حتى الآن، ومنذ أن استطاع الإنسان صنع أدوات من الحجارة لمساعدته في الصيد، لم تنتج البشرية مادةً بالكميات التي أنتجتها من البلاستيك وباقي البوليمرات، حيث أُنتج حتى عام 2017 أكثر من 9 مليار طن بحسب أطلس البلاستيك.
منذ ظهوره، أسهم البلاستيك في انتشار نمط استهلاكي جديد، إذ بدأت تُستخدم المواد البلاستيكية في الكثير من المنتجات، مثل عبوات الماء التي أُنتج منها نحو 160 مليون طن جميعها تقريباً من البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، وأكياس التعبئة، وعلب حفظ الطعام، والأنابيب، بالإضافة إلى الألبسة التي دخل في مكوناتها 62 مليون طن من البوليستر، وملايين المنتجات التي يدخل البلاستيك في تركيبها، وساعد في ذلك الخصائص المذهلة للبلاستيك، حيث أنه قوي التحمل، خفيف، وقابل للتلوين، لكن الأهم من هذا كله أنه زهيد الثمن، وهنا تكمن المشكلة، إذ تُصنع مثلاً عبوة الماء، ثم تستخدم لمرة واحدة، ثم ترمى!
إن عملية إعادة التدوير هي أساس الاتزان في الطبيعة، فمشكلة الاحتباس الحراري هي مشكلة إعادة تدوير الكربون بشكل أساسي. ليست المشكلة في أننا ننفث ثاني أكسيد الكربون في الجو، فهذا يحدث في كل لحظة يتنفس فيها كائن حي على سطح الأرض، لكن المشكلة أننا ننفث كميات لا يستطيع الكوكب التعامل معها وإعادة تدويرها، فتبقى في الجو مسببةً مشكلة الاحترار.
ما زالت الغالبية الساحقة من كميات البلاستيك التي تم إنتاجها موجودة، فـ10% فقط من البلاستيك الذي تم إنتاجه حتى 2017 كان مصيره إعادة التدوير، بينما أحرقت، أو ألقيت في القمامة، أو تركت ببساطة مليارات الأطنان حول العالم. تكمن المعضلة في إنتاج البلاستيك أنه غير قابل للتحلل، أو بالأحرى يستغرق تحلله عشرات السنوات على أقل تقدير، وحين يتحلل، تجد جزيئات البلاستيك طريقها إلى الماء والهواء والطعام، وإلى أجسامنا أيضاً، حيث وجدت جزيئات البلاستيك في عينات من المشيمة البشرية.
خلال السنوات الماضية، بدت الحركات التي تدعو لحماية البيئة في قمة نشاطها، ويبدو أن التجاوب معها آخذٌ في الازدياد، وأصبح البعضُ يطلق على القرن الحادي والعشرين بأنه عصر الأنوار بالنسبة للوعي البيئي، إذ صار المستهلكون يحرصون على شراء منتجات بلاستيكية تحمل شعار إعادة التدوير، ويحجمون عن شراء البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، وبينما تحقق أحزاب الخضر تقدماً وتحجز المزيد من المقاعد في البرلمانات الأوروبية، سُنّت قوانين ضد البلاستيك غير القابل لإعادة التدوير، ولكن هل هذا يكفي؟
إن شعار إعادة التدوير الذي نحرص على وجوده على المنتجات البلاستيكية التي نشتريها، مجرد أداة لتسكين الضمير، بل لربما أداة دعائية أيضاً، حيث يشجعنا الشعار على استهلاك المزيد من البلاستيك على اعتبار أنه لن يكون مضراً لنا وللبيئة بالقدر الذي يقلقنا، لكن الأمر ليس كذلك، فالغالبية الساحقة من المنتجات البلاستيكية لا يتم تدويرها مهما كانت جودتها أو الشعار الذي تحمله.
تقع مشكلة البلاستيك في قلب أزمة الاحتباس الحراري وتعدّ عنصراً مهماً من عناصر الخطر البيئي الذي يتهدد كوكبنا، فحرق البلاستيك سينتج نحو 56 مليار طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون بحلول 2050، أي أنه سيتسبب بنحو 13% من الانبعاثات. وبالإضافة إلى خطر البلاستيك على الحياة البحرية والتنوع الحيوي والأمراض التي من الممكن أن ترتبط به نتيجة لانتشار جزيئاته في كل مكان تقريباً، فإن عملية إعادة التدوير التي يروج لها على أنها الحل السحري تستهلك الكثير من الطاقة والمياه.
إن أفضل أنواع البلاستيك حتى الآن هو البلاستيك الذي لم ننتجه، فجميع الحلول التي طرحت لحل أزمة البلاستيك حتى الآن هي بحد ذاتها كارثية، فحرق البلاستيك لإنتاج الكهرباء لن ينفث فقط كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، بل الكثير أيضاً من المواد المضافة التي ستتسبب بأزمات، أما البكتيريا القادرة على التهام البلاستيك وتفكيكه فهي فكرة مجنونة، وخطر كبير؛ لقدرتها على التحور، وانخفاض قدراتنا بالسيطرة على انتشارها، وانعدام الحلول في حال أصابت البشر وقاومت المضادات الحيوية، أما البلاستيك العضوي المصنوع من مواد طبيعية مثل الذرة فهو الآخر خطر على البيئة لانه يهدد بتحويل آلاف الهكتارات إلى إنتاج البلاستيك على حساب الغابات أو على حساب المساحات الزراعية المخصصة لإنتاج الطعام.
إن إعادة التدوير أمر ضروري، وإدارة النفايات بطريقة فعالة تحافظ على البيئة وتضمن سلامتنا يجب أن تكون أولوية قصوى، لكن الإجراء الصحيح عندما نبحث في مشكلة البلاستيك هو إنتاج كميات أقل منه، والبحث عن طرق أخرى للاستهلاك دون التسبب بالأذى للبشر وللكوكب الذي نعيش عليه، أما بالنسبة لمليارات الأطنان من البلاستيك التي تنتشر في كل بقعة على سطح الأرض، فينبغي البحث عن حلول فعالة وآمنة للتخلص منها، عبر دعم مشاريع البحوث العلمية التي تحاول إيجاد حلول مبتكرة دون أن تتسبب بآثار أخرى كارثية. وختاماً، فبالإضافة إلى الإجراءات التي يجب أن تتخذ على مستوى الحكومات والشركات لمواجهة أزمة البلاستيك التي تتفاقم كل يوم، فإننا بحاجة إلى وعي بيئي فردي، لا يقتصر على شراء منتجات قابلة لإعادة التدوير، فقد ثبت أنها لا تدوّر بشكل فعلي، أو التصويت لأحزاب الخضر، فهذا بالإضافة لعدم جدواه متاح في أوروبا فقط حيث التصويت "ممكن"، بل بتطوير ثقافات مجتمعية على مستوى العالم تضع الحفاظ على الكوكب وسلامة سكانه أساساً للسلوك الاقتصادي، وعبر إدماج المفاهيم البيئية في تعليم الأطفال بحيث يصبح السلوك البيئي المسؤول جزءاً لا يتجزأ من الأخلاق الحميدة.