نعيم عبد مهلهل
(المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان، 2021)
[نعيم عبد مهلهل كاتب وشاعر عراقي. عضو في الاتحاد العامّ للكُتاب العرب، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، وعضو اتحاد الصحفيين العراقيين. يقيم في ألمانيا. نُشر له "عصافير الشارع المندائي" (2008)، و"جنكيز خان" (2008)، و"معدان أثينا" (2015)، وغيرها].
جدلية (ج): كيف ولدت فكرة نصوص المجموعة، ما هي منابعها وروافدها، ومراحل تطوّرها؟
نعيم عبد مهلهل (ن. م.): قد اختلف في التوصيف أن النص يولد بفكرة، وخصوصًا في القصة، لأن الفكرة تعني ما يولد فينا من فهم إزاء شيء ما. فيما القصة تحتاج إلى هاجس يحرّك فيها الانتباه بما يجري قريبًا منها أو بعيدًا عنها، لهذا فأنا لا أخلق أو أكتب نصي من فكرة، بل أصنعه من هاجس يؤثثه المكان والزمان معًا، وعليه فإن المجموعة القصصية "أنبياء الأهوار" الكتاب رقم 12 في مجاميعي القصصية هو وليد هاجس الإحساس بما عشته؛ الأمكنة ومكوناتها الاجتماعية والروحية والأسطورية. والروحية تتصل بالمعتقد، والقصص كلها عبارة عن 27 نصًّا، كل نص يتحدث عن نبي ودلالة معجزته واسمه وتأثيره في مجتمع بدائي وفطري هو مجتمع قرى الأهوار، الذي تشعر أن هاجس العلاقة بين الأنبياء والناس هو نتاج الغيب والتأثر الغامض والمهابة القادمة من ثقافة المتوارث الشفاهي، حيث يُفقد التراث المكتوب هنا بسبب عصور متوارثة من عدم وجود المدارس وعوامل العزلة بسبب النمط البيئي للمجتمع الأهواري، لأن الناس هنا تعيش وتبني مساكنها فوق الماء وليس على اليابسة.
و"أنبياء الأهوار" لم تتطور بمراحل إنما كانت مادة القصص متوفرة في الذاكرة وعلينا أن نخرجها باحتراف وجمالية ودهشة سردية لتكون نصًّا غريبًا لم يشتغله أحد. إنك تجمع قصص كل الأنبياء وتعكسها على مكان لا يعرف الناس فيه سوى قيادة قطعان الجواميس إلى غابات القصب وممالك الماء وصيد الطيور والسمك وصناعة القيمر واللبن الخاثر.
وأولئك الذين تتداخل معهم افتراضات الأنثروبولوجيا يعرفون جيدًا أن قراهم كانت ملاذًا ومكانًا لأقدم السلالات الحضارية.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسية؟ ما هو العالم الذي تأخذنا إليه المجموعة؟
(ن. م.): الثيمة الأساسية للقصص أنها جزء من اكتشافات معرفية وسردية في اشتغالي الإبداعي في القصة القصيرة، ومحاولتي في الاشتغال بمنطقة واحدة، وتطوير أدوات وثيمة وهدف هذا الاشتغال بينما أحمل في ذاكرتي رؤيا لبورخيس تقول: إن الكاتب (القاص، الروائي) يكتب نصًّا واحدًا في حياته وبقية النصوص التي يكتبها لاحقًا تدور في فلك هذا النص. وثيمتي في سرد القصص وحتى في رواياتي هو أني أشتغل على أسطرة الأماكن ومحاكاة دواخلها وربط كل هذا بالتواريخ والأساطير والفطرة الإنسانية التي خلقت تلك الأساطير دون أن تقرأ كتابًا مطبوعًا أو تتخرج من جامعة.
أما إلى أين تأخذنا المجموعة، فهي تأخذكم إلى عالم علينا أن نكتشفه جيدًا لنتعلم منه ونأوي إليه حين تؤذينا الحضارة الجديدة، وأيضًا نساهم في أبعاد الحيف والاستلاب والتهميش عن عالم جميل مثل عالم الأهوار. وهم في هذه المجموعة يلوذون بجميع الأنبياء من أجل أن ينتبه العالم لمحنتهم مع الأنظمة والنظرة الاجتماعية التي تراهم بمنظار آخر قائم على عبارة خاطئة تقول: اسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
(ج): كتابُك الأخير عبارة عن مجموعة قصصية، هل لاختيارك جنسًا أدبيًّا بذاته تأثير فيما تريد قوله، وما هي طبيعة هذا التأثير؟
(ن. م.): أنا لا أختار كتابة القصة وحدها لتعبّر عن فلسفتي في إيصال هاجس موهبتي. ففي ذات الشهر الذي صدرت فيه أنبياء الأهوار صدرت لي روايتين من دار نشر نينوى في دمشق ومجموعة قصصية أخرى، فيما أنبياء الأهوار صدرت بدعم من مجلس الأعمال العراقي في عمان عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان. وفي كل رؤيا الكتابة قد تختلف المضامين والمشاهد والثيمات والأمكنة وأزمنتها لكن المكان الذي مارست فيه أحلامي (الجنوب وبيئاته) موجود في ثنايا النص ولكن باشتغال آخر. وهو ما أعني به طبيعة التأثير؛ أنك تكتب حتى يكتشف القارئ أن لك خصوصية تختلف عن الآخرين وإلا لن تكون كاتبًا دون هذه الخصوصية.
(ج): ما هي التحديات والصعوبات التي جابهتك أثناء الكتابة؟
(ن. م.): لا أظن أن الوصول إلى مرحلة تشعر فيها أنك محترف كتابة وتعيش في بلد فيه الأمان وابتعاد الرقيب، وبيتك كل ساكنيه تؤمن الدولة الألمانية مستقبلهم المادي والمعنوي، وتتركك تكتب عن أمكنة الغد الذي هاجرت عنه طوعًا أو مرغمًا، يسمح لك أن تشعر بتحديات أو صعوبات قد تواجهك. خصوصًا حين تكون ملمًّا بأدواتك واستخدامها، وتعرف أن اكثر من دار نشر أو جائزة تنتظر كتابك. فلا صعوبات، والتحديات الموجودة أنك تعيش أمل أن تنجز سرديتك. وربما بعد أسبوع من الراحة تأتيك هواجس أخرى لإبحار جديد. مع العلم أنني أكتب النقد الأدبي والسينمائي، وأكتب الشعر، وأشتغل على ثيمة مهمة هي الكتابة عن العوالم الروحية لأقلية دينية في العراق هم الصابئة المندائيين. كما أنني كاتب عمود يومي وشهري وأسبوعي في أكثر من صحيفة.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الإبداعية؟
(ن. م.): في التسلسل، هو كتابي رقم 88، وفي المكانة فهو حدث جديد ومميز في تجربتي القصصية. ففيه استطعت الدخول إلى منطقة يكتشف فيها القارئ متعة المعلومة ونشوة الحكاية والتعرف على مناخات وبيئات جديدة عندما تجتمع جغرافيات عديدة في مكان واحد.
(ج): هل هناك نصوص كانت ذات تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز النص؟
(ن. م.): لا يوجد كاتب في العالم ينتج كتابًا دون أن يعتمد على ثقافته، وما دام النص يهم تواريخ الأنبياء وقصصهم فحتمًا عليك أن تكون قارئًا وملمًّا بما ورثته ثقافتنا وذاكرتنا من قصص وحكايات مكتوبة في التراث وكتب السماء، ومنها الديني ومنها المؤسطر. فحتى تكتب سردًا في هكذا رؤيا لا بد أن تكون لديك مرجعيات.
(ج): هل تُفكّر بقارئ محدّد أثناء الكتابة، صفه لنا؟
(ن. م.): أنا أفكر بكل من يقتني الكتاب، وبإيمان غريب أعتقد أن قارئي حين يمسك كتابي لن يسكنه الضجر خصوصًا أولئك الذين يعرفون أو يريدون أن يعرفوا الأمكنة والتواريخ التي يعيش فيها شخوص قصصي ورواياتي. فأنا أفكر بالقارئ المثقف قبل أي قارئ. لأنه وحده يستطيع أن ينصف كتاباتي ويمنحني الابتسامة والرضا والمديح وهذا ما يحتاجه الكاتب دائمًا.
(ج): ما هو مشروعك القادم؟
(ن. م.): في القادم القريب، وأقصد الشهر الأخير من هذا العام، ستصدر لي 4 كتب؛ مجموعة قصصية عن دار نشر نينوى في دمشق بعنوان "دمعة محسن وإيطاليا الحزينة"، ورواية لم نتفق بعد على دار نشرها وهي بعنوان "سبيّةٌ إيزيديّة في مزهريّة"، ورواية ثالثة بعنوان "سيرة ذاتية لطفولة سومرية"، والكتاب الشعري ــ المندائي "100 قصيدة وردية عن المندائية النقدية".
مقتطف من المجموعة
إسماعيل (الأضحية بعطر السماء)
{يا بني إنّي أرى في المنام أنَّي أذبحك فانظر ماذا ترى؟ قال يا أبتِ افعلْ ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} - القرآن الكريم
واحد من معلمي مدرستنا ظلَّ يصرُّ على الدّوام وهو يناقشني حول ما أكتبه عن العلاقة بين الرّوايات والأنبياء ويقول: إنَّ سارة زوجة إبراهيم (ع)، هي من أتت بإسماعيل.
وعندما أردُّ عليه: إنَّ اسماعيل هو ابن هاجر.
يقول: نعم، كانت هاجر جارية عند سارة التي كانت عاقرًا، وهي من أجبرت إبراهيم ليتزوج هاجرًا، وتنجب له إسماعيل وإسحاق، ثم تمتد الذرية لتصلَ إلينا نحن معلمي قرية أم الشخاتير.
أتذكرُ تلك العبارة، "أم الشخاتير"، المسكونة بموسيقى ورومانسية مفردتين، الأم التي تشكّلُ عطرَ وجودنا ومصر الحنان الذي يفترضه الجميع قادمًا من جهة الفردوس، والشخاتير التي هي الزوارق النحيفة التي يكون قاعها مطليًّا بالقير الذي يجيئون به من مدينة أور الأثرية، وهي واسطة النقل الوحيدة التي توصل القيمر والسمك من عمق الهور إلى اليابسة ومن ثم تنقله السيارات إلى المدن الأخرى.
كانت أم الشخاتير قرية بدائية تشبه في خيال تصوّرنا تلك القرى البدائية التي سكنها آدم وأحفاده قبل أن ينتقلوا إلى مدن الطين والحجر والسيراميك.
وهو ذات المكان الذي أستعيد فيه خيالات روايات الرّسل الذين أنجبهم آدم ليصلحوا من حال آبائهم الذين تفرّقت بهم الأمكنة والأهواء، وحين أعود إلى نقاش المعلم حول هاجر وسارة وإسماعيل أسمع رأي المعلم وأردُّ عليه:
- خطوات الأنبياء المصيرية مرهونة بأمر من الله وليس بأوامر نسائهم.
- قال ضاحكًا: وحواء لماذا ارتهن آدم بما أرادت ورضخ لجزاء فعلتها، ونزل إلى الأرض معها.
- أظن أنَّ هذا الأمر أتى لعبرة.
- أعتقدُ أنَّ الله هو من أرادَ بقدرته أن تكون حياة الإنسان من تجربة لسهو ولحظة نزول، وهو من أوحى لسارة أن تطلب من زوجها ليتزوج هاجر. دائمًا خلف الخطوة الإلهية حكمة كونية. إذًا أعود وأقول لولا سارة لما أتى إسماعيل ويصبح نبيًّا بيننا، وعند التوراتيين هو ليس سوى رجلٍ صالح وحكيم.
أترك أسئلة صديقي ورؤاه حول النبي لأقرب معاني الأسماء بين الأنبياء إلى الهاجس الصوفي هو اسم إسماعيل، "ع"، ويعني الذي سمع الله، وأجلب هذا المعنى لهاجس الرواية، يعني أنك تستفيد من هدوء ليل الأهوار، وتصغي إلى صوت بعيد بإيقاع يختلطُ معه صوت الرّيح وصوت الموج وصوت القصب ليشكلوا مقطوعة موسيقية تمهّد لك حماس الكتابة وأنت تكتبُ عبارة فصل روايتك الأولى الذي يقول: أظنُّ أنَّ أغلب عرفاء الجيش الذين صادفتهم في جبهات الحروب كانوا يحملون اسم إسماعيل. ربّما هذا يرتبط برغبة الحرب ليكون ضحاياها يحملون اسم هذا النبي الذي كان من الممكن أن تكون رقبته أضحية للبيت المقدّس، لكن الرّب افتداه بكبش.
وذاته إسماعيل ينتشر اسمه بين القرى، وأغلبهم يعرفون قصة النبي لكن أي واحد منهم لا يعرف معنى الاسم، وحين فسرتُ الاسم لصاحب المشحوف إسماعيل الذي كان ينقلنا بزورقه من الجبايش إلى القرية، ارتجفَ هو والمشحوف وقال بحكمة لم أعهدها من إنسان يعيشُ مع فطرة المكان وبساطته وهو لم يكتب حرفًا واحدًا، وهنا ترجمة بالعربية الفصيحة لما قاله صاحب المشحوف بلهجته الجلفية: أستاذ هو سمع الله لأنه نبي، أما أنا الذي أحمل اسم النبي، فلا يحقُّ لي سماع الله، ولكن يحقُّ لي أن أشعر به وأصلي عليه.
يوم عدتُ ثانية إلى القرية، وأتى الليلُ بهاجس كتابة رواياته، أبقيتُ عندي صدى الكلمات الحكيمة لصاحب الزورق، ورحتُ أقارنها بتلك اللحظة التي كانت يد إبراهيم ترتجفُ وهو يقرر أن يقرب سكينًا حادة مصنوعة من حجر جبال مكة إلى رقبة ولده الذي قد لا يعي من الأمر شيئًا لعدم بلوغه سنَّ الفكر والحدس وامتلاك دهشة نبي، أو كاهن، أو رجلٍ صالح كما يعتقده اليهود.
رحتُ أتخيّل ملامح إسماعيل على طريقتي، وأقارنها مرّات بملامح عرفاء الجيش الذين كانوا يحملون بأقراص الهوية المعلقة برقابهم ذات الاسم مع فصيلة الدم، وكلما سمعتُ في جبهة أو سرية ما، أنَّ العريف إسماعيل نحرته شظية، أرددُّ مع نفسي، هو قدر الأضاحي دومًا يكون بالآلات الحادة، وأنا أدرك أنَّ الشظية تشبه السكين، لكنها تكون حادة جدًّا وعلى شكل جمرة وبنتوءات كثيرة، فلا تعطي للحياة آمالًا كبيرة ـ فقد كانت تصنعُ الموت في أغلب فجيعتها.
ذاته المعلم اقتربَ مني عند ضفاف الهور حيث أستعين بضوء القاموس وأنا أحصي وجوه ضحايا الحروب، وهمس لي: أولئك بشرٌ وليس أكباشًا، ويسوع يقول: الإنسان بناء الله ملعون من هدَمه.
قلتُ: الحربُ تجيزُ لنفسها أنْ تهدم كلَّ ما يبنيه الله والبشر.
يصمتُ ثم يغادرني وهو يقول: صوت نجاة الصغيرة بالنسبة لي أهدأ لصداع رأسي من نقاشي معك. أنت تعطي لأنبيائك روايات مبتكرة، أخشى أن تقع في التابوه وتشطح أكثر مما لدى تلك الأسماء المقدّسة من رؤى ومساحات.
أقولُ: أدرك هذا وأنا أكتب بحذر.
قال دعك من حذرك وعندما تنتهي من حلم إسماعيل ومن تعداد الضحايا الذين حملوا اسمه من جنود جنديتك تعال لتسكن روحك مع سياحة أخرى وأنت تسمع معي أغاني نجاة الصغيرة الجديدة.
دقائق وأشعر أنني فعلًا أحتاج إلى راحة، وعليَّ أن أضع وجه إسماعيل في عاطفة عينيّ أمه هاجر يوم تحوّلَ دمعُ الحزن إلى أناشيد فرح وهي ترى أنَّ الله أبدل عنق ولدها بعنق كبش وأنَّ عليه الآن أن يكبرَ ويتزوجَ وينجبَ ويموتَ ويدفنَ في مكة.
وها أنا عند خاتمة الكتابة عن إسماعيل أتخيلُ تلاوة لأبيه في صدى التبريكات وقد اختلطت بلهجتين؛ واحدة أتى بها من أور وهي إلى اليوم يتداولها المعدان في حوارات الحياة والكلام، وأخرى عربية فصيحة يتداولها قريش وكلُّ أهل مكة.
تلك الكلمات التي أهديتها إلى تلك اللحظة التي سكنت فيها السعادة قلبَ الأب والأم لنجاة ولدهما وقد أتى عطف الرّب كبشًا وابتدأت ولاية عهد للنبوة يمرُّ فيها إسماعيل بموتٍ، فيشعر الأب أن المنية قد قاربته، فأتخيل إبراهيم يحضن ولده إسماعيل وينادي مكة وما حوله من تضاريس لا نبت فيها ولا زرع سوى ما يتفجر من ماء تحت قدميّ هاجر ليكون بئر زمزم:
ونحن نُناديك أيتها المدينةُ اليقظة، حافلةُ الضوء أنتِ. وناسخةُ المسافة لخطوةِ الوصولِ وعرش أول أنبياء الحلم، منكِ مشى العالم مرتديًا ثوبَ الإيمان لتحتفي به مصر وفلسطين والحجاز. ستبقين وسنبقى ولا بدَّ من وداع لهذه الصفنة. أبدًا تطلقين رصاص الموسيقى في أهداف عيون عشاقك. أبدًا تدهنين بعطر اللوز مسامات الشوق بأرواحنا. أبدًا تدحرين الظلمة والظالم وتنامين بطول الليل وعرضه مع خاطرة المظلوم. أبدًا تصيرين جنوب الكون كله. رايةٌ حمراء راية بيضاء راية خضراء، وأخرى بلون أحلام الفقراء. أنتِ الجنة المدهشة في كلِّ أوقاتها الصارمة، العادلة، المشتهية، النبوية، المدللة. لكي نمدَّ أعمدة الضوء خيالًا لأساطيرنا التي لن تموت عند أهداب المدافع نمدّها سيقان فرح العشب ومواويل الصيادين، ونغمات عذارى الحسّ الرّوحي بأفئدة التأريخ. أيتها الواصلة إلى الوصل لا صفنة فيكِ أبدًا.
صافيةٌ أنتِ كما دمعة النهر وضحكة المطر وارتشاف الكأس، وكلما داهمكِ الزّمن بغبار الولاة وفقه دعاة الموت. تمدّين لنا عطف آلهتك وتعيدين الحلم إلى الواقع نشيدًا مدرسيًّا لجنوب طفلٍ في مهد خريطة هذا الكون. طفل يكره أن يرثي حلمه وينتظر حتى تخرج له الشمس عاطفتها، ولا يموت بسكين يحملها الأب لتلبية نداء الرب.
فمجدًا يا إسماعيل إنك ابني ولم تزل حيًّا، والأضحية بدلًا عنك حملها الكبشُ ومن يأتي من عرفاء الحروب من الذين يحملونَ اسمك.