حوار: آلام عمل المرأة المستتر

حوار: آلام عمل المرأة المستتر

حوار: آلام عمل المرأة المستتر

By : بتول الحجاحجة

ناتاشا بينيون 

هناك سبب يجعلكِ تشعرين وكأنكِ لا تملكين ما يكفي من الوقت أو الطاقة. إنه يسمى العمل المستتر.

لنفترض أننا في ظهيرة يوم أحد. هناك مجموعة من الأعمال المنزلية التي يتعين على شخص ما في المنزل أن يؤديها في نهاية المطاف: يحتاج العشاء إلى طهي، ويحتاج الأطفال إلى مساعدة في أداء واجباتهم المدرسية، ولن يذهب أحد سواك إلى موعد طبيب الأسنان.

إذا كنت الشخص الذي يقوم بجميع هذه الأعمال المنزلية، فهناك مصطلح لذلك: العمل المستتر.

إنه شيء يقع في المقام الأول على عاتق النساء. في الولايات المتحدة، تقضي الأمهات المتزوجات ما يقرب من ضعف الوقت الذي يقضيه الآباء في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.

هذه الظاهرة ليست جديدة على الإطلاق، لكن جائحة كوفيد-19 قد جعلت الأمور أسوأ. مع وجود العديد من العائلات في الحجر الصحي معًا في المنزل، أصبحت الفوارق في العمل المجهول في حياتنا اليومية أكثر وضوحًا - وأكثر إلحاحًا على العائلات لمحاولة إصلاحها.

بحسب ميريام شيري، المحررة المشاركة لكتاب «العمل المستتر في العالم المعاصر»: "كل الأشياء التي كانت غير مرئية، أصبحت فجأة في وجهك الآن".

في عام 1929، نشرت فيرجينيا وولف مقالها الشهير المطول، "غرفة تخصّ المرء وحده"، حيث جادلت بأن النساء بحاجة إلى المال والمساحة لإنتاج أعمال فنية عبقرية. يطرح المدافعون عن إعادة توزيع العمل المستتر بشكل أكثر إنصافًا حجة مماثلة اليوم: لقد جرّد العمل المستتر النساء بشكل روتيني من الوقت المخصّص لأنفسهن لدرجة أننا لن نعرف حقًّا المدى الكامل لخسارتنا، سواء كانت تلك المشاريع الشغوفة التي أُلقيت في سلة القمامة أو الضريبة التي يدفعنها من صحتهن العقلية بسبب انشغالهنّ الدائم.

تحدثنا إلى ميريام شيري ووينفريد بوستر، التي ساعدت في تحرير كتاب العمل المستتر أيضًا، عما يحتاج الناس إلى فهمه حول هذا المفهوم، وكيف يتمظهر في العالم من حولنا، ومن يعانون منه، وما الذي يمكن أن يضع حدًّا له.

ما هو العمل المستتر وكيف يمكننا تمييزه؟

العمل المستتر، وهو مصطلح مشتق من مقال نُشر عام 1987 لعالمة الاجتماع آرلين دانيلز، يشير إلى العمل غير المأجور الذي يمر دون أن يلاحظه أحد، ولا يُعترف به، وبالتالي فهو غير منظم.

في تعريفه الأكاديمي، يؤثر العمل المستتر على مجموعة واسعة من الفئات المهمشة: في الواقع، يتم تهميش الأشخاص الذين يؤدونه لمجرّد أن عملهم لا يُرى وغير مدفوع الأجر ولا مُعترف به.

في السنوات الأخيرة، أصبح العمل المستتر اختصارًا لأنشطة شؤون الأسرة المعيشية وتربية الأطفال التي تتحمل النساء في المقام الأول العبء الأكبر منها في العلاقات المغايرة (heterosexual) أو التي تضم أشخاصًا متوافقي الجنس (cisgender). هذه المهام هي عمل يتطلب وقتًا وجهدًا لكنك لا تحصلين على أجر في المقابل، أو في كثير من الحالات لا يتم الاعتراف به كعمل أصلًا.

يستمد هذا الاستخدام الشائع جذوره من عمل عالمة الاجتماع في بيركلي أرلي هوشيلد، بحسب شيري. حتى مع بدء المزيد من النساء العمل خارج المنزل في النصف الأخير من القرن العشرين، وجدت هوشيلد أنهن ما يزلن يؤدين الجزء الأكبر من واجبات المنزل ورعاية الأطفال عندما يصلن إلى المنزل بعد يوم عملهن "الرسمي". في عام 1989، صاغت هوشيلد مصطلح "المناوبة الثانية" (second shift) لوصف ذلك العمل الإضافي، الذي كان في العموم غير مدفوع الأجر وغير معترف به.

منذ نشر بحث هوشيلد الأولي، دعمت الدراسات تلو الدراسات (وغيرها) جوهر النتائج التي توصلت إليها. من المحتمل أن نظرة إلى أسرتك أو أفراد العائلة أو الأصدقاء أن ترسم صورة مماثلة.

لكن التخصيص غير المتكافئ للأعمال المنزلية والعائلية ليس هو المثال الوحيد للعمل المستتر. "إن الأمر يتجاوز مجرد الأعمال المنزلية"، تلاحظ تشيري. "يمكن أن يشمل الأمر الكثير من الأعمال المختلفة غير مدفوعة الأجر. التحول الرقمي يعني أن العمل المستتر موجود في العديد من القطاعات الآن. إنه يحدث في كثير من الأحيان أكثر مما يعتقد الناس".

كما تشير شيري إلى قول مأثور من القرن الحادي والعشرين بمثابته مثالًا رئيسًا عما نتحدث عنه: "افعلها من أجل أن يذيع صيتك". ربما سمعتِ ذلك مرة في حياتك الخاصة، عندما أخبرك شخص ما أن "فرصة" عمل معينة غير مدفوعة الأجر يمكن أن تؤدي إلى بناء علاقات في مجال العمل، أو أن مهمة خارج واجبات عملك ستفتح أبوابًا أخرى على الطريق. هناك الكثير من الحالات التي يمكن أن يكون فيها هذا صحيحًا، ولكن في جوهره، كل هذا عبارة عن عمل مستتر، بحسب توصيف تشيري وبوستر.

عندما يكون العمل غير معترف به وغير مدفوع الأجر، فإن الأمر ذاته يحدث مع من يؤدي ذلك العمل، وذلك له عواقب أخرى. إن الاعتراف بالعمل المستتر يعني الاعتراف يالأشخاص الذين يؤدونه.

كيف يضر العمل المستتر بالمجتمع؟

في أشكال عديدة، للعمل المستتر آثار متتابعة. بحسب شيري، فإننا ندفع المال مقابل ما نعتبره هامًّا، وعندما يضيع عمل أحدهم دون أجر ودون اعتراف به، يمكن أن يعني ذلك في النهاية أنهم غير مهمّين بطريقة أو بأخرى. وهذه مجرد البداية.

لقد جرّد العمل المستتر النساء بشكل روتيني من الوقت المخصّص لأنفسهن لدرجة أننا لن نعرف حقًّا المدى الكامل لخسارتنا، سواء كانت تلك المشاريع الشغوفة التي أُلقيت في سلة القمامة أو الضريبة التي يدفعنها من صحتهن العقلية بسبب انشغالهنّ الدائم.

في جميع أنحاء العالم، تقوم النساء بثلاثة ساعات من أصل أربعة من العمل غير المأجور، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة. وفقًا لهذا التقرير ، يمكن أن يؤدي التقسيم غير المتكافئ للعمل غير مدفوع الأجر إلى تقليل الدخل، والاستقلال الاقتصادي الذي يأتي من الدخل الفردي أمر حيوي بالنسبة للنساء في المجتمعات حول العالم.

عندما تحصل المرأة على أجر مقابل عملها، يستفيد الجميع؛ إن التمكين الاقتصادي للمرأة يؤدي أيضًا إلى نمو الاقتصادات عمومًا، مع الحد من عدم المساواة في الدخل وتعزيز التنويع الاقتصادي.

قدّر التحليل الذي أجرته منظمة أوكسفام، وهي منظمة عالمية لمكافحة الفقر، أنه إذا كان لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها النساء في جميع أنحاء العالم فوق سن 15 عامًا، ثمنًا، فإنه سيصل إلى 10.8 تريليون دولار سنويًّا على الأقل.

بعيدًا عن التقديرات الاقتصادية الصادمة، هناك خسائر عاطفية أيضًا: وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعتي أوكلاهوما وأريزونا أن 90% في المائة من المشاركين (المتزوجات أو الأمهات الشريكات) أفادوا بأنهن يتحملن المسؤولية الحصرية عن المهام المنزلية. وجد الباحثون أنه عندما اضطرت النساء إلى التعامل مع مشاعر أطفالهن ورفاههم بمفردهن، كان ذلك مرتبطًا بتكوين أحاسيس أكبر بالفراغ. ووجدوا أيضًا ارتباط ذلك مع انخفاض في الرضا عن الحياة والشريك، مع التحكم في العوامل التي قد تؤثر على الصحة العاطفية أو العقلية للمشاركات، مثل مفهومهن عن العلاقة الحميمة مع شركائهن وإذا ما كنّ يشعرن بالقبول غير المشروط منهم.

وجدت دراسات أخرى أيضًا ارتباطًا بين الضيق العاطفي للأمهات والوقت الذي يقضينه في إدارة الحالات العاطفية لأطفالهن. وجدت دراسة من أساتذة في جامعة ماساتشوستس في أمهيرست أنه بالنسبة لنساء الطبقة العاملة، كان لتقاسم عبء رعاية الأطفال في المنزل تأثيرًا أكبر على الشعور بالتعب من تقسيم الأعمال المنزلية.

لماذا يوجد العمل المستتر، وكيف يساهم الناس في تعزيزه دون علم؟

خلال الحالات المختلفة للعمل المستتر الموضحة في كتابها، تشير شيري إلى خيط مشترك. "إن الآلية التي تُبقي [العمل المستتر] على حاله هي أنه إذا كنت لا ترى نفسك كعامل، فأنت لا ترى نفسك كشخص له حقوق عامل".

تشرح شيري أنه عندما يمرّ العمال بتجربة مشتركة مع زملائهم، فقد يكونون قادرين على التنظيم لتحقيق أهداف جماعية، أو تشكيل نقابات أو تحدي ظروفهم من خلال النظام القانوني. ولكن عندما لا يدرك الناس أنهم يقومون بعمل في المقام الأول، كما هو الحال غالبًا مع العمل المستتر، فإن ذلك يقوض قدرتهم على مواءمة مصالحهم مع العمال الآخرين.

هذا هو مفتاح حدوث العمل المستتر: من الصعب أحيانًا تحديد حدوثه على الإطلاق. هذا صحيح بالنسبة للموظف الذي يرى حسابه المصرفي ووقت فراغه يُستَنزفان في آن عندما يحتاج إلى شراء ملابس معينة وتهيئة نفسه بطريقة معينة للعمل في وظيفة بيع بالتجزئة على سبيل المثال، وهذا ينطبق أيضًا على الأم التي لا تستطيع فهم سبب شعورها بالإرهاق أكثر من شريكها (الذكر). قد لا يدركون ذلك، لكن جوهر كلتا المشكلتين هو نفسه.

قد يكون هناك العديد من الأسباب الشخصية (والسياسية) للطريقة التي يتم بها توزيع الأعمال المنزلية داخل المنزل الواحد، بحسب بوستر وشيري. لا شيء من ذلك يعدّ ثابتًا: يتغير تقسيم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال من منزل إلى آخر، وحتى داخل المنزل الواحد، حيث يكبر الأطفال أو تتغير واجباتهم على نحو مختلف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للمنازل المشتركة مع الأجداد أو الأقارب الآخرين ديناميكية مختلفة تمامًا عن منازل الأسرة الواحدة، بحسب بوستر.

ومع ذلك، بالنسبة للشركات التي تستغل عمالة الناس دون أن يدركوا ذلك، فإن السبب وراء العمل المستتر  يبدو أكثر وضوحًا: من المحتمل أن هناك ممارسات تجارية مطبقة تغذي وجودها. فكر، على سبيل المثال، في قيام شركات التواصل الاجتماعي بمراقبة نشاطك عبر الإنترنت لتحقيق أرباحها الخاصة: أنت تؤدي هذا العمل في النهاية، ومع ذلك فأنت لست الشخص الذي يجني المال منه.

بغض النظر عن الظروف الفردية لحالة معينة من العمل المستتر، لا يمكنك حل المشكلة حتى تحددها، كما تقول بوستر وشيري. في كثير من الحالات، العمل المستتر يكون بأشبه بالنقر على تلك الصور الزائفة التي تشدّ القارئ، مثل السلاحف الطائرة، بمجرد رؤيتها، لا يمكنك إلغاء رؤيتها.

كيف يمكننا التغلّب على العمل المستتر؟

تقول شيري إنه خلال الحركة النسوية في الستينيات، سمح مفهوم رفع الوعي للمرأة بتحديد النضالات الجماعية والتجارب المشتركة للنساء، والتي غالبًا ما تُرجمت إلى عمل سياسي. هذا ما يجب أن يحدث لتخفيف أعباء العمل المستتر أيضًا: يجب أن يصبح مرئيًّا، ومن ثم يحتاج الناس إلى القيام بشيء حيال ذلك.

هناك الكثير من الحلول الفردية لملاحظة وتصحيح العمل المستتر الذي يحدث على نطاق شخصي، مثل إجراء محادثات مع أفراد أسرتك حول تقسيم العمل في المنزل، أو إنشاء مخططات روتينية لتتبع من يقوم بالمهام في المنزل. عند تفعيل هذه الأنواع من الحلول، يكون ذلك جهدًا جماعيًّا: تغيير تقسيم العمل المستتر في المنزل ليس شيئًا يجب أن يقع حصريًّا على النساء؛ يجب أن يكون كل فرد من أفراد الأسرة جزءًا من الحل.

تؤكد شيري وبوستر أيضًا على أن الحلول الحقيقية طويلة الأجل (لأي شكل من أشكال العمل المستتر، وليس فقط ما يحدث في المنزل) تحتاج إلى تدخلات على نطاق واسع.

وبالمثل، تشير هوشيلد، عالمة الاجتماع التي نحتت مصطلح "المناوبة الثانية"، إلى أنه منذ نشر كتابها، كانت بيئة العمل والسياسات الحكومية بطيئة في إحداث تغييرات في أمور مثل إجازة الأمومة مدفوعة الأجر أو رعاية الأطفال المدعومة - التي يمكن أن تساعد بصدق في تخفيف العبث والعمل غير المأجور الذي يتعين على الأمهات القيام به حاليًّا.

نظرًا لأنه ثبت أن النساء ما زلن يقمن بمعظم واجبات الرعاية وأعمال المنزل، فإن السياسات التي توفر الدعم لهذه الواجبات على نطاق مؤسسي يمكن أن تقلل أيضًا من حجم العمل المستتر الذي تؤديه المرأة في المنزل.

ولكن حتى ذلك الحين، هناك المزيد مما يجب معالجته. عندما تتلقى النساء بشكل لا شعوري الجزء الأكبر من واجبات تقديم الرعاية وصيانة المنزل، فإن هذا السلوك متجذر في النظام الأبوي، والذي يقدّر المرأة في المقام الأول بصفتها زوجة أو أمًّا. سيتطلب ذلك تفكيكًا على مستوى أعمق.

[ترجمة بتول الحجاحجة، عن موقع ماشبل]. 

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • خسائر بالملايين: عُملة لعبة الحبّار الوهمية

      خسائر بالملايين: عُملة لعبة الحبّار الوهمية

      كان لوك هارتفورد أول من لفت الانتباه إلى العملة الرقمية الجديدة الصاعدة، وذلك بفضل رجل كتبَ لهُ تعليقًا تحت تغريدة نشرها كارل مارتن، اليوتيوبر ومحلل العملات الرقمية السويدي، بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول، ناقش فيها مارتن إمكانية هبوط سعر عملة "Shiba Inu" الرقمية، والتي تنخفض قيمتها إلى الصفر بحسبه.

حين يؤدي اللوم إلى نتائج عكسية: اللاجئون السوريون ومظالم المواطنين في لبنان والأردن

[حوار مع الباحثة والأكاديمية آن ماري بيلوني حول كتابها الصادر مؤخراً عن دار نشر جامعة كورنيل، ٢٠٢٠].

جدلية: ما الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟ 

آن ماري بيلوني: حين فرّتْ أعداد هائلة من السوريين إلى البلدان المجاورة، واستقرت هناك منذ عام 2011، تساءلتُ: أي تأثير سيُحدثه هذا، وخاصة في الأردن ولبنان، البلدين اللذين فيهما اقتصاد ضعيف، وشح في الموارد، والقليل من المعونة الاجتماعية التي تقدمها الدولة، والعديد من الانقسامات الداخلية؟ ركز الإعلام والمؤسسات الإنسانية تقريباً بشكل كامل على السوريين أنفسهم، ولسبب جيد. لكنني تساءلتُ: أي تأثير أحدثته هذه الحقيقة الديموغرافية الجديدة، وما تزال تحدثه، في هذين البلدين اللذين يستقبلان اللاجئين؟ ويجب أن نشير هنا إلى أن الأردن ولبنان هما من البلدان الرئيسية المستقبلة للاجئين السوريين ويحتويان الآن على العدد الأكبر من اللاجئين في العالم. كيف سيتأقلم البلدان مع هذا الوضع؟  كيف ستتغير الدينامية السياسية، وفهم السياسة بالمعنى الواسع الذي يشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ هل سيتبدل الإحساس بالهوية إزاء السكان الأجانب الجدد؟ كيف ستتفاعل السياسات النيوليبرالية لهذين البلدين مع مطالب جديدة بالسلع العامة والبنية التحتية؟ هل ستتمكن الحكومتان من تحويل اللوم الذي يقع عليهما من المعاناة الاقتصادية إلى طرف آخر؟ يمتلك البلدان تاريخاً طويلاً من استخدام المهاجرين والأقليات وانقسامات الهوية المحلية كأكباش فداء سياسية. ومنعت سياسة ”فرّق تسدْ“ المواطنين الذين لا يتفقون مع الحكومات من توحيد صفوفهم هناك.

جدلية: أية موضوعات خاصة، مسائل، وأدبيات يعالج كتابك؟

آن ماري بيلوني: اعتمدتُ على أدبيات اللوم والتحليل النفسي وعلم الاجتماع، وأدبيات الحركة الاجتماعية ودراسات اللاجئين كي أشرح التغيرات في البلدان المضيفة. وهناك كتاب لتشارلز تيلي غير معروف كثيراً عنوانه ”الثناء واللوم“، وهو يدرس اللوم.  إن اللوم هو سياسي بشكل مكثف واستُخدم غالباً لحرف الانتباه عن المشكلات الرئيسية أو لتبرئة النخب من المراقبة.  ويمكن أن يعني العجز عن تحديد اللوم أنه لا يوجد احتجاج مطلقاً، بما أنه لا يوجد أحد لاستهدافه للقيام بالتغيير. وفي الحالتين اللتين لدينا، لام السياسيون والإعلام اللاجئين السوريين على كل أنواع المشكلات، ومعظمها سابقة لتدفقهم المتزايد إلى البلدين. كانت هذه ممارسة منتظمة في لبنان والأردن، كما في بلدان كثيرة أخرى: فقد لامت النخب في الدولتين سابقاً الأجانب والفلسطينيين والإسلاميين والبعثيين والشيوعيين. ويحافظ نظاما البلدين على السلطة باستخدام الانقسامات والإلهاءات، بما فيه تغيير الحكومة. إن اللوم وإقالة رئيس الحكومة شائعان بشكل خاص في الأردن، كما حصل أثناء كل احتجاجات المعارضة الرئيسية في البلاد. إن تقديم كبش فداء أداة قوية، وهي أداة تنجح عادة. ما  رأيته في الأردن ولبنان هو أنه بينما اتهم الناس السوريين بأنهم يسببون المشاكل، إلا أنهم حمّلوا في الوقت نفسه الحكومة المسؤولية عن حل هذه المشاكل، ونقدوها حين لم تقدم حلاً. كان رد الفعل محدوداً، احتجاجات محلية في السنوات القليلة الأولى، طالبت الحكومة بالسكن والكهرباء والماء والرعاية الطبية الأفضل. ثم شاهدتُ أن دائرة الاحتجاجات المحدودة بدأت بالاتساع وتغيرت قضاياها: لم تعد تتمحور حول الافتقار إلى تقديم الخدمات المحلية فحسب بل تركز بشكل محدد الآن على الأنظمة التي تسبب عمليات النقص هذه.  وبدأت العلاقة والتوقعات بين المواطن والدولة بالتغير. وتحولت مظالم معينة إلى نقد منهجي، وانضمت مجموعات كان من غير المرجح أن تقف مع بعضها، فيما كانت الحركتان تكسبان قوة في البلدين. وحدث  تقريباً في جميع الاحتجاجات تجنب واضح للوم السوريين لأن هذا سيحرف الانتباه عن الهدف النهائي للدفع نحو التغيير في هذه المؤسسات.

كانت هذه نتيجة جديدة وغير مرجحة: بقيت الحركات الأكبر بصورة متزايدة مركزة على هدف صعب ومنهجي. سيكولوجياً، يتجنب الناس الاستنتاجات التي تدفعهم إلى الفعل أو التي تتضمن لوم الذات أو المسؤولية الذاتية.  إن اتهام نظامهم يعني أن الناس في النهاية كانوا مسؤولين عن تغييره، أما إلقاء اللوم على مجموعة أجنبية  فيبرئ المعنيين.

جدلية: كيف يرتبط هذا الكتاب أو يفترق عن كتبك السابقة؟

آن ماري بيلوني: تركز كتبي على الكيفية التي يعيش بها الناس، وكيف يتمكنون من كسب رزقهم، وكيف يفاوضون عالمهم لخلق الأمن لأنفسهم وعائلاتهم.  كما في هذا الكتاب، بحث كتابي السابق ”خصخصة الرفاه في الشرق الأوسط: جمعيات الأقارب للمساعدة المتبادلة في الأردن ولبنان (٢٠١٠) كيف أن الضمان الاجتماعي والقدرة على العيش باستقلال يتغيران بتغير الظروف الاقتصادية. يبدأ الكتابان بفرضية أن الخطاب والدينامية على المستوى السياسي الوطني هما نتاج تغيرات على مستوى القاعدة الشعبية، وكلاهما ينظر وراء القادة والمعارضات السياسية كي يرى ما يدعمها أو يعارضها.  وتستمد الحركات والأحزاب قوتها من المشاركين، وما يدفع الناس للانضمام هو أساسي لفهم التيارات السياسية الأكبر.

جدلية: من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب، وأي نوع من التأثير تودين أن يحدثه؟

آن ماري بيلوني: سيشعر الجمهور العام والطلاب والأكاديميون بالراحة من قراءة هذا الكتاب. هناك رسالة رئيسية: لماذا ومتى يستطيع السياسيون النجاح في إبعاد اللوم عنهم وثيق الصلة اليوم بعدد من السياقات. نعرف أن بلداناً كثيرة استخدمت رهاب الأجانب أو اللوم ضد مجموعة لا قوة لها لحرف الانتباه والنقد عنها أو عن مشكلة الحوكمة.

يمتلك البلدان تاريخاً طويلاً من استخدام المهاجرين والأقليات وانقسامات الهوية المحلية كأكباش فداء سياسية. ومنعت سياسة ”فرّق تسدْ“ المواطنين الذين لا يتفقون مع الحكومات من توحيد صفوفهم هناك.

  أود أن أرى المزيد من الأبحاث حول متى تنجح التكتيكات التقسيمية ومتى تفشل. نعرف أن الأشخاص الذين من المرجح أكثر أن يلوموا المهاجرين على مشكلاتهم هم الأقل احتكاكاً بهم. هذا صحيح في الدراسات التي أُجريت في أنحاء العالم. بالتالي، هل الذين يُخْدعون بالانقسامات، ويحولون، عن قصد، مجموعة ما إلى كبش فداء، هم الذين فعلاً يعانون؟ تظهر أبحاثي أن  ما حصل في هذه الحالة هو أن الذين يعانون من خسارة حقيقية أرادوا أن يحلوا مشاكلهم ولجأوا إلى الحكومة، مدركين أن لوم السوريين، الذين كانوا يعانون أيضاً، لا جدوى منه. إن نتيجة بحث كهذا يمكن أن تحدث تغييرات في ماهية الرسائل التي يوجهها الناشطون وكيفية توجيهها.

جدلية: ما المشاريع التي تعملين عليها الآن؟

آن ماري بيلوني: أستقصي دينامية تقديم الآخر ككبش فداء وحرف اللوم بشكل عام. جعلني هذا الكتاب أتعمق في بحث من يلوم الناس على مشاكلهم وأهمية هذا لحركات الاحتجاج.  هناك الكثير من اللوم في عالمنا اليوم، وهو لوم غير مرتبط بالأسباب الحقيقية كما تُظهر المعطيات. لكن الناس ما يزالون يصدقون ذلك اللوم ويفضلون عدم مراجعة أنفسهم.  حين يحصل النقيض، يبدأ الناس بتولي المسؤولية.

جدلية: كيف يمكن أن يُستخدم هذا الكتاب في التعليم؟ هل يغطي مظاهر أخرى لأزمة اللاجئين السوريين؟

آن ماري بيلوني:  هيّأتُ فصول هذا الكتاب كي تكون مفيدة في الصف. لدي فصل حول تصوّرات المضيفين، الواقعية والمتخيلة، وكيف يشعر المواطنون المضيفون حيال السوريين. يوضح كيف تحول الخطاب بسرعة ضد اللاجئين، عازياً لهم مشكلات سابقة ومستمرة. ستستفيدُ من هذا الكتاب أيضاً صفوف تدرس تأثيرات الهجرة، وردود الفعل العنيفة ضد المهجرين قسراً، واستخدام المهاجرين من قبل السياسيين، ودينامية اللاجئ- المضيف. يدرس فصل آخر كيف أثر اللاجئون السوريون على الأردن ولبنان اقتصادياً وعلى خدماتهما العامة. ونويتُ أن يُستخدم هذا الفصل في صفوف دراسات اللاجئ وصفوف حول البلدان النامية، والتي يستضيف معظمها لاجئين. أناقش المعطيات المتوفرة حول الأعمال والتربية وتأثيرات البنية التحتية. إن معطياتنا عن هذه المواضيع ناقصة، لكن اتجاه تأثير تدفقات عالية للاجئين واضح في بلدان ذات قدرات حكومية ضئيلة أو بلدان ذات توجه نيوليبرالي. ويؤثر التغير الديموغرافي في المشاكل القائمة لهذه الدول. سيساعد هذا الكتاب أيضاً سياسات المنظمات غير الحكومية. أبين كيف أن بعض الممارسات الحميدة أثارت الكراهية إزاء السوريين، على سبيل المثال حين قدمت منظمة غير حكومية أجهزة لتنقية المياه للسوريين في بلدة لبنانية، لكنها لم تقدمها للبنانيين يعيشون في جوارهم. كانوا يشربون مثلهم من المياه المتسخة نفسها، وفقراء. كان من المدهش في هذه الأوضاع أنه تم توجيه اللوم الأكبر إلى الحكومة اللبنانية، حيث تستطيع بسهولة أن تتخيل المزيد من الاستياء من السوريين أو جماعة المنظمات غير الحكومية.

إن هذا الكتاب ممتاز للتدريس حول الحركات الاجتماعية، بما أنه يبين تصاعد أطر الاحتجاج والأنواع المختلفة للاحتجاج الذي ينجم، بالإضافة إلى دور اللوم. كما يلقي الضوء على التوجه من احتجاج فردي شبه تلقائي إلى تنظيم متزايد وحركات أكبر وأكثر توحداً. ومع التوجه إلى حركات احتجاج متزايدة في الشرق الأوسط والدور الجوهري للسلع الضرورية في إثارة هذه الاحتجاجات، سيكون هذا الكتاب مفيداً في دروس حول الشرق الأوسط.  ويقدم الفصل الأول ملخصاً قصيراً لتاريخيْ الأردن ولبنان، ويركز على ما تقدمه الدولة وتاريخ الاحتجاج.  وتشرح الفصول التالية أهمية الموارد الأساسية والخدمات في توقعات المواطنين من دولهم، وعواقب انتهاك ذلك العقد الاجتماعي. ومن المثير أن الكتاب يميط اللثام أيضاً عن فكرة عامة حول الدولة المثالية، والتي يريد المواطنون أن تقدمها دولتهم وكيف يجب أن تتصرف. لا تأتي هذه الفكرة من ما قدمته الدولة في الماضي بقدر ما تأتي من المقارنة مع أوربا الغربية، وهذا في حد ذاته موضوع يحتاج إلى المزيد من الدراسة: ما الذي يريده الناس من دولهم، وكيف يتغير هذا بحسب البلد والمنطقة والطبقة السياسية والتربية؟

مقتطفات من مقدمة الكتاب

كان سند الذي يبلغ الرابعة من العمر يقف منتظراً في قاعة المحكمة في مدينة المفرق في شمال الأردن مع أخته التي في السابعة عشرة من عمرها وأمهما.  تم إخلاء الأرملة أم سند وأسرتها الصغيرة من منزلهم، نتيجة مباشرة لتدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن.  كانت أم سند تدفع 75 ديناراً أردنياً في الشهر مقابل شقتهم، ما يعادل 199 دولاراً أميركياً، في السنوات التسع السابقة. زاد صاحب الشقة الإيجار ما يقارب 70٪ ولن تبقي لديها هذه التكلفة الجديدة إلا 10 دراهم (14 دولاراً أميركياً) كي تعيش عليها. هُددت مئات العائلات بشكل مشابه بالإخلاء في أنحاء المفرق، مع تزايد إيجارهم بنسبة 300٪. كان السوريون يتدفقون عبر الحدود باحثين عن مأوى في ذلك الوقت في 2013، وكان هذا وضعاً استغله أصحاب العمارات كي يزيدوا الإيجار. وقد ألب الموقف الابن على الأب، والأخ على الأخ، وفي النهاية، الأردني على السوري.

انضم أبو محمد إلى الاحتجاجات المتزايدة ضد الظلم. فقد ازداد إيجاره ثلاثة أضعاف بسبب السوريين. ولأنه لم يتمكن من الدفع اشترى خيمة وشارك مع عشرين عائلة في واحدة من أول عشرة احتجاجات. وأنشأ الأردنيون الذين تشردوا في وطنهم بسبب اللاجئين القادمين من سوريا مخيمهم الخاص الذي حمل اسم (مخيم النازحين الأردنيين رقم ١) في المفرق. حملت خيامهم شعار مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وكانت المفارقة هي أنها اشتُريت من اللاجئين السوريين. طالبت العائلات التي أُخليت من شققها بتدخل السلطات لتساعدها في حل مشكلة الإيجار العالي. ودعا مسؤولو الحكومة المحليون والوطنيون المحتجين إلى التفرق فرد المحتجون عليهم مهددين بالتصعيد وتحويل الاحتجاج المفتوح إلى إضراب عن الطعام إذا لم تُحل مشكلتهم. قال أحد المنظِّمين: ”نحن المحتجين ردينا عليهم أنه لا توجد طريقة لإيقاف الاحتجاج إلا إذا لبوا مطالبنا. إذا تدخلت الشرطة سنعلن الإضراب عن الطعام، بدون طعام وماء، وستصبح مدينة المفرق مدينة خيام“. لم يكن هؤلاء المحتجون الأردنيون تاريخياً جزءاً من المعارضة للحكومة. على العكس، كان يشكلون قاعدة دعم للنظام. لكنهم كانوا بحاجة لحل: صرّحوا أن وضعهم لا يمكن أن يستمر كما هو.

على بعد نصف ساعة من المفرق جلست حمدة مساعد في خيمتها التي صنعتها بنفسها، البالية والتي خربها الزمن. كانت الجدة البالغة 70عاماً من العمر تراقب شاحنات الإغاثة والمنظمات الخيرية تمر قرب خيمتها، التي تأوي عشرة أفراد من أسرتها، كي تقدم المساعدة في الجانب الآخر من الطريق في الزعتري، مخيم اللاجئين السوريين الذي بُني حديثاً. حسدت المواطنة الأردنية حمدة اللاجئين السوريين على الخيام الجميلة الجديدة وقالت لائمة: ”ألا يدركون أننا بحاجة للمساعدة أيضاً؟“    

إن قصص معاناة المواطنين، والتي افتُرض أن تدفق اللاجئين السوريين يقف وراءها، والإهمال الملحوظ للاحتياجات المحلية لصالح اللاجئين، سببت استياء كبيراً. في هذا الوقت، وبعد مرور عامين على الحرب السورية لم يكن هناك حب مفقود للاجئين السوريين. أصبحت شرائح واسعة من المجتمع في لبنان والأردن معادية علناً للسوريين بعد ترحيبهم الأولي بهم. كان التواجد السوري في هذين البلدين كبيراً جداً.  فقد تجاوزت أعداد اللاجئين السوريين أي رقم شوهد في الغرب. وشكل السوريون ما يعادل 10٪ من السكان في الأردن من 2014 إلى 2018، وفي لبنان كانت الأرقام أعلى بكثير: شكل السوريون في لبنان على الأقل ربع السكان. إن التأثير الديموغرافي للسوريين اكتسح المؤسسات والخدمات والبنية التحتية. وتساءل أشخاص من جميع الطبقات الاجتماعية ماذا تعني الهوية الوطنية. ”ما الذي يعنيه أن تكون أردنياً حين يكون 20٪ من بلادك سورياً أو عراقياً؟“. وكمجموعة أقلية غير محبوبة شعبياً، شكل اللاجئون السوريون على ما يبدو أكباش الفداء. ذلك أن أكباش الفداء ينقلون المسؤولية عن المظالم من الدولة إلى أقلية غير محبوبة أو جماعة مهاجرين. وحاولت هاتان الدولتان عند كل منعطف لوم السوريين على المشاكل الوطنية، بصرف النظر عن طول المدة التي سبقت بها وصول السوريين. وفي النمط العادي لتقديم الآخر ككبش فداء، حولت نخب الدولة انتباهها وعداءها إلى السوريين: كان بوسع الدولة أن تحل مشكلة الكهرباء في لبنان، لكن السوريين كانوا يأخذون خمس ساعات من الطاقة يومياً من المنازل. وعلى نحو مشابه، أعلنت السلطات في الأردن أن السوريين جففوا موارد المياه الوطنية واستهلكوا أكثر من المواطنين، الذين يحافظون على هذا المورد. لكن خطابات تحويل الآخر إلى كبش فداء لم تثمر كما تفعل هذه التكتيكات عادة، ذلك أنها لم تحرف الانتباه عن الدولة إلى غضب من أقلية أو مجموعة خارجية.

تأثرت الاحتياجات اليومية الأساسية بضغط السوريين الديمغرافي، مما غيّر أو هدد حياة المواطنين. واقتضت هذه الاحتياجات حلولاً، وليس مجرد لوم جماعة غير قادرة على حل مشاكلها الخاصة. يميّز هذا المظهر الأردن ولبنان عن حالات أخرى من محاولات تحويل الآخر إلى كبش فداء.  كان المواطنون (وما يزالون) غاضبين من السوريين لكن هذا الغضب لا يفعل أي شيء لتوفير الماء وإزالة النفايات أو توفير الكهرباء. وفي الحقيقة إن السكن والماء والنفايات (والتي كانت مشكلات وطنية لفترة طويلة) هي بعض المسائل الأساسية التي حثت على الاحتجاجات بين الأردنيين واللبنانيين ضد حكوماتهم. وفي احتجاجات الخيام، كالمذكورة أعلاه، لام المحتجون الأردنيون اللاجئين السوريين على مشكلتهم، وأراد كثيرون مغادرة السوريين لكن مطالبهم ركزت على معالجة ملموسة من الدولة. وأعلنت لافتات كبيرة في احتجاجات الخيام وطنية السكان وتوسلت من أجل السكن من الله والملك.  وأثناء الفترة نفسها في لبنان، تظاهر اللبنانيون وأحرقوا الإطارات وقطعوا الطرقات احتجاجاً على الافتقار الطويل للكهرباء في بعلبك، المنطقة التي تحتوي على أكبر عدد من اللاجئين السوريين.  وكان هناك إجماع شعبي بأن اللاجئين السوريين مسؤولون عن تجريد المواطنين من الكهرباء. واتهم المسؤولون اللاجئين بسرقة الكهرباء وبالتالي بشل قدرة الشبكة الكهربائية بسبب أعدادهم الكبيرة.  لكن بدلاً من احتجاجات موجهة ضد اللاجئين السوريين انتقد اللبنانيون واستهدفوا وزارة الطاقة وأذرع أخرى للدولة، مطالبين بالمزيد من الكهرباء.

أجهد وصول اللاجئين السوريين الموارد المحلية، مما استدعى الانتباه إلى مشاكل متوطنة أدت إلى احتجاجات ضد الدولتين من أجل معالجة الأمور. وكان كثير من تلك المشاكل متولداً عن الاحتياجات الأساسية اليومية وبعضها جوهري للبقاء. ورد المواطنون بلوم مزدوج: لاموا السوريين واعتبروهم السبب في هذه المشاكل لكنهم حملوا الدولتين مسؤولية حلها.  وركز الاحتجاج الناشط، باستثناءات قليلة، على مؤسسات الدولة المحلية والوطنية وطالب بحلول.  وحين نفد الماء من بلدة أردنية، لامت السوريين قائلة إنهم يستولون على مياه الأردن الوطنية النادرة.  وكانت منظمات المساعدة الدولية تقدم المياه للاجئين السوريين، وأحياناً تأخذ من الزاد المحلي.  لم يبد أن أحداً فكر بالاحتياجات الأردنية. وكانت أولويات المياه لدى المواطنين واضحة بشدة، وواجه المحتجون الأردنيون حكومتهم، وعلى نحو مفاجئ تماماً، الملك نفسه، بالبنادق. وقال أحد المحتجين الرئيسيين: ”ليس لدي ما أخسره. إذا لم أشرب الماء سأموت“.

قال لي أردني من أصل فلسطيني: ”إنه خطأ السوريين. لكن الحكومة يجب أن تفعل شيئاً حيال الأمر“.  ولم تفعل أموال المساعدات التي تم تلقيها لصالح السوريين شيئاً سوى تصعيد النقد.  وكما قال أحد اللبنانيين: ”قبل السوريين قال الناس إن المشكلة لبنانية. ثم لام السياسيون السوريين على كل النفايات واستخدام البنية التحتية. لكن السياسيين كانوا يحصلون على تلك الأموال من أجل هذه المشاكل. وهكذا انقلب الناس ضد السياسيين. تقولون إنكم تحصلون على كل هذه النقود ولا شيء يحصل“.  وقال لبناني آخر:” يوجد فقط كثير من السوريين بالنسبة لعدد السكان في لبنان.  يجب أن نكون إنسانيين معهم، لكن الدولة والأمم المتحدة لا تساعدان بما يكفي“.  وقال عضو مجلس مدينة أردني: ”لدينا احتجاجات خيام هنا (في شمال الأردن حيث يوجد عدد كبير من اللاجئين) لكن لم يعد لدينا الكثير منها. طالبوا بالمساعدة من الحكومة، وهذا حقهم (كأردنيين) في الدستور، كحق العمل والسكن والرعاية الصحية“. وأضاف موظف لبناني في اليونسيف: ”يدركون (اللبنانيون) في دواخلهم أن حكومتهم فاشلة. أحياناً يلومون السوريين لكنهم يدركون أكثر فأكثر أن السياسيين يستخدمون هذا اللوم من أجل فائدتهم الخاصة“.

تاريخياً، خدمت عملية تحويل الآخر إلى كبش فداء هدفها، أي تحويل الغضب بعيداً عن الدولة. لكن هذا التكتيك فشل في الأردن ولبنان حيث يوجد لاجئون سوريون. إن الفرق هنا هو أن المظالم تتعلق بموارد جوهرية للحياة. في حالات كهذه، يمكن أن تفوق الحاجة إلى الحلول التحويل إلى كبش فداء. إن أكباش الفداء نادراً ما يكونون في موقع كي يقدموا الماء والكهرباء أو السكن، ولا يستطيعون إعادة هيكلة نظام نفايات وطني.  في هذه الحالات، وضعوا احتياجاتهم الرئيسية فوق الاحتياجات السيكولوجية للوم جماعة مذنبة مفترضة. إن استخدام الدولتين لتكتيك تحويل الآخر إلى كبش فداء لإعفاء نفسها من الفحص والمسؤولية عن مشكلات بنيوية عميقة كان له نتائج عكسية كما يمكن القول. واتفق المواطنون في هذين البلدين المضيفين للاجئين أنه يجب لوم السوريين، لكنهم حملوا الدولتين مسؤولية تخفيف مظالمهم.                     

[نشرت في جدلية وترجمها أسامة إسبر]