-١-
لم ألمح بحارة أو صيادين على الشاطئ،
رأيتُ أقداماً تترك آثارها على الرمال وتمضي
وماء يمحو الرسوم.
-٢-
يكشف الضوءُ مناقير طيور الطيطوي
مغروزةً في الرمال التي ينحسر عنها المد
وحين تخرجها
تظهر كائنات تتخبط بين مناقيرها.
وحين يندفع المد من جديد،
وتطاردُ الموجةُ طيور الطيطوي،
التي تركض في صفوف وتشكيلات أمامها
أرى، على حلبات الطبيعة،
البَحْر يلعب كالأطفال.
-٣-
ارتفعت سماءٌ بيضاء
من ماء هادر مصدومٍ فوق صخرة
تتألف من طبقات عمودية،
لاحت كأجساد تحمل الأفق على أكتافها.
استمرّ البياض لثانية أو ثانيتين،
عالياً، مهيمناً على الفضاء.
تراءت الصخرة كأنها في فستان عرس
ولمحتُ الفرحَ يسيلُ على وجهها.
حين تعرّتْ من ثوبها الأبيض الطويل
الذي انحسر عن جسدها الصخري
برشاقة الأجنحة
واختفت حواشيه الطويلة
في الجسد الأزرق
وعاد الماء إلى سابق عهده
ظلتْ الصخرة امرأة
تنتظر فستان عرسها
في عالم المد والجزر.
-٤-
شراعٌ أبيض فوق قارب عابر
كأنه من الزمن القديم،
يعيد إلى الذهن ضحك البحارة،
نظراتهم الساخرة إلى البحر العاصف
طيشهم بعد كؤوس الشراب الثقيل
ليلتهم الصاخبة في المرافئ
والنساء اللواتي تحطمت قلوبهن
وترنّمن بأغاني الانتظار.
فوق الشراع
سربٌ من طيور البجع،
يواكبه ويتسامر معه.
شراعٌ،
لاح كالريش
في جناحين مفرودين
لمركب عابر.
-٥-
للأحجار المبعثرة
في حفرها المائية على الرمال،
ملامح أجنّة
يترجرج حولها ماء الحوض
ويتراءى حبل السرة موصولاً بالبحر
الذي يُحْيي ويُميت.
للأعشاب المبعثرة،
المبللة منها والجافة،
مواضع تنعكس فيها أحياناً ظلالها
على صفحة الرمال الصقيلة،
فيبدو الظل والنبتة
كأنهما يتبادلان الهمس:
تهمس النبتة: ليتني ظل!
ويحنّ الظل إلى أن يكون شيئاً
قبل أن تضرب الموجة التالية.
-٦-
لم أكن أسمع إلا أصوات الموتى،
وهي تُمْلي على الأحياء
أو أصوات الأحياء
وهي تردد كلمات الموتى،
ولم يكن شاطئ الكلمات
يفتح صدره لأمواج جديدة.
في هذه اللحظة
من الفتور المتوسطي،
تهب الريح فوق القبور
وتغير لون الشواهد،
التي صارت وجهاً للمدينة.
-٧-
”غنّي لي أغنيةً“،
سمعتُ في حلمي شجرة حور قطني تطلب مني،
بعد أن دندنتُ المقطع الأول:
"يا شجرة الحور القطني
أريد أن أكون جذعاً لك،
لا ورقة على أغصانك".
سرتْ رعشةٌ في أوراقها
واستدارت كالآذان
كي تُصغي إليّ.
كان صوتُ البحر
يعلو على صوتي،
غير أن الشجرة
المثقلة بالضجيج البحري
وبالوهج الفضي
المنعكس في أفق الماء
لم تتوقف هنا،
توهج ضوء على أوراقها وقالت
أنا أيضاً أريد أن أغني لك أغنية:
"أيها العابر،
يا من ترتعش أوراق جسده
ويظل هارباً من خريفه،
أيها العابر كظلّ مرتعش
يا من تتساقط أوراق أيامه المصفرّة
تحت أشجار التقاويم!"