خالدة أصغر
[خالدة أصغر (١٩٣٧) قاصة وروائية باكستانية من مواليد مدينة لاهور وتكتب بلغة الأوردو، وتعتبر من أهم كتاب القصة القصيرة في هذه اللغة، وقد صدر لها أكثر من خمس مجموعات قصصية وبعض الروايات].
فتحتُ الباب فأربكني الضوءُ الباهر وحرارة الخارج بعد تجريب العتمة الرطبة في الداخل. أُغلق الباب الرمادي ذو الحاجز الغباري دون أن تصدر نوابضه صوتاً. تصاعدت رائحة صبغة اليود والكحول من خلف الباب المغلق. كان يجلس على المقاعد الجلدية الطويلة أشخاص كثيرون يقلبون بكسل صحفاً ومجلات، من بينها: المرآة وباكستان تايمز. كنت أقف في الخارج في السرادق، وقبل بضع ثوان كنت في الداخل وأنا الآن في الخارج أمام السرادق حيث كنت أقف، ثمة مرج صغير محاط بسياج عريض. من هنا فقط يستطيع المرء أن يلمح مسكبة من الأزهار وزهراً أصفر يتفتح مثل كؤوس صغيرة لا أعرف اسمه، وبمحاذاة المرج امتد ممر غير مرصوف انتهى عند البوابة البيضاء. بعد أن نزلتُ خمس درجات من السرادق ومشيت على طول السياج وصلتُ إلى البوابة وفتحتها فأصدرتْ محاورها صريراً. خارج هذه البوابة امتد طريق مزدحم.
خطوتُ إلى الخارج. أغمضتُ عينيّ قليلاً ثم فتحتهما لأتبين ما رأيته. تلاشت الظلمة الحمراء في الظلمة الخضراء ثم تلاشت بقع الضوء الشاحب في زرقة سوداء، كانت تتبدل أحياناً نحو الأبيض. استمرت صور الأشياء باللمعان ومن ثم التفت الأنشوطة حول عنقي، فكاي استرخيا تدريجياً. كان فمي فاغراً. حاولت أن أصرّ بأسناني بقوة وبدأت قبضتاي توجعانني، مع ذلك بقيت الأسنان العليا والسفلى منفصلة.
أخيراً أخرجتُ الزجاجة من جيبي وبلعت قرص دواء. أنا أعرف أن دودة ألفية تنمو في داخلي، تمد جذورها شيئاً فشيئاً وتزرعها في شراييني لكنني لا أصدق رغم أنني أعي ذلك. كان الطبيب قد أخبرني لتوه عنها، في أحد الأوقات وفي تلك الغرفة. تعجبتُ كيف تستطيع حشرة أن تنمو في داخلي. بدا لي الأمر بعيداً عن الصحة.
ذاب قرص الدواء في فمي وفكاي انطبقا تدريجياً. حدقت في الطريق المزدحم. هناك نهر يعج بالبشر والعربات وسيارات الأجرة والدراجات، وفي الجهة المقابلة في مخزن حامد للتجارة العامة شخص بنظارة سوداء سميكة الأطراف منهمك بقراءة صحيفة، يمرر يده على شعره، قربه صبي بأنف ضخم جداً وشعر أسود كثيف وكتفين محنيتين يضع زجاجة كريم أمام امرأة ترتدي عباءة وعلى رفوف المخزن وُضع الكثير من العلب الكرتونية اللماعة متعددة الألوان.
(حامد للتجارة العامة)، يدهشني أنني انظر إلى هذا المخزن للمرة الأولى رغم أنني مررت قربه عدة مرات، بجوار هذا المخزن ثمة مخازن أخرى: (أحذية سليمان)، (مخزن أمين للأدوية)، (صالون الملوك للحلاقة)، ثمة شخص يرتدي مئزراً يدلكه شخص آخر بوجه يتورد حمرة وشرايين صدغية تتسع. كانت زهيدة بارفين تغني أغنية من التراث الكافي في الراديو. أستطيع أن أميز صوت زهيدة بارفين عن المطربين الآخرين من مسافة بعيدة حتى وسط الضجيج ويدهشني أن بعض الناس، مثلاً حتى أصدقائي، لا يستطيعون التمييز بين الأصوات. من محل (سليمان للأحذية) خرج رجل نحيل صغير القامة يمسك إصبع صبي بعينين متوهجتين ويحمل علبة أحذية. ذكرني هذا فجأة أنني وصلت إلى الجهة المقابلة لمنزلي، وبعد أن انعطفت وصلت إلى موقف العربات. اصطفت ثلاث عربات جنباً إلى جنب.
اثنتان كانتا بلا ركاب في إحداها كان أحد السائقين يدخن باسترخاء. للمرة الأولى اليوم لاحظتُ أن للعربة شكلاً حياً غريباً وبدا لي أنه بدلاً من البحث عن عربة كنت أبحث عن شيء حي، أثناء المسير سيدير وجهه وينظر إلي ويئن كالدودة الألفية التي تترعرع في داخلي.
بعد أن نفث السائق نفساً ثقيلاً من سيجارته نظر إلي: أين أنت ذاهب يا سيد؟ سأل بفتور: إلى سامناباد؟ أصعد... يشغّل العداد ويهز العربة ذات المقاعد المنجدة حديثاً بأغطية بلاستيكية مطبوع عليها أزهار خضراء وحمراء. أمام وخلف السائق ثبتت مرآة صغيرة على (مدرّأة) وعلى الجانبين اليميني واليساري علقت أسلاك بشرابات تفوح منها رائحة الغبار والبنزين. أدهشتني الرائحة المختلطة وحقيقة أنني متجه إلى سامناباد، ماهي سامنا آباد؟
سامناباد، صححت اللفظ.
بعد ذلك وللمرة الأولى أدركت أنني أنسى أسماء الأشياء. يموت الشيء حالما أسميه، وأنا لم أكن أمتلك القوة كي أكرر هذه الأسماء، لهذا السبب. بينما أنا في الطريق، أحاول أن أقرأ جميع اللافتات: شيفاري-ي-آباد، شيخ عطا الله، محامي، ماركة تيتلي للخيوط، توابل شامينم الحارة، تميمة للحب سوف تجذب قلب المعشوقة ولو كان من حجر، غير أن كثيراً من اللوحات والملصقات المثبتة إلى الجدار كانت تعبر بسرعة فلا أستطيع قراءتها لذلك أحاول أن أتذكر أسماء أشياء قريبة مني.
ثمة كثير من الأشياء معي في العربة: قميص، ربطة عنق، دبوس لربطة العنق، قلم، محفظة، عملة، فراطة، لكن لا أعرف لماذا فقدتْ الأشياء أسماءها وأنا مصمم على الاحتفاظ بالأسماء. منذ لك الوقت وأنا أكرر اسم كل شيء غيباً. في الحقيقة أريد أن أدرك الأشياء من خلال الكلمات لهذا غالباً ما تستمر قائمة طويلة من الأسماء بالتجمع في ذهني كأنه مطلوب مني أن أرددها بصوت مرتفع في مكان ما.
يزداد الولع الجنوني بالأسماء كل يوم. أحياناً أشعر بالغيرة من الناس حولي. بعد ذلك تتحول الغيرة إلى كراهية والكراهية تحاصرني كأنها جنون أسود. للبشر الذين حولي أسماء كثيرة أنا مجرد منها ولن تصبح أبداً جزءاً من ذاكرتي. يبدو لي أن الناس يحرسون في داخلهم أسماء كثيرة ولهذا السبب أتمسك بها باحتقار. إن الرغبة بالأسماء غريبة جداً وأشعر الآن أن بوسعي أن أكتب شيئاً ما، وفي الحقيقة منذ عشر سنوات أو خمس عشرة سنة كان هناك شيء يحثني على الكتابة لهذا اشتريتُ ماعوناً من الورق وزخرفتُ طاولتي بالقرطاسية لكن عندما أخرجت قلمي شعرتُ كأنني أقرأ بدلاً من أن أكتب. لم يكن هذا هو الوقت المناسب للكتابة وسيكون هناك وقت للكتابة وبالتالي بدأت بالقراءة وبعد قراءة بضعة أسطر جاءني محرض الكتابة. أمسكت قلمي غير أنني لم أقدر أن أكتب. في الحقيقة توجب عليَّ أن أكتب عن شيء ما لم تتوارد الكلمات لتعبر عنه لهذا رميت القلم جانباً وبدأت القراءة ثانيةً.
أوقفت القراءة. بعد خمس عشرة سنة وبشيء يثير الغرابة بما فيه الكفاية شعرت أنني أحب الكتابة. هل أستطيع أن أكتب؟ اشتريت لهذا السبب ماعون ورق وكسوت طاولتي بالقرطاسية بعدها حملت قلمي وبدأت أكتب ساعات وساعات حتى تعرقت جبهتي وسخن القلم (أحسست بالاحتراق في أصابعي) ولكن بعد أن كتبت لاحظت أن هناك أسماء للأشياء على الورق وحسب. هذا هو الأمر (تلك الرغبة بالكتابة) أسماء أشياء وحسب، جميع الأشياء التي أعرفها ورأيتها وما أريد أن أراه.. لو كان بوسعي أن أكتب اسم كل شيء لاحتجت بالتأكيد إلى مئات الصفحات. لكنني لا أستطيع أن أحظى بوقت الفراغ اللازم لمهمة كهذه. دائماً يوجد شخص قربي ليعتني بي في حين أنني أخبرت الجميع أنني أستطيع أتناول الدواء بمفري. أنا ايضاً أملك ساعة فيها عقارب لحساب الثواني رغم ذلك يتجول الناس حولي وأنا لا أريد أن اكشف سر كتابتي بعد.
ثمة سبب محدد لهذا. لمّحتُ لأحد أصدقائي الكتاب أنه لا معنى للكتابة المتواصلة. على الكاتب أن يجمع الأسماء، على كل شخص أن يبحث عن أسمائه المستقلة، ويجمعها وهذا يكفي، هذا ما دفع صديقي إلى الضحك. إذاً القواميس هي الأدب العظيم للعالم. أشعرني جهله بالاشمئزاز، إذ إن القاموس يحتوي على الكلمات وحسب لا على الأسماء فالأسماء أشياء موجودة مع الإنسان وفيه وثمة من يرى أن الانسان يمكن أن ينسى أسماء الأشياء التي تشكل جزءاً منه غير أن كل هذا كان بعيداً عن فهم صديقي لهذا السبب بقيتُ هادئاً والآن أنا أكتب بسرية أثناء الليل وحالما تحفظ الأسماء على الورق أنساها ويهدأ شيء في داخلي. أعليَّ أن أنهي جميع الأشياء؟ هل أنا أحكُّ دمي، عظامي، جلدي؟ كيف سيكون أسلوب حفظ الأشياء بعد ذلك وفهم المعرفة؟ هل نقتل الأشياء بعد امتلاكها؟ لهذا السبب وأثناء الليل غالباً ما أعيد بوعي خلق بعض الأشكال أمام عيني وأثبت أسماءها عليها، بيد أن الأشياء التي لا أسماء لها تزداد عدداً وعليَّ أن أعيد قراءة ما كتبته في منتصف الليل. أثناء القيام بذلك أشعر بالغيظ من الناس الذين يعيشون حولي، هؤلاء الناس يخبئون أسماءً في صدورهم. والناس يعرفون أنهم مؤتمنون على أسماء ولهذا ينبسط صدرهم وينقبض بسهولة أثناء التنفس.
يتملكني أحياناً إحساس يشعرني بأنني منهك من كتابتي حين أشعر بمخالب تتحرك، وبأغصان تصدر حفيفاً في داخلي، وبوجود حبل مشنقة حول عنقي، فكاي يسترخيان ويمتلئ فمي برضاب قذر لا يُبْصق ولا يُبْتلع، أشعر بالاسترخاء قليلاً. في هذه الحالة تبدو كتابتي وكأنها بلا جدوى، ليس هناك اسم أو أي شيء أكثر حيوية من هذه الدودة الألفية التي تمد مخالبها (كم لو أنها تمدّدُ وتقلصُ جميع الأسماء).
فجأة تحضر زوجتي زجاجة الدواء وتخرج قرصاً: أسرع لقد تأخرت نصف ساعة. لا أشعر بميل إلى تناول الدواء.
يتلاشى صوتي. أحياناً تذكرني هذه الحالة بقصة الدكتور جيكل والسيد هايد. أرغب بمشاهدة نفسي في لحظة التحول هذه، ولكنني غالباً ما أبقى بعيداً عن المرآة، في الحقيقة لا توجد مرآة في غرفتي.
في هذه الفترة يحلق الحلاق ذقني أحياناً وعندما أمشط شعري في الحمام أمام المرآة تختفي لحظة التحول. أخيراً في إحدى الليالي وضعتُ المرآة قربي وشغلتُ نفسي بالكتابة. بدا أن جميع الأسماء التي أمتلكها كانت منهكة، الآن لا أقدر أن أكتب ثلاثة أو أربعة أسماء في اليوم وانتظرت وقتاً طويلاً والقلم في يدي، وبطريقة ما وصلت جميع الأشياء إلى نهاية عندما أخرجتها مني وعندما صارت في الخارج تحولت إلى كلمات. لذلك أشعر أنني مجوف تماماً عدا في تلك الساعة عندما تنمو الأغصان وتخدش شراييني وتنضفر في داخلي، في تلك الليلة انتظرت والقلم في يدي. كانت عقارب الساعة على وشك أن تلامس الواحدة والنصف والمنبه على وشك الرنين. قبل أن تنام زوجتي أعددت المنبه كي يرن كل ساعتين. أعطتني الدواء غير أنني اليوم عطلت المنبه بعد ذلك. فكاي استرخيا وأطبقت أهدابي. شددت على قدمي وضغطت على أسناني. تعرقت من الجهد المبذول. بعدها تقلب شيء في حنجرتي وصدري. إنها الحشرة نفسها التي تنمو في داخلي. حفرت الحشرة بمخالبها الطويلة في حنجرتي.
ناديتها في وقت متأخر من الليل. أجابت نعم أجبت بصوت ضعيف. انظري، إن فكيَّ يلتويان، قلت هذا لزوجتي وأدرت وجهي جانباً. مسحت وجهها بالمنديل وعرفتُ أنها تبكي. كان لكل شيء قناعه، وداخل القناع كانت الدودة. لبٌّ ينبض، دودة ألفية. كان كل شيء مثل دودة ألفية تمد أغصانها وتحك خلايا الأعصاب داخل قناع الأسماء الذي لا حياة فيه. لهذا السبب، نبذت ذاكرتي أسماء أشياء كثيرة وأنا الآن أعيش مع الحد الأدنى من الأسماء. في بعض الأوقات لا أقدر أن أتذكر أسماء أشياء ضرورية جداً، وأولادي سيديرون وجوههم جانباً ويمسحون دموعهم. سيبتسمون ويتحدثون بابتهاج في حضوري. لهذا السبب تخيلت الأشياء المحسوسة بدلاً من الأسماء. وكان أمراً ملحاً أن أستحضر الأشياء إلى الذاكرة بلا أسماء. لهذا السبب بدأت بقراءة أشياء متنوعة في المنزل. أحياناً أتذكر شيئاً قديماً جداً. فمثلاً، في إحدى الليالي تذكرت فجأة غليوني القديم جداً. نهضت من النوم وجلست. شيءٌ ما يجبرني أن أبحث عن أشيائي، ولم أعرف منذ متى خبأته في مكان ما. أيقظت زوجتي وذكرتها بالغليون الذي اعتدت أن أدخن فيه منذ ست أو سبع سنوات فقالت زوجتي بصوتٍ حزين: اذهب إلى النوم. غير أنني ألححت. أدهشني بكاؤها. نهضت وبحثت عن الغليون في المنزل، في العلب والأدراج، وأخيراً عثرت عليه في صندوق الأوراق التالفة. نظرت إليه. لمسته. بعد ذلك أعدته إلى مكانه.
الآن عرفت أنه كان حاضراً. لو لم يكن، عندها؟
كان التفكير نفسه لا يحتمل بالنسبة لي. بالتدريج، لم أتخيل أشياء خاصة. الآن، أنا لا أبحث عن أشياء خاصة، بالأحرى أبحث عن الأشياء فقط. أشياء، أشياء لا تحصى. في أحد الأيام، وفي درج الطاولة، تحت أوراق عديدة وأقلام رصاص وقطع ورق صغيرة عثرت على أوراق صفراء شاحبة كان في داخلها صور رمادية بأشعة إكس. صندوق من الأضلاع الدائرية امتدت داخله أغصان كثيرة مثل أرجل أم أربع وأربعين. كانت هناك ظلمة داخل الأضلاع. بعد ذلك الجمجمة وهي رمز يذكرني بالخطر. ألصق عليها الغصن نفسه الذي يشبه أم أربع وأربعين. فكان مربعان مقسمان إلى قطع صغيرة في الأمام مليئان بالظلمة والفراغ. على كل من الورقتين كان اسمي مكتوباً في الأسفل. بعد ذلك تحسست ونظرت إلى أضلاعي المكتسية بالجلد ورأسي المغطى بالشعر.
هذا الصندوق من الأضلاع الدائرية. وتلك الدودة الألفية التي بدأت تزحف في داخلي وتمد أقدامها وتحك شراييني. وبدا أن الدودة الألفية ستدير وجهها، تنظر إلي وتئن. كانت كمثل خدش ينزف... لا يمكن تجنبه، يتوسع دائماً وحي دائماً. المعنى الأول والأخير لكل شيء. انظري: هذا أنا. قلتُ لزوجتي وبعثرتُ الأوراق الرمادية أمامها. إلا أنها لم تفهم شيئاً. نعم... الآن ليس لأشعة إكس هذه من فائدة ... ضعيها في أي مكان.
أشعر الآن أنني لستُ نفسي. هناك زوجتي والأولاد. أصدقاء ومعارف وجميع البشر المتجولين على الطرقات وفي المساكن المهجورة، الوجود برمته ليست له هوية إطلاقاً سوى أن الاسم مكتوبٌ في الزاوية. عندما يزاح الاسم عن الإنسان يتوقف عن كونه موجوداً.
وعندما ينتهي الاسم يواجه كل إنسان فراغه. هذا الفراغ (التجوف) هو الدودة الألفية. ونحن نحدد فراغنا في داخلنا رغم أن رؤيتنا تؤكد لنا بشكل واضح أنه ليست لنا هوية. بعد ذلك ركزتُ كلياً على الدودة الألفية التي تتغذّى في داخلي. أردتُ أن أعرفها وأراها. لكن استناداً إلى الطبيب لا تمكن رؤيتها بأية أشعة إكس بما أنها كائن حي، تتموج وتصدر صوتاً ولها مخالب.
في أحد الأيام وضعت أمامي كومة من الأوراق كتبتُ عليها كلماتٍ لا تُحصى لكنني لم أستطع تحديد كلمة بينها. فجأة تعالى ذلك الأنين الذي بدأ ينمو في داخلي بطريقة وكأنني سأنفجر: شيءٌ ما ينمو في داخلي يمتص دم الجميع. حاولت أن أستعيد تنفسي غير أن العرق بدأ يتدفق من جبهتي. فتحتْ زوجتي فمي بسرعة ووضعتْ قرص الدواء. كانت هناك إبر لا تحصى مكان لساني. كان الدواء أيضاً مثل إبرة امتزجت بإبر أخرى. شيء ما كان ينمو، يتوسع في داخلي. كان جلدي على وشك الانفجار. بعد ذلك أدركت أنه كان وقت ذلك الأنين الذي كان الكلمة الأولى والأخيرة، الصوت الأول والأخير. بيد أنني سمعت الطبيب يقول: تخلص من هذه الدودة الألفية، اقتلها. لا، لا! أردت أن أقول إن هذا اللب السام الذي ينبض متأصل في داخلي في كل مكان، يحتل كل ركن من جسمي وكل كلمة أريد أن أتفوه بها. لكنني لا أذكر ماذا قلتُ، أو فيما إذا كنت قد تفوهت بشيءٍ أم لا، عندما تلاشى صوتي، والآن، إلى أين يأخذونني؟ أعرف أنهم يأخذونني بعيداً إلى مكان ما، إلى مكانٍ مهجور، إلى الظلمة والصمت العميق. هنا دودتي الألفية، هذا الصوت الأول والأخير، هذه الكلمة الأولى والأخيرة ستُقتل في الظلمة والصمت العميق.
[ترجمة: أسامة إسبر، عن So that You Can Know Me: An Anthology of Pakistani Women, 1997].