تعتبر درجات الحرارة من أكثر العوامل أهمية لبقاء الكائنات الحية على كوكب الأرض، الذي يعد بشكل أساسي كوكبًا صالحًا للعيش بسبب درجات الحرارة المعتدلة على سطحه، وبالتالي فإن التغيرات التي تطرأ على درجات الحرارة لكوكب الأرض تكتسب أهمية استثنائية بالنسبة للكائنات الحية على سطحه عمومًا، وبالنسبة للبشر على وجه التحديد، ومن بين جملة الأسباب التي تطرح في سياق الحديث عن التحديات المناخية يظهر مصطلح الاحتباس الحراري كإحدى المشكلات الرئيسية على هذا الصعيد.
في الحقيقة، بغياب الاحتباس الحراري كظاهرة طبيعية قد تكون الحياة على سطح الأرض مستحيلة، فهذه الظاهرة الطبيعية تعمل على امتصاص غازات الدفيئة (بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وأكسيد النيتروز، وغيرها) للأشعة تحت الحمراء التي ترتد من كوكب الأرض بعد سقوط أشعة الشمس عليه، ما يسهم في الاحتفاظ بالحرارة في الجو، فبدون هذه الظاهرة ستصبح درجات الحرارة على سطح الأرض أقل مما هي عليه بنحو 33 درجة مئوية حسبما أظهرت النتائج التي قدمها العالم الفرنسي جوزيف فورييه.
إن بقاء الاحتباس الحراري كظاهرة طبيعية أمر ضروري لحياتنا، لكن تعزيز نسبة غازات الدفيئة المشار إليها يجعل هذه الظاهرة تعمل أكثر من اللازم، ما يتسبب في زيادة درجات الحرارة في الجو. أدت الأنشطة البشرية خلال العقود الماضية إلى زيادة كبيرة في نسب غازات الدفيئة في الجو، عبر حرق كميات هائلة من النفط والغاز والوقود الأحفوري وإنتاج كميات ضخمة من مركبات الهيدروفلوروكربون والكلوروفلوروكربون –التي تسهم في تدمير طبقة الأوزون فضلًا عن إسهامها في الاحترار- بهدف استخدامها في أجهزة التكييف والتبريد والأنشطة الصناعية الأخرى.
إن الفرق بين متوسط درجة حرارة الأرض اليوم وبين متوسط درجات الحرارة في العصور الجليدية هو خمس درجات مئوية فقط، وبالتالي فإن زيادة حرارة الأرض درجة مئوية واحدة أو درجتين يعني الكثير بالنسبة للحياة على الأرض، فعلاوةً على موجات الحر الشديدة التي ستستمر في اجتياح العالم وستعاني منها بشكل كبير مناطق جنوب أوروبا والمنطقة العربية (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، فإن زيادة درجتين مئويتين على حرارة الأرض تعني أن موجات الحر التي اجتاحت الهند وباكستان عام 2015 وأودت بحياة المئات ستصبح موجات موسمية ثابتة. ستعاني جميع الدول العربية من مخاطر التغير المناخي، إذ ستعاني مصر مثلًا من ارتفاع منسوب مياه البحر، وستواجه اليمن وعُمان مزيدًا من الأعاصير القادمة من بحر العرب، كما أن بلدان مثل الأردن وسوريا ستعاني من شح كبير في المياه -الشحيحة أصلًا- وتزايدًا مستمرًّا في التصحر، وبالتالي تراجعًا في القدرة على الإنتاج الزراعي مما قد يتسبب بأزمات غذائية فضلًا عن التبعات الاقتصادية.
إن التغيرات المناخية التي تحدث حاليًّا أسرع بكثير من أن تتكيف معها الكثير من الكائنات الحية، كما أنها تفرض تحديات بيولوجية لا يمكن التنبؤ بها، فإذا ارتفعت درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين فقط، فإن النطاق الجغرافي الذي يصلح أن تعيش فيه 18% من الحشرات و16% من النباتات و8% من الفقاريات سينخفض إلى النصف بحسب ما نشرته ناسا.
تسهم زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة في جعل المحيطات أكثر حمضية، فعند زيادة درجة الحرارة درجتين مئويتين ستقل نسبة الأكسجين في مياه المحيطات، مما يشكل مخاطر كبيرة على التنوع البيولوجي البحري، كما ستختفي بالكامل الشعب المرجانية، وستزيد "المناطق الميتة" في المحيطات. بالتأكيد، ستتأثر مصائد الأسماك بشكل سلبي نتيجةً لكل هذه التغيرات، وسيتسبب هذا، بالإضافة إلى التأثير السلبي للتصحر ونقص المياه ونفوق نحو 10% من المواشي وتناقص مساحات الرعي، إلى نقص كبير في الأغذية والمحاصيل الزراعية، فضلًا عن الفيضانات التي ستصبح حدثًا اعتياديًّا سيعاني منه أكثر من ستة مليارات إنسان بحلول عام 2050 بحسب الأمم المتحدة، فإن التأثيرات الاقتصادية لزيادة درجات الحرارة كنتيجة للاحتباس الحراري كبيرة جدًّا.
ولكن، هل النشاط البشري هو السبب الوحيد للتغيرات المناخية على الأرض؟ الإجابة بالتأكيد لا، إذ تسهم الانفجارات البركانية والتغيرات في الإشعاع الشمسي مثل الرياح الشمسية، وبعض التغيرات في أنماط الطقس مثل ظاهرة النينيو في زيادة اضطرابات المناخ، إلا أن مساهمة هذه الأسباب ضئيلة جدًّا في مقابل النشاط البشري المتمثل في إطلاق كميات هائلة من غازات الدفيئة في الجو، فالانفجارات البركانية مثلًا تطلق جزيئات تعمل على تبريد سطح الأرض بشكل مؤقت ويستمر تأثيرها لبضع سنوات فقط، أما ظاهرة النينيو فتعمل ضمن دورة قصيرة ويمكن التنبؤ بها إلى حد كبير.
خلال 800 ألف سنة لم تصل نسبة غازات الدفيئة في الجو إلى هذا الحد، إذ كانت تتم دائمًا موازنة الغازات المنبعثة في الجو مع الغازات التي يتم امتصاصها في الطبيعة، فبقيت نسب وتراكيز غازات الدفيئة ودرجات الحرارة مستقرة إلى حد كبير، لكن النشاط البشري الهدام الذي انطلق بعد الثورة الصناعية عزز نسب غازات الدفيئة وضرب استقرار تراكيزها وكذلك استقرار درجات الحرارة.
إن اضطراب درجات الحرارة، وحدوث موجات الحر وموجات البرد القارس، والتصحر، وانخفاض موارد المياه العذبة، والفيضانات، وانقراض أنواع من الكائنات الحية، والحرائق، وارتفاع منسوب مياه البحار، وذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع درجات الحرارة ودرجة الحموضة في المحيطات، وغياب الشعب المرجانية، وانعدام الأمن الغذائي، وزيادة الأمراض المرتبطة بزيادة درجات الحرارة ليست مشاكل نظرية، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للبشر بشكل عام. ولم يفت الأوان بعد، فاعتماد اقتصاد جديد وأخضر سيؤدي لمنافع اقتصادية تقدر بنحو 26 تريليون دولار، واستحداث 65 مليون وظيفة، وتقليل كبير لمخاطر الوفاة المرتبطة بتلوث الهواء، كل هذا بحلول 2030 بحسب تقرير "الاقتصاد المناخي الجديد"، فأمام البشرية فرصٌ، ولديها الإمكانات، لكن لا نجزم أن من يملكون القرار لديهم الإرادة لإنقاذ كوكبنا.