر، على امتداد نحو عام قبل أن تغتاله في هجوم قبيل الفجر على منزل سنة 2017. لو أنّه أُعطي الفرصة لذلك، أتخيّل أنه كان سيربط الفارق بين المقاومة وبين الرفض بنظريته حول الاشتباك. وتكتب رنا باقر أن الاشتباك يدّل على "إرباك متشابك وخلّاق" (يمكن أن يتزاوج مع ولكن أيضًا) يبتعد عن أساليب المواجهة وتكتيكاتها.

وتعبير المواجهة يعني أساسًا المواجهات المباشرة وجهًا لوجه مع عدو لدى وقوع احتكاكات صمّمها العدو وحدّدها مسبقًا. يوّسع الاشتباك المواجهات لتشمل حالات احتكاك لم يحدّدها العدّو. والهدف منها هو توريط العدو في مناورات عصيان متعدّدة وتحرّكات مربكة معاديّة للاستعمار. في فلسطين (خلال هبة أيّار/مايو 2021) كان معنى ذلك تحويل البلاد كلّها إلى نقاط اشتباك متعدّدة يتخلّلها عدد من المناورات المربكة والمتمرّدة التي تنهك العدو وترهقه وتشوشه.

الناس هم نتاج ظروفهم وَهُم، وفقًا لذلك، يجدون سبلًا لمواجهة مضطهدهم أو الاشتباك معه. ولا يمكن فصل اشتباك غزّة الجوي عن قيام إسرائيل بإنشاء مناطق عازلة. وكما كتبت باقر فإن المناطق العازلة ألغت نقاط الاشتباك التقليدية التي ما زالت تقسّم الضفة الغربية. وبما أن المساحة هي دائمًا مؤقّتة، أوّد دمج تحليل باقر مع كتابات الأعرج عن الزمان والمكان.

ذات مرّة، لخّص محمد القيق مسعى إسرائيل لفرض فترات انتظار لا مفر منها بطريقة تسمح بمقارنتها بالمناطق العازلة حول غزة. لدى اعتقاله في 2015، قال له محققوه "إمّا أن تعترف أو تذهب إلى الحجز". حين تفرض إسرائيل الانتظار كخيار وحيد على الفلسطينيين عبر مفهومها للاستيطان في إطار فض الاشتباك -في حالة القيق الخيار بين الانتظار كمعتقل لصدور حكم بالسجن أو الانتظار كسجين يوّسع رفض الانتظار نطاق نقاط الاشتباك بما يتجاوز العزل الزمني الذي صممته إسرائيل. بهذا المعنى، يمكن النظر إلى أساليب مختلفة من الاشتباك المؤقت في فلسطين اليوم.

وفيما يشتبك غضنفر بجسده المجوّع للتحرر من أي تجديد مجهول لاعتقاله، يتظاهر الفلسطينيون في رام الله احتجاجًا على الانتظار الذي لا ينتهي عند دوّار أوسلو، وهو دوّار يولي السلطة الفلسطينية مهمة الحفاظ على إقفال السير باتجاه (مناطق) التوسع الاستيطاني الاستعماري. في غضون ذلك، تنتفض أسر سلوان والشيخ جرّاح، كما حرّاس الجبل في بيتا رفضًا للانتظار السلبي لاستيلاء الزحف الاستيطاني على منازلهم، وهو انتظار يمكن أن يتخلّله إرجاء مستمر لجلسات المحاكم في الشيخ جراح، أو هدم وشيك في أي لحظة لمنزل في سلوان.

عن التحولات: فهم تجميد الاعتقال

فيما كانت السلطة الفلسطينية تقمع الفلسطينيين المحتجين على اغتيال نزار بنات في الضفة الغربية، قامت السلطات الإسرائيلية بتجميد الاعتقال الإداري لغضنفر كوسيلة للتقليل من أهمية إضرابه في سبيل الحرية. ويستوجب الاشتباك تحوّلًا دائمًا؛ الولادة العفوية لإمكانيات جديدة من النضال. وعمليّة الاشتباك هذه، خلال تكوّنها، يقابلها ابتكار القوى الاستعمارية الدائم لأشكال جديدة من العنف (دولوز، 1995). ودولة إسرائيل تقوم بشكل متواصل بإعادة صياغة سبل مواجهاتها للمضربين عن الطعام، سواء عن طريق ترغيب المعتقلين بالموافقة على ترحيلهم مقابل إنهاء إضرابهم(6)، أو/وعبر إلزام المضربين عن الطعام بإنهاء فترة اعتقالهم حتّى بعد التوّصل إلى اتفاق يضمن عدم تجديدها. أو/و، وهو ما بدأ في 2015 وازداد بعدها، عبر تجميد اعتقال المضربين عن الطعام، كما تفعل إسرائيل اليوم مع غضنفر.

خلال إضراب محمد علّان عن الطعام سنة 2015، هدّدته إسرائيل بإطعامه قسرًا وبتجميد اعتقاله. وكان هو مصممًا إمّا على الموت أو الحصول على حريته. واستمر الإسرائيليون في اللجوء إلى الإطعام القسري، حتى بعدما قتلوا أربعة مضربين عن الطعام فيما كانوا يحاولون إطعامهم بالقوّة في 1970 و1980(7). وقامت مصلحة السجون الإسرائيلية بإطعام مضربين عن الطعام بالقوة، لكن بصورة غير شرعية بعدما تم حظر هذه الممارسة في أعقاب الاحتجاجات الفلسطينية على وقوع قتلى في العام 1980، أو بصورة "شرعية" حين أعاد الكنيست الإسرائيلي إضفاء الشرعية على الإطعام القسري سنة 2015. وعلى الرغم من أن مصلحة السجون تهدد المضربين عن الطعام بأنابيب الإطعام القسري، إلا أنها غالبًا ما تلجأ إلى خبراء طبيين لتزويد السجين بالفيتامينات عن طريق الوريد، من دون موافقته.

وتجميد الاعتقال، بالإضافة إلى إعادة إضفاء الشرعية على الإطعام القسري، هما من أحدث أشكال العنف الإسرائيلية التي نجمت عن ازدياد حالات الإضراب عن الطعام الفردية والجماعية في وجه الاعتقال الإداري. في العام 2015، جمّدت إسرائيل اعتقال محمد علّان، فيما كان على وشك الموت. بعد شهرين من الإضراب عن الطعام، وفي اليوم التاسع والخمسين من إضرابه، اهتز جسد علان بفعل الارتجاف والنوبات المستمرّة قبل أنّ يصبح عاجزًا عن التنفس وفقد وعيه. وقام العاملون في مستشفى بارزيلاي في جنوبي إسرائيل بإنعاشه فورًا وربطوه بجهاز داعم للتنفس فيما كانوا يزودونه بالمعادن والمواد الغذائية.

وتدخّلت المحكمة العليا الإسرائيليّة بطريقة غير مسبوقة إذ حكمت بتعليق أمر الاعتقال الإداري الذي كان محمد علان يعارضه بالإضراب عن الطعام. وعلى عكس بعض المضربين الذين يأخذون أحيانًا فيتامينات حيوية خلال إضرابهم عن الطعام لمنع تردي وظائف أعضائهم الحيوية، كان علان قد رفض تناول أي شيء سوى الماء، مصرًّا على الحريّة أو الموت. ومع اتضاح اقترابه من الموت لدرجة فقدانه للوعي، بات قريبًا بشكل خطير من خرق مكونين مركزيين في النظام الإسرائيلي. الأول هو تجنّب موت المعتقلين في السجون الإسرائيلية. عوضًا عن ذلك، غالبًا ما تطلق إسرائيل سراح الأسرى الذين أهملتهم طبيًّا، حين تصبح حالاتهم حرجة، لكي يموتوا خارج مرافقها ومراكزها. وتنقل ملكة شويخ (2018: 87) عن يوئيل أدار، وهو مستشار قانوني لوزارة الأمن العام، قوله حين سئل عما إذا كان بإمكان أي مضرب عن الطعام إلحاق الضرر بالرأي العام، أنه: "إذا مات (المضرب عن الطعام) داخل السجن، فسيتسبب ذلك بأعمال شغب-في السجن، وفي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وفي الأراضي الفلسطينية. ولذلك تأثير حتمي على إسرائيل."

أما المكوّن المركزي الثاني في نمط الحكم الإسرائيلي في مرحلة ما بعد أوسلو، فيتمثّل في فرض ديمومة للانتظار في الحجز من خلال الاعتقال الإداري. ويتحدى عدد لا يحصى من المضربين عن الطعام الفرديين تكرارا هذه الديمومة عبر تأمين نهاية لاعتقالهم. قبل أيام قليلة فقط، أمرت إسرائيل بإنهاء اعتقال خضر المتكرر بعد إضراب استمر خمسة وعشرين يومًا.

نعم، لم يمنحوني حرّيتي (في 2011) حتّى ما بعد اليوم الخامس والستين.. ولكننا هنا نقارن ذلك بالإضراب عن الطعام الهادف إلى تحسين ظروف الحياة وهو مختلف عن الإضراب عن الطعام في سبيل الحرّية. إن إضراب الحرية هو إضراب لكسر (والقضاء على) الاعتقال كليًّا. ليس إضرابًا لإجراء مكالمة هاتفيّة، أو الحصول على فرشة، أو طعام أو كتب أو زيارات.

بهذه الطريقة، يمكن فهم قيام المحكمة الإسرائيلية بتجميد اعتقال علان كمحاولة لاحتواء تهديدات المضربين عن الطعام المجدية في مواجهة نمط الحكم الزمني الذي تتبعه إسرائيل. ومن خلال مجرّد تعليق أمر الاعتقال تماما، سعت إسرائيل يائسة إلى تجنّب إمكانيّة موت مضرب عن الطعام، للحفاظ على صورتها المنفتحة الليبرالية وتفادي أن يؤدي ذلك إلى اندلاع أي احتجاجات- ولكن من دون الموافقة على وقف اعتقال علان. فطالما أن جسد علان في وضع حرج، يصار إلى تعليق الاعتقال حتّى "يستقرّ" وضعه الصحي-وبعد ذلك يمكن للمحكمة أن تقرّر إعادة تفعيل أمر الاعتقال. وبعدما انضم العديد من المعتقلين إلى علان في إضراب تضامني عن الطعام، ورفض علان القبول بترحيله إلى بلد آخر مقابل إطلاق سراحه، وضمن علان نهاية اعتقاله في تشرين الثاني\نوفمبر 2015.

الرعاية بالخاوة

سمح تجميد إسرائيل لاعتقال غضنفر بقيام فرق طبّية بتحريره من سرير المستشفى التي قيّدت يداه به، ولأخته بزيارته أخيرا في مركز كابلان الطبّي. وفيما كانت تقف أمام غضنفر الذي كان بحاجة إلى مخدّة ليسند رأسه الواهن على السرير، كانت أخته تؤكد تكرارا: "مازال يطالب بالحريّة. كلّ ما نريده هو الحريّة". بعدها بأيّام، زارت غضنفر والدته وجلست إلى جانب سريره وحملت في إحدى يديها مصحفا فيما كان صوت تلاوة القرآن يصدر في الخلفيّة. أمّا يدها الثانية فقد كانت ممدودة نحو غضنفر الذي تمسّك بها واستمرّ في التمسيد عليها بحنان.

وتذكّر مشاهدة هذه اللحظات من التلاقي والعناية الأسرية بكلمات خضر عدنان: "لا يضرب الفرد عن الطعام فقط من أجل نفسه(ا). ربّما يضرب من أجل أمه أو أخته أو زوجته أو أولاده. فمجرد وجوده في منزلهم هو مكسب- للاهتمام بأمّه وعائلته وبالشؤون الماليّة".

يلجأ العنف الاستعماري دوما إلى إنتاج أزمات في توفير الرعاية. وتتعين قراءة حملة الاعتقالات الإسرائيلية الأخيرة لفلسطينيين مواطنين في إسرائيل، عبر "عملية القانون والنظام"، على أنّها مسعى لزرع الخوف والسيطرة على الأجساد الفلسطينية. ولكن، وكما كتبت رندا وهبة (2020، 325)، فإنّه يجب فهم "سيطرة (إسرائيل) على الأجساد الفلسطينية وتجريمها لها" كجزء لا يتجزّأ من "استيلائها على الأراضي". على سبيل المثال، باشرت إسرائيل في هدم بيوت ألف وخمسمئة فلسطيني في سلوان لبناء منتزها دينيا، فيما هي تعتقل وتعتدي على أفراد الحيّ. ويشرح محمد الكرد أنه "بالإضافة إلى طرد الفلسطينيين بالقوة من القدس" فإن المنتزه مصمم أيضا "ليشكّل حدودا طبيعيّة حول المجتمعات الفلسطينية، وخنقها ومنع نموها الطبيعي."

ستراتيجية استعمال السجون للاستحواذ على الأرض، بالإضافة إلى أنّها تغرس الخوف بين الفلسطينيين الذين يرفضون انتظار تجريدهم من ملكيتهم، تتمحوّر أساسا حول تمزيق علاقات العناية التي تمكّنهم من البقاء في أرضهم. وتفصّل ليفيا ويك (2011) كيف تم تكثيف هذه العمليّة بعد الانتفاضة الثانية حين أضحى أفراد أسرة واحدة يعيشون على بعد خمس دقائق من بعضهم البعض منفصلين لدى قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل، أو حتى وكما في بلدتين في الضفة الغربية، عبر بروز حواجز غير متوّقعة. ونتيجة لذلك باتت لجان الأحياء الفلسطينيّة تجد أن التجمّع في الأعراس أو المآتم، أو التجمعات السياسيّة والثقافيّة، أضحى أكثر صعوبة (ويك، 2011:29).

وتقنيات الإغلاق المكثّفة التي حشدتها إسرائيل في العام 2000 وما بعده، انعكست أيضا خلف جدران المعتقلات (أبو باشا، 2017). وكتب وليد دقّة (2009) المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ العام 1986، "صهر الوعي" لتتّبع سياسات يعقوب غانو، الذي يصفه بأنّه مهندس سجن مرحلة ما بعد أوسلو. ويصف دقّة كيف أخل هذا القائد السابق لشرطة الحدود تغييرات ملموسة على السجون تعزل المساجين وتفصلهم عن بعضهم البعض. بعض هذه التغييرات الملموسة تتضمّن مصادرة المطابخ المشتركة حيث يعمل المعتقلون ويطبخون معا ما يزيد اعتمادهم على مخازن المؤن. وتقسيم زنازين المعتقل إلى أقسام لفصائل محدّدة بعد الانقسام بين غزة وبين الضفة الغربية في 2006 يساهم أكثر في تقسيم السجون، كما يشرح أحمد قطامش في مقابلة شخصيّة.

ويشدد العديد من الفلسطينيين، ومن بينهم رلى أبو دحو، على أهميّة تأمين مطالب جماعيّة عبر الإضرابات الجماعية عن الطعام، حتّى لو أدّى ذلك إلى قضاء وقت أطول في المعتقل. ولكن، وكما تضيف أبو دحو أيضا وهي تتحدّث معي في خيمة المعتقلين خلال الإضراب عن الطعام الذي نفّذه بلال الكايد في حزيران 2016 فإن "كان من الممكن لخضر إلّا يضرب عن الطعام بمفرده، لولا إضعاف فصائلنا السياسيّة. هذا هو جوهر المسألة. والإضرابات الأخرى كلّها... هي نماذج عن الزمن الذي نعيشه."

ويمكن أن يتسّم هذا الزمن بتكثيف إسرائيل للانقسامات في السجون وخارجها، ولكن أيضا بإصرار الفلسطينيين على الاستمرار في إرباك مستعمريهم والاهتمام ببعضهم البعض عبر العوائق.

كم نموذجًا من تقديم العون والاهتمام قدّمه لها الفلسطينيون في هذه الأشهر القليلة الماضية. حتى لو جاء هذا العون بكلفة قصوى، أو حتى قاتلة. خاوة. كما تقول دور حسن: يستخدم المقدسيون خاوة بطريقة تعني رغمًا عن أنوفكم، و«خاوة» في القدس نهج حياة".

وترديدًا لبدور: العائلات في الشيخ جراح وفلسطينيون آخرون من الأراضي المحتلة سنة 1948 اجتمعوا معا على مائدة إفطار جماعيّة في رمضان. وإفطارا بعد الآخر، وسط عنف المستعمرين المستمّر على منازلهم، أصرّ (الفلسطينيون) على الاهتمام ببعضهم البعض عبر تناول الطعام جماعيّا. خاوة. الفلسطينيون في بيتا عكسوا الإرباك الليلي الذي عرضه الغزاويين مرّة خلال "مسيرة العودة" في 2018: التواجد في سبيل حق كل منهم بالعيش على أرضهم والاهتمام ببعضهم البعض في منازلهم. خاوة. والمحتجون في الضفة الغربية ينزلون إلى الشوارع حاملين صور نزار بنات، وسط قمع عنيف من السلطة الفلسطينية، متبنين بذلك خسارة عائلة بنات وسخطها على أنّها جماعيّة. خاوة.

أمّا بالنسبة للمضربين عن الطعام الذين يفرغون معدهم، أتساءل ما كان سيقوله خضر عدنان لو تسنّت لي فرصة التحدّث معه اليوم. ربما كان أشار إلى نظريته عن الوحدة الجماعية الناتجة عن "إضراب الحريّة" التي ترفض انتظار إسرائيل لتحريرهم – وربطها إلى ما يسميه الكثيرون "انتفاضة الوحدة" اليوم: إضراب (الحرية) يحث أيضا معتقلين آخرين على الإضراب. يحرك العائلة. يحرك الشارع. وأيضًا، يحرّك الاحتلال للخروج إلى العالم والقول أن هؤلاء الناس هم مجرد أفراد، وليسوا شعبا بكامله، ليسوا قضيّة برمّتها. كما أنه ستنفر الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الحقوقية والطبيّة، والعديد منها يقع في الخطأ ذاته ويستخدم تعبير "الإضراب الفردي".

وبالفعل، يربط العديد من الناس بين السلسلة المتتاليّة من إضرابات الحرية الفردية ضد الاعتقال منذ 2011 بـ(إعادة) وصل الصلات المتداخلة والروابط التي تتيح نضال المعتقلين الجماعي، حتى مع استمرار إسرائيل في استهداف هذه الروابط المتداخلة.

بعد ما يمكن أن تكون الفترة الأطول في تاريخ المعتقلين الفلسطينيين من دون تنفيذ إضراب تام جماعي عن الطعام (بين 2004 و2012)، ألهمت إضرابات الحريّة المناهضة للاعتقال منذ 2011، الإضراب الجماعي الأول لأكثر من مئة سجين ضد الاعتقال الإداري في 2014.

وتخلل عدد من إضرابات الحرية الفردية، تنفيذ إضرابين جماعيين آخرين: في 2012 (ضد العزل ولتأمين حق الأسر الغزّاوية في زيارة المعتقلين) وفي 2017 (مزيج من 2012 و2014: مطالبي تحسين شروط العيش، رفع عدد الزيارات الشهرية، وإنهاء الاعتقال الإداري).

إن قيام مضربي الحريّة الفلسطينيين بوضع نظرية حول العلاقة التي تربط بين إضرابات الحريّة ضد الاعتقال وبين قيامهم بإعادة تشكيل ما يمكن أن تكون عليه صورة النضال الجماعي، يضيء كالإشعاعات الشكل الذي سوف تتخذه "انتفاضة الوحدة" اليوم. ويُظهر الاثنان حياكة أشكال جديدة من الخيال والممارسة الجماعية تتجاوز "جغرافيات السجن" الاستعماريّة.

خضر أصرّ على إطلاق تسميّة "إضرابات الحرية" عليها: "نحن نبعث رسالة مفادها أن الاحتلال ليس قدرا. وتماما كما يفترض الناس أن الاحتلال قدر، وأن الاعتقال قدر، ربما الحرية يمكن أن تكون أيضا قدرنا".

خاوة.

[ترجمة هنادي سلمان. نُشر النص الأصلي على «جدلية»]

هوامش

(1) جمال الطويل يضرب عن الطعام اعتراضا على اعتقال ابنته إداريا.

(2) للحصول على تقرير مفصل عن النساء المضربات عن الطعام فرديا ضد الاعتقال سنة 1997 (عطاف عليان لمدة 45 يوما) ولاحقا في 2012 (هناء شلبي لمدة 43 يوما)، انظر لمقال ملكه شويخ "جندرة الإضرابات عن الطعام" (2020). وتناقش شويخ الرفض المزدوج لدى النساء المضربات عن الطعام. فمن جهة، يرفضن العنف الإسرائيلي كما المضربين من الذكور. ومن جهة ثانية، يرفض لجوء إسرائيل إلى المناورة مستخدمة المعايير الاجتماعية الجندرية عبر تهديد المعتقلات بالاعتداء الجنسي، علما أن مجتمعاتهن سوف تعايرهن بذلك لدى إطلاق سراحهن.

(3) كل المقابلات الشخصية المشار إليها تعود إلى صيف العام 2016 وموثّقة في أطروحتي للحصول على الماجيستير (أبو باشا، 2017)

(4) عبر خطة فك الارتباط مع غزة وما تلاه من تقسيم بين غزة والضفة الغربية بعد انتخابات العام 2006، عزلت إسرائيل قطاع غزة بمجمله وحولّته إلى سجن في الهواء الطلق عبر فرض حصار دائم وعدد من الحروب. ولكن، وكما يقول سيد، فأن نمط الحكم المدوّن في فك الارتباط في 2005 ليس منفصلا تماما عن مقاربتها لاحتلال الضفة الغربية. ففرض نموذج غزة على الضفة الغربية، كما يكتب سيّد، يسّهل قدرة إسرائيل على عزل المدن وتحويلها إلى تجمعات مكتظّة بالسّكان كل منها منقطة عن الأخرى. وتؤدي السلطة الفلسطينية دورا محوريا في هذا التصّور مع انتقال إسرائيل نحو الحفاظ على مفاوضات السلام كحل نهائي. المفاوضات أضحت هدفا وليست وسيلة.

(5) إن استخدامي لمصطلح المساحة الزمنية مرتكز على تطوير كل من جون ماي ونيغيل ثريفت (2003) لمفهوم ازدواجية المساحة الزمنية (وهي جغرافيا مؤقّتة دوما والعكس صحيح) في فصلهما المحرر "المساحة الزمنيّة: جغرافيات المؤقّت".

(6) بعد إضراب عن الطعام لمدّة ثلاثة وأربعين يوما، وافقت هناء شلبي على عرض السلطات الإسرائيلية بترحيلها إلى غزة بعيدا عن عائلتها في جنين لمدّة ثلاث سنوات مقابل حريّتها في آذار\مارس 2012. مازالت شلبي عالقة في غزّة حتّى اليوم، فيما ترفض إسرائيل السماح لها بالعودة إلى جنين. (شويخ، 2020:17)

(7) في مقالها "ديناميات مقاومة المعتقل"، تفصّل ملكه شويخ (2018:84) هذه الوفيات: "عبدالقادر أبو الفحم، الذيب أعلن في 1970 إضرابا عن الطعام في معتقل عسقلان، مات نتيجة لإطعامه قسرا في أيّار\مايو 1970، وهو واحد من أربعة حالات موثّقة لمضربين عن الطعام ماتوا خلال أو بعد إطعامهم القسري. (40) راسم حلاوة وعلي الجعفري قتلا في تموز\يوليو 1980 حين أدخلت السلطات الإسرائيلية أنابيب تغذية في رواياهما عوضا عن معدتيهما. أما الرابع الذي مات فكان اسحق مراغة الذي توفيّ في معتقل بئر سبع سنة 1983، بعد ثلاث سنوات من تغذيته قسرا. على الرغم من أنّه ليس من الواضح إذا كان الإطعام القسري قد تسبب بموته، إلا أن صحّته تدهورت جديا نتيجة لإطعامه قسرا.

مراجع 

Abo-Basha, A. (2017). Refusing to Wait: Hunger-Striking in an Age of Gazafication. (Unpublished Master’s Thesis).

American University of Cairo: Egypt.

Alexandrowicz, R. (2012). The law in these parts. US, Germany, Israel: Doc Club Studio.

Auyero, J. (2012). Patients of the state: The politics of waiting in Argentina. Durham: Duke University Press

Daqqa, W. (2009). Sahr el-Wa ʿy. [Prison memoir and study]. Gilboa Prison, Israel.

Deleuze, Gilles (1995). “Control and Becoming.” In Negotiations. New York: Columbia University

May, J. & Thrift N. (Eds). (2003). Time-Space: Geographies of temporality. London and New York: Routledge

Sayed, H (2014). “The fictions of the ‘illegal’ occupation in the West Bank.” Oregon Review of International Law 16, no. 1 (2014) 79-126.

Shwaikh, M. M. (2018). “Dynamics of Prison Resistance: Hunger Strikes by Palestinian Political Prisoners in

Israeli Prisons.” Jerusalem Quarterly 75 (Autumn 2018): 78-89.

Shwaikh, M. M. (2020). “Engendering hunger strikes: Palestinian women in Israeli Prisons.” British Journal of

Middle Eastern Studies. Doi: 10.1080/13530194.2020.1815518

Simpson, A. (2014). Mohawk interruptus: Political life across the borders of settler states. Durham: Duke University Press.

Wahbe, R. M. (2020). “The Politics of Karameh: Palestinian burial rites under the gun.” Critique of Anthropology 40(3): 323-340.

Wick, L. (2011). “The practice of waiting under closure in Palestine.” City & Society 23(S1): 24-44.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • Salt and Water: An Ode to Ghadanfar Abu Atwan and Bassel Al-Araj

      Salt and Water: An Ode to Ghadanfar Abu Atwan and Bassel Al-Araj

      Today is day 57. Long past the hunger pangs and stomach cramps (day 1-3), or even the sensation of thirst (lost at day 15).  By day 25, one is only left with the sensation of cold, and more cold, of light-headedness and mental sluggishness. Standing up is difficult to impossible. And the body becomes physically lighter.  Such is the course of hunger.  As Amany Khalifa writes, maintaining settler colonialism requires abominable violence. Today is day 57 and Ghadanfar Abu Atwan’s famished body has been beaten by the Israeli Prison Services(IPS) not once, but twice.  IPS transferred his hungering body on the arduous journey from prison to prison and proceeded to eat food in front of him—all threats that Israel regularly imposes to strain a prisoner who refuses to eat. Yet, Ghadanfar continues to refuse. He denies supplements or treatments and only accepts water mixed with salt to keep his organs from rotting. Today is day 57 and he has lost so much bodily fluids that his heart and kidneys are fighting at the brink of death.

    • What does it Mean to Return, and Return, and Return?

      What does it Mean to Return, and Return, and Return?

      On marching, hunger strikes, and tennis rackets.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬