القلب صندوق الألم، أشعر به آن بلوغه ذروته، أستحضر روحي: نهرُ الدم الأزرق، سماء لا رب يتملّكها ولا أرواح، بنات البحر تسبح فيها بلون رمادي شديد الحيرة.
تقول: أيّ هذا المقلق حدّ الارتياح: أما تكتفي من قضم الوطن المرمي في مرمى القنابل؟ ألوان الشبح المقيّد لنا فاتحة، نراها باعتزاز صارخين بها فخرًا.
أيّ هذا المتروك على دكّة الموتى حيًّا لا يحيا: أماتك موت لم يكن لك فيه ولا له فيك؟ كيف أمسيت جسدًا وكنت وطنًا لوطنٍ تائه في غياهب ليل الحروب الرطب المخيف؟
أقولُ بعينيّ النازفتين عوضًا عن لسانٍ قيّدته: لا وطنٌ ليحيا فيّ، ولا أنا ليحيا فيّ وطن/ أقسمَ الدربُ على الاستطالة حتّى بلوغي خاتمة اللحظة القادمة، أقسمَ الدرب ألا يكون دربًا لمن لا يطيع أيمانًا تربته، هل أؤمن؟ بمَ؟ لا أذكُرُ قول الطيف الزائر في لحظة حسبتها كاذبًا حلمًا: قلّب وجه النوم تراه خوفك، قلّب وجه الوطن تراه حبًلا، فإمّا يقيّدك، أو..
وتركتُ حقل القمح الأصفر ينثر رائحة غريبة في الهواء، تتجه يدي المتقشرة نحو الغياب، فيحضرُ خاليًا مني، أسأل دون استفهام كالّذي يدركُ: مَن إلّاي يحمل نارًا في روحه، في حين روحه نهر؟ مَن إلّاك يصمتُ صمت الصنم المعبود، الراضي بسيل المدائح والابتهال إليه.
شقُّ القلب الشعوريّ يفتقدُ لنخلة، يختبئ في فيء جذعها اتقاءً لاحتراقه وجعًا، أما أنا، الذي جلستُ متكوّرًا أسمعُ خدرًا فقيرًا، فإنّني أُفَضِل أن أُتركَ هنا، وحيدًا، مع الموتى.
* الصورة: لوحة للفنان العراقي محمد مهر الدين.