صدر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن ديوان جديد للشاعر أسامة إسبر بعنوان "على ضفة نهر الأشياء"، وهو الديوان الثاني الذي يصدر له عن الدار نفسها، وكان الديوان الأول قد صدر العام الماضي بعنوان، "على طرقي البحرية".
يضم ديوان على "ضفة نهر الأشياء" قصائد كُتبت في أوقات متفرقة بين أعوام ٢٠١٢- ٢٠١٨ خلال فترة إقامة بين مدريد وشيكاغو.
وأسامة إسبر شاعر ومترجم وصحفي وفوتوغرافي سوري صدر له الكثير من الترجمات منها "أساليب شائعة" لريموند كارفر، "فارغو بيرنز" لكوس كوستماير، "الإرهاب المقدس" لتيري إيغلتون و"أحلام آينشتاين" لآلان لايتمان، وهذه صدرت عن دار خطوط وظلال، "أسنان بيضاء" لزيدي سميث و"كاتدرائية" لريموند كارفو صدرا عن دار كلمات، ومن آخر ترجماته "جوزف أنطون" لسلمان رشدي و"كتاب غولد للأسماك" لرتشارد فلاناغان، و"السحر الكبير" لإليزابيث جيلبرت، وهذه الكتب الثلاثة صدرتْ مؤخراً عن منشورات الجمل.
اخترنا من الديوان القصائد التالية:
مدرسة الأشياء
يُعلّمني النهرُ أن أتدفّق
والضوءُ أن أتوهّج
تعلّمني النبتةُ أن أنمو
والوردة أن أتفتّح
يعلمني النبع أن أصفو
والثمرة أن أنضج
أنا مقلّدٌ في مدرسة الأشياء.
بعد أن اكتشفتُ أن
المدارس
والأشكال
والأفكار
والعقائد
بنت بيوت عناكبها في دماغي
شرعتُ بالتمرد
وتفرّغتُ لحربٍ
ضد نفسي.
حين أنتهي منها يوماً ما
وأخرج منتصراً
سأفوز بعينين مفتوحتين
وسيصبح بوسعي أن أرى.
طرق الجنازات
-١-
صحن زيتونٍ، كأسُ عرقٍ
أغنيةُ مذياعٍ بكلماتٍ ريفية.
في الزوايا بيوتُ عنكبوت
تحرسُ غبار الأنفاس.
رائحةٌ في الخزانة من أغطيةٍ قديمة.
ماءٌ يدلفُ من السقف.
غرفةٌ فوق جبل،
ستارٌ على الحائط ولا نافذة.
حين تنقطع الكهرباء،
تَسْري الظلمةُ في أسلاك الليل.
تتلمّس اليد الأشياء،
تُشعل عود ثقاب،
يتفتّح ضوء الشمعة كالوردة الذابلة،
في الكأس على الطاولة.
-٢-
وحيداً
يرتشف جرعةً دون متعةٍ،
تقوده إلى ذكريات
من خيوطٍ تالفةٍ لا تصنعُ نسيجاً.
الضوءُ يرتعشُ،
تحاولُ الظلال العودةَ
كحيواناتٍ مذعورة.
-٣-
يُقْرعُ الباب.
هل يفتح؟
أم يظلُّ غارقاً في وحدته.
يُطرق الباب بقوة
ينهض متثاقلاً
كأنه يزيح أثقال الظلمة
عن كتفيه...
يدخل صديقٌ على كتفيه
أثقال من ظلام الهموم
يجلس قبالته صامتاً.
إنه على صواب
ماذا يُقال الآن،
حين يُكْتبُ الواقع
بكلماتٍ مغمّسة بدماء الضحايا،
حين تعبّدُ الجريمةُ طرقَ المستقبل
حين يمطُّ الأمل عنقه
بحثاً عن سكين تقطعها،
حين يترسّب الكلام
في حفر الصمت
وتعلوه الأحماض
حين ينكسر كتفا المدينة
تحت ثقل الكراهية.
-٤-
يحاول الصديق أن يبتسم
يفشل.
يدندن شيئاً غير مفهوم،
ينهض نحو الباب
ينغلق الباب.
يعود إلى وحدته
تمتد يده إلى الكأس،
يمرّ الوقت كقطار محمل بالأشلاء.
تنتابه رغبة بالخروج
فيرحل.
-٥-
كان الفجر يبزغ بذعر
كما لو أنه يصارع الغرق
والطريق فارغاً إلا منه.
وشعر أنه ظلٌّ لكائن آخر يزدريه.
كان الصيف يحصي قتلاه
الخريف يهيء أثقاله من الذخائر
والشتاء يستعد كي يخيّم فوق الأنقاض
في وحل المدن،
حيث الدروب مغلقةٌ بالحواجز
والشمسُ،
تضيء طرق الجنازات.
على ضفة النهر
-١-
على ضفة النهر
يفيضُ اللونُ الأخضر عن الأعشاب
باحثاً عن شيء يلوّنهُ.
-٢-
على ضفة نهر العالم
أشجارُ الحياة
تعيشُ متأرجحةً بين الأخضر والأصفر.
-٣-
على ضفة النهر
قرب الجذور المنتشية
تمنى لو أن جسده شجرة.
-٤-
في مجرى نهر العالم
يتوحد الخوف بالدم
داخل الشرايين.
-٥-
في مجرى النهر
ينحدر الماء فوق الصخور
بعضلات خيولٍ تعدو.
-٦-
في مجرى نهر العالم
الأجساد ماءٌ خائف يجري
هارباً من نفسه.
-٧-
على ضفة النهر
تسكنُ الطراوة جسده
ويشعر أنه شجرة.
-٨-
على ضفة النهر
تسافر عيناه نحو المصب
نحو حقول تنتظر،
وشفاه تصلّي.
-٩-
على ضفة نهر العالم
لا وقتَ لديه كي يلتقطَ أنفاسه
يهربُ من مدينة إلى أخرى
ولا يعثر على ما يرويه.
-١٠-
على ضفة النهر
يجلس مطمئناً
كجذع شجرة صفصاف.
-١١-
على ضفة نهر العالم
جسده يهربُ منه
يتمسّك بنبضه معلقاً في الفراغ.
-١٢-
في مجرى نهر العالم
الجميع يتدفقون
في ماء الخوف.