حصلت الباحثة الأميركية ليزا ودين، أستاذة العلوم السياسية في جامعة شيكاغو والمحررة في صفحة سوريا في جدلية، على جائزة 2021 لتحليل المفهوم في العلوم السياسية، التي تقدمها الجمعية الدولية للعلوم السياسية، قسم المفهوم والمناهج.
ضمت هيئة التحكيم لهذا العام كلًّا من أليشا هولاند وإيريكا سيمونز وفرانسيسكو بانيزا، وبسبب شدة التنافس تمت دعوة رودولفو سارسفيلد كي ينضم إلى الهيئة. وبعد نقاشات مطولة وتنافس شديد حصلت الباحثة ليزا ودين على الجائزة عن كتابها الصادر عام 2019 عن جامعة شيكاغو بعنوان "استيعابات سلطوية: الأيديولوجيا والحكم والحداد في سوريا".
وسبق أن فاز هذا الكتاب بجائزتين أميركيتين مرموقتين في العلوم السياسية الأولى هي "جائزة تشارلز تيلور للكِتاب" عام 2020، وهي الجائزة السنوية لمجموعة المناهج التأويلية لأفضل كتاب في المناهج التأويلية، والثانية جائزة "أفضل كتاب في العلوم السياسية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، التي حصلت عليها في العام نفسه ويمنحها قسم سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجمعية الأميركية للعلوم السياسية (APSA). والجدير بالذكر أن الكتاب قيد الترجمة إلى اللغة العربية، ويقوم بترجمته أسامة إسبر.
ليزا ودين مديرة مشاركة لمركز جامعة شيكاغو للنظرية المعاصرة، وأستاذ مشارك للأنثروبولوجيا ومن محرري سلسلة كتب جامعة شيكاغو "دراسات في ممارسة المعنى". صدر لها:
1- غموض السيطرة: السياسة، البلاغة والرموز في سوريا المعاصرة (1999، مع مقدمة جديدة في 2015).
2- رؤى من الأطراف: الجماهير والسلطة والأداء في اليمن (2008).
كما نشرت مقالات عديدة في حقل العلوم السياسية وتعمل حاليًّا مع الباحث جوزف ماسكو على كتاب بعنوان "المؤامرة/نظرية".
نص كلمة لجنة تحكيم جائزة الجمعية الدولية للعلوم السياسية
يقدّمُ كتاب "استيعابات سلطوية: الأيديولوجيا والحكم والحداد في سوريا" للباحثة ليزا ودين إسهامات نظرية جوهرية ومبتكرة على مستوى المفهوم مهمة لفهمنا للسياسة. ومن خلال تحليل نظري ومنهجي عميق ودقيق للحكم الاستبدادي (الأوتوقراطي)، والتذبذب في المواقف في سوريا، يقدم الكتاب إسهامين مفهوميين مهمين على المستوى النظري: الأول هو أنه يساعدنا في أن نعيد النظر مفهوميًّا بالاستبداد النيوليبرالي وكيف يعمل في العالم المعاصر. تقوض ودين بإحاطة وعمق مفهومًا شائعًا عن الاستبداد يتضمن أهمية سحب المعلومات كجزء جوهري من الهيمنة. ويبين كتابُها كيف أن الأنظمة الاستبدادية يمكن أن تستفيد من الإفراط في نشر المعلومات. ذلك أن كثيرًا من المعلومات يمكن أن يولّد اللايقين وجماهير منعزلة، والأهم من كل هذا، حجة لتعليق الحُكم حين يكون الأمر أكثر أهمية من الناحية السياسية.
إن إسهام الكتاب في تعميق فهمنا للأيديولوجيا بصورة خاصة رائد ويفتتح طريقًا جديدًا. تبني ودين على أفكار ألتوسير حول الاستجواب الأيديولوجي كشكل. وبفعلها لهذا تبيّن بدقة ووضوح كيف أن الأيديولوجيا، عوضًا عن وجودها كعقيدة أو روح منفصلة فقط، تعمل كي تبني عوالم حياتنا وتشتغل من خلال آليات الاحتواء والإزاحة والتنصل. وفي عمل قائمٍ على بحث تجريبي دقيق ومتنبه تكشفُ ودين كيف تعمل الأيديولوجيا من خلال الإغواءات مثيرة أخيلة (فانتازيا) تقوم أيضًا بتعطيلها أو احتوائها كما يفعل الإعلان.
إن ما هو جوهريٌّ في هذا الابتكار النظري المفاهيمي هو فكرة الأيديولوجيا كإزاحة، الأمر الذي يمكّن الناس من إعادة نقل مخاوفهم إلى شيء جديد، من خلال نقل الأشياء التي يشعرون أنها غير مقبولة إلى "آخر" فانتازي. بهذه الطريقة تعمل الأيديولوجيا، كما تقول ودين، من خلال جعل حالات القلق الاجتماعية والتاريخية تبدو طبيعية ومحتمة، مولدة أوضاعًا للاستقالة وبالتالي للإذعان السياسي. إن ما هو أكثر ابتكارًا هنا هو فكرتها عن طرق التنصل ("أنا أعرف جيدًا ولكن بالرغم من ذلك") التي يستطيع الناس من خلالها أن يعرفوا شيئًا ما ولا يعرفونه في الوقت نفسه. يبعدنا هذا التفسير عن ثنائية التصديق وعدم التصديق ويسمح لنا بأن نفهم بصورة أفضل لماذا من المحتمل أن يكون الاستبداد رائقًا لا للحكام فقط بل أيضًا (ولو بطرق معقدة ولكن قابلة للرصد) للمواطنين. ومن خلال تحليل ودين الرائع "للوسط المتذبذب" نرى كيف اشتغلت الأيديولوجيا كي تؤمّن دعمًا للنظام في سوريا من المواطنين العاديين.
يُعَد كتاب ودين، ككل، إسهامًا جوهريًّا في تحليل المفهوم فيما نواجه جميعًا التغيرات المتولدة عن الحياة في أزمنة المعلومات المفرطة، وفيما نحاول أن نفهم كيف ترتبط هذه التغيرات برغبات متزايدة بالحكم الاستبدادي وبالدعم له. كما تُلقي الاستبصارات التي تطورت من خلال تحليل ودين المفهومي للأيديولوجيا الضوءَ على التيارات السياسية الداخلة في فلك الاستبداد والمنجذبة له والتي تتطور وتزداد قوة في جميع أنحاء العالم.
سنستخدم مفهومات الاستبداد والأيديولوجيا ونفكر بها بشكل مختلف جدًّا، وسنصبح أكثر قدرة على فهم اللحظة الحاضرة بعد قراءة هذا الكتاب.