ناتاشا بينيون
هناك سبب يجعلكِ تشعرين وكأنكِ لا تملكين ما يكفي من الوقت أو الطاقة. إنه يسمى العمل المستتر.
لنفترض أننا في ظهيرة يوم أحد. هناك مجموعة من الأعمال المنزلية التي يتعين على شخص ما في المنزل أن يؤديها في نهاية المطاف: يحتاج العشاء إلى طهي، ويحتاج الأطفال إلى مساعدة في أداء واجباتهم المدرسية، ولن يذهب أحد سواك إلى موعد طبيب الأسنان.
إذا كنت الشخص الذي يقوم بجميع هذه الأعمال المنزلية، فهناك مصطلح لذلك: العمل المستتر.
إنه شيء يقع في المقام الأول على عاتق النساء. في الولايات المتحدة، تقضي الأمهات المتزوجات ما يقرب من ضعف الوقت الذي يقضيه الآباء في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.
هذه الظاهرة ليست جديدة على الإطلاق، لكن جائحة كوفيد-19 قد جعلت الأمور أسوأ. مع وجود العديد من العائلات في الحجر الصحي معًا في المنزل، أصبحت الفوارق في العمل المجهول في حياتنا اليومية أكثر وضوحًا - وأكثر إلحاحًا على العائلات لمحاولة إصلاحها.
بحسب ميريام شيري، المحررة المشاركة لكتاب «العمل المستتر في العالم المعاصر»: "كل الأشياء التي كانت غير مرئية، أصبحت فجأة في وجهك الآن".
في عام 1929، نشرت فيرجينيا وولف مقالها الشهير المطول، "غرفة تخصّ المرء وحده"، حيث جادلت بأن النساء بحاجة إلى المال والمساحة لإنتاج أعمال فنية عبقرية. يطرح المدافعون عن إعادة توزيع العمل المستتر بشكل أكثر إنصافًا حجة مماثلة اليوم: لقد جرّد العمل المستتر النساء بشكل روتيني من الوقت المخصّص لأنفسهن لدرجة أننا لن نعرف حقًّا المدى الكامل لخسارتنا، سواء كانت تلك المشاريع الشغوفة التي أُلقيت في سلة القمامة أو الضريبة التي يدفعنها من صحتهن العقلية بسبب انشغالهنّ الدائم.
تحدثنا إلى ميريام شيري ووينفريد بوستر، التي ساعدت في تحرير كتاب العمل المستتر أيضًا، عما يحتاج الناس إلى فهمه حول هذا المفهوم، وكيف يتمظهر في العالم من حولنا، ومن يعانون منه، وما الذي يمكن أن يضع حدًّا له.
ما هو العمل المستتر وكيف يمكننا تمييزه؟
العمل المستتر، وهو مصطلح مشتق من مقال نُشر عام 1987 لعالمة الاجتماع آرلين دانيلز، يشير إلى العمل غير المأجور الذي يمر دون أن يلاحظه أحد، ولا يُعترف به، وبالتالي فهو غير منظم.
في تعريفه الأكاديمي، يؤثر العمل المستتر على مجموعة واسعة من الفئات المهمشة: في الواقع، يتم تهميش الأشخاص الذين يؤدونه لمجرّد أن عملهم لا يُرى وغير مدفوع الأجر ولا مُعترف به.
في السنوات الأخيرة، أصبح العمل المستتر اختصارًا لأنشطة شؤون الأسرة المعيشية وتربية الأطفال التي تتحمل النساء في المقام الأول العبء الأكبر منها في العلاقات المغايرة (heterosexual) أو التي تضم أشخاصًا متوافقي الجنس (cisgender). هذه المهام هي عمل يتطلب وقتًا وجهدًا لكنك لا تحصلين على أجر في المقابل، أو في كثير من الحالات لا يتم الاعتراف به كعمل أصلًا.
يستمد هذا الاستخدام الشائع جذوره من عمل عالمة الاجتماع في بيركلي أرلي هوشيلد، بحسب شيري. حتى مع بدء المزيد من النساء العمل خارج المنزل في النصف الأخير من القرن العشرين، وجدت هوشيلد أنهن ما يزلن يؤدين الجزء الأكبر من واجبات المنزل ورعاية الأطفال عندما يصلن إلى المنزل بعد يوم عملهن "الرسمي". في عام 1989، صاغت هوشيلد مصطلح "المناوبة الثانية" (second shift) لوصف ذلك العمل الإضافي، الذي كان في العموم غير مدفوع الأجر وغير معترف به.
منذ نشر بحث هوشيلد الأولي، دعمت الدراسات تلو الدراسات (وغيرها) جوهر النتائج التي توصلت إليها. من المحتمل أن نظرة إلى أسرتك أو أفراد العائلة أو الأصدقاء أن ترسم صورة مماثلة.
لكن التخصيص غير المتكافئ للأعمال المنزلية والعائلية ليس هو المثال الوحيد للعمل المستتر. "إن الأمر يتجاوز مجرد الأعمال المنزلية"، تلاحظ تشيري. "يمكن أن يشمل الأمر الكثير من الأعمال المختلفة غير مدفوعة الأجر. التحول الرقمي يعني أن العمل المستتر موجود في العديد من القطاعات الآن. إنه يحدث في كثير من الأحيان أكثر مما يعتقد الناس".
كما تشير شيري إلى قول مأثور من القرن الحادي والعشرين بمثابته مثالًا رئيسًا عما نتحدث عنه: "افعلها من أجل أن يذيع صيتك". ربما سمعتِ ذلك مرة في حياتك الخاصة، عندما أخبرك شخص ما أن "فرصة" عمل معينة غير مدفوعة الأجر يمكن أن تؤدي إلى بناء علاقات في مجال العمل، أو أن مهمة خارج واجبات عملك ستفتح أبوابًا أخرى على الطريق. هناك الكثير من الحالات التي يمكن أن يكون فيها هذا صحيحًا، ولكن في جوهره، كل هذا عبارة عن عمل مستتر، بحسب توصيف تشيري وبوستر.
عندما يكون العمل غير معترف به وغير مدفوع الأجر، فإن الأمر ذاته يحدث مع من يؤدي ذلك العمل، وذلك له عواقب أخرى. إن الاعتراف بالعمل المستتر يعني الاعتراف يالأشخاص الذين يؤدونه.
كيف يضر العمل المستتر بالمجتمع؟
في أشكال عديدة، للعمل المستتر آثار متتابعة. بحسب شيري، فإننا ندفع المال مقابل ما نعتبره هامًّا، وعندما يضيع عمل أحدهم دون أجر ودون اعتراف به، يمكن أن يعني ذلك في النهاية أنهم غير مهمّين بطريقة أو بأخرى. وهذه مجرد البداية.
في جميع أنحاء العالم، تقوم النساء بثلاثة ساعات من أصل أربعة من العمل غير المأجور، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة. وفقًا لهذا التقرير ، يمكن أن يؤدي التقسيم غير المتكافئ للعمل غير مدفوع الأجر إلى تقليل الدخل، والاستقلال الاقتصادي الذي يأتي من الدخل الفردي أمر حيوي بالنسبة للنساء في المجتمعات حول العالم.
عندما تحصل المرأة على أجر مقابل عملها، يستفيد الجميع؛ إن التمكين الاقتصادي للمرأة يؤدي أيضًا إلى نمو الاقتصادات عمومًا، مع الحد من عدم المساواة في الدخل وتعزيز التنويع الاقتصادي.
قدّر التحليل الذي أجرته منظمة أوكسفام، وهي منظمة عالمية لمكافحة الفقر، أنه إذا كان لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها النساء في جميع أنحاء العالم فوق سن 15 عامًا، ثمنًا، فإنه سيصل إلى 10.8 تريليون دولار سنويًّا على الأقل.
بعيدًا عن التقديرات الاقتصادية الصادمة، هناك خسائر عاطفية أيضًا: وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعتي أوكلاهوما وأريزونا أن 90% في المائة من المشاركين (المتزوجات أو الأمهات الشريكات) أفادوا بأنهن يتحملن المسؤولية الحصرية عن المهام المنزلية. وجد الباحثون أنه عندما اضطرت النساء إلى التعامل مع مشاعر أطفالهن ورفاههم بمفردهن، كان ذلك مرتبطًا بتكوين أحاسيس أكبر بالفراغ. ووجدوا أيضًا ارتباط ذلك مع انخفاض في الرضا عن الحياة والشريك، مع التحكم في العوامل التي قد تؤثر على الصحة العاطفية أو العقلية للمشاركات، مثل مفهومهن عن العلاقة الحميمة مع شركائهن وإذا ما كنّ يشعرن بالقبول غير المشروط منهم.
وجدت دراسات أخرى أيضًا ارتباطًا بين الضيق العاطفي للأمهات والوقت الذي يقضينه في إدارة الحالات العاطفية لأطفالهن. وجدت دراسة من أساتذة في جامعة ماساتشوستس في أمهيرست أنه بالنسبة لنساء الطبقة العاملة، كان لتقاسم عبء رعاية الأطفال في المنزل تأثيرًا أكبر على الشعور بالتعب من تقسيم الأعمال المنزلية.
لماذا يوجد العمل المستتر، وكيف يساهم الناس في تعزيزه دون علم؟
خلال الحالات المختلفة للعمل المستتر الموضحة في كتابها، تشير شيري إلى خيط مشترك. "إن الآلية التي تُبقي [العمل المستتر] على حاله هي أنه إذا كنت لا ترى نفسك كعامل، فأنت لا ترى نفسك كشخص له حقوق عامل".
تشرح شيري أنه عندما يمرّ العمال بتجربة مشتركة مع زملائهم، فقد يكونون قادرين على التنظيم لتحقيق أهداف جماعية، أو تشكيل نقابات أو تحدي ظروفهم من خلال النظام القانوني. ولكن عندما لا يدرك الناس أنهم يقومون بعمل في المقام الأول، كما هو الحال غالبًا مع العمل المستتر، فإن ذلك يقوض قدرتهم على مواءمة مصالحهم مع العمال الآخرين.
هذا هو مفتاح حدوث العمل المستتر: من الصعب أحيانًا تحديد حدوثه على الإطلاق. هذا صحيح بالنسبة للموظف الذي يرى حسابه المصرفي ووقت فراغه يُستَنزفان في آن عندما يحتاج إلى شراء ملابس معينة وتهيئة نفسه بطريقة معينة للعمل في وظيفة بيع بالتجزئة على سبيل المثال، وهذا ينطبق أيضًا على الأم التي لا تستطيع فهم سبب شعورها بالإرهاق أكثر من شريكها (الذكر). قد لا يدركون ذلك، لكن جوهر كلتا المشكلتين هو نفسه.
قد يكون هناك العديد من الأسباب الشخصية (والسياسية) للطريقة التي يتم بها توزيع الأعمال المنزلية داخل المنزل الواحد، بحسب بوستر وشيري. لا شيء من ذلك يعدّ ثابتًا: يتغير تقسيم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال من منزل إلى آخر، وحتى داخل المنزل الواحد، حيث يكبر الأطفال أو تتغير واجباتهم على نحو مختلف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للمنازل المشتركة مع الأجداد أو الأقارب الآخرين ديناميكية مختلفة تمامًا عن منازل الأسرة الواحدة، بحسب بوستر.
ومع ذلك، بالنسبة للشركات التي تستغل عمالة الناس دون أن يدركوا ذلك، فإن السبب وراء العمل المستتر يبدو أكثر وضوحًا: من المحتمل أن هناك ممارسات تجارية مطبقة تغذي وجودها. فكر، على سبيل المثال، في قيام شركات التواصل الاجتماعي بمراقبة نشاطك عبر الإنترنت لتحقيق أرباحها الخاصة: أنت تؤدي هذا العمل في النهاية، ومع ذلك فأنت لست الشخص الذي يجني المال منه.
بغض النظر عن الظروف الفردية لحالة معينة من العمل المستتر، لا يمكنك حل المشكلة حتى تحددها، كما تقول بوستر وشيري. في كثير من الحالات، العمل المستتر يكون بأشبه بالنقر على تلك الصور الزائفة التي تشدّ القارئ، مثل السلاحف الطائرة، بمجرد رؤيتها، لا يمكنك إلغاء رؤيتها.
كيف يمكننا التغلّب على العمل المستتر؟
تقول شيري إنه خلال الحركة النسوية في الستينيات، سمح مفهوم رفع الوعي للمرأة بتحديد النضالات الجماعية والتجارب المشتركة للنساء، والتي غالبًا ما تُرجمت إلى عمل سياسي. هذا ما يجب أن يحدث لتخفيف أعباء العمل المستتر أيضًا: يجب أن يصبح مرئيًّا، ومن ثم يحتاج الناس إلى القيام بشيء حيال ذلك.
هناك الكثير من الحلول الفردية لملاحظة وتصحيح العمل المستتر الذي يحدث على نطاق شخصي، مثل إجراء محادثات مع أفراد أسرتك حول تقسيم العمل في المنزل، أو إنشاء مخططات روتينية لتتبع من يقوم بالمهام في المنزل. عند تفعيل هذه الأنواع من الحلول، يكون ذلك جهدًا جماعيًّا: تغيير تقسيم العمل المستتر في المنزل ليس شيئًا يجب أن يقع حصريًّا على النساء؛ يجب أن يكون كل فرد من أفراد الأسرة جزءًا من الحل.
تؤكد شيري وبوستر أيضًا على أن الحلول الحقيقية طويلة الأجل (لأي شكل من أشكال العمل المستتر، وليس فقط ما يحدث في المنزل) تحتاج إلى تدخلات على نطاق واسع.
وبالمثل، تشير هوشيلد، عالمة الاجتماع التي نحتت مصطلح "المناوبة الثانية"، إلى أنه منذ نشر كتابها، كانت بيئة العمل والسياسات الحكومية بطيئة في إحداث تغييرات في أمور مثل إجازة الأمومة مدفوعة الأجر أو رعاية الأطفال المدعومة - التي يمكن أن تساعد بصدق في تخفيف العبث والعمل غير المأجور الذي يتعين على الأمهات القيام به حاليًّا.
نظرًا لأنه ثبت أن النساء ما زلن يقمن بمعظم واجبات الرعاية وأعمال المنزل، فإن السياسات التي توفر الدعم لهذه الواجبات على نطاق مؤسسي يمكن أن تقلل أيضًا من حجم العمل المستتر الذي تؤديه المرأة في المنزل.
ولكن حتى ذلك الحين، هناك المزيد مما يجب معالجته. عندما تتلقى النساء بشكل لا شعوري الجزء الأكبر من واجبات تقديم الرعاية وصيانة المنزل، فإن هذا السلوك متجذر في النظام الأبوي، والذي يقدّر المرأة في المقام الأول بصفتها زوجة أو أمًّا. سيتطلب ذلك تفكيكًا على مستوى أعمق.
[ترجمة بتول الحجاحجة، عن موقع ماشبل].