خالد سليمان
(دار العالي، 2022)
[خالد سليمان كاتب وصحفي متخصص في القضايا المتعلقة بالتغير المناخي والمياه بدأ بالعمل في الصحافة الكردية في إقليم كردستان في أواسط تسعينيات القرن المنصرم. نشرت له كتب باللغة العربية في كل من دمشق وبيروت وبغداد منها: حوارات مع المفكر العراقي الراحل هادي العلوي، حراس المياه، الجفاف والتغير المناخي في العراق، استعمار المياه، دور المياه في التغير المناخي].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
خالد سليمان (خ. س.): قبل تفشي وباء كورونا كنت قد كتبت تحقيقات وتقارير صحفية عن آثار فقدان موائل الحيوانات جرّاء الزراعة والاستخدام المفرط لها من أجل الغذاء والتجارة، وكذلك آثار تغير المناخ على الصحة العامة. وكان الموضوع الأساسي الذي كان يشغلني باستمرار هو مفهوم (الصحة الواحدة). أي أن صحة النبات والأنواع مرتبطة بشكل مباشر بصحة الإنسان، خاصة في ظل توسع عمراني، تجاري وصناعي هائل تشهده مناطق عديدة في العالم حيث يقترب الإنسان يوماً بعد يوم من موائل الحيوانات، الأمر الذي يؤدي الى تهجير الحيوانات أو اختلاطها بالبشر. وفي الحالتين تكون الآثار سلبية على الصحة العامة، لأن بقاء الأنظمة الايكولوجية والتنوع البيولوجي هو ضمان ليس للصحة البشرية فحسب، بل للأمن الغذائي والبيئي أيضاً. كانت صدمة تفشي الوباء كبيرة جداً، واقتضى الأمر الوقت كي يعود الباحثون المختصون في الأمراض المستجدة إلى دراسات وتقارير علمية تثبت العلاقة المباشرة بين تدور الأنظمة البيئية والأمراض الحيوانية المنشأ، خاصة أن فيروس كوفيد-19 هو من سلسلة فيروس (سارس-1) الذي ظهر ببداية الألفية في الصين. من هنا بدأت بالبحث ومتابعة معظم التقارير العلمية حول آثار تخريب الأنظمة الأيكولوجية على البشر وصحتهم، وكذلك على صحة الأنواع الأخرى، لأن البشر هم نوع واحد لا يشكل سوى 0.01٪ من بين جميع الأنواع الموجودة على الكوكب، لكنه تسبب بفقدان 80٪ من الكائنات الأخرى منذ نشأة الحضارة. من هنا تبلورت فكرة الكتاب.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسية، ما هو العالم الذي يأخذنا إليه الكتاب؟
(خ. س.): ثيمة الكتاب هي أن الإنسان ولد، نشأ، عاش وتطور على حساب الطبيعة والحيوان والنبات دون التفكير بمحدودية موارد الطبيعة. نحن ندخل الأسواق ونعبئ سلة الغذاء باللحوم، والبقوليات والقهوة والزيوت والمشروبات وجميع الاحتياجات الأخرى دون أن نسأل أنفسنا من أين تأتي كل هذه الأشياء؟ يتم القضاء على الغابات وتُقتلع الأشجار وتُقتل الحيوانات ويتم اصطياد الأسماك العملاقة وتُعرض في الأسواق الهائلة، وكأن الطبيعة قادرة على إنتاج المزيد والمزيد، والحيوانات تتوالد في نفس اللحظة التي نصطاد أو نقتل أعداداً منها. قادتني هذه الأسئلة وغيرها إلى مصادر تاريخية ليس في حقل العلوم فقط، بل في التاريخ والأديان والفلسفة والأساطير أيضاً. على سبيل المثال، تجاهلت الأدبيات العلمية العربية ”رسائل إخوان الصفا“ بهذا الشأن، بينما يمكن القول بأنها رسائل مهمة في تاريخ البشرية وتحتوي على صفحات كثيرة عن التنوع البيولوجي وأهمية وجود الحيوان والأحياء الدقيقة على الكوكب، فبدونها لا يمكن للإنسان الاستمرار في الحياة. وهكذا بالنسبة للتاريخ الاستعماري والفجوة الكبيرة التي أحدثتها الفلسفة الاستعمارية في الأنظمة الأيكولوجية. نحن حين نتحدث عن تغير المناخ والتدهور البيئي نعود إلى الثورة الصناعية فقط، أي نهايات القرن الثامن عشر، ناسين بذلك بأن تاريخ تخريب النظم البيئية أقدم من العصر الصناعي ويعود إلى الثورة الزراعية على يد المستعمرين الأوروبيين في آسيا والقارة الأمريكية وأفريقيا. إن بلداً مثل هاييتي والذي يعد من بين أفقر بلدان العالم اليوم، كان يتسم بنظام بيئي خلّاق غني قبل أن يقوم الاستعمار الفرنسي بقطع أكثر من 90٪ من أشجاره مقابل الاستقلال بعد عام 1804، ناهيك باستغلاله المفرط للبن وأصبحت الإمبراطورية الفرنسية الأولى في تصدير البن للأسواق الأوروبية بفضل هاييتي التي كانت أراضيها مغطاة بالنبات والأشجار بنسبة 80٪، فيما لا تتجاوز هذه النسبة اليوم 2٪. كما يأخذنا الكتاب أيضاً الى الآثار الكارثية التي تركتها وتتركها السياسات الشعبوية على البيئة، سياسات دونالد ترامب، الرئيس البرازيلي بولسونارو الرئيس التركي أردوغان على سبيل المثال.
اختصاراً، أردت تبسيط لغة العلم في هذا الكتاب وتقديم البيانات إلى القارئ عبر رواية يومية عن أرض الحيوان والنبات قبل البشر، وهو أمر الذي أدخلني إلى تاريخ السياسات أيضاً، منها السياسات الاستعمارية والشعبوية السياسية، وتاريخ العلوم والفلسفة والأساطير بطبيعة الحال.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(خ. س.): يمكن تصنيف الكتاب ضمن الحقل الإيكولوجي-الفكري، إنما هو نوع من الإدراك الصحفي أيضاً، أي أنه مزيج من الرواية الصحفية والحديث التاريخي-الفكري يتوقف في تخوم الحدث ويدخل إلى تفاصيل روايته وسبل التحقق منه. وفي أحيان عديدة تقتضي الرواية الصحفية أخذ المعلومة والتحقق من نوايا "الشرّ" إن جاز التعبير، تجاه ما يحدث بيئياً. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبلدان أخرى يجري العمل حالياً، على نصب أشجار اصطناعية عملاقة لامتصاص الكربون في الجو أو وضع عاكسات ضوئية لمنع وصول حرارة الشمس إلى الأرض، وذلك كما تدعي مؤسسات يمولها ويدعمها المحافظون، من أجل تبريد الأرض. وهو في الحقيقة ليس سوى حقن الكوكب أو تخديره موضعياً، إنما هو حل ممتاز ظاهرياً ويخلص البشرية من تغير المناخ. بعد التحقق من مثل هذه المشاريع، نجد أن هناك مراوغة قذرة يريدون الاستمرار من ورائها في جني المزيد والمزيد من الأموال عبر الوقود الأحفوري (النفط، الغاز والفحم)، ناهيك عن استغلال ما تبقى من الغابات البكر؛ هو تهرّب واضح من أي مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة والتي تستحق أن تنعم بالطبيعة والعيش الكريم كما عشنا نحن والأجيال السابقة. وبما أن الموضوع يخص مستقبل الأرض والبشر والحيوات والنبات، رأيت من واجبي الصحفي والأخلاقي التوقف عند هذه المسألة والتحقق منها ومقارنتها مع الحلول والمبادرات الأخرى بشأن الأنظمة البيئية وسبل مواجهة تغير المناخ. أنا أؤمن بنظرية واحدة في عملي الصحفي وهي أن الناس يستحقون المعرفة.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(خ. س.): بما أني عملت على الكتاب دون أطر منهجية أكاديمية تقيدني في الشكل الذي أختاره وأقدم فيه المعلومة والأفكار، ناهيك عن استقائي المعلومات من مصادر فرنسية وإنكليزية، لم أواجه تحديات كبيرة من هذه الناحية. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن العمل كان سهلاً، خاصة أن المصادر باللغة العربية بهذا الشأن قليل جداً إن لم نقل معدومة، ولا تشبع الكاتب ولا القارئ. باستثناء النصوص التي اخترتها من رسائل إخوان الصفا ونصوص توراتية وبابلية لم أعثر على مصادر أخرى تغني الموضوع. هناك كتب تاريخية وتراثية عن الحيوانات باللغة العربية، لكنها وصفية ولا تفي بالغرض، بخاصة نحن نتحدث هنا عن احتمال حدوث الانقراض السادس على الكوكب، نتحدث عن مستقبل مليء بالمخاطر والتهديدات البيئية.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(خ. س.): بعد كتاب لي بعنوان (استعمار المياه) باللغة الكُردية عام 2014، وكتاب آخر بعنوان (حرّاس المياه.. الجفاف وتغير المناخ في العراق) باللغة العربية عام 2020، هذا كتابي الثالث عن آثار تغير المناخ والتدهور البيئي على الأرض، البشر، الحيوان والنبات. لا أعرف أين أضع نفسي وعملي، الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أني كائن بيئي، أي أنني نشأت وتطورت بناءً على الوعي بالمسيرة البيئية للأشياء ومقتضياتها، وأعتبر الكائنات الأخرى غير البشرية شريكة في تكويني الشخصي أقل ما يمكن أن يقال.
(ج): هل هناك نصوص كانت ذات تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز النص؟
(خ. س.): أثناء كتابة فصل من الكتاب بعنوان (الحلول في رؤية العالَم السُّفلي) استوقفني نص من نصوص رسائل إخوان الصفا يقول فيه الكاتب، "ثم اعلم يا أخي بأن الحيوانات كلها متقدمة الوجود على الإنسان بالزمان، لأنها له ولأجله، وكل شيء هو من أجل شيء آخر فهو متقدم الوجود عليه. هذه الحكمة في أوّلية العقل لا تحتاج إلى دليل من المقدّمات ونتائجها، لأنه لو لم يتقدم وجود هذه الحيوانات على وجود الإنسان لما كان للإنسان عيش هنيء ولا مروءة كاملة، ولا نعمة سائغة، بل كان يعيش عيشاً نَكِداً، فقيراً بائساً بسوء الحال". رأيت كل أفكاري في هذا النص الذي اخترته ليكون العمود الرئيسي في الفصل المذكور.
(ج): هل كنت تُفكّر بقارئ/ة محدّد/ة أثناء الكتابة، صفه لنا؟
(خ. س.): يحتل الشباب في معظم كتاباتي باللغتين الكُردية والعربية، مساحة كبيرة في تفكيري ولم يخرج هذا الكتاب عن التفكير ذاته. وسبب ذلك هو أن الأجيال المتقدمة في السن، لا تولي القضايا البيئية اهتماماً، حتى جيل الشباب أصبح رهينة منصات التواصل الاجتماعي ولم نجد في العالم العربي احتجاجاً واحد ضد الجرائم المنظمة بحق البيئة والتنوع البيولوجي والحياة البرّية، إنما لا يمكن بناء أمل سوى على طاقة الشباب وقدرتهم على فهم ما يحدث. أثناء عملي الميداني في مدن وبلدات عراقية كثيرة عملت كثيراً على أوضاع الطلاب والطالبات في المراحل الإعدادية، الثانوية والجامعات في ظل تغير قاس للمناخ والتدهور البيئي، أقول مع الأسف، لا يعرفون شيئاً عن المناخ، لا يميزون بين المناخ والطقس، لا يفهمون أسباب ما يحدث. ولا يمكن إلقاء اللوم على الشباب والطلاب بطبيعة الحال، بل على الدولة ومؤسساتها التعليمية المهترئة. وأجد نفسي أحياناً غارقاً في التفكير بالأطفال، لأن مناهج التعليم في البلدان العربية، والتي تكلف ميزانية الدول مبالغ طائلة، لا تُعلِّم الصغار ما يحدث على الأرض.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(خ. س.): لا شيء في تفكيري وذهني، ولكني أقرأ وأتابع كل يوم، وأكتب كل يوم، وقد تكون نشأتي البيئية موضوع كتابي القادم.
مقتطفات من الكتاب
البيئة والوباء (عن أصول فيروس كورونا)
قد تكون نقطة الانطلاق الأولى لهذا الوباء هي سوق مفتوح في مدينة ووهان الصينية، ويصفه الكثيرون بوعاء رطب تتراكم فيه الحيوانات البرية والثعابين والخفافيش والبنغولين. يتم شراء هذه الحيوانات في الصين في المناسبات الوطنية، رأس السنة الصيني تحديداً، بأعداد هائلة، انما هو في الأساس سوق دائم ومتصل بمهرّبي الحيوانات في شرق آسيا كما في أفريقيا. في وصفه للبؤس الذي تعيش فيه الحيوانات في هذا السوق، يقول الطبيب الاختصاصي في الأمراض المعدية ديدييه سكار، هو الأستاذ الفخري في جامعة سوربون، "حيوانات فقيرة يلمسها الباعة، ملطخة بالبول، تنتشر بينها القراد فيما تشكل البعوض سحابة حولها. وفي مثل هذه الظروف تصيب الحيوانات المصابة حيوانات أخرى في غضون أيام قليلة. لنفترض أن البائع جرح نفسه أو لامس البول الملوث قبل ان يلمس وجهه بيده. إنها نقطة انطلاق". إن ما يدهش بالنسبة للعالم الفرنسي المذكور هو اللامبالاة تجاه نقاط انطلاق المرض، وكأن المجتمع لا يهمه سوى نقطة الوصول الى نهاية المرض: أي اللقاح، العلاج والانعاش. ويقال أن أسواق الحيوانات البرّية مثل أسواق المخدرات تجني الكثير من الأموال. وفي المكسيك مثلاً، يتم تهريب حيوان البنغولين حتى في حقائب السفر.
تعد التجارة غير المشروعة أو غير القانونية بالحيوانات البرّية في أسواق داخل المدن نقطة الانطلاق الثانية، وبشكل خاص حيوان آكل النمل الحرشفي أو البانغولين. ويعد هذا الحيوان من بين أكثر الأنواع المهددة بالانقراض في العالم، وذلك بسبب تزايد الطلب على لحمه من جانب والمعتقدات الشعبية المختلفة حوله من جانب آخر. تقول رئيسة مؤسسة "Animals Asia" ميشيل جونغ، إن "حيوان آكل النمل الحرشفي هو ضحية لمعتقدات في الطب الصيني التقليدي"، ذاك أن لحمه بالإضافة إلى أنه يحظى بشعبية كبيرة في الصين وفيتنام وجنوب شرق آسيا، فضلاً عن أنه علامة الثراء بين المجتمعات، يزيل سموم الجسم بسحب المعتقدات الشعبية الصينية. وبالقدر نفسه تحظى حراشف البانغولين بالعديد من المعتقدات الشعبية والخرافات مما يزيد حجم التجارة بها على مستوى واسع ليس في آسيا فحسب بل في بقاع أخرى في العالم. ففي المعتقدات الأفريقية تجلب حراشف هذا الحيوان السيء الحظ، الحظ السعيد بين مجتمعات محلية أفريقية، أما في آسيا فتحتوي مساحيق مصنوعة من الحراشف وفقاً للتقاليد الصينية على العديد من الفضائل: مثير للشهوة الجنسية لدى البعض، علاج ضد أمراض الكبد أو الجلد، أو حتى آلام الدورة الشهرية بين النساء لدى بعض آخر. وعلى رغم عدم التحقق من هذه الفوائد علمياً أصبح هذا الكائن النادر بشكله ونمط حياته حيث يعيش بالقرب من المناطق الرملية التي يكثر فيها النمل، يتعرض للتجارة غير المشروعة والتهريب على نطاق واسع في العالم. وتشير معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البرّي المهدد بالانقراض الى تهريب 17000 البانغولين كل عام بين 2000-2016.
نقطة الانطلاق الثالثة لانتشار الأمراض الناشئة أو المستجدة هي تخريب موائل الحيوانات من قبل الدول والشركات والمجتمعات. ويمكن الإشارة في هذا السياق الى تقلص مساحات الغابات العذراء في جنوب شرق آسيا (الصين، لاوس، تايلاند، ماليزيا وسنغافورة) بسبب إنشاء شبكات سكك القطار والمحطات التي تعبر الغابات وتدمر موائل الحيوانات دون احتياطات صحية، الأمر الذي يخفي المساحة المتبقية بين المستوطنات البشرية والحيوانية ويؤدي الى نقل الفيروسات الحيوانية الناشئة بين البشر. وقد يسهل طريق الحرير، الذي يكمله الصينيون حالياً، انتشار الأمراض الخطيرة في المستقبل.
تغير المناخ في قلب السجال
قد يكتب الروائيون، الشعراء والمسرحيون أعمالاً أدبية وفنية وتاريخية كثيرة وعظيمة، عن وباء كورونا وما خلفه من القتلى، الهلع، العزل وانهيار النظام الصحي العالمي، فضلاً عن آليات المناعة بين البشر. وقد يسأل المبدعون مع تصويرهم لتراجيديا موت المسنين في فوضى المستشفيات الحديثة عن تلك الأسباب الأخلاقية التي أدت الى هزيمة العالم والتكنولوجيا الحيوية في لجم الجائحة، إنما تقتصر الإجابة أغلب الظن على أسباب ظهور الفيروس ومنشأه وسلالته على العلماء والمختبرات وليس على البشرية جمعاء. يكمن الخلل في هذا التقسيم بين الأخلاق والعلم، ذلك أننا لا يمكننا الفصل بين السؤال الأخلاقي الذي تطرحه الآداب والفنون عما حصل جراء كوفيد-١٩ وبين التفسير العلمي له، فما حصل يعود في أصوله الى السؤال الأخلاقي عن ماهية البشرية فيما خص الحصول على مصادر الغذاء والتجارة من جانب والإجابة العلمية على الخوف الدائم من الأوبئة والأمراض من جانب آخر.
فتح الغابات
ليست إزالة الغابات وفقدان موائل الحيوانات والصيد الجائر للحياة البرية قضايا بيئية فقط، انها أيضاً، من بين القوى الدافعة وراء ازدياد تفشي الأمراض المعدية في العالم ويُحتمل انها ساهمت أيضاً في تفشي وباء كوفيد-١٩الحالي. وذلك وفقاً لأبحاث ودراسات علمية تسبق انتشار وباء كورونا. وتدق الدراسات العلمية ناقوس الخطر الذي يشكله اجتثاث الغابات على الصحة العامة منذ عقود، محذرة من أن البشرية كلما تعدت على الحياة البرية من أجل تهيئة أراضي زراعية جديدة، أو اخراج المعادن (التعدين) أو اتساع وجموع حركة التمدين والعمران، زاد احتمال اتصالنا بالحيوانات البرية التي تأوي مسببات الأمراض الوبائية والمميتة. ويمكن العودة في هذا السياق، الى الدراسة العلمية التي نشرتها مجلة The Royal Society كما تمت الإشارة في السابق. وتشير تلك الدراسة الى إن استغلال البشر للحياة البرية من خلال الصيد والتجارة وتدهور الموائل والامتداد العمراني وزيادة ما يسميه العلماء بـ (التداعيات)، يسهل الاتصال الوثيق بين الحياة البرية والبشر، مما يزيد من خطر انتقال الفيروسات المنتشرة بين الحيوانات مثل الخفافيش والقرود والحيوانات الاخرى إلى البشر. كما وجدت الدراسة التي تم إجراؤها قبل تفشي كوفيد-١٩ ونشرت بتاريخ 08/04/2020 بأن هذه الأنشطة تحط من جودة موائل الحياة البرّية، الأمر الذي يؤدي الى انخفاض أعداد الحيوانات البرية وخطر الانقراض.
تالياً، لم تأت الفيروسات من الفضاء الخارجي أو اللاشيء، بل هي كائنات مرتبطة بالنشاط البشري وجزء من منظومة حياتنا الكلية، يرتبط وجودها بوجود الأرض. وتتكون هذه المنظومة بحسب الباحث الفرنسي جان فرانسوا غيغان من عالم علوي مرئي لنا جميعاً بما في ذلك محيط التنوع الحيوي والبشري بأكمله، وعالم سفلي غير مرئي يتكون من المليارات من الأحياء الدقيقة. يتعايش هذان العالمان ويتداخلان في نظام بيئي خلاّق ولا يمكن فصلهما عن بعضهما.