اليوم هو اليوم السابع والخمسون. توقّف المغص الناجم عن الجوع وتشنجات المعدة (بين اليوم الأول والثالث)، أو حتّى الإحساس بالعطش (الذّي يختفي في اليوم الخامس عشر). بحلول اليوم الخامس والعشرين، يبقى المرء مع إحساس بالبرد فحسب، ثم المزيد من البرد، وألم في الرأس وخمول ذهني. يصبح الوقوف على القدمين صعبًا أو حتّى مستحيلًا. ويصبح الجسم خفيفًا فعليًّا. هذا هو مسار الجوع. وكما كتبت أماني خليفة، فإنّ الحفاظ على الاستعمار الاستيطاني يتطّلب عنفًا مقيتًا. اليوم هو اليوم السابع والخمسون وجسد غضنفر أبو عطوان المتضّور جوعًا دخل في غيبوبة. أفراد "مصلحة السجون الإسرائيلية" لم يضربوا غضنفر مرّة، بل مرّتين. ثم نقلوا جسده المتضوّر جوعًا في رحلة شاقة من سجن إلى آخر وعمدوا إلى تناول الطعام أمامه، وهي كلّها تهديدات تمارسها إسرائيل دومًا لإجهاد أي معتقل يرفض تناول الطعام. ولكن غضنفر يستمر في الرفض. يرفض تلّقي أي متممات غذائية أو علاجات ويوافق فقط على تناول المياه الممزوجة بالملح لمنع أعضاء جسمه الحيوية من التعفّن. اليوم هو اليوم السابع والخمسون وجسده فقد كميّة من السوائل تملي على قلبه وكليتيه المكافحة على شفير الموت.
لكنّ اليوم السابع والخمسين بالنسبة لغضنفر كان اليوم الحادي والثلاثين بالنسبة لعمرو الشامي ويوسف العامر. أمّا اليوم الثامن والخمسون فسيكون يوم جمال الطويل الثامن والعشرين(1)، ويوم محمد مسالمة التاسع والعشرين. في مكان ما في معتقل هشارون، تقلّص جسد الطويل مع خسارته لثلاثة عشر كيلوغرامًا، ولم يتبق منه إلا بعضه. ويهدف تضاؤل جسده وجسد الآخرين إلى إرساء نوع من عدّاد للوقت يحتسب بالجسد، أي قياس الوقت بحسب وتيرة تردّي الجسد. تسعى رزنامة الجوع إلى اختراق الانتظار الأبدي في الاعتقال الإداري وإعادة ضبط الساعة بمعايير الجسد نفسه. وبذلك، يتدخل المضربون عن الطعام ضدّ الاعتقال، في الترتيب الزمني للانتظار الأبدي الذي يميّز الإدارة الإسرائيلية بأسرها في فترة ما بعد أوسلو.
دوّار الساعة: مرحلة الاعتقال الإداري
حين يعلن أحد المعتقلين الإضراب عن الطعام في مواجهة الاعتقال الإداري، فإنّه بذلك يحيي تجمّعات مختلفة عبر (إعادة) حشدها. تبدأ خيم تضامنيّة مع الأسرى في الظهور في مختلف المناطق بالرغم من التقسيم (الجغرافي) الاستعماري، حيث ينصب الناس خيمًا زرقاء اللون ويصفّون كراسٍ بلاستيكية تحتها. وسواء في خيمة دوّار الساعة في قلب رام الله، أو أمام مركز "اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر" في البيرة، أو في نابلس، أو في مخيم الدهيشة للاجئين بالقرب من بيت لحم، فإنّ كل إضراب عن الطعام يؤدي في العادة إلى نصب خيم زرقاء مماثلة. كلّ الخيم التي جلست تحتها خلال بحثي الميداني في العام 2016، كانت متشابهة بالقدر ذاته: كنت أجد دومًا أمهات، وآباء أو أشقّاء يحملون تحت ذقونهم صورة داخل إطار لأزواجهن، أو بناتهنّ، أو أحفادهنّ. من جهة، كانت الشوادر المنصوبة في أكثر من مكان تجعل من انتظار المعتقلين انتظارًا جماعيًّا. ومن جهة أخرى، كان الانتظار في شوادر الجوع يخلق، عبر جسد المضرب عن الطعام، زمنًا ينبذ الانتظار السلبي للاعتقال الإداري.
وهذه الإضرابات المرتبطة بسياسة الاعتقال الإداري من دون تهم أو محاكمات، ومطالبة المضربين بالحرية، هي مركزية. حتى العام 2011، لم تكن فكرة الإضراب عن الطعام للمطالبة بالحريّة بمجملها أسلوبا سائدًا ضمن الممارسات المتبعة في نضال المعتقلين. بالطبع، نفذّ عدد منهم بعض الإضرابات المهمة على مرّ السنوات(2). إلّا أنّ الكثيرين ينسبون بداية الهيمنة العارمة للإضراب الفردي منذ العام 2011 إلى خضر عدنان الذي أضرب عن الطعام في ذلك العام. قبل 2011، كانت الإضرابات عن الطعام غالبًا جماعية وتطالب بتحسين نوعية الطعام والنوم ومعايير الزيارات العائلية أو الخروج من الحبس الانفرادي، أي تحسين ظروف الاعتقال. ويتعين فهم أهميّة هذه المطالب في إطار مركزية المُعتَقل في الحياة الفلسطينيّة، إذ إنّه بحلول 2014، كانت إسرائيل قد اعتقلت سياسيًّا أربعين في المئة من الذكور الفلسطينيين، بالإضافة إلى العديد من النساء والأطفال، منذ العام 1967.
إلا أن الإضرابات الحاليّة مختلفة. هي "إضرابات للحريّة". هكذا كان يصرّ خضر عدنان على تسميتها حين سألته لاحقًا عن إضرابه عن الطعام سنة 2011، واعتباره من أطلق (سلسلة) الإضرابات التالية "الفردية" المستمرة في وجه الاعتقال(3). ولكن خضر لا يستخدم تعبير "فردي" في حديثه معي: "إضرابات الحريّة"، كان يكرر. "إن اعتقالي الإداري كان هديّة من الله"، يقول، "لأنه أعطاني فرصة المطالبة بالحرية".
إضرابات الحريّة: رفض الاعتقال
بدوره، يربط محمد القيق بين ما سماه البعض بـ"الإضرابات الفردية" وبين سياسة الاعتقال الإداري، بما يكاد يوحي بأن الإضرابات لم تكن ستوجد لولا ارتباطها المركزي بالاعتقال الإداري، فالاثنان متداخلان جوهريًّا بطبيعتهما: "إضرابات الطعام هذه هي اللامنطق الذي يواجه اللامنطق" كما أعلن القيق وهو يتحدث مستخدمًا الميكروفون خلال واحد من خطاباته في خيمة المعتقلين تضامنًا مع بلال كايد. وكايد هو معتقل سابق آخر نفّذ إضرابًا عن الطعام في حزيران/يونيو 2016 حين قامت محكمة إسرائيلية بتحويل عقوبته بالسجن لمدّة أربعة عشر عامًا ونصف العام إلى اعتقال إداري في اليوم المحدّد لإطلاق سراحه.
اللامنطق الذي يتحدث عنه القيق كان يتردّد دومًا خلال مقابلات أجريتها مع أفراد عائلات أسرى معتقلين إداريًّا: "ليس هناك أي منطق لذلك!" الاعتقال الإداري هو سياسة إسرائيل لاعتقال الفلسطيني لمدة ستة أشهر في كلّ مرّة. ولدى نهاية مدّة الأشهر الستّة هناك دومًا إمكانية قيام المحاكم العسكرية الإسرائيلية بالتجديد، بما يبُقي المعتقلين وأسرهم فعليًّا عالقين دومًا في الزمان والترقّب. وكان الانتداب البريطاني هو أول من أدخل الاعتقال الإداري إلى فلسطين التاريخية قبل أن تعدّله إسرائيل لتسهيل استعمارها الاستيطاني. منذ العام 1987، وخلال الهبّات الحاشدة للانتفاضة الأولى، أوقفت إسرائيل خمسين ألف فلسطينيًّا خلال مدة قصيرة من الزمن. وبسبب موجبات الزمان والمكان، كان من المستحيل عمليًّا إحالتهم إلى المحكمة كما تنص السياسة البريطانيّة. ونتيجة لذلك، أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية أولًا أمرًا عسكريًّا ألغى مهلة الساعات الست والتسعين اللازمة لمثول المعتقل أمام المحكمة، وثانيًا تخلّصت كليًّا من شرط المحاكمة قبل الاعتقال (ألكسندروفيتش، 2012).
ومنذ ذلك الوقت، لجأت إسرائيل إلى الاعتقال الإداري لتوقيف الفلسطينيين بسهولة بموجب "أدلّة سرّية" من دون توجيه أي اتهامات أو محاكمة، مما يحرم المعتقلين من فرصة الدفاع عن أنفسهم. وهي ممارسة تقوم إسرائيل بتصعيدها خلال فترات المقاومة المنظّمة لقمع المجتمع الفلسطيني بمجمله.
كانت منال، زوجة شاهر الراعي الذي كان معتقلًا وقتها، تتحدث معي وهي تضم بقوة وسادة صنعتها لابنها البالغ السادسة من العمر وعليها صورة لأبيه، ولشرح اليأس الذي يولّده هذا الانتظار الذي لا ينتهي سألت بصوت عال: "انتظرنا ستة أشهر، ثم قاموا بتجديدها. انتظرنا من جديد، ثم جُدّدت مرّة أخرى. إلى متى سنستمر بالانتظار؟".
ولكن، ماذا يحصل حين يرفض الناس الانتظار؟ ولماذا اتخذ هذا الرفض، لا سيما بين الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، شكل الإضراب الفردي عن الطعام في مواجهة الاعتقال؟ الانتظار في دوّار الساعة يقدّم ربّما الصورة الأنسب للتجربة الزمنيّة في فلسطين المعاصرة بالمجمل. فسياسة الاعتقال الإداري التي يرفضها المضربون عن الطعام كانت تقريبًا طقس عبور للعديد من الرجال الفلسطينيين وعدد أقلّ من النساء الذين عايشوا الانتفاضتين الأولى والثانيّة. ولكن، العديد من المعتقلين السابقين الذين تحدّثت معهم تحدّثوا عن الإضرابات الأخيرة عن الطعام ضمن نظريّة تربط بشكل وثيق تجاربهم في الاعتقال الذي يتجدّد بلا نهاية باتفاقيات أوسلو، بالمفاوضات التي لا تنتهي، والمغالطة المتمثّلة بحلّ الدولتين. لم يعد هناك انتظار لعمليّة سلام. ما تبقّى هو نمط من الحكم الإسرائيلي يستمّر في (إعادة) كتابة بند مؤقت في إطار اتفاقات أوسلو يتعلّق بالاعتقال الإداري: ليس انتظارًا بل انتظار الانتظار (أبو باشا 2017: 38).
يناقش هاني سيّد (2014) أنه منذ اتفاقات العام 1993، لم يعد بالإمكان اعتبار إسرائيل قوة محتلّة. فذلك يستتبع واجب الحكم المدوّن في البند 43 من علاقات لاهاي. وقامت إسرائيل عمليًّا بإعفاء نفسها من هذه المهمة عبر تبني فض الاشتباك ونمط حكم منفصل هدفه الوحيد هو ممارسة السيطرة لدى الحاجة لذلك من دون الاعتراف بأي مسؤوليات "في الحكم"، فيما هي تستمر بتوسيع مستوطناتها (2014:119). وتجلّى ذلك بوضوح برفض إسرائيل تلقيح الفلسطينيين في غزة وفي الضّفة الغربية خلال الجائحة. ويعتبر سيّد هذا النمط من أشكال الحكم بأنه فكّ ارتباط أو تعميما لنموذج غزّة. ويتمثّل هذا النموذج بخطة فكّ الارتباط مع غزّة سنة 2005، حين نُقل المستوطنون والجنود الإسرائيليون من غزة وأربع مستوطنات في الضّفة الغربية بهدف تفويض السلطة الفلسطينية بمسؤولية الحكم (من دون أي سيادة فعلية) في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة(4).
في هذا الفضاء الزمني(5)، فإن إعلان المضرب عن الطعام - "لا أريد أن أنتظر" - لا يعترض سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية فحسب بل أيضًا بالسياسات الزمنية الأوسع لفكّ الارتباط التي يجسّدها نمط الحكم الإسرائيلي في ما بعد أوسلو (أبو باشا، 2017: 22).
أمعاء خاوية وإرباكٌ ليلي: سياسات الاشتباك
سبعة وخمسون يومًا لغضنفر اليوم. ثلاثة وأربعون يومًا لهناء شلبي في 2012. واحد وسبعون يومًا لبلال كايد في 2016. من أين يمكن أنّ نستمّد القدرة على استيعاب هذه الأرقام؟
خلال عملي الميداني، كان العديد ممن تكلّمت معهم يخافون من أن يؤديّ قيام معتقل بالإضراب عن الطعام بمفرده إلى "رفع سقف" مدّد الإضراب عن الطعام من متوسّط يعادل أقلّ بقليل من ثلاثين يومًا خلال الإضرابات الجماعيّة العامّة التي كانت تطّبق حتى العام 2004 وصولًا إلى سبعين يومًا على الأقلّ، وفي بعض الأحيان تسعين يومًا أو أكثر منذ إضراب خضر الفردي سنة 2011.
ويوافق الكثيرون، مثل خضر، على أن إضراباتهم الفرديّة قامت بالفعل بتكوين علاقة مختلفة مع الوقت، وهي إضرابات مرهقة للغاية وقابلة لأن تدوم طويلا. إلا أنّ خضر يعتبر أن امتداد فترة الإضراب لا ترتبط بالفردية العفوية للإضرابات فحسب، بل أيضًا بالهدف المراد منها.
يقول الكثيرون إن خضر عدنان رفع سقف مدّة الإضراب عن الطعام التي كانت تتراوح بين عشرين وثلاثين يومًا من قبله. "نعم، لم يمنحوني حرّيتي (في 2011) حتّى ما بعد اليوم الخامس والستين.. ولكننا هنا نقارن ذلك بالإضراب عن الطعام الهادف إلى تحسين ظروف الحياة وهو مختلف عن الإضراب عن الطعام في سبيل الحرّية. إن إضراب الحرية هو إضراب لكسر (والقضاء على) الاعتقال كليًّا. ليس إضرابًا لإجراء مكالمة هاتفيّة، أو الحصول على فرشة، أو طعام أو كتب أو زيارات. هذا الإضراب يكسر. يكسر سلطات السجن. يكسر الاحتلال. لذلك هو مضني للغاية وثمنه مرتفع، ولكن ما يحققه هو ثمين بالقدر نفسه".
وهذا الفارق الذي أشار إليه خضر يكرره فلسطينيون آخرون يصفون الإضرابات الهادفة إلى تحسين ظروف السجن (الإضرابات المطلبية) بأنّها تختلف عن الإضرابات السياسية. ويمكن مقارنة هذا التباين بالفوارق التي يطرحها علماء الإنسانيات مثل أودرا سيمبسون (2014) حين يقارنون بين فعل المقاومة وفعل الرفض. فالتمييز بين المقاومة وبين الرفض، نظريًّا، يتمحور غالبًا حول علاقة الأولى بما تقاومه. الإضرابات المطلبية لتحسين ظروف الاعتقال هي ضروريّة للغايّة وهي في الوقت ذاته ترتكز على الوجود ذاته للمعتقل في السجون ومراكز الاعتقال. الرفض، في المقابل، يحاول تخّيل سبل للالتفاف على كون هذه العلاقة علاقة مواجهة فحسب وتؤسّس لفضاءات سياسيّة جديدة بالكامل، وهي فضاءات تقدّم نفسها على أنّها نقاط تحوّل حيث يمكن صياغة بدائل جديدة للارتباط بالمكان وبالزمان. وهي بدائل، كما يقول خضر، مستقطعة من سلطات السجن ومستقطعة من البنية القائمة للزمان والمكان التي فرضتها أسلو.
كان باسل الأعرج واحدًا من ستّة أشخاص أضربوا عن الطعام في سجون السلطة الفلسطينية في آب/أغسطس 2016 بعد تعرّضهم للتعذيب. لاحقًا، قامت إسرائيل بملاحقة الباحث والناشط البالغ الحاديّة والثلاثين من العمر، على امتداد نحو عام قبل أن تغتاله في هجوم قبيل الفجر على منزل سنة 2017. لو أنّه أُعطي الفرصة لذلك، أتخيّل أنه كان سيربط الفارق بين المقاومة وبين الرفض بنظريته حول الاشتباك. وتكتب رنا باقر أن الاشتباك يدّل على "إرباك متشابك وخلّاق" (يمكن أن يتزاوج مع ولكن أيضًا) يبتعد عن أساليب المواجهة وتكتيكاتها.
وتعبير المواجهة يعني أساسًا المواجهات المباشرة وجهًا لوجه مع عدو لدى وقوع احتكاكات صمّمها العدو وحدّدها مسبقًا. يوّسع الاشتباك المواجهات لتشمل حالات احتكاك لم يحدّدها العدّو. والهدف منها هو توريط العدو في مناورات عصيان متعدّدة وتحرّكات مربكة معاديّة للاستعمار. في فلسطين (خلال هبة أيّار/مايو 2021) كان معنى ذلك تحويل البلاد كلّها إلى نقاط اشتباك متعدّدة يتخلّلها عدد من المناورات المربكة والمتمرّدة التي تنهك العدو وترهقه وتشوشه.
الناس هم نتاج ظروفهم وَهُم، وفقًا لذلك، يجدون سبلًا لمواجهة مضطهدهم أو الاشتباك معه. ولا يمكن فصل اشتباك غزّة الجوي عن قيام إسرائيل بإنشاء مناطق عازلة. وكما كتبت باقر فإن المناطق العازلة ألغت نقاط الاشتباك التقليدية التي ما زالت تقسّم الضفة الغربية. وبما أن المساحة هي دائمًا مؤقّتة، أوّد دمج تحليل باقر مع كتابات الأعرج عن الزمان والمكان.
ذات مرّة، لخّص محمد القيق مسعى إسرائيل لفرض فترات انتظار لا مفر منها بطريقة تسمح بمقارنتها بالمناطق العازلة حول غزة. لدى اعتقاله في 2015، قال له محققوه "إمّا أن تعترف أو تذهب إلى الحجز". حين تفرض إسرائيل الانتظار كخيار وحيد على الفلسطينيين عبر مفهومها للاستيطان في إطار فض الاشتباك -في حالة القيق الخيار بين الانتظار كمعتقل لصدور حكم بالسجن أو الانتظار كسجين يوّسع رفض الانتظار نطاق نقاط الاشتباك بما يتجاوز العزل الزمني الذي صممته إسرائيل. بهذا المعنى، يمكن النظر إلى أساليب مختلفة من الاشتباك المؤقت في فلسطين اليوم.
وفيما يشتبك غضنفر بجسده المجوّع للتحرر من أي تجديد مجهول لاعتقاله، يتظاهر الفلسطينيون في رام الله احتجاجًا على الانتظار الذي لا ينتهي عند دوّار أوسلو، وهو دوّار يولي السلطة الفلسطينية مهمة الحفاظ على إقفال السير باتجاه (مناطق) التوسع الاستيطاني الاستعماري. في غضون ذلك، تنتفض أسر سلوان والشيخ جرّاح، كما حرّاس الجبل في بيتا رفضًا للانتظار السلبي لاستيلاء الزحف الاستيطاني على منازلهم، وهو انتظار يمكن أن يتخلّله إرجاء مستمر لجلسات المحاكم في الشيخ جراح، أو هدم وشيك في أي لحظة لمنزل في سلوان.
عن التحولات: فهم تجميد الاعتقال
فيما كانت السلطة الفلسطينية تقمع الفلسطينيين المحتجين على اغتيال نزار بنات في الضفة الغربية، قامت السلطات الإسرائيلية بتجميد الاعتقال الإداري لغضنفر كوسيلة للتقليل من أهمية إضرابه في سبيل الحرية. ويستوجب الاشتباك تحوّلًا دائمًا؛ الولادة العفوية لإمكانيات جديدة من النضال. وعمليّة الاشتباك هذه، خلال تكوّنها، يقابلها ابتكار القوى الاستعمارية الدائم لأشكال جديدة من العنف (دولوز، 1995). ودولة إسرائيل تقوم بشكل متواصل بإعادة صياغة سبل مواجهاتها للمضربين عن الطعام، سواء عن طريق ترغيب المعتقلين بالموافقة على ترحيلهم مقابل إنهاء إضرابهم(6)، أو/وعبر إلزام المضربين عن الطعام بإنهاء فترة اعتقالهم حتّى بعد التوّصل إلى اتفاق يضمن عدم تجديدها. أو/و، وهو ما بدأ في 2015 وازداد بعدها، عبر تجميد اعتقال المضربين عن الطعام، كما تفعل إسرائيل اليوم مع غضنفر.
خلال إضراب محمد علّان عن الطعام سنة 2015، هدّدته إسرائيل بإطعامه قسرًا وبتجميد اعتقاله. وكان هو مصممًا إمّا على الموت أو الحصول على حريته. واستمر الإسرائيليون في اللجوء إلى الإطعام القسري، حتى بعدما قتلوا أربعة مضربين عن الطعام فيما كانوا يحاولون إطعامهم بالقوّة في 1970 و1980(7). وقامت مصلحة السجون الإسرائيلية بإطعام مضربين عن الطعام بالقوة، لكن بصورة غير شرعية بعدما تم حظر هذه الممارسة في أعقاب الاحتجاجات الفلسطينية على وقوع قتلى في العام 1980، أو بصورة "شرعية" حين أعاد الكنيست الإسرائيلي إضفاء الشرعية على الإطعام القسري سنة 2015. وعلى الرغم من أن مصلحة السجون تهدد المضربين عن الطعام بأنابيب الإطعام القسري، إلا أنها غالبًا ما تلجأ إلى خبراء طبيين لتزويد السجين بالفيتامينات عن طريق الوريد، من دون موافقته.
وتجميد الاعتقال، بالإضافة إلى إعادة إضفاء الشرعية على الإطعام القسري، هما من أحدث أشكال العنف الإسرائيلية التي نجمت عن ازدياد حالات الإضراب عن الطعام الفردية والجماعية في وجه الاعتقال الإداري. في العام 2015، جمّدت إسرائيل اعتقال محمد علّان، فيما كان على وشك الموت. بعد شهرين من الإضراب عن الطعام، وفي اليوم التاسع والخمسين من إضرابه، اهتز جسد علان بفعل الارتجاف والنوبات المستمرّة قبل أنّ يصبح عاجزًا عن التنفس وفقد وعيه. وقام العاملون في مستشفى بارزيلاي في جنوبي إسرائيل بإنعاشه فورًا وربطوه بجهاز داعم للتنفس فيما كانوا يزودونه بالمعادن والمواد الغذائية.
وتدخّلت المحكمة العليا الإسرائيليّة بطريقة غير مسبوقة إذ حكمت بتعليق أمر الاعتقال الإداري الذي كان محمد علان يعارضه بالإضراب عن الطعام. وعلى عكس بعض المضربين الذين يأخذون أحيانًا فيتامينات حيوية خلال إضرابهم عن الطعام لمنع تردي وظائف أعضائهم الحيوية، كان علان قد رفض تناول أي شيء سوى الماء، مصرًّا على الحريّة أو الموت. ومع اتضاح اقترابه من الموت لدرجة فقدانه للوعي، بات قريبًا بشكل خطير من خرق مكونين مركزيين في النظام الإسرائيلي. الأول هو تجنّب موت المعتقلين في السجون الإسرائيلية. عوضًا عن ذلك، غالبًا ما تطلق إسرائيل سراح الأسرى الذين أهملتهم طبيًّا، حين تصبح حالاتهم حرجة، لكي يموتوا خارج مرافقها ومراكزها. وتنقل ملكة شويخ (2018: 87) عن يوئيل أدار، وهو مستشار قانوني لوزارة الأمن العام، قوله حين سئل عما إذا كان بإمكان أي مضرب عن الطعام إلحاق الضرر بالرأي العام، أنه: "إذا مات (المضرب عن الطعام) داخل السجن، فسيتسبب ذلك بأعمال شغب-في السجن، وفي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وفي الأراضي الفلسطينية. ولذلك تأثير حتمي على إسرائيل."
أما المكوّن المركزي الثاني في نمط الحكم الإسرائيلي في مرحلة ما بعد أوسلو، فيتمثّل في فرض ديمومة للانتظار في الحجز من خلال الاعتقال الإداري. ويتحدى عدد لا يحصى من المضربين عن الطعام الفرديين تكرارا هذه الديمومة عبر تأمين نهاية لاعتقالهم. قبل أيام قليلة فقط، أمرت إسرائيل بإنهاء اعتقال خضر المتكرر بعد إضراب استمر خمسة وعشرين يومًا.
بهذه الطريقة، يمكن فهم قيام المحكمة الإسرائيلية بتجميد اعتقال علان كمحاولة لاحتواء تهديدات المضربين عن الطعام المجدية في مواجهة نمط الحكم الزمني الذي تتبعه إسرائيل. ومن خلال مجرّد تعليق أمر الاعتقال تماما، سعت إسرائيل يائسة إلى تجنّب إمكانيّة موت مضرب عن الطعام، للحفاظ على صورتها المنفتحة الليبرالية وتفادي أن يؤدي ذلك إلى اندلاع أي احتجاجات- ولكن من دون الموافقة على وقف اعتقال علان. فطالما أن جسد علان في وضع حرج، يصار إلى تعليق الاعتقال حتّى "يستقرّ" وضعه الصحي-وبعد ذلك يمكن للمحكمة أن تقرّر إعادة تفعيل أمر الاعتقال. وبعدما انضم العديد من المعتقلين إلى علان في إضراب تضامني عن الطعام، ورفض علان القبول بترحيله إلى بلد آخر مقابل إطلاق سراحه، وضمن علان نهاية اعتقاله في تشرين الثاني\نوفمبر 2015.
الرعاية بالخاوة
سمح تجميد إسرائيل لاعتقال غضنفر بقيام فرق طبّية بتحريره من سرير المستشفى التي قيّدت يداه به، ولأخته بزيارته أخيرا في مركز كابلان الطبّي. وفيما كانت تقف أمام غضنفر الذي كان بحاجة إلى مخدّة ليسند رأسه الواهن على السرير، كانت أخته تؤكد تكرارا: "مازال يطالب بالحريّة. كلّ ما نريده هو الحريّة". بعدها بأيّام، زارت غضنفر والدته وجلست إلى جانب سريره وحملت في إحدى يديها مصحفا فيما كان صوت تلاوة القرآن يصدر في الخلفيّة. أمّا يدها الثانية فقد كانت ممدودة نحو غضنفر الذي تمسّك بها واستمرّ في التمسيد عليها بحنان.
وتذكّر مشاهدة هذه اللحظات من التلاقي والعناية الأسرية بكلمات خضر عدنان: "لا يضرب الفرد عن الطعام فقط من أجل نفسه(ا). ربّما يضرب من أجل أمه أو أخته أو زوجته أو أولاده. فمجرد وجوده في منزلهم هو مكسب- للاهتمام بأمّه وعائلته وبالشؤون الماليّة".
يلجأ العنف الاستعماري دوما إلى إنتاج أزمات في توفير الرعاية. وتتعين قراءة حملة الاعتقالات الإسرائيلية الأخيرة لفلسطينيين مواطنين في إسرائيل، عبر "عملية القانون والنظام"، على أنّها مسعى لزرع الخوف والسيطرة على الأجساد الفلسطينية. ولكن، وكما كتبت رندا وهبة (2020، 325)، فإنّه يجب فهم "سيطرة (إسرائيل) على الأجساد الفلسطينية وتجريمها لها" كجزء لا يتجزّأ من "استيلائها على الأراضي". على سبيل المثال، باشرت إسرائيل في هدم بيوت ألف وخمسمئة فلسطيني في سلوان لبناء منتزها دينيا، فيما هي تعتقل وتعتدي على أفراد الحيّ. ويشرح محمد الكرد أنه "بالإضافة إلى طرد الفلسطينيين بالقوة من القدس" فإن المنتزه مصمم أيضا "ليشكّل حدودا طبيعيّة حول المجتمعات الفلسطينية، وخنقها ومنع نموها الطبيعي."
ستراتيجية استعمال السجون للاستحواذ على الأرض، بالإضافة إلى أنّها تغرس الخوف بين الفلسطينيين الذين يرفضون انتظار تجريدهم من ملكيتهم، تتمحوّر أساسا حول تمزيق علاقات العناية التي تمكّنهم من البقاء في أرضهم. وتفصّل ليفيا ويك (2011) كيف تم تكثيف هذه العمليّة بعد الانتفاضة الثانية حين أضحى أفراد أسرة واحدة يعيشون على بعد خمس دقائق من بعضهم البعض منفصلين لدى قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل، أو حتى وكما في بلدتين في الضفة الغربية، عبر بروز حواجز غير متوّقعة. ونتيجة لذلك باتت لجان الأحياء الفلسطينيّة تجد أن التجمّع في الأعراس أو المآتم، أو التجمعات السياسيّة والثقافيّة، أضحى أكثر صعوبة (ويك، 2011:29).
وتقنيات الإغلاق المكثّفة التي حشدتها إسرائيل في العام 2000 وما بعده، انعكست أيضا خلف جدران المعتقلات (أبو باشا، 2017). وكتب وليد دقّة (2009) المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ العام 1986، "صهر الوعي" لتتّبع سياسات يعقوب غانو، الذي يصفه بأنّه مهندس سجن مرحلة ما بعد أوسلو. ويصف دقّة كيف أخل هذا القائد السابق لشرطة الحدود تغييرات ملموسة على السجون تعزل المساجين وتفصلهم عن بعضهم البعض. بعض هذه التغييرات الملموسة تتضمّن مصادرة المطابخ المشتركة حيث يعمل المعتقلون ويطبخون معا ما يزيد اعتمادهم على مخازن المؤن. وتقسيم زنازين المعتقل إلى أقسام لفصائل محدّدة بعد الانقسام بين غزة وبين الضفة الغربية في 2006 يساهم أكثر في تقسيم السجون، كما يشرح أحمد قطامش في مقابلة شخصيّة.
ويشدد العديد من الفلسطينيين، ومن بينهم رلى أبو دحو، على أهميّة تأمين مطالب جماعيّة عبر الإضرابات الجماعية عن الطعام، حتّى لو أدّى ذلك إلى قضاء وقت أطول في المعتقل. ولكن، وكما تضيف أبو دحو أيضا وهي تتحدّث معي في خيمة المعتقلين خلال الإضراب عن الطعام الذي نفّذه بلال الكايد في حزيران 2016 فإن "كان من الممكن لخضر إلّا يضرب عن الطعام بمفرده، لولا إضعاف فصائلنا السياسيّة. هذا هو جوهر المسألة. والإضرابات الأخرى كلّها... هي نماذج عن الزمن الذي نعيشه."
ويمكن أن يتسّم هذا الزمن بتكثيف إسرائيل للانقسامات في السجون وخارجها، ولكن أيضا بإصرار الفلسطينيين على الاستمرار في إرباك مستعمريهم والاهتمام ببعضهم البعض عبر العوائق.
كم نموذجًا من تقديم العون والاهتمام قدّمه لها الفلسطينيون في هذه الأشهر القليلة الماضية. حتى لو جاء هذا العون بكلفة قصوى، أو حتى قاتلة. خاوة. كما تقول دور حسن: يستخدم المقدسيون خاوة بطريقة تعني رغمًا عن أنوفكم، و«خاوة» في القدس نهج حياة".
وترديدًا لبدور: العائلات في الشيخ جراح وفلسطينيون آخرون من الأراضي المحتلة سنة 1948 اجتمعوا معا على مائدة إفطار جماعيّة في رمضان. وإفطارا بعد الآخر، وسط عنف المستعمرين المستمّر على منازلهم، أصرّ (الفلسطينيون) على الاهتمام ببعضهم البعض عبر تناول الطعام جماعيّا. خاوة. الفلسطينيون في بيتا عكسوا الإرباك الليلي الذي عرضه الغزاويين مرّة خلال "مسيرة العودة" في 2018: التواجد في سبيل حق كل منهم بالعيش على أرضهم والاهتمام ببعضهم البعض في منازلهم. خاوة. والمحتجون في الضفة الغربية ينزلون إلى الشوارع حاملين صور نزار بنات، وسط قمع عنيف من السلطة الفلسطينية، متبنين بذلك خسارة عائلة بنات وسخطها على أنّها جماعيّة. خاوة.
أمّا بالنسبة للمضربين عن الطعام الذين يفرغون معدهم، أتساءل ما كان سيقوله خضر عدنان لو تسنّت لي فرصة التحدّث معه اليوم. ربما كان أشار إلى نظريته عن الوحدة الجماعية الناتجة عن "إضراب الحريّة" التي ترفض انتظار إسرائيل لتحريرهم – وربطها إلى ما يسميه الكثيرون "انتفاضة الوحدة" اليوم: إضراب (الحرية) يحث أيضا معتقلين آخرين على الإضراب. يحرك العائلة. يحرك الشارع. وأيضًا، يحرّك الاحتلال للخروج إلى العالم والقول أن هؤلاء الناس هم مجرد أفراد، وليسوا شعبا بكامله، ليسوا قضيّة برمّتها. كما أنه ستنفر الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الحقوقية والطبيّة، والعديد منها يقع في الخطأ ذاته ويستخدم تعبير "الإضراب الفردي".
وبالفعل، يربط العديد من الناس بين السلسلة المتتاليّة من إضرابات الحرية الفردية ضد الاعتقال منذ 2011 بـ(إعادة) وصل الصلات المتداخلة والروابط التي تتيح نضال المعتقلين الجماعي، حتى مع استمرار إسرائيل في استهداف هذه الروابط المتداخلة.
بعد ما يمكن أن تكون الفترة الأطول في تاريخ المعتقلين الفلسطينيين من دون تنفيذ إضراب تام جماعي عن الطعام (بين 2004 و2012)، ألهمت إضرابات الحريّة المناهضة للاعتقال منذ 2011، الإضراب الجماعي الأول لأكثر من مئة سجين ضد الاعتقال الإداري في 2014.
وتخلل عدد من إضرابات الحرية الفردية، تنفيذ إضرابين جماعيين آخرين: في 2012 (ضد العزل ولتأمين حق الأسر الغزّاوية في زيارة المعتقلين) وفي 2017 (مزيج من 2012 و2014: مطالبي تحسين شروط العيش، رفع عدد الزيارات الشهرية، وإنهاء الاعتقال الإداري).
إن قيام مضربي الحريّة الفلسطينيين بوضع نظرية حول العلاقة التي تربط بين إضرابات الحريّة ضد الاعتقال وبين قيامهم بإعادة تشكيل ما يمكن أن تكون عليه صورة النضال الجماعي، يضيء كالإشعاعات الشكل الذي سوف تتخذه "انتفاضة الوحدة" اليوم. ويُظهر الاثنان حياكة أشكال جديدة من الخيال والممارسة الجماعية تتجاوز "جغرافيات السجن" الاستعماريّة.
خضر أصرّ على إطلاق تسميّة "إضرابات الحرية" عليها: "نحن نبعث رسالة مفادها أن الاحتلال ليس قدرا. وتماما كما يفترض الناس أن الاحتلال قدر، وأن الاعتقال قدر، ربما الحرية يمكن أن تكون أيضا قدرنا".
خاوة.
[ترجمة هنادي سلمان. نُشر النص الأصلي على «جدلية»]
هوامش
(1) جمال الطويل يضرب عن الطعام اعتراضا على اعتقال ابنته إداريا.
(2) للحصول على تقرير مفصل عن النساء المضربات عن الطعام فرديا ضد الاعتقال سنة 1997 (عطاف عليان لمدة 45 يوما) ولاحقا في 2012 (هناء شلبي لمدة 43 يوما)، انظر لمقال ملكه شويخ "جندرة الإضرابات عن الطعام" (2020). وتناقش شويخ الرفض المزدوج لدى النساء المضربات عن الطعام. فمن جهة، يرفضن العنف الإسرائيلي كما المضربين من الذكور. ومن جهة ثانية، يرفض لجوء إسرائيل إلى المناورة مستخدمة المعايير الاجتماعية الجندرية عبر تهديد المعتقلات بالاعتداء الجنسي، علما أن مجتمعاتهن سوف تعايرهن بذلك لدى إطلاق سراحهن.
(3) كل المقابلات الشخصية المشار إليها تعود إلى صيف العام 2016 وموثّقة في أطروحتي للحصول على الماجيستير (أبو باشا، 2017)
(4) عبر خطة فك الارتباط مع غزة وما تلاه من تقسيم بين غزة والضفة الغربية بعد انتخابات العام 2006، عزلت إسرائيل قطاع غزة بمجمله وحولّته إلى سجن في الهواء الطلق عبر فرض حصار دائم وعدد من الحروب. ولكن، وكما يقول سيد، فأن نمط الحكم المدوّن في فك الارتباط في 2005 ليس منفصلا تماما عن مقاربتها لاحتلال الضفة الغربية. ففرض نموذج غزة على الضفة الغربية، كما يكتب سيّد، يسّهل قدرة إسرائيل على عزل المدن وتحويلها إلى تجمعات مكتظّة بالسّكان كل منها منقطة عن الأخرى. وتؤدي السلطة الفلسطينية دورا محوريا في هذا التصّور مع انتقال إسرائيل نحو الحفاظ على مفاوضات السلام كحل نهائي. المفاوضات أضحت هدفا وليست وسيلة.
(5) إن استخدامي لمصطلح المساحة الزمنية مرتكز على تطوير كل من جون ماي ونيغيل ثريفت (2003) لمفهوم ازدواجية المساحة الزمنية (وهي جغرافيا مؤقّتة دوما والعكس صحيح) في فصلهما المحرر "المساحة الزمنيّة: جغرافيات المؤقّت".
(6) بعد إضراب عن الطعام لمدّة ثلاثة وأربعين يوما، وافقت هناء شلبي على عرض السلطات الإسرائيلية بترحيلها إلى غزة بعيدا عن عائلتها في جنين لمدّة ثلاث سنوات مقابل حريّتها في آذار\مارس 2012. مازالت شلبي عالقة في غزّة حتّى اليوم، فيما ترفض إسرائيل السماح لها بالعودة إلى جنين. (شويخ، 2020:17)
(7) في مقالها "ديناميات مقاومة المعتقل"، تفصّل ملكه شويخ (2018:84) هذه الوفيات: "عبدالقادر أبو الفحم، الذيب أعلن في 1970 إضرابا عن الطعام في معتقل عسقلان، مات نتيجة لإطعامه قسرا في أيّار\مايو 1970، وهو واحد من أربعة حالات موثّقة لمضربين عن الطعام ماتوا خلال أو بعد إطعامهم القسري. (40) راسم حلاوة وعلي الجعفري قتلا في تموز\يوليو 1980 حين أدخلت السلطات الإسرائيلية أنابيب تغذية في رواياهما عوضا عن معدتيهما. أما الرابع الذي مات فكان اسحق مراغة الذي توفيّ في معتقل بئر سبع سنة 1983، بعد ثلاث سنوات من تغذيته قسرا. على الرغم من أنّه ليس من الواضح إذا كان الإطعام القسري قد تسبب بموته، إلا أن صحّته تدهورت جديا نتيجة لإطعامه قسرا.
مراجع
Abo-Basha, A. (2017). Refusing to Wait: Hunger-Striking in an Age of Gazafication. (Unpublished Master’s Thesis).
American University of Cairo: Egypt.
Alexandrowicz, R. (2012). The law in these parts. US, Germany, Israel: Doc Club Studio.
Auyero, J. (2012). Patients of the state: The politics of waiting in Argentina. Durham: Duke University Press
Daqqa, W. (2009). Sahr el-Wa ʿy. [Prison memoir and study]. Gilboa Prison, Israel.
Deleuze, Gilles (1995). “Control and Becoming.” In Negotiations. New York: Columbia University
May, J. & Thrift N. (Eds). (2003). Time-Space: Geographies of temporality. London and New York: Routledge
Sayed, H (2014). “The fictions of the ‘illegal’ occupation in the West Bank.” Oregon Review of International Law 16, no. 1 (2014) 79-126.
Shwaikh, M. M. (2018). “Dynamics of Prison Resistance: Hunger Strikes by Palestinian Political Prisoners in
Israeli Prisons.” Jerusalem Quarterly 75 (Autumn 2018): 78-89.
Shwaikh, M. M. (2020). “Engendering hunger strikes: Palestinian women in Israeli Prisons.” British Journal of
Middle Eastern Studies. Doi: 10.1080/13530194.2020.1815518
Simpson, A. (2014). Mohawk interruptus: Political life across the borders of settler states. Durham: Duke University Press.
Wahbe, R. M. (2020). “The Politics of Karameh: Palestinian burial rites under the gun.” Critique of Anthropology 40(3): 323-340.
Wick, L. (2011). “The practice of waiting under closure in Palestine.” City & Society 23(S1): 24-44.