الأنثروبولوجية الأميركية ريبيكا إل ستاين: هكذا تغير الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عصر الهواتف الذكية

ريبيكا إل ستاين أستاذة مشاركة بجامعة "ديوك" تدرسُ الأنثروبولوجيا الثقافية وتختص بالشأن الفلسطيني. (مواقع التواصل) ريبيكا إل ستاين أستاذة مشاركة بجامعة "ديوك" تدرسُ الأنثروبولوجيا الثقافية وتختص بالشأن الفلسطيني. (مواقع التواصل)

الأنثروبولوجية الأميركية ريبيكا إل ستاين: هكذا تغير الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عصر الهواتف الذكية

تعد أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس مؤخرا مناسبة مهمة تظهر أهمية الصورة ومدى تأثيرها على ساحة التجاذبات السياسية، فسياسة العنف التي يمارسها الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين كانت دائما محاصرة بـ"الصورة"، باعتبارها وسيلة تظهر فداحة العدوان على الشعب الفلسطيني، وهو ما حاولت إسرائيل مكافحته دائما.

وأهمية الأحداث الأخيرة تظهر أهمية "الصورة"، فالمجتمع الدولي بدأ يغير رأيه بخصوص الوضع الحاصل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل "الصورة"، وهو ما يفسر استهداف الجيش الإسرائيلي "برج الجلاء" الذي يضم مقر قناة الجزيرة ومنابر إعلامية عديدة في غزة، وهو ما يفسر كذلك ملاحقة إسرائيل للصحفيين وحاملي الكاميرات، واعتقال مراسلة الجزيرة جيفارا البديري مثال حي على هذه السياسة التي تدرك أهمية الصورة، التي أسهمت في تغيير موقف شريحة مهمة من المجتمع الدولي لصالح القضية الفلسطينية.

وفي محاولة لفهم تأثير الصورة، حاورت الجزيرة نت الأنثروبولوجية ريبيكا إل ستاين (Rebecca L. Stein) الأستاذة المشاركة بجامعة ديوك التي تدرس الأنثروبولوجيا الثقافية.

وتختص ستاين بدراسة الشأن الفلسطيني، وقدمت حوله دراسات مهمة مثل كتاب "مسارات في الصراع: الإسرائيليون والفلسطينيون والحياة السياسية للسياحة" (Palestinians and the Political Lives of Tourism) الصادر عن جامعة ديوك عام 2008، وكتاب "العسكرة الرقمية: الاحتلال الإسرائيلي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي" (Digital Militarism: Israel’s Occupation in the Social Media Age) الصادر عن جامعة ستانفورد عام 2015، وأخيرا "لقطات شاشة: عنف دولة أمام الكاميرا في إسرائيل وفلسطين " (Screen Shots: State Violence on Camera in Israel and Palestine) الصادر عن جامعة ستانفورد في العام الجاري، 2021.


كتاب "لقطات شاشة: عنف دولة أمام الكاميرا في إسرائيل وفلسطين" صدر عن مطبعة جامعة ستانفورد 2021. (الجزيرة)


والكتاب الأخير دراسة مهمة تظهر سياسات إسرائيل العدوانية وتفاعلها مع الصورة بوصفها أداة لـ"المقاومة"، ويحاول الحوار مساءلة مضامين الكتاب على ضوء الأحداث الأخيرة التي تشهدها فلسطين من اعتداءات وحضور سياسات ممنهجة لتدبير وتوجيه الصورة، من أجل جعل قصة الجانب الإسرائيلي تطفو وتنتشر على حساب الحقائق والاعتداءات الحاصلة على مختلف الشرائح سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، فإلى الحوار:

قلتم إن "لقطات الشاشة" تعطينا سيرة اجتماعية عن عنف الدولة أمام الكاميرا، وقد تم فحصها من وجهة نظر الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. فهل تغير هذا العنف خلال العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين؟

يقوم كتاب "لقطات الشاشة" بالتحقيق في السؤال التالي: كيف تغير الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عصر الهواتف الذكية؟

اليوم، يعد التصوير الفوتوغرافي أمرا مسلما به، خلال الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على غزة والقدس، توقعنا أن يوجد العديد من النشطاء الفلسطينيين في الموقع ليقوموا بالتصوير وبث العنف بشكل آني ومباشر، لكن الأمر وقع بشكل حديث جدا.

تهتم دراسة "لقطات الشاشة" بشكل خاص بالسنوات الأولى لانتشار الكاميرات الرقمية في فلسطين وإسرائيل، عندما كان جميع الفاعلين السياسيين، سواء من الجنود الإسرائيليين أو النشطاء الفلسطينيين يتعلمون كيفية استخدام الكاميرات باعتبارها أداوت سياسية. في هذه السنوات الأولى، لم تنتشر صور كثيرة عن عنف الدولة الإسرائيلية مطلقا، وذلك راجع لغياب الكاميرات التي لم تكن موجودة، أو كان النشطاء الفلسطينيون والعاملون في مجال حقوق الإنسان يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لنقل مشاهدهم بسرعة إلى عامة الناس.

وفي كثير من الأحيان، يتم استهداف كل من المصورين والنشطاء الفلسطينيين الذين يحملون كاميرات من الشرطة أو الجنود الإسرائيليين، وهو ما تجسده الاعتقالات وعمليات الاحتجاز المتكررة، وكذا الكاميرات المكسورة ومصادرة اللقطات، وهو ما تم التأريخ له في فيلم "الكاميرات الخمس المكسورة" (Five Broken Cameras). ولقد كانت صور عنف الدولة الإسرائيلية النادرة نسبيا في تلك الأيام وفي "الانتفاضة الأولى" مثالا على ذلك، وهنا تكمن أهمية الحاضر الرقمي.

بدأ كتاب "لقطات الشاشة" بمطلع القرن الحادي والعشرين أي في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005) والسنوات الأولى للتصوير الرقمي. ويختتم في الحقبة التي باتت فيها الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين وإسرائيل منتشرة، كيف تغير استخدام سياسات الصور منذ مطلع القرن الحالي إلى الآن؟

اسمحوا لي أن أقدم مثالا من الكتاب "لقطات الشاشة" يشرح برنامج الرد العسكري الإسرائيلي على نشاط الكاميرا بين الفلسطينيين والنشطاء الدوليين. لطالما اعتبر الجيش هذه الكاميرات تهديدات خطيرة له، إسرائيل كانت خائفة بشكل خاص من انتشار مقاطع الفيديو التي تجسد وحشية اعتداءاتهم بشكل كبير، لما يمكن أن تحمله تلك المقاطع من قدرة على التأثير على الرأي العام الدولي.

وهو ما جسده الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" من بين الأمثلة الهامة على ذلك، وحينها قام الإسرائيليون بانتقاد الجيش الإسرائيلي بقسوة باعتبار أنه "خسر الحرب الإعلامية" حسب وجهة نظرهم، وذلك لفشل الجيش الإسرائيلي في منع انتشار مقاطع الفيديو والصور، التي تجسد عنف الدولة الإسرائيلية، لسنوات كان يحاول الجيش الإسرائيلي فيها تحسين إستراتيجيته الإعلامية.

اعتقد الإستراتيجيون العسكريون أن المشكلة تكمن أساسا في "الصور السيئة" التي يوزعها أعداؤهم. فبدلا من الحديث عن عنف الدولة الإسرائيلية، ركزوا على مشكلة تهديد الكاميرات.

ظهر هذا الخوف أيضا خلال الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على غزة والقدس، إذ علق المتفاعلون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية مرارا عن الحاجة إلى بناء "صورة لنصر"، أي صورة تقنع المجتمع الدولي بأن الاعتداءات الإسرائيلية مبررة، وهو ما لم يحصلوا عليه لغياب "الصورة"؛ وغياب هذه الصورة شكل مصدر قلق بالغ لإسرائيل.

على مدى العقدين الماضيين، أدرك الجيش الإسرائيلي قوة كاميرات المارة كونها أدوات لمكافحة الاستعمار؛ وعليه، هم يخشون هذه القوة.

 قلتم إن عمل المصورين الإسرائيليين كان في كثير من الأحيان تحت التهديد بالعنف العسكري الإسرائيلي وعنف المستوطنين. هل أسهم ذلك في إخفاء العدوان المطبق على الفلسطينيين أم أن الواقع أظهر العكس؟

طوال تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الطويل، تعرض الصحفيون الفلسطينيون لتهديدات القوات الإسرائيلية، لقد رأينا ذلك بوضوح خلال القصف الإسرائيلي الأخير لمركز إعلامي مهم (برج الجلاء) في قطاع غزة. هذه التهديدات هي صراع يومي يعيشه جسم الصحافة الفلسطيني، وحاملو الكاميرات الذين يشهدون اعتقالات واعتداءات متكررة من قبل القوات الإسرائيلية ليسوا مستثنين من ذلك. وفي العقد الماضي، تعرض الصحفيون المصورون الإسرائيليون اليهود للتهديد أيضا، لا سيما عند تصوير أعمال عنف الجنود أو المستوطنين.

لكن العنف الذي يواجهونه يتضاءل بالمقارنة مع العنف الذي يواجهه الصحفيون الفلسطينيون. إذ تتعرض حرية الصحافة الفلسطينية للهجوم بشكل منتظم، وهو ما جسدته الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة بشكل واضح.

كيف أسهمت "لقطات الشاشة" في تطوير عمل المنظمات الحقوقية غير الحكومية المعنية بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وهل كانت فعالة في الحد من العدوان الإسرائيلي؟

كانت المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من أوائل من استخدم الكاميرات باعتبارها أدوات سياسية، ومثال على هذا الأمر كانت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية غير الحكومية رائدة في هذا الصدد، إذ كانوا من أوائل من وزعوا كاميرات الفيديو على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، ليتمكنوا من توثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها على يد قوات الاحتلال.

وكانت المشاهد التي قاموا بتصويرها مؤثرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية على حد سواء، لكنها غالبا فشلت في التحول إلى دليل في المحاكم الإسرائيلية؛ فحتى عندما تكون مشاهد الإساءة التي يقوم بها جنود الاحتلال موجودة بوفرة وتقدم ضمن الأدلة في قاعة المحاكم، فإنها لا تنجح -في أغلب الأحيان- في محاكمة الجنود الإسرائيليين على جرائمهم ضد الفلسطينيين.

وهذا يشكل عنصرا مهما من قصتي، أي فشل مشاهد عنف الدولة الإسرائيلية الملتقطة في توليد نتائج قانونية جديدة، ولقد شاهدنا المشهد نفسه في قاعات المحاكم في جميع أنحاء الولايات المتحدة بعد حالات قتل الشرطة أميركيين من أصول أفريقية، ففي فلسطين كما هو الحال في الولايات المتحدة، غالبا تفشل "كاميرات المارة" في تحقيق العدالة.

يمكن ملاحظة أن كتابك الأخير "لقطات الشاشة" هو امتداد أنثروبولوجي لكتابك المهم "العسكرة الرقمية" (Digital Militarism). هل يمكن أن تشرحي للقارئ العربي كيف يتجلى ذلك؟

يركز كتاب "العسكرة الرقمية" الذي كتبته مع أدي كونتسمان (Adi Kuntsman) على الطرق التي استخدم بها اليهود الإسرائيليون وسائل التواصل الاجتماعي لدعم المشروع الاستعماري في فلسطين، ولقد بدأنا الكتاب عام 2011، في أثناء حدوث الثورات العربية في مصر وتونس، ففي أعقاب ذلك، وضع العديد من النشطاء في جميع أنحاء العالم الأمل على قوة وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها أداة محورية.

حاولنا عبر الكتاب تذكير القراء بالجانب المظلم الذي تحمله "وسائل التواصل الاجتماعي" بين طياتها، إذ قلنا إنه في الحالة الإسرائيلية العكس هو الحاصل تماما، حيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مهمة لتعزيز الاحتلال العسكري. وفي هذا الصدد، صغنا مصطلح "عسكرة السيلفي" (selfie militarism)، الذي أردنا به وصف الطرق التي يستخدم بها الجنود والمدنيون الإسرائيليون صور السيلفي للاحتفال بالاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، مثل نشر الجنود الإسرائيليين صور سيلفي مع الفلسطينيين المعتقلين. ولقد ظهرت "العسكرة الرقمية" الإسرائيلية بشكل غريب في الأحداث الأخيرة عل غزة والقدس، وهو ما تجسد في أمور عديدة، من بينها استخدام حشود يمينية إسرائيلية الفيسبوك وتلغرام لتنظيم حملاتها العنيفة ضد الفلسطينيين.

يحاجج كتاب "لقطات الشاشة"، على غرار كتاب "العسكرة الرقمية"، بأن الاحتلال الإسرائيلي لا يستمر باستعمال القوة الغاشمة فقط على الفلسطينيين، ولكن يضاف إليها كذلك الاعتماد على الأعمال الرقمية اليومية التي يقوم بها الجنود والمستوطنون والمدنيون الإسرائيليون.

تجدد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس وغزة في الآونة الأخيرة. كيف لعب النشطاء المصورون دورا في الكشف عن حجم الجرائم المطبقة على الفلسطينيين المدنيين للعالم؟

خلال الأحداث الأخيرة على غزة والقدس، شاهد الجمهور في جميع أنحاء العالم العنف الإسرائيلي المروع ضد الفلسطينيين الذي يتكشف في وقت وقوعه الحقيقي على وسائل التواصل الاجتماعي. لدى الفلسطينيين تاريخ مهم من النشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما مهد لحجم وسرعة المشاهد التي تظهر العنف الإسرائيلي بطريقة غير مسبوقة.

يعلق الكثير من الفلسطينيين آمالا كبيرة على مقاطع فيديو التي تم انتشارها بشكل كبير على منصات مثل "تيك توك" والتي تظهر طبيعة القصف الإسرائيلي، حيث قال أحدهم "الآن رعب دولة إسرائيل مرئي للجميع". أشاركهم هذا التفاؤل، ولكن التحدي -بالنسبة للنشطاء في جميع أنحاء العالم- هو إبقاء حركة التحرير الفلسطينية مستمرة بعد أن يتم خفوت الصور التي خرجت من غزة ولفتت الأنظار.

[تنشرالمقالة الجزيرة]

موجة من الاعتقالات العشوائية في صفوف فلسطينيي الداخل

حقوقيّون وحقوقيّات للدفاع عن معتقلي الانتفاضة

حرّرت هذا التقرير مجموعة من الحقوقيين الفلسطينيين في الداخل. خلال بضعة أيام، تم اعتقال ما يزيد عن 700 فلسطيني من الداخل، من بينهم عشرات القاصرين. وهي اعتقالات عشوائية هدفها الوحيد إرهاب الفلسطينيين وثنيهم عن المشاركة في المظاهرات.

حيفا، مايو/أيار 2021.

في الأسبوع الأوّل من انتفاضة الوحدة الفلسطينيّة، سجّلت الحقوقيّات والحقوقيّون داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 حالات عنفٍ مروّعة وانتهاكات حقوقيّة سافرة مارستها قوى القمع الإسرائيليّ- من شرطةٍ، ووحدات خاصّة، وحرس حدود، وشرطة سريّة ومستعربين- كمان الأذرع القانونيّة متمثّلةً بالقضاة والمدّعين.

إلى جانب مئات الاعتقالات في القُدس والضفّة الغربيّة، سُجّل في الداخل المحتل أكثر من 700 اعتقال من بينهم عشرات الأطفال، وذلك منذ انطلاق الاحتجاجات في الداخل يوم الأحد (9 أيّار/مايو 2021) وحتّى مساء الجمعة (14 أيّار/مايو 2021). يظهر بوضوح من محصّلة الاعتقالات وتفاصيلها أنّها هدفت إلى إرهاب الفلسطينيين وردعهم عن التظاهر والنزول إلى الشوارع، كما تهدف إلى إحباط مساعي الفلسطينيين للدفاع عن عائلاتهم وبيوتهم، حاراتهم وبلداتهم، أمام اعتداءات العصابات الصهيونيّة المنظّمة. من خلال هذه الاعتقالات، وفّرت الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة الإسرائيليّة حمايةً وغطاءً لهذه العصابات التي اعتدت على الفلسطينيين ونكّلت بهم، أطلقت النار، أشعلت الحرائق، وخرّبت أملاكهم.

يرصد هذا التقرير أنماط متكرّرة في الاعتقالات في كافّة المدن والبلدات الفلسطينيّة، كما رصدناها من اتصالات مع محاميّات ومحامين داخل الأراضي المحتلّة عام 1948.

- اعتقالات عشوائيّة: تميّزت الاعتقالات في هذه الجولة بعشوائيّة بالغة واعتباط تام. نفّذت الشرطة الإسرائيليّة اعتقالات بالجملة في المظاهرات، كما اعتقالات كثيرة للمارة والمتواجدين في محيط الاحتجاجات صدفةً، أو حتّى في الأحياء المجاورة بعد انتهاء المظاهرة. كذلك، أقامت الشرطة حواجز في مناطق خلت من المظاهرات، وأوقفت فيها سيّارات الشبّان، فتشتها واعتقلتهم.

- اقتحامات البيوت والمحال التجاريّة: اقتحمت الشرطة خلال الأيّام الأخيرة عددًا من البيوت المجاورة لموقع المظاهرة، اعتدت على أهلها واعتقلتهم من داخل بيوتهم ولعلّ أبرزها اقتحام منزل الشيخ عوض محاميد في حيفا والاعتداء عليه وعلى أبنائه بوحشيّة. كذلك سُجلت حالات عديدة لاقتحام المحال التجاريّة التي استقبلت الجرحى، من مطاعم أو مقاهي أو دكاكين، وقد تم تكسيرها واعتقال المصابين من داخلها.

- مهاجمة واعتقال من يصوّر ويوثّق الاعتداءات: وُثقت عشرات الحالات التي هاجمت فيها الشرطة كل من صوّر ووثّق عُنفها بحق المتظاهرين، لا سيما أثناء لحظات الاعتقال التي برز فيها العنف الجسديّ البالغ. سُجلت اعتقالات لشابّات وشبّان بسبب تصويرهم للأحداث، بينما هددت الشرطة آخرين قاموا بتوثيق الأحداث بتوجيه فوّهات البنادق إليهم وأطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الصوت عليهم في أكثر من حالة.

- عنف جسديّ خلال الاعتقال والنقل إلى مراكز الاعتقال: سُجلت بين المعتقلين كسور بالأقدام والأيدي والظهر والعنق، كما إصابات في العيون والوجه والرأس. وقد استخدمت الشرطة بشكل متواصل الضرب بالهراوات وأعقاب البنادق، وداست على رؤوس وأعناق المعتقلين لدقائق، كم تعمّدت ضرب رؤوسهم بالأرض والجدران وأبواب مركبات الشرطة. كذلك، مارست الشرطة الإسرائيليّة خلال نقل المعتقلين وفي مراكز الاعتقال عنفًا جسديًا ونفسيًا ضد معتقلين مصابين بأمراضٍ نفسيّة، ما أدّى إلى نوبات عصبيّة خطيرة نُقلوا إثرها إلى المستشفى. في حالتين على الأقل، جرى هذا النوع من الاعتداءات بعد أن أُعلم رجال الشرطة بشكلٍ واضح بهذا الوضع الصحيّ.

- تهديدات بالقتل: خلال الاعتقالات، ولا سيما التي نفذها المستعربون، وبحق القاصرين خاصةً، تعرّض المعتقلين لتهديد بالقتل، كمان غطّت وجوههم وعُصبت عيونهم، وتم نقلهم بين سيّارات مستعربين وشرطة مختلفة لساعات طويلة وسط تهديدات بإخفائهم.

- جمع الأدلة الزائفة: انتهجت قوى الأمن أسلوب جمع الأدلّة الزائفة، حيث يقوم أحد رجال الأمن بعد الاعتقال بجمع حجارة أو زجاجات أو عصي عن الأرض بشكلٍ عشوائيّ والادعاء لاحقًا أنّها كانت بيد المعتقل.

- حشر أعداد من المعتقلين وخنقهم بمركبات ضيّقة: جمعت الشرطة أعداد كبيرة من المعتقلين في مركبات نقل ضيّقة، وفي حالات كثيرة راكمت المعتقلين فوق بعضهم البعض، وأغلقت المركبات دون أي مجرى للهواء، كما اعتدت بشكلٍ دوريّ على المعتقلين المتراصين داخل السيّارة بالضرب. كذلك، انتهج رجال الشرطة ضرب رؤوس المعتقلين بأبواب المركبات ضربات متكرّرة.

- انتهاك حقوق الأطفال في التحقيق: علاوةً على الاعتداءات الفظيعة اثناء الاعتقال، فقد انتُهكت حقوق الأغلبيّة الساحقة من الأطفال المعتقلين، بالعنف الجسديّ المروّع والتهديد والعنف النفسيّ، وأيضًا بمنعهم عن حقوقهم الأساسيّة التي يكفلها القانون؛ مثل حرمانهم من حقّهم بالاستشارة القانونيّة قبل التحقيق، عدم إجراء التحقيق بلغتهم الأم، منع مرافقة الأب أو الأم لأبنائهم وبناتهم خلال التحقيق. وهي كلّها شروط يفرضها القانون. كذلك، جرت أغلبيّة التحقيقات مع القاصرين في ساعات الفجر بما يخالف القانون. كذلك، مارس المحققون أساليب تحايل على الأطفال من أجل انتزاع الاعترافات منهم.

- الاعتداء داخل مراكز التحقيق: شهدت مراكز التحقيق عنفًا وحشيًا من قبل رجال الشرطة ولا سيما رجال وحدات “يسام” التي دخلت مراكز الاعتقال وفرضت سيطرتها بشكلٍ غير قانونيّ. كما سُجلت شهادات عن جمع أعداد كبيرة من المعتقلين في غرف ضيّقة جدًا، ومنعهم من شرب الماء أو الدخول إلى المرحاض. كما سُجلت حالات التقط فيها رجال الوحدات الخاصّة صورًا للمعتقلين بهواتفهم الخاصّة داخل المعتقل دون أي صلاحيّة أو مسوّغ قانونيّ. في الناصرة على سبيل المثال، أفاد أحد المعتقلين بوجود غرفة خاصّة جمعوا فيها المعتقلين على الأرض، منعوهم من رفع رؤوسهم لئلا يروا رجال الأمن الذين يدخلون ويعتدون عليه بالضرب. بحسب شهادة المعتقل، فقد امتلأت أرضيّة الغرف ببقع الدم نتيجة الاعتداءات.

- منع نقل المعتقلين إلى المستشفى قبل التحقيق: سُجلت عشرات الحالات التي رفضت فيها الشرطة نقل معتقلين مصابين إلى العلاج الطبيّ في المستشفى رغم توصيات طواقم المسعفين وجزمهم بضرورة تقديم العلاج فورًا. وقد أصرّت الشرطة في حالات كثيرة ألّا يتلقّى المعتقل علاجًا طبيًا إلا بعد خضوعه للتحقيق. في بعض الحالات التي احتجّت فيها طواقم المحامين ورفضت تقديم الاستشارة للمعتقل حتّى تلقيه العلاج الطبيّ، انتقمت الشرطة من المعتقلين وطواقم المحامين من خلال تأجيل التحقيق، وإبقاء المعتقل دون علاج لساعات طويلة، بلغت في حالات معيّنة أكثر من 9 ساعات، وكانت من ضمن هذه الحالات إصابات تتطلّب علاجًا فوريًا ويلعب فيها الوقت دورًا مفصليًا، مثل الإصابات في العيون.

هذه المنهجيّات، إلى جانب ممارسات وتفاصيل أخرى كثيرة، تهدف إلى إرهاب الشباب الفلسطينيّ وردعه عن الاحتجاج وتفريغ الشوارع من الجماهير من خلال الاعتقالات المنزليّة وأوامر الإبعاد، في محاولة لثني الناس عن حقّهم بالدفاع عن أنفسهم وبيوتهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم.

- الاعتداء على طواقم الحامين: حاولت الشرطة بأشكال مختلفة أن تحبط عمل طواقم الدفاع، لا سيما طواقم المحامين المتطوّعين الذين مثلوا المعتقلين بشكلٍ جماعيّ واصرّوا على حقوقهم، لا سيما حقّهم بتلقّي العلاج الطبيّ. في حالات كثيرة، أبعدت الشرطة المحامين عن مدخل مركز الاعتقال لمنعهم من معرفة عدد وأسماء المعتقلين. أما في الناصرة فسُجل اعتقال لمحاميين اثنين. كذلك، وفي أكثر من حالة، تم طرد المحاميّات والمحامين من مراكز الاعتقال. في أم الفحم مثلًا، أُغلق مركز الشرطة إغلاقًا تامًا، وكذلك أوقف الرد على المكالمات الهاتفيّة، وذلك بهدف عدم الادلاء بأي معلومات عن المعتقلين ومنعهم عن تلقّي أي استشارة قانونيّة. كذلك، وعند إصرار المحامين على حقوق المعتقلين، ولا سيما نقلهم لتلقّي العلاج الطبّي، مارس رجال الشرطة خطوات عقابيّة تهدف لإنهاك المحامين، مثل تأخير التحقيقات حتّى ساعات الصباح، وإجبار المحامين على الانتظار لساعات طويلة قبل تقديم استشارة للمعتقل.

- إطلاق سراح مشروط: في حالات كثيرة، وضمن الاعتقالات العشوائيّة دون أي مسوّغٍ أو مبرّر، قرّرت الشرطة إطلاق سراح المعتقلين بعد الاعتداء عليهم دون تقديمهم للمحاكمة لتمديد اعتقالهم، إلا أنّها فرضت عليهم شروطًا تهدف بالأساس إلى منعهم من المشاركة بالاحتجاجات. ورغم أن الشرطة لم تمتلك أي مبرّر لاعتقالهم، فقد اشترطت إطلاق سراحهم إما بالحبس المنزليّ لأيّام طويلة، وإما إبعادهم عن مناطق سكنهم، وإما اشتراط منع مشاركتهم بالمظاهرات، وهي شروط إما غير قانونيّة وإما غير مبررة قضائيًّا. المُلفت أن المحاكم الإسرائيليّة ماطلت مماطلة شديدة في الاستئنافات التي قُدمت على هذه الشروط، ونظرت بالاستئنافات بعد أن أنهى المعتقلون أيّام الحبس المنزليّ أو الإبعاد.

- التُهم المقدّمة للمحكمة: استخدم الادعاء تهمًا متنوّعة، منها تهم التحريض التي حاولوا من خلالها خلق صورة كاذبة بأن الاحتجاجات عنصريّة و“معادية للساميّة”، وذلك من خلال التشديد على الادعاء الزائف بأن المعتقلين حرّضوا على “قتل اليهود”. كذلك، استخدم الادعاء عددًا من التهم الواهية، مثل استخدام المواد المتفجّرة، جرائم عنصريّة، وقوانين مكافحة الإرهاب.

- محاكم تعسفيّة وقضاة ينفّذون أوامر سياسيّة: برز في جلسات تمديد الاعتقال الدور السياسيّ الذي لعبه القضاة، إذ تجاهلوا بشكلٍ متعمّد كافة الجوانب الحقوقيّة شديدة الأهميّة. وقد أكّد محام في منطقة النقب أن أحد القضاة تحدّث عن صدور “تعليمات عُليا” للجهاز القضائيّ. تجاهل القضاة بشكل شبه تام الاعتداءات على المعتقلين وآثار العنف الجسديّ المروّعة عليهم. كما تجاهلوا في أحكام تمديد الاعتقال كافة الانتهاكات التي سُجلت، مثل منع الاستشارة القانونيّة أو انتهاك حقوق القاصرين. تجاهل القضاة جميع الادعاءات الدستوريّة حول الحق في التظاهر، كما تجاهلوا الإهانات التي وجهها ممثلو الادعاء اتجاه المحامين في قاعة المحكمة. يُذكر كذلك إصرار القضاء على إجراء صفقات بين الدفاع والادعاء، وهي صفقات تمس بحقوق المعتقل وتظلمه. عند رفض الدفاع لهذه الصفقات، تعمّد القضاة إصدار قرارات انتقاميّة تهدف إلى معاقبة المعتقلين والمحامين على رفضهم الصفقات. أما ممثل الشرطة، فقد هدّد المحامين أكثر من مرّة بأنّه سيبدأ بتصعيد طلبات تمديد الاعتقال إذا ما أصرّ المحامون على رفض الصفقات والتمسّك بالترافع عن حقوق المعتقلين. كما يُذكر أنه في الأغلبيّة الساحقة من الحالات التي قرّرت فيها المحكمة إطلاق سراح المعتقل، واستأنف الادعاء على القرار، قبلت محكمة الاستئناف موقف الادعاء وأبقت على تمديد الاعتقال، فيما رفضت محكمة الاستئناف الأغلبيّة الساحقة من استئنافات الدفاع.

هذه المنهجيّات، إلى جانب ممارسات وتفاصيل أخرى كثيرة، تهدف إلى إرهاب الشباب الفلسطينيّ وردعه عن الاحتجاج وتفريغ الشوارع من الجماهير من خلال الاعتقالات المنزليّة وأوامر الإبعاد، في محاولة لثني الناس عن حقّهم بالدفاع عن أنفسهم وبيوتهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم. ستستمر طواقم المحاميات والمحامين بتمثيل كافّة المعتقلين الفلسطينيين في هذه الانتفاضة الشجاعة، والدفاع عن حقّهم بالنضال من أجل الحريّة.

 [تنشر المقالة ضمن اتفاقية شراكة مع موقع اورينت]