أحداث تاريخ قريب
1
استقرت الدكتاتورية العسكرية كصيغة للحكم في سوريا بعد عام 1970، وتمكنت من مصادرة الحياة السياسية بالتدريج، باعتماد القمع العاري من جهة والاستتباع أو التدجين من جهة ثانية. الأمر الذي جعل سوريا تشهد حركة سياسية ضعيفة ومهلهلة ومعاقة؛ بدءًا من النصف الثاني من الثمانينيات وحتى آذار 2011. شلّ القمع العاري مختلف قوى المعارضة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وغيّب التدجين ملامح الأحزاب والقوى التي التحقت بالنظام أو بشخص (القائد) مهما كانت متكآتها الأيديولوجية، وصُهرت القوى المدجّنة ضمن إكسسوارات تناسب زي الدكتاتورية، ولم يقتصر الاستتباع على ما عرف باسم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، بما فيها حزب البعث، الذي بات مجرد أداة بيد الأسد الأب، بل تعداها إلى مؤسسات ومنظمات أخرى مثل مجلس الشعب، والنقابات وبعض الشخصيات الفعالة في المجتمع، كرجال الدين، وشيوخ العشائر، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة. وقد ورث الأسد الابن، فيما ورث، تلك التركيبة وألحق بإكسسواراتها منظمات دينية، بعد ازدياد نفوذ الأيديولوجيا الدينية في سوريا والمنطقة.
2
لا تتطابق مصطلحات مثل اليمين واليسار الأيديولوجي مع مصطلحات اليمين واليسار السياسي. بل يبدو الاختلاط والتعقيد كبيرًا. فأطراف اليسار الأيديولوجي يرابطون في جبهتين متحاربتين سياسيًّا، إن لم نقل في أكثر من جبهتين. (وينطبق الأمر على القوى التي تتبنى أيديولوجيات أخرى ).
بكلمات أخرى: لم تكن سوريا منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن ساحة يصطف فيها اليسار الأيديولوجي في جهة واليمين الأيديولوجي في الجهة المقابلة، سواء في مضافات وفضاءات الحوار، أو في ساحات القتال الذي شهدته البلاد في الثمانينيات، وفي العقد الثاني من القرن الواحد العشرين، ولا تزال تشهده حتى اليوم.. بل كانت البلاد ساحة انقسم فيها الشيوعيون إلى معارضين للنظام، ومتحالفين بل موالين له. (ينطبق الأمر على العروبيين الاشتراكيين، والإسلاميين، والرموز القومية والدينية والعشائرية الأخرى التي تزخر بها البلاد). وفي حين توافق اليساريون الماركسيون بمختلف مشاربهم (اللينينيون أو اللينينيون الستالينيون أو التروتسكيون أو الماويون أو أنصار الشيوعية الأوروبية، وغيرهم)، على عموميات مثل أهمية العدالة الاجتماعية، أو التعامل مع الدين بصفته معطى موضوعيًّا، وبصفته جزءًا من الموروث التاريخي والحضاري والثقافي، أو النظر إلى ضرورة تحرر المرأة بما يمكّنها من لعب دورها في تطوير المجتمع، والنظر إلى تاريخ البشرية بصفته صراعًا بين الطبقات.. إلخ. ولكنهم اختلفوا إلى حد التخوين في الموقف من النظام. فقد رأى الموالون للنظام في اليساريين الآخرين خدمًا للمشاريع الإمبريالية على نحو مباشر أو غير مباشر، وبالتالي فهم في المحصلة جزء من اليمين العالمي، في حين رأى المعارضون للنظام أن حلفاءه ليسوا أكثر من انتهازيين ومرتزقة يجترون شعارات ميتة مع الفتات الذي ينالونه من النظام، وهم بهذا يخدمون استمرار القديم ويرفضون التجديد الضروري، وهذا خير دليل على كونهم انتهازيين يمينيين.
3
في حقل المعارضة، تشرذم اليسار الماركسي أيضًا. وأرى أن السبب الجوهري لتشرذم اليسار المعارض هو التحالفات المحلية والإقليمية. ففي حين اتفق اليسار الماركسي المعارض في الثمانينيات على ضرورة الديمقراطية بتبني شعارات مثل "التغيير الديمقراطي" أو "دحر الدكتاتورية والظفر بالحريات السياسية"، اختلف هؤلاء اليساريون المعارضون للنظام على الموقف من الصراع الدموي الذي شهدته البلاد في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي. رأت بعض القوى وبينها الحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي (ما يعرف باسم جماعة رياض الترك) - أن ذلك الصراع قائم بين النظام من جهة والشعب من جهة أخرى. في حين رأى آخرون، وأكثرهم حضورًا حينذاك رابطة العمل الشيوعي، أن الشعب هو ضحية هذا الصراع، وأن التحالف المباشر أو غير المباشر مع الحركة الدينية من قبل الشيوعيين، يعني تنكّر اليسار لبرنامجه السياسي ولمفاهيمه الاقتصادية والاجتماعية ولمنطلقاته الماركسية. فصراع الثمانينيات كما رآه الرابطيون، ليس إلا اقتتالًا بين الدكتاتورية العسكرية التي اعتبروها تعبيرًا عن البرجوازية البيروقراطية والرجعية الدينية التي رأوا فيها تمثيلًا للبرجوازية التقليدية.
ومن بين الخلافات الأخرى بين أطراف اليسار السوري المعارض الموقف من بعض القوى الإقليمية، ففي حين مد البعض أيديهم لدكتاتور مثل صدام حسين، استنكر آخرون ذلك ورأوا فيه ارتهانًا أو خدمة لنظام دكتاتوري لا يقل بشاعة عن الدكتاتورية في سوريا.
أعتقد أن ما أشرت إليه أعلاه يمثل بعضًا من أهم ملامح اليسار السوري الماركسي، بل والعروبي الاشتراكي، ويظهر أهم الخلافات التي ظهرت بلبوس جديد في صفوف اليسار، بعد عام 2011.
اليسارات والانتفاضة
4
شحذت انتفاضة الشعب السوري همم القوى السياسية في المجتمع بما في ذلك اليسار المعارض الذي أنهكه القمع. وترافقت تلك الانتفاضة مع وصول التيار الإسلامي إلى ذروة قوته في المنطقة، وهو الأمر الذي أتاح للإسلاميين أن يكونوا أكثر القوى تنظيمًا وتمويلًا، في سوريا وغيرها من البلدان التي حرم الناس فيها من حقهم في التعبير أو تشكيل الأحزاب.
لم توحد انتفاضة الشعب السوري القوى السياسية ومنها قوى اليسار في سوريا، بقدر ما كرست الأحداث ما المفاهيم والاصطفافات القائمة في الأصل، وأضافت تلاوين وأسماء جديدة.
بقي اليسار الملحق بالنظام في مواقعه، فالحزب الشيوعي السوري - جناح بكداش (لا يزال يحمل اسم بكداش فمنصب الأمين العام بقي محصورًا بأفراد عائلة خالد بكداش بعد موته) - حليف للنظام، وكذا الأمر بالنسبة لجناح يوسف فيصل (مات يوسف فيصل ولا يزال الحزب ينسب إليه)، وحاول تيار قاسيون (عرف باسم جماعة قدري جميل) الذي تحول لاحقًا إلى حزب الإرادة الشعبية، أن يكسب ميزات المتحالف مع النظام والمعارض له، وانقسم المكتب السياسي أو جناح رياض الترك إلى جناح حمل اسم حزب الشعب الديمقراطي، الذي غادر الماركسية نحو موقع شعبوي ليبرالي، وجناح حافظ على التسمية القديمة للحزب وانتقد سياسة الحزب السابقة وتحالفاته وانتقد أيضًا هيمنة رياض الترك حتى بعد مغادرته لموقع الأمين العام. وحاول حزب العمل الشيوعي أن يلعب دورًا في إسقاط الدكتاتورية العسكرية وفي الحد من سطوة الحركة الدينية، وعوامل تفتت المجتمع السوري. وظهرت بعد آذار 2011 منظمات اصطفت في خانة اليسار أو تحدرت منه، وكانت أقرب إلى تيار العقلانية والحداثة والديمقراطية، وحملت تسميات جديدة مثل تجمع نبض للشباب المدني السوري، وحركة شمس (شباب من سوريا) وحركة (معًا من أجل سوريا)، و(أحفاد الكواكبي) وغيرها. وتعرضت تلك القوى إلى قمع مزدوج من قبل السلطة والمعارضة الأمر الذي أدى إلى شل فعاليتها وغيابها عن ساحة الفعل لا سيما بعد أن اشتدت حدة العنف والقمع العاري.
5
في أتون الانتفاضة السورية التي شملت البلاد، اختلف يساريو المعارضة وعلمانيوها على مسائل عديدة أهمها: الموقف من الحركة الإسلامية المسلحة في البلاد، ومسألة التسلح، والاعتماد على التدخل الخارجي.
في السنوات الأولى التي تلت حالة التظاهر ضد النظام، تشكّل تياران يساريان أساسيان هما:
تيار متحالف مع الحركة الإسلامية، انضم إلى جسد تنظيمي هو: "المجلس الوطني السوري" وهو ما تم تطويره إلى"الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية". أوضحت مجريات الصراع هيمنة القوى الإسلامية على ذلك المجلس/الائتلاف. ناصرَ اليساريون في الائتلاف التسلّح، سواء كأفراد أو كقوى انتقلت من الموقع الماركسي إلى موقع ليبرالي، تحت عنوان مشروعية الدفاع عن المتظاهرين، حين بدأ شبيحة النظام ومناصروه المسلحون بإطلاق الرصاص الحي وقتل المتظاهرين. وتطور الأمر، بعد توفر المال والسلاح لأنصار فكرة التسلح إلى الانتقال من الدفاع عن المتظاهرين إلى بسط النفوذ على بعض المناطق تحت مسمى "تحرير" تلك المناطق. خضعت المناطق المحررة إلى سلطة فصائل مسلحة إسلامية الطابع بوجه عام، لا سيما غوطة دمشق الشرقية وإدلب وحلب والرقة ودير الزور. أرست القوى الإسلامية أسسًا لسلطات دينية فاشية في شكلها ومحتواها، وارتهن العديد من الفصائل إلى المساعدات الخارجية التي قدمتها بعض الدول الإقليمية مثل السعودية، وقطر وتركيا. من بين المفارقات أن التيار اليساري الملحق بالحركة الدينية، فقد حساسيته الديمقراطية تجاه السلوك الفاشي لحلفائه من القوى الدينية، ولا يقف الأمر عند سن قرارات تحدد الزي المسموح للنساء في مناطق سيطرتهم، وترغم تلاميذ المدارس على ترديد شعارات البعث بلبوس إسلامي، بل تعدى الأمر ذلك إلى ارتكاب مجازر جماعية وجرائم قتل فردية بحق مدنيين عزل. ورأى هذا التيار أن التدخل الخارجي هو الذي سيخلص سوريا من الدكتاتورية، وغُضّ البصر، بل تزكية روح الصراع بصفته صراعًا بين طوائف، لا بصفته صراعًا بين علمانيين مدنيين ديمقراطيين ينشدون دولة المواطنة من جهة وقوى دكتاتورية مستبدة أو قوى تريد إعادة إنتاج الاستبداد من جهة أخرى. وفي أتون الحماس اندفع مفكرو اليسار إلى اجتراح مصطلحات مثل (العلوية السياسية)، وقد غض هؤلاء اليساريون والعلمانيون النظر عن جرائم الفصائل الإسلامية، في حق الشعب السوري وفي حق الديمقراطية لزمن طويل تحت عناوين مختلفة، مثل الثورة لا ترسم على مسطرة، بل وصفت جرائم تلك الفصائل بأنها مجرد رد فعل مشروع على جرائم النظام. وفي مقامات ومقالات عديدة تم تجميل صورة جبهة النصرة، التي أعلن قائدها بيعته للقاعدة، ثم طلاقه معها بالتراضي! وكانت واحدة من المفارقات أن دعاة الديمقراطية أولئك واجهوا إعلانات صريحة وواضحة من حلفائهم يكفرون فيها الديمقراطيين بصراحة مطلقة، على قارعة الطريق وفي وضح النهار إذ نشروا يافطات لا لبس في الجمل التي كتبت عليها. فقدت القبلة التي تحدث عنها الراحل ميشيل كيلو من عناصر النصرة قيمتها أمام الإعلانات الواضحة المعادية بشدة للديمقراطية من قبل العديد من قادة الفصائل الاسلامية أبرزهم زهران علوش والجولاني (لنترك داعش جانبًا). واعتبر آخرون أن أي انتقاد لجرائم مسلحي المعارضة بما في ذلك المجازر بحق المدنيين العزل لا يعني إلا دكتاتورية اليسار الذي يريد إقصاء القوى الفاعلة بينما يجلس عاجزًا عن الفعل) ولم يقل هؤلاء كلمة واحدة حول الإقصاء الذي مارسته الحركة الدينية إلا بعد أن وصل البلل إلى ذقونهم. سلك المتحالفون مع الحركة الدينية سلوك المتحالفين مع النظام، فقد أدانوا انتقادات هيئة التنسيق الوطنية في سورية لجرائم الفصائل المعارضة ولاستقدام الجهاديين من شتى أصقاع الأرض، معتبرين أن هذه الانتقادات تقدم خدمة مجانية للنظام. وهذا هو الوجه الآخر لرؤية البكداشيين، الذين اعتبروا الإشارة إلى الجرائم الشنيعة التي ارتكبها النظام خدمة لمصالح الإمبريالية.
6
تكون تيار آخر، من يساريين سوريين، أبرزهم حزب العمل الشيوعي في سورية، الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، تجمع اليسار الماركسي، حركة معًا من أجل سوريا، الحزب اليساري الكردي في سوريا، إضافة إلى يسار الأحزاب القومية في تكوين جبهة مختلفة، أطلق عليها اسم "هيئة التنسيق الوطنية في سورية". واختلفت هذه الهيئة مع يساريي المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف وذلك في رفضها الشديد للتدخل الأجنبي، وإصرارها على سلمية الانتفاضة في وجه النظام ورفضها للتحريض الطائفي وأعلنت بوضوح: تدعو هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي بشكل أساسي إلى إسقاط النظام بكل رموزه وبناء نظام ديمقراطي وتعزيز الوحدة الوطنية.
وقد حوربت من قبل مخابرات النظام التي اعتقلت شخصيات فاعلة في الجبهة لا يزال بعضهم يرزح في سجون النظام (عبد العزيز الخير ورجاء الناصر) وسعى إعلام المعارضة، بما في ذلك إعلام اليسار الملتحق بالحركة الدينية، إلى تشويه صورة هيئة التنسيق والافتراء والاعتداء على أعضائها البارزين. وكان من شأن القمع العاري المباشر أن يحد من نشاط الهيئة، التي لم تتصالح مع فكرة غض النظر عن القوى الجهادية. بل طالبت برحيلهم سواء كانوا يدعمون النظام أو يحاربونه. ولكن الحرب الجهنمية جعلت للقوة العسكرية القول الفصل. وأضعفت، إذا لم نقل ألغت، الدور الذي يمكن أن يلعبه المناضلون السلميون، بل حتى دور المنظمات الإنسانية المدنية التي تعمل في ميادين الإغاثة.
7
بقيت ساحة الصراع السياسي في سورية تفتقر إلى الحوار لوضع أسس برنامجية يتفق عليها دعاة الدولة المدنية الديمقراطية من ليبراليين ويساريين معارضين لدكتاتورية النظام وطغيانه، ولا يدعون فيها إلى تشكيل دولة ثيوقراطية، ولعل أهم الأسباب هو أن اليسار لم يشكل قطبًا أساسيًّا في الصراع بعد أن ارتفعت أسهم الحركات الدينية في منطقتنا، كنتيجة لعوامل مثل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وانتصار حركة طالبان في أفغانستان، وسقوط المنظومة الاشتراكية، واستثمار فائض أموال النفط في إيران ودول الخليج لدعم تلك الحركات والاستفادة من النقمة التي خلقها استبداد الدكتاتوريات العسكرية، وفشل الحركات القومية واليسارية في تجاوز العقبات، من أجل سيادة العقلانية والديمقراطية والحداثة.
رجحت كفة النظام وحلفائه في المعارك العسكرية، وذاق السوريون الأمرين في مرحلتي "التحرير" أي سيطرة المعارضة المسلحة أو "التطهير" أي سيطرة النظام من جديد. أصبحت بعض صور اليساريين، التي روجت لتكون للدلالة على التلاحم مع الشعب موضع تندر، من بينها صورة برهان غليون يرتدي جلابية بيضاء ويعتمر كوفية ويدخل البلاد متنكرًا، ومع أن غليون قدم لاحقًا رؤية نقدية للتحالف مع الحركة الدينية (وهذا ما فعله رياض الترك أيضًا) إلا أن ذلك كله لم يتح تحول التناحر بين أطراف اليسار إلى حوار يضع أسسًا برنامجية يتحالف فيها دعاة الديمقراطية ودعاة العدالة أو من يرون أن الحفاظ على سوريا يتم إلا بإقامة دولة مواطنة مدنية ديمقراطية.
لم يتقدم يسار الائتلاف الخطوة الضرورية أخلاقيًّا، وهي الاعتذار من الشعب السوري الذي كابد أهوال الحرب. الاعتذار والمكاشفة بالأخطاء في الالتحاق بالقوى الدينية المسلحة والذي يمكن أن يجسر المسافة بين أطراف اليسار كانت بعض البرامج اليسارية، ولا تزال، هي الأصلح للحفاظ على وحدة البلاد وتجنب سفك الدماء وعدم التبعية لأي أجنبي، والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حيث يتم تداول السلطة. ولا أعتقد أن اليسار المتكلس، الذي التحق بالنظام منذ سبعينيات القرن الماضي، والذي بات حضوره في الحياة السياسية يشبه حضور المستحاثات في متاحف العلوم الطبيعية، يطرح على نفسه أي دور يتجاوز تكرار معزوفاته.
8
ثمة محاولات قد لا تجدي ولكنها تمثل بعض ما يمكن فعله سواء داخل سوريا وأقصد بذلك ما يحاول اليسار فعله من داخل تحالف جود، أو من خارج سورية كما يحاول العديد من المفكرين والمثقفين فعله بالسبل المتاحة لهم، سواء في سياق البحث لمعرفة كيفية تجاوز الحال المزري الذي وصل إليه المجتمع، أو لفعل ما يمكن فعله على صعيد تجاوز الاستبداد. ورغم إخفاق القوى الدينية أخلاقيًّا وإنسانيًّا، بل حتى بالمعنى السياسي، لن يتمكن أي يسار تابع من لعب دور، ومع أن اليسار، الذي أنهكه طرفا الصراع، لن يتمكن من لعب دور محوري في المدى القريب، لكنه قادر على أن يستمر. أعتقد أن فشل اليمين، وعلى نحو خاص، أطراف الحركة الدينية، يمنح اليسار فرصة أفضل لزيادة نفوذه، وأظن أن الحوار الجاد، والاتفاق البرنامجي، إن حصل، سيساعدان اليسار على تجاوز حال الضعف الذي يكابده حاليًّا.
[هذه المقالة جزء من طاولة مستديرة خصّصتها جدلية لتناول موضوع اليسار في سوريا].