من بين مختلف العلوم والمجالات البحثية، تعتبر دراسة المناخ واحدةً من أكثر المجالات تعقيدًا، ليس بسبب العوامل الكثيرة التي تؤثر على المناخ فحسب، ولكن أيضًا لشدة تأثر هذه المنظومة المعقدة بالتغيرات الطفيفة في الظروف الابتدائية لهذه العوامل. لهذا يمكننا القول أن كوكبنا مفرط الحساسية.
في محاولةٍ منهم لفهم أي ظاهرةٍ تتسم بالتعقيد، يحاول العلماء عادةً دراسة أثر كل عامل من العوامل على هذه الظاهرة كلٌ على حدة، ثم بناء نموذج متكامل يشرح الظاهرة ويقدم لها التفسيرات، بالإضافة إلى التنبؤات، والتي إن أصابت فإنها تضيف دليلًا آخر على صحة النموذج وأهميته.
كانت أولى الاستنتاجات المهمة في مجال دراسة المناخ ما قدمه فورييه من تفسيرٍ لاحتفاظ كوكب الأرض خلال الليل بجزء من الحرارة التي يكتسبها من الشمس، على العكس من كواكب كثيرة داخل مجموعتنا الشمسية، مثل عطارد، الذي تصل حرارته خلال الليل إلى نحو 100 كلفن (180 درجة مئوية تحت الصفر)، على الرغم من أن نهار عطارد شديد الحرارة إذ تتراوح درجات الحرارة على سطحه بين 550 و700 كلفن (277 و427 درجة مئوية). أشار فورييه إلى غازات بعينها في الغلاف الجوي بوصفها "زجاجًا" يعكس الحرارة باتجاه الأرض ويحتفظ بها، لتسمّى الظاهرة بعدها بظاهرة "البيت الزجاجي" التي تتسبب بها مجموعة من الغازات أطلق عليها "غازات الدفيئة".
لكن الاستنتاج الذي أسبغ على المناخ صفة الحساسية المفرطة، هو استنتاج إدوارد لورنز، عالم الرياضيات الأميركي، الذي استخدم الحاسوب للتنبؤ بالطقس، ليخرج علينا بـ"أثر الفراشة"، وهو أن التغيير المتناهي في الصغر الذي يطرأ على الظروف الابتدائية يقود إلى تغيير كبير جدًّا في النتائج.
بدايةً من عام 1964، بدأ شاكورو مانابي - الذي كان يعمل في مختبر تابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة، ويعمل حاليًّا في جامعة برنستون - تطوير نماذج لدراسة حركة الهواء في الغلاف الجوي، حيث يكون الهواء بالقرب من سطح الأرض ساخنًا و خفيفًا بينما في طبقات الجو الأعلى يكون الهواء باردًا و ثقيلًا، ونتيجة لذلك تنشأ حركة دائمة حيث يصعد الهواء الخفيف للأعلى والثقيل للأسفل، وهكذا.
درس مانابي حركة الهواء في الغلاف الجوي، بدءًا من درجات الحرارة لطبقات الغلاف الجوي، والاتزان الحراري بينها، مرورًا بطريقة انتشار الجزيئات عبر طبقة الستراتوسفير، وصولًا إلى العوامل المؤثرة في حركة الهواء ودرجة حرارته. توسع مانابي في دراسة تلك العوامل التي تلعب دورًا في حركة الهواء ودرجة حرارته، فدرس تأثير الرطوبة والإشعاع الشمسي، ثم درس تأثير الجبال وقدّم بالأرقام أدلة على تأثيرها ودورها في حركة الهواء وانتقاله بين الطبقات، ودرس بعدها حركة الهواء بين الفصول. كل ذلك كان يأتي بنتائج عظيمة أسهمت في فهمنا لطبيعة الغلاف الجوي، عن طريق تطبيق النماذج الرياضية باستخدام الحاسوب وتحليل نتائجها. كانت النتائج التي يعطيها النموذج الذي بناه مانابي عن تأثير تغير نسب الغازات في الجو على درجة الحرارة تشير إلى عدم وجود تأثير حقيقي لكثير من الغازات، من بينها الأكسجين والنيتروجين، إلا أن النتيجة المثيرة التي أثبتها مانابي في ورقته البحثية المنشورة عام 1975 أنه من بين غازات الدفيئة، يعتبر ثاني أكسيد الكربون هو الأكثر خطورة من ناحية درجة حرارة الغلاف الجوي، حيث تزداد درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين في حال تضاعف مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو. وجد مانابي المتهم الرئيسي في زيادة درجة حرارة الأرض، وأنه لا تأثير يذكر لبقية العوامل المفترضة، ليثبت بعدها، في ورقة بحثية نشرها عام 1980، الحساسية الشديدة لمناخ الأرض - من خلال نموذجه - لزيادة تراكيز ثاني أكسيد الكربون.
شكلت دراسات مانابي ونماذجه - التي أثبتت صحتها على أرض الواقع خلال السنوات اللاحقة - إلهامًا للعديد من العلماء المهتمين بدراسة المناخ، فبعد مانابي، جاء العالم الألماني كلاوس هاسلمان من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، ودرس بشكل دقيق أثر كل العوامل المؤثرة في احترار كوكب الأرض، ليعطي بعدها هاسلمان صك البراءة للبراكين وتغير الإشعاع الشمسي وغيرهما من عوامل الاحترار، ويثبت من خلال نماذج رياضية، أن الممارسات البشرية على وجه التحديد هي المتهم الحقيقي في قضية الاحتباس الحراري.
قدم العالمان، مانابي وهاسلمان، إسهامات شديدة الأهمية تمثلت ليس في فهم كبير لمناخ كوكبنا فحسب، بل أيضًا في لفت انتباه البشر إلى خطورة ممارساتهم على النظام البيئي، وأن نفث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الجو كنتيجة لحرق الوقود الأحفوري، هو العامل الأساسي في زيادة الاحترار العالمي، لتأتي الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم بلفتة أخرى عبر منح العالمين مانابي وهاسلمان جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة مع الإيطالي باريزي، وذلك في وقت تقاطع مع مناسبة عالمية هامةٍ، إذ أُعلنت الجائزة قبيل انعقاد مؤتمر مناخٍ عالمي (كوب 26) معنيٍّ باتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة التغيرات المناخية، لتوصل لجنة جائزة نوبل رسالة مفادها "أن التغير المناخي يستند إلى أدلة علمية راسخة" بحسب السكرتير العام للأكاديمية التي تمنح نوبل.
إن جهود هاسلمان ومانابي حصلت على تقدير كبير في المجتمع العلمي، إلا أن التقدير الحقيقي لجهودهما يتمثل في أخذ استنتاجاتهما وتحذيراتهما على محمل الجد، حيث كان هاسلمان قد حذر قبل أكثر من 30 عامًا من "تغيرات مناخية كبيرة جدًّا في غضون 30 إلى 100 سنة" اعتمادًا على معدل استهلاك العالم من الوقود الأحفوري، واتخاذ إجراءات حقيقية لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وصولًا إلى اقتصاد أخضر ومستدام يسهم في الحفاظ على النظام البيئي للأرض، ويحافظ على صحة البشر وحقهم في العيش في بيئة نظيفة وآمنة.