أحمد حنيطي
(مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2021)
[أحمد حنيطي حائز على درجة ماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، وهو مهتم بدراسة المسائل الاجتماعية والثقافية للتجمعات الزراعية والبدوية الفلسطينية، وخصوصاً في المنطقة المصنفة "ج". وقد صدر له عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتابان؛ الأول بعنوان "التجمعات البدوية في وسط الضفة الغربية كحالة دراسية" (2018) والثاني بعنوان "السياسة الإسرائيلية تجاه الأغوار وآفاقها" (2016)].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
أحمد حنيطي (أ. ح.): تبلورت الفكرة من خلال نقاش مع مؤسسة الدراسات – فرع رام الله، حول وضع الحركة الطلابية، ورغم أهمية توثيق التجربة إلا أن الدراسات عن الحركة الطلابية شحيحة، فأغلب الأدبيات المنشورة على اختلاف أنواعها تتحدث عن تراجع للحركة الطلابية، وأحياناً يذهب النقاش إلى غياب أي دور للحركة الطلابية، ولكن بعد قراءة قليلة للأدبيات، تبين أن معظمها يقارن فعالية الحركة الطلابية مع فعاليتها في أواخر السبعينات والثمانينات، وأغلب هذه الأدبيات تغفل الظروف الموضوعية التي تعمل فيها الحركة الطلابية، والقضايا التي تشكل أساس اهتماماتها، إضافة إلى أن أغلب الأدبيات كتبها أشخاص منتمين حزبياً مما أدى إلى وجود بعض الإشكاليات الموضوعية، ومن هنا جاءت فكرة الدراسة، لتقدم مداخلة علمية في واقع الحركة الطلابية، وموضعة هذا الواقع في البنية الاجتماعية التي تعمل فيها وأثر البنية الاجتماعية في واقع الحركة الطلابية، مع التركيز على مرحلة ما بعد سنة 2000.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(أ. ح.): انطلقت الدراسة من تحليل مهدي عامل للجامعة اللبنانية، والتي يمكن الاستفادة منها في تحليل واقع للجامعة الفلسطينية، يقول عامل أن الجامعة مؤسسة اجتماعية تتحدد داخل البنية الاجتماعية لا بمعزل عنها، فهي في وجودها الاجتماعي، على علاقة داخلية مع بنية المجتمع ككل، وإن كان لها، كمؤسسة، وحدة ذاتية واستقلال نسبي خاص، ومعنى ذلك أن الجامعة، بشكل عام، ليست منفصلة، إن في وجودها أم في تطورها، عن المجتمع الذي فيها تنعكس بنيته، وإن إظهار الجامعة كجسم مستقل عن المجتمع هو شكل أيديولوجي، من هنا ضرورة ربطها بالواقع الاجتماعي التاريخي كشرط لتحديد وجودها ودورها في المجتمع. هذا التحليل لمهدي عامل يساعدنا في فهم واقع الجامعة الفلسطينية بكل مكوناتها، ومن ضمنها الحركة الطلابية فيها، وهو المدخل الذي انطلقت منه الدراسة الحالية لمحاولة تقديم فهم لتجربة الحركة الطلابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولهذا حرصت الدراسة عن تحليل واقع الحركة الطلابية في كل مرحلة من تاريخها، والتي قسمت إلى ثلاث مراحل (قبل أوسلو والتسعينات وبعد 2000) ضمن بنيتها الاجتماعية الخاصة في كل مرحلة، ومحاولة تجنب عملية المقارنة بين هذه الفترات، وكما تم تناول تجربة الحركة الطلابية في قطاع غزة بشكل منفرد كونها تختلف عن تجربة الضفة الغربية نظراً لاختلاف واقعها الاجتماعي.
ثمة عدة أطروحات رئيسية في الكتاب، ويمكن تلخيصها بشكل نقاط كالتالي:
- كيف لعبت البنية الاجتماعية في فلسطين في تشكيل وعي الحركة الطلابية، والذي انعكس على فعاليتها وممارساتها المختلفة تجاه عدة قضايا ومجالات، والوعي الذي أقصده، هو أحياناً وعي نقدي للواقع الفلسطيني وخاصة في المرحلة التي أعقبت أوسلو، فكثير من الفعالية للحركة الطلابية كان بمقاومة إفرازات أوسلو، مع إضافة عامل مهم، وهو دور حركة الشبيبة في الحركة الطلابية، والذي يمثل في كثير من الأحيان موقفاً موالياً للنظام السياسي الفلسطيني، وهذا الأمر ذاته في الكتلة الإسلامية في قطاع غزة بعد الانقسام الذي حدث في العام 2007.
- التحديات التي واجهتها الحركة الطلابية تختلف بين كل مرحلة من مراحل التجربة (قبل أوسلو، التسعينات، بعد العام 2000)، التناقض الأبرز الذي ناضلت ضده الحركة الطلابية قبل التسعينات هو الاحتلال الإسرائيلي، وتوسعت هذه التحديات في التسعينات نتيجة إفرازات أوسلو السياسية والاقتصادية، على رأسها الاستمرار في مقاومة المشروع الصهيوني، ومعارضة النظام السياسي الفلسطيني، وارتفاع تكاليف التعليم الجامعي وتحولاته نحو العولمة والخصخصة التي تبنتها الجامعات وما يرتبط به من تحولها في توجهاتها وبنيتها، وهذه التناقضات بين الحركة الطلابية والجبهات المتعددة التي تناضل ضدها زادت حدة وعنف بعد العام 2000، وبهذا نرى التدخلات وممارسات الاحتلال من اقتحام للجامعات وقتل واعتقال للطلبة من داخل حرم الجامعات، وتضييق السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة على الحركة الطلابية من اعتداءات واعتقالات وتضييق على الأنشطة، ومحاولات الجامعات المستمرة الحد من أنشطة وفعالية الحركة الطلابية داخلها إضافة إلى الارتفاع الكبير في تكاليف التعليم الجامعي.
- الغنى الذي تتسم به الحركة الطلابية هو بوعيها السياسي، لا سيما خلفيتها الفكرية والتنظيمية الحزبية، وهذا الوعي يعطي نضالات الحركة الطلابية بعداً شمولياً، مما يعني أن النضال الذي تقوم به الحركة الطلابية هو نضال سياسي، حتى في بعده النقابي، ومحاولات فصل السياسي عن النقابي أو عن فعالية الحركة الطلابية بحجة أن الجامعات هي ساحات فقط للعلم هي مطالب أيديولوجية يعمل على تفريغ الحركة الطلابية من عمق نضالها وفعالياتها المطلبية.
- تجربة الحركة الطلابية في قطاع غزة تختلف في بعض القضايا عن تجربتها في الضفة الغربية، وتتميز تجربتها في تشكيل أجسام مؤسسية موحدة على مستوى الأطر الطلابية وكذلك على المستوى العام لجسم الحركة الطلابية، كتشكيل "سكرتاريا الأطر الطلابية"، والتي عملت على التخفيف من حدة الممارسات العنفية بين الأطر الطلابية المختلفة، خاصة بين كتلة الشبيبة والكتلة الإسلامية، وشكلت إلى حد كبير جسماً ضاغطاً على الجامعات لتحقيق مطالب الأطر الطلابية التوافقية، ولكن لا تزال أمام هذه التجربة مسار يعمل على تحقيق العديد من الإنجازات وخاصة إجراء الانتخابات في مجالس الطلبة وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(أ. ح.): عدم تعاون معظم الجامعات وغياب الأرشيف لدى عمادة شؤون الطلبة، وقد تكون جامعة بيت لحم استثناء. بالإضافة إلى جمع البيانات وإجراء المقابلات خلال فترة كورونا، وعدم انتظام دوام الجامعات. وأخيرًا عدم تعاون بعض الفاعلين في الحركة الطلابية، وخاصة في قطاع غزة.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(أ. ح.): الدراسات التي تناولت تجربة الحركة الطلابية الفلسطينية قليلة، وبعضها غير مكتمل ويغطي جانباً معيناً من تلك التجربة، وخاصة تجربة الحركة الطلابية في قطاع غزة التي تكاد تكون غائبة تماماً. أضف إلى ذلك، أن تجربة الحركة الطلابية اختلفت وفقاً للظروف الموضوعية الخاصة في الفترة التاريخية التي عملت فيها الحركة الطلابية، ومن هنا أهمية تناول هذه الظروف لموضعة فعالية الحركة الطلابية فيها، وذلك بعيداً عن المقارنة التي قامت بها أغلب الأدبيات، فعملية المقارنة فيها نوع من الإجحاف في تجربة الحركة الطلابية نظراً لاختلاف الظروف الموضوعية عبر تاريخ الحركة الطلابية. وهذا الكتاب يقدم دراسة علمية موسعة عن تجربة الحركة الطلابية في الضفة الغربية وقطاع غزة وموضعتها في ظروفها الموضوعية، مع التركيز على فعالية الحركة الطلابية في مرحلة ما بعد العام 2000.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟ ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(أ. ح.): يختلف موضوع هذا الكتاب، إلى حد ما، عن الأبحاث التي أنجزتها حتى الآن، القضايا البحثية التي اشتغلت/أشتغل عليها تتعلق بالمجتمعات الفلاحية والبدوية والقروية، ومن ضمنها ضواحي القدس والأغوار، ولكن كتاب الحركة الطلابية أضاف لي بعض الأفكار البحثية مثل تجربة الحركة الفلاحية الفلسطينية حيث كان لها دور وفعالية في الحراكات الوطنية في الداخل، كما تحدث بعض الذين قابلتهم لإعداد دراسة الحركة الطلابية، كما أهمية تطوير مقال حول السير الذاتية للشباب (CV)، كما ساعدتني دراسة الحركة الطلابية في تطوير الخلفية التاريخية، وأيضاً إلى التشابك والترابط بين القضايا الاجتماعية، وخاصة أن القضايا الاجتماعية على اختلافها، هي متشابكة وتتأثر ببعضها، كما هي تماماً في المجتمع، ويمكنني القول، إن هذا الكتاب ساهم في تطوير نظرة نقدية تجاه الأبحاث التي أنجزتها. وكأن الابتعاد قليلاً للتعمق معرفياً عبر البحث، في قضايا بعيدة عن مجال تخصصك البحثي هو ضرورة لتطوير مشاريعك البحثية المتخصصة.
المجتمعات الفلاحية والبدوية تشكل العمود الفقري لمشاريعي البحثية، إذ أعمل على تطوير دراسة حول ثقافة الرعي وعلاقته بالسيادة على الغذاء كنت قد قدمتها في مؤتمر، كما أخطط حالياً لإنجاز دراسة عن البعد الديمغرافي في الأغوار الفلسطينية عبر فترات تاريخية وعلاقته بالمياه والمحاصيل الزراعية، وأطمح لإعداد دراسة واسعة عن المجتمع الفلاحي الفلسطيني في الضفة الغربية.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(أ. ح.): جمهور الكتاب هم كل المهتمين بالحركات الاجتماعية، وبالحركة الطلابية على وجه الخصوص، كما يخاطب الكتاب الطلبة الجامعيين والناشطين في الحركة الطلابية. أهمية الاطلاع على الكتاب، كما أراها، لأنها تعطي الفاعلين في الحركة الطلابية نقاشاً وحواراً، ونظرة نقدية حول فعاليتهم ونشاطاتهم الحالية، التي قد تحفزهم وتساعدهم في تعزيز فعالية الحركة الطلابية، كما تعطي الطلبة الآخرين تحفيزاً وتشجيعاً للانخراط في فعالية الحركة الطلابية، كون الكتاب يقدم طرحاً موضوعياً وعلمياً يبتعد عن الإحباط والاجحاف بحق التجربة الحالية للحركة الطلابية.
مقتطف من الكتاب: الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت
تتميز الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت كونها تعتبر طليعية على الصعيدين النقابي والسياسي، ويعتبرها سلامة نموذج لتشكيل مجالس الطلبة في الجامعات، ويعتبرها بلال سلامة نموذجا لتشكيل مجالس الطلبة في الجامعات، فيقول "ولكي نستطيع أن نسوق بعض التجارب التي قد تشكل نموذجا، وإن كان استثناء، ولكنه شكل قاعدة حصيفة ومتقدمة في سياق تدشين مؤسسة وطنية متميزة على مدار تاريخها حتى اللحظة الحالية، ألا وهي جامعة بيرزيت". كما لا تزال بيئتها حاضنة لممارسة الديمقراطية لكافة كتلها الطلابية، الأمر الذي يجمع عليه أساتذة الجامعة وطلابها، فتقول إحدى عضوات الهيئة الأكاديمية في الجامعة: "يعني احنا بدناش نسخف كل شي منيح في بيرزيت، الانتخابات شفافة، انو في عملية ديمقراطية في جامعة بيرزيت حتى في الهيئة التدريسية بتحكي شو ما بدها لسا"، ويتحدث أحد كوادر الحركة الطلابية في الجامعة: "كمان بدناش ننفي إنه بيئة جامعة بيرزيت هي بيئة حاضنة لهاي الديمقراطية، الجامعة بكل مساوئها، كل ملاحظاتنا عليها، إلا إنه في محلات هي كفيلة لهاي الحريات، حتى لو في حدى من الحركة الطلابية بدو يمس في هاي الحريات أو بدو يتعدى عليها، أو برا الحركة الطلابية، والحركة الطلابية مقدرتش تواجهه، على سبيل المثال موضوع الأجهزة الأمنية ممنوع تدخل على الجامعة".
ساهمت العديد من العوامل في تميز الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت، منها أن الحركة الطلابية فيها كانت هي القائدة والمبادرة للحركة الطلابية في فلسطين، وقرب الجامعة من المركز الحضري الرئيسي الذي تقع فيه المقرات القيادية للسلطة الفلسطينية وللأحزاب والمنظمات الأهلية. واعتبرت انتخابات جامعة بيرزيت استطلاعا لحجم الأحزاب والحركات السياسية في الساحة الفلسطينية. إذ كانت الجامعة "من أكثر الجامعات احتضاناً للتنوع الجنسوي، والسياسي، والجغرافي، والديني، والطبقي، تلك الخلفية قادرة بصورة أو بأخرى أن تؤسس حالة من قبول الآخر المختلف، في أجواء إدارية وقانونية وثقافية قامت على أساس ديمقراطي داخل أسوار الجامعة"، وقد ساهمت هذه القاعدة، وخاصة في السنوات الأخيرة، في وجود نقابة عاملين قوية وفاعلة في جامعة بيرزيت عملت بفعالية على الحد من تعميق سيطرة أجهزة السلطة الفلسطينية على الحقوق النقابية للعاملين والطلبة. كما قامت نقابة العاملين في الجامعة بالمتابعة المستمرة للضغط على إدارة الجامعة من أجل اتخاذ موقف محايد في الكثير من الإشكاليات السياسية والأمنية التي تعرض لها الطلبة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، أو بسبب الخلافات العنيفة بين كتلة الشبيبة والكتل الأخرى. كما أن وعي النقابة بأهمية وجود حركة طلابية قوية يعزز دورها في المجتمع الفلسطيني، أدى إلى قيامها باتخاذ مواقف تميل في أحيان كثيرة إلى مطالب الحركة الطلابية والتضامن معها كما جرى في الإضراب الأخير عام 2019 في جامعة بيرزيت وإغلاقها لمدة تزيد عن 25 يوما، وقد كتبت إحدى عضوات النقابة على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 22 كانون الأول 2019 عن الاعتصام ما يلي: "نضالنا الوطني التحرري لا يستقيم دون نضالات اجتماعية ونقابية تترافق معه وتسنده، وعلينا الارتقاء بالعمل النقابي الواعي والصلب، طلبة جامعة بيرزيت يخوضون هذا التمرين حاليا". والجدير بالذكر أن مجلس أمناء جامعة بيرزيت حافظ على هذا التميز في سبيل توفير البيئة الطلابية الفاعلية والحيوية والحرة والديمقراطية في الجامعة. وقد تعود أسباب ذلك، في جزء منها، إلى الحفاظ على تميز الجامعة واحترامها في المجتمع الفلسطيني. وولد هذا النموذج "غيرة" لدى بعض الطلبة في الجامعات، وصار يُنظر إليه كنموذج للعمل النقابي والديمقراطي والسياسي للحركة الطلابية، وتتم مقارنته مع القمع والتحيز المعمول بهما في الجامعات الأخرى، بينما نظرت إليه إدارة الجامعات الأخرى بنوع من الريبة والخوف من أن يصبح نموذجاً تتطلع إليه الحركة الطلابية فيها وتتمكن من تحققه.
تستخدم الجامعة أسلوب الحوار والنقاش، مع استثناءات قليلة جدا، في الأمور التي تختلف فيها مع الحركة الطلابية، وتستمر في التعامل على هذا المبدأ حتى في أشد حالات التناقض، وفي الظروف التي تتخذ فيها الحركة الطلابية نهجا تصعيديا في الاحتجاج النقابي، والذي يصل إلى الاعتصام وتعليق الدوام وإغلاق الجامعة ومنع الطلبة والموظفين من الدخول إليها، كما في الإضراب الأخير (2019) حيث استخدمت إدارة الجامعة منذ بداية الأزمة حتى نهايتها نهج الحوار والنقاش، وغالبا ما كانت وسائل الاعلام تستضيف قادة الحركة الطلابية وممثلين عن الجامعة كأطراف متساوية، ولم تقم الجامعة بمعاقبة الحركة الطلابية من خلال حل المجلس أو فصل قادتها كما يحصل عادة في جامعات أخرى.