العزيز حسام علوان، "الأنتيكجي" اللماح، الذي يلتقط النوادر ويدهشنا بما تحمله من ومضات ماضينا، نشر على حسابه بمنصة فيسبوك، قبل انتصاف شهر شباط/ فبراير الجاري، نسخة من القائمة الكاملة لمن شغلوا منصب العُمدة في الريف المصري سنة 1935، جاءت في حوالي ستين صفحة، وحوت ما ناهز على 3500 اسم، بعدد القرى المصرية حينذاك.
وبمجرد نشره، لقي منشوره رواجاً واسعاً، وتداوله المتابعون على نحو فيروسي أو (فايرال) بحسب ما ينطقونها. ولوهلة، اعتقدت أن ذلك يرجع لجدة ما في المنشور من معلومات، لكني لاحظت عند مطالعة التفاعلات أن عدداً معتبراً من الإثني عشر ألفاً الذين شاركوا هذه المادة قد أبدى عناية فائقة لتوظيفها في إثبات انتسابه لتلك الفئة من كبار الريف!
في العموم، تلك ظاهرة اعتيادية، فلطالما وجد الطلب على الحسب والأصول الاجتماعية، وجدّ في لحظات احتدام الصراعات الطبقية، ومصر تعيش بعضاً منها الآن، البحث عن سرديات للتمجيد الشخصي. لكن ما يجري أخذ بعداً آخر، "نخبوياً" أكثر من اللازم:
فليس من أثار تساؤلي من أصحاب الثقافة القبلية، الموجودين في مختلف المجتمعات القائمة على التراتب غير المستند لمبادئ المساواة، ولا أعني بالطبع من يطلقون على أنفسهم مسمى "خبير تأثير" أو إنفلونسر"، مسايري التريندات المُتَنفِعِين من الحالة القطيعية التي تغمر أحياناً الشبكات الاجتماعية، كما لا أقف عند الفئة الطفيلية من الصاعدين الجدد لعالم الثراء، المفتقرين لمبادئ العصامية، وغيرهم من الناشطين في تجارة الأساطير الاجتماعية وبيع أنساب متوهمة يحسبونها "رفيعة"، تصل تاريخهم بعائلات مملوكية وعثمانية وأوربية، ممن يَصْلُحُ لفهم سلوكياتهم كتاب صديقنا محمد نَعِيم، المعنون بعنوان لافت، هو "تاريخ العِصَامية والجَرْبَعة".
إنما أثار السؤال عندي تلقي بعض من مثقفينا ذوي الفكر التقدمي هذا الصنف من المعلومات التاريخية؛ كانت تعليقاتهم تنضح بما يكابدونه من القلق الاجتماعي الباحث عن "أصول"، وكأننا في مجتمع هجرة، تعتمل فيه بشدة تناقضات العرق والإثنيات القادمة من كل حدب وصوب، على نحو ما نجد في بلدان العالم الجديد، وما تبرره أحوالها من هوس بتجارة "الجينالوجيا" وبيع سرديات الانتساب لعائلات أوربا!
لا يجادل العارف بتاريخ المجتمعُ المصري في كونه مجتمعاً قديماً، يضرب به المثل في التشابه العرقي، وقد تقاسمته على أمد تاريخه أعراق تنتمي لنفس البقعة من العالم، تصاهرت فانصهرت. وحتى العصر الحديث، كان تحول الأصول العِرْقية والعائلية في مصر بطيئاً، قياساً إلى مجتمعات أخرى مشابهة لنا، وسمها الانقسام العرقي والتشظي الاجتماعي، ناهيك عن أن نقارن حالها بالبلدان القائمة على الهجرة، هذا على الرغم من تَغَيّر في أنماط عيش مجتمعنا، وثقافته، وكذا تنظيمه الاجتماعي والسياسي، وعلى نحو لم يخل من الحدة والتبدل عبر عقود القرن العشرين.
فلماذا يَحَارُ المصريون في أصولهم (تاريخهم الشخصي والعائلي)، ويتلهفون دليلاً يعزز سرديات الانتساب لأصل رفيع؟ وهل البحثُ عن أسبابٍ للتمايز الاجتماعي والترفيع الطبقي، عبر سردياتِ تمجيدِ الأجداد، له علاقة بواقعنا الراهن، بعدما اختلت فيه بشدة قواعد التكافؤ والمساواة، وباتَ وَضْعُ طبقاتنا العاملة والوسطى في تراجعٍ حاد، في مقابل الصعود الصاروخي لطبقة أغلبها طفيلي على رأس هرم الثروة؟
السؤال من هذه الزاوية مشروع، وبعض الإجابة عنه لا يكمن فحسب في جهلنا الواسع بالتاريخ في بلد لا يكف عن التشدق بالماضي، بل في سيادة الخرافات الاجتماعية التي تعكس ميلاً سلطوياً ورغبة في تحطيم الوعي التقدمي بالمساواة وأهميتها في مجتمعنا. إن نزعة تأويلِ الصور المُسَطحة، كقائمة العُمَد، تضع التاريخ في ثوب الأسطورة، وتخلق لهذه الأساطير جمهوراً، يدافع عن تلك الأوهام الثقافية والاجتماعية. إن التغافل عن تاريخ لصيق بتلك القائمة قد جاء عمدياً، فيما التبصر به واجب على من يعنى بصوغ سرديات الذات، ودور التاريخ ههنا أن يكبح انسياقنا وراء الرغبة في التمجيد الشخصي والعائلي على حساب الحقيقة.
نحن إزاء جهل يجب الاعتراف به، يخص شأن الريف، الذي ننتمي كمصريين بكتلتنا الأكبر إليه، وتطوره التاريخي وتطورنا معه، وارتباط ما جرى فيه وعليه بمجمل أحوالنا الراهنة. وما أخشاه في جانب الجهل هو تعمد التجهيل، ليكون تاريخ الريف المسكوت عنه الكبير والمُوَازِي لـصخب وعلانية تاريخ السلطة، ولعلي أزعم، إضافةً لهذا، أنَّ مِن زاويته، أي تاريخ الريف المصري، يُمكن لنا تكوينُ فهمٍ تاريخي أدق للسلطة والدولة، ومعضلات تشكلهما في مصر المعاصرة.
ولبيان حِدة الأمر حول مجهولنا الكبير، نَسُوقُ معلومةً مؤلمةً عن أجدادنا في ريف مصر، ممن عاشوا في تلك الفترة في عالم ما بين الحربين الكبريين. وأحسب أنها ستدهشنا بقدر دهشتنا لقائمة عمد الريف، وقد تزيل عنا بعض الوهم بخصوصها؛ لقد سكن نصف أهلنا في الريف المصري في العزب، أي ضمن حيازة زراعية كبيرة مملوكة لشخص أو لأسرة، بينما سُكَّانُهَا جميعاً مجردُ عمال لدى المالك، ويعيشون مُعْدَمِين بلا أملاك، وتمضي حيواتهم واقفةً بالكاد على حد الكفاف. وربما لا يدري أغلبنا أن ظاهرة العِزَب ظاهرة حديثة في مصر، تشكلت سريعاً ما بين نهايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ووصلت لحد التهام أجزاء واسعة من أراضي القرى التقليدية، بعدما تضخم زِمَامُ بَعْضِها أضخمَ مِن مساحة تلك القُرَى التي تتبع لها العزب، وبَلَغت ديموغرافيتها من الضخامة حد ابتلاع نصفَ ساكني الريف في بلادنا. ولا غرابة أنْ حَمَلَتْ هذه البلدات أسماءَ أصحابها المُلاك، كُفُوراً ومَحَلاتٍ ومِنْشَاوَاتٍ.
لقد أدهشتني هذه المعلومة حين طالعتها أول مرة في كتاب تيموثي ميتشل "حُكم الخبراء"، وبعدها انصرف جزء معتبر من اهتمامي بتاريخ مصر المعاصر للقراءة في سؤال الأرض ومِلْكية الأطيان. والأمر أقسى من مجرد معرفة أن نصف أجدادنا عاشوا في وضع أقرب للأقنان المعدمين، بل إن النصف الآخر ممن تمتع بستر الملكية ظل من صغار الملاك، بالكاد تكفي ملكيته لسد رمقه هو وأسرته.
من بين أحد عشر مليوناً ونصف المليون من المصريين عاشوا في الريف المصري في عصر هذه القائمة من ثلاثينيات القرن العشرين، وضمنهم ما يزيد قليلاً عن المليوني أسرة، كان النصف منهم فقط هو من يحوز أراضٍ. وقد ترافقت زيادة أعداد من يحوزون الأطيان من أسر الريف بزيادة أكبر في عدد المعدمين. وبحسب كتاب إبراهيم عامر، عن الأرض والفلاح، ظل ما يزيد قليلاً عن المليونين من أهلنا في الريف (نسبة 93% من الملاك) في هذه الفترة من الثلاثينيات ملاكاً صغاراً، تقل ملكيتهم عن خمسة أفدنة، وبمجمل ملكية يقل عن ثلث أطيان البلاد، ولا نزيد إن رأيناهم بهذه الملكية فقراء عبروا بقدر أُنملة حد الإدقاع، ذلك بمعايير وقتها وبحجم الانتاج الذي تؤتيه تلك المساحات للأسرة الواحدة. في مقابلهم، نجد أن اثنى عشر ألف شخص فقط، وقد ملكوا ما يزيد عن الخمسين فداناً للفرد، وبمجموع يقرب من 40% من الأطيان الزراعية في مصر. ولا غرابة في أن تسمى المجتمع وقتها باسم مجتمع النصف في المئة (تحديدا 0.6%).
وللعلم كان إبقاء الملكية الصغيرة بيد هذا القطاع من الفلاحين سياسة سلطوية، لمنع هجرة الفلاحين للمدن ولمهنة الفلاحة، ووقف ظاهرة "المتسحبين" التي تفشت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين، حيث فضل الفلاح هجر الأرض على تحمل عسف السلطة وسخرتها. لذا كان إشعاره بالملكية، بالحرص على أن تبقي بيده حيازة عائلية صغيرة جداً، عاملاً لإبقاء دولاب الإنتاج الزراعي سياراً. وهي سياسة عمد إليها الإقطاع والاستعمار على حد سواء.
من بين المليونين من صغار الملاك، أو بالأحرى شبه المعدمين، الذين برزوا على وجه الحياة من بين الملايين العاملة في الفلاحية والمحرومة من ملكية الأرض، وبين النصف في المئة من الإقطاعيين، كان ستة في المئة فقط من الملاك (150 ألف فرد) يتمتعون بملكيات متوسطة، ما بين خمسة وحتى خمسين فدانا، وبمجموع مساو تقريبا لملكية صغار الملاك. هؤلاء الذين نسميهم بالعائلات الكبيرة ومنهم يجئ العمد.
(لا ينبغي ههنا أن يهلل أنصار العهد الناصري، والمتشدقين بحديث "الثورة الخضراء"، فيكفي أن نقول لهم إن مجمل ما تم توزيعه بحسب قوانين الإصلاح الزراعي ما بين القانون الأول في 1953 وحتى سياسة السادات المضادة للإصلاح الزراعي التي عدلت قوانينه في 1975، وكل دراما المصادرات وإعادة التوزيع وتطبيقاتها الخرقاء، كان لا يجاوز 13% من مجمل الملكيات الزراعية، استفاد منها 9% فقط من سكان الريف. ذلك بحسب شبكة شمال أفريقيا للسيادة الزراعية، نقلاً عن إحصاءات الزمام والملكية التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
نعود لقصة العُمُدِيَّة وتاريخ نظام إدارة القرى في مصر المعاصرة، من لحظة دمج الاقتصاد الريفي في رأسمالية كولونيالية يديرها مباشرة الاستعمار، وبنظام دولي لتداول القيمة قوامه الاستغلال وتحطيم قدرة أهل الريف على حفظ قيمة ما ينتجونه وما يحوزونه من أرض. وهي قصة تكررت في بلدان عالمثالثية عديدة.
بداية، يَجْدُرُ أنْ أشيرَ إلى أنَّ الموضوعَ قد نالَ مِن البحثِ الكثيرَ، إلا إنه لم ينتقل أبداً إلى النقاش العام بصيغةٍ تُفْهِمُنا لِمَ هذا الانحيازُ ضد الفلاح وعموم الأصل الريفي "العادي" للمصريين !
أُذكِّر فقط بأن الدراسات المصرية والأجنبية عن موضوع الملكية في مصر وعلاقتها بتشكل السُّلْطة على المستوى المحلي كثيرة جداً، لعلي أتذكر منها نصين مهمين، لرؤوف عباس وعاصم الدسوقي، ضمن اهتمامها بتاريخ مصر كولاية عثمانية، ثم تحولها لمملكة شبه مستقلة عن السلطنة، بل منافسة لها، وتناولا في الكتابين ذكر طبقة المُلاك الزراعيين، وأبرز تطور عرفته هذه الطبقة في النصف الأول من القرن العشرين، وربما يكمل رؤيتهما تاريخيا كِتاب علي بركات عن أثر المِلْكية الزراعية في الحركة السياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويغطي حتى فترة الحرب العالمية الأولى. ولتعميق فهم قضية الريف قد يحتاج القارئ مطالعة شيء عن تطورِ "ديموغرافيا" الريف، وبخاصة في ظل ما سُمِّيَ بـ "الثورة الهيدروليكية" التي قادها محمد علي باشا، وأنجز من خلالها تطورا كبيرا في نظم الري وضبط النيل، وبما انعكس على الاقتصاد الزراعي وأساليبه وتنظيمه. وهناك العديد من الكتابات المهمة التي ركزت على بعد الاقتصاد السياسي لتحولات الملكية في الريف وارتباطها بتحولات السلطة، ومنها على سبيل المثال ما كتبه محمود عبد الفضيل ومحمد مدحت مندور.
أما في خصوص العُمَد، فربما أنصح بقراءة دراسة تاريخية لزينب حسين، نشرتها جامعة بنها، تتبعت فيها المؤرخة نظامَ العُمَد في مصر، وأفردت للقارئ على نحو ميسرٍ تطور هذا النظام في النصف الأول من القرن العشرين. ويدين لها المقال بالفضل في معرفة تفاصيل البنية القانونية لهذا النظام. ولعمق أكبر، ربما نذهب لمطالعة عبد المنعم الجِمِيعِي، الذي اهتم بدور العُمَد والمشايخ فبهذه الفترة، وبخاصة دورهم السياسي وتأثيرهم في الانتخابات، في تلك الفترة المضطربة، خاصةً عَهْدَ صِدْقي باشا. ولا ننسى كتاب لويس عوض عن تاريخ الفكر الاقتصادي الذي خصص به جزءاً لتتبع صعود هذه الفئة منذ عصر محمد علي.
ولا تكتمل معرفتنا بنوعية المظالم المتعلقة بهذا النظام إلا بمطالعة الشكاوى والالتماسات المقدمة من الفلاحين، والتي تَفْضَحُ ممارساتِ العُمَد. وبعضها منشور. كما حوتها مَحَاضِر اجتماعات المجالس النيابية، كمجلسَيْ الشيوخ والنواب، ومجلس شورى القوانين. ولابد من الاستزادة بمطالعة إحصائياتٍ عديدةٍ للعُمَد، تُكَمِّلُ ما قدمه حسام، منها دليل كتبه علي حلمي ضَمَّ أسماءَ مأموري الضَبْط في مصر في نهايات الخمسينيات من القرن الماضي، وحَوَى أسماءَ عُمَدِ ومشايخ مصر.
وقد يعين في فهم سلطوية هذا النظام مطالعةُ دراسةٍ شيقةٍ صَدرت عن دار صُفْصَافة قبل عامين تقريباً، بعنوان "عِيش مِرَحْرَحْ"، للباحثين محمد رمضان وصقر النور في هيئة كتاب أراه طريفاً في فَرْعِه، يُقَارِبُ مسألة المِلْكية ونزع القيمة، من الريف إلى المدينة، ضمن اهتمامه بقضية السيادة الغذائية في ريف مصر. وفي ظني، يَصْلُحُ الجزءُ الذي يتتبعُ فيه تطورَ الاقتصاد الزراعي لأنْ يتكاملَ مع الكتب التي تتبعت جذور سُلْطَة العُمَد، وبخاصة كتاب لعبد الله عزباوي، عن عُمَد ومشايخ القرى ودورهم في المجتمع المصري في القرن التاسع عشر.
ولعل قراءة تقرير لورد كرومر عن المالية والإدارة في مصر والسودان الذي رفعه في 1903 أن يكون نقطة بدء ملهمة، حيث قدم فيه الاستعماري العتيد رؤية بانورامية من وجهة نظر المستعمر، الفاعل الأكبر في إعادة تنظيم الريف المصري لربط الاقتصاد الزراعي في مصر بحركة الرأسمالية البريطانية. ومطالعته قد تثير بذاتها السؤال عما إذا كان ريفنا قد "تحرر" من مخيال الاستعمار أم لا؟
والشاهد إن تلك الذخيرة من الكتبُ عن تطور المِلْكية الزراعية تكاد تجمع على ارتباط أدوار العُمَد بمسألة ضبط علاقات المِلْكية. وهو مصلحة رامتها قوى الاحتلال البريطاني، وبدأت تدخل عالم الريف من باب الأمن، ومتوليه العمدة.
اجتهد الاحتلال البريطاني في إحكام الأمن الداخلي في مصر، واعتنى أشد العناية بتعديل هياكل ونظم المؤسسة المسؤولة عنه، أي وزارة الداخلية (أو نظارة الداخلية بلغة تلك الأيام)، وهي لحظة تحول فيها الجدل حول الريف من مجرد جدل إداري إلى جدل تحديثي.
حين اكتمل انضباط هيكل إدارة الأمن في الحواضر، وضع مهندسو الاحتلال البريطاني بإشراف اللورد كرومر نظامهم لإدارة القرى على أنقاض النظام التقليدي، لتكون مهمته أمنية بشكل أكبر، واقْتَرَحَ ذلك النظام المستشار جورست، الذي عينوه مستشاراً لوزارة الداخلية.
وانتهت مقترحات جورست في هيئة الأمر العالي لتنظيم شؤون القرية، الذي عُرف في أوساط البيروقراطية المصرية باسم دِكْرِيتُو 16 مارس 1895. وهذا القانون تمثلت الغاية منه، بشكل أساسي، في إنجاز أهداف كل سلطة جائرة، أعني الجبايةَ والتسلطَ؛ لصالح السلطة، بوجهيها من الإقطاعيين والمحتلين، وحمايةَ المصالح الاقتصادية لتلك الطبقة المُهَيْمِنَة، والتأكدُ من استمرار تدفق القيمة مِن القرية إلى المدينة، ومِن المدينة إلى جيوب صفوتها الأرستقراطية، وتنتهي منها بالطبع إلى خزائن الاحتلال! وهو مسار قد تبرز فيه بعض التناقضات المصلحية، بين الملاك المحليين والأجانب، لكن عموم المسار لم يتغير عن هذه الوجهة التي تنتهي للمستعمر.
وههنا نُذَكِّرُ بأنَّ رِيفَ مصرَ لم يَعْرِف مُفْرَدَةَ "عُمْدة" قبل انتصاف القرن التاسع عشر، ونادراً ما أشارت كتبُ التاريخ إلى وجود نظام لإدارة القرى، بخلاف نظام عُرْفي قوامُهُ شيوخُ وأعيانُ الريف، حمل بعضهم وفقا له لقب المُقَدِّم، والذي تُختصر مهمته في "تقديم" الجباية ليد السلطة. ولم تنشأ توجهات حقيقية لتعديل نظم إدارة الريف إلا حين انضافت إليه المساحات الناتجة عن الإصلاح الزراعي والثورة الهيدروليكية التي قادها محمد علي، فقد احتاج الباشا ليد عاملة، ولمن يسوس هذه اليد التي جعلها تشتغل بنظم أقرب إلى السخرة في أرضه. وقد انعكست مشكلات هذا النظام على الريف القديم، وتناقضت في جوهرها مع طابعه العرفي.
كانت مهمة العمد منذ البداية وراثة نظم الالتزام المملوكية والعثمانية ومهمتها في أداء الجبايات للسلطة؛ وحين طرح البريطانيون رؤاهم عن تعديل نمط الاقتصاد الزراعي مشمولا بتعديل السلطة في الريف، كانوا يبشرون بنظام أفضل، للدولة وللفلاح. للأخير حملوا مقولة التحديث والتنمية، المقولة لا الجوهر، وللدولة حملوا ضمانات لتدفق القيمة من الريف إلى السلطة، ولمن تخدمهم السلطة من كبار الملاك. وأكبر هؤلاء الملاك هو من يملك السلاح، البريطانيون أنفسهم.
وحين بدأ كرومر في فرض رؤاه على الإدارة المحلية في مصر، كان الحديث عن فساد إدارة القرى في البلاد يغطي على كل حديث آخر عن تطوير الإدارة. ومرويات فساد العمد باتت القصة المفضلة لدى المنتمين لليمين ولليسار على حد سواء، ولكل منهم زاويته لسردها، كان للأعيان وللمعدمين ما يشتكون منه. النظامَ القديم كان مُهَلْهَلاً وبلا معالم وفاسداً مِن أعلاه إلى أسفله؛ فقد وَضَعَ على عاتق العُمَد والمشايخ مسؤوليةَ جمع ضرائب الأطيان، لكنَّ هؤلاء ظلوا يتفننون في طرق التنصل منها.
لكن لا يغفل قارئ للتاريخ نابه أن هذا اللون من فساد الإدارة كان يتم تضخيمه عن عمد، وأن الدعوة لتطوير هذا النظام بحجة فساد العمد، لم يكن يكفي لتفسيرها القول بأن غالبهم لا يتورعون عن تقديم معلومات مغلوطة للهرب من توريد الجبايات، كأن يدعوا تفشي الأمراض في القرية. ولا حتى تلك الروايات عن سطو العمد على المحاصيل وعلى الملكيات ظلت شائعة بشكل جعلها محلاً للتداول وكأنها قضية البلاد الأولى.
ولم يكن مصادَفَةً أنْ جَرَى وَضْعُ قضيةِ العُمُدِيَّة في قلب النقاشات حول "تحولات الريف" الضخمة التي اكتملت في عصر الخديوي إسماعيل، وجاء الاحتلالُ البريطاني ليُصَادِرَ ثِمَارَها، ولِيَرْبِطَ الاقتصادَ الريفي في مصر بـ حاجات بريطانيا وصناعاتها، خاصة صناعة المنسوجات.
في العِقْد الذي تَلَى ديكريتو 1895م (المشار إليه آنفاً)، صَدَرت ثُلة من القوانين لإحكام نظام إدارة القرى، وتحديد كيفية اختيار العُمَد وشروط تعيينهم، وسُلطات العُمْدة. كان أهمها ما يَخُصُّ تَوَلِّيه حَلَّ المنازعات، وحددت سلطته ضمن تلك التي لا تتجاوز قيمتها 100 قرش. وهي سلطة حددها قانونٌ صدر بعد ثلاث سنوات من الأول، ليترك بيد العمد اختصاصاً واسعاً ومؤثراً في حياة أهل الريف. وهل نذكر بأنَّ الفقرَ كان يَسم أكثرَ مِن نصف ساكني الريف، وبقيت خلافاتهم تدور ضمن حدود ذلك. وهذا الحد كان يعني هيمنةَ العمدةِ على القضاء من أسفل (إن جاز لنا التعبير).
وبالرغم مِن أنَّ النظامَ الذي جاء به المستعمر البريطاني لم يَبْتَدِعْ الانتخابَ، لأنه قد صِيغَ وَفْق القانون الصادر في عهد الخديوي إسماعيل، الذي حَدَّدَ الانتخابَ بقاعدة الأغلبية من الأهالي "المشهورين بالأمانة"، أي فئة بعينها من الملاك الذكور، (ولم يُعلم مساهمةُ النساء في التصويت!).
لكنْ، عملياً، لم ير أي من النظامين في خصوص اختيار العمد تطبيقاً حقيقياً، وبقي العرف العشائري الأقدم هو الحاكم، فقد وُضعت آلياتٌ تحكمت في سُلطة تعيين العُمَد، وتغولت على إرادة جموع الفلاحين من ساكني القرى، منها مثلاً لجنةٌ سُميت بلجنة الأربعة، حَدَّدَ القانونُ مسؤوليتها في اختيار العمدة، وتضم أربعة مِن عُمَد القرى المُجَاوِرَة، العارفين بحالها، وبسمعة عائلاتها، وبمَن يتقدم منهم للمنصب! ودوماً كانت تميل لصالحِ ما يراه كُبَارَات المديرية والأعيان مصلحة لهم! ولا ننسى أنَّ المصاهرات بين عائلات هؤلاء العمد قد قامت بدور معتبرٍ في هذا الجانب.
بَقِيَتْ العمدية في قرانا وراثيةً، تدور في عائلةٍ بعينها، أو بالكاد تُتَدَاوَلُ، بين قلةٍ؛ عائلتَيْن أو ثلاثةٍ! وفي حالاتٍ محدودة، كان التمسكُ بـتوريث العُمُدية في أسرة بعينها يُفَجر الخلافات العائلية، ويأخذ مساراً عنيفاً، لا يخلو من اشتباكات دموية، حتى أن بعضها خَلَّفَ ثَارَاتٍ امتدت لعقود. وإزاء حرصها على إبقاء الغضب الريفي في داخل الريف، وابتداع "شيطان" قريب يمكن للغاضبين رجمه؛ فمقابل خطابها القائم على أنها تختار عمداً يتسمون بالعدل وحسن السمعة، ويستطيعون استيعاب سياساتها التحديثية، كان واقع الحال بخلاف ذلك، إذ استمرت النُّظُم العُرْفية الحاكمة لهذه الوظيفة في مختلف قرى مصر.
ولْنَقُلْ إنَّ قِوامَ العُرْفِ في مسألة العُمُدية ومَن يتولاها، في ضبطِ علاقة ثلاثية بين: أهل القرية من الفلاحين، خاصة مؤثريهم؛ والأعيان (الذين يقوم العمد عنهم كوكيل طبقي، وجِسْر يضمن العبور السلس للقيمة من الريف للمدينة)؛ والحكومة (التي تعتني بحقها الجبائي، ضمن عمليات نزع القيمة، مشفوعاً بعناية أكبر بكَبْح ثورة الريف. كان هذا العرف مستمراً ومستقراً! وغالباً ما كان استقرارُ العلاقة بين العائلة متولية العُمُدية وبين الأعيان وكبار الملاك الريفيين هو العامل الحاسم في التجديد للعُمْدة.
لكنْ، لِنَقُلْ كذلك إنَّ الحكومةَ كانت واعية بضرورة أن يوجد "كبيرٌ" باستطاعته ضبط هذه الكتلة البشرية المغبونة، بأيِّ طُرُقِ الضَّبْط، سواء اللينة القائمة على الاحترام والتضامن العائلي، أم تلك الخَشِنة القائمة على السَّطْوَة وامتلاك أدوات الترهيب. والمتأملُ لتطوراتِ نظام العُمُدِيّة، سيتجلى له كيف أنَّ انتزاعَ القِيمة يأتي على رأسَ مَهَامِّ هذا الكبير، وقد رتب هيكل العمدية في القرى ليعكس كونه الذراع الأمني، لفَرْضِ الإذعان على أهلها.
ولا ننازع في أنه في مقابل شيوع فساد قطاع من العمد، كان كثير مِن العُمَد يتمتع بالاحترام والمحبة بين الأهالي لشيوع عدالته، وبدت سلطتهم "طبيعيةً"، ومحلَّ توافقٍ عريضٍ وطوعيٍّ في مجتمعهم، خاصةً في المناطق التي اختلطت فيها الأعرافُ القبلية بـالعلاقاتِ العائلية الممتدة والمصاهرات. لكنْ، يبقى السؤال: لِمَ ظلت قضية "فساد العُمَد" والتعريضُ بهم؟
الأمرُ عندي أَشْبَه بمَنْ يُخْفِي قضيةَ فسادِ نظامِ الأمنِ العام في مصر بإفراد المسؤولية في أكثر مَن يتعامل الناسُ معهم، أعني أمناء الشرطة، وذلك لـطَمْسِ التفكيرِ في مسؤولية الطبقات الأعلى المهيمنة على الثروة (بما فيها الأطيان) والسلطة ضِمْنَ هذا النظام، وكيف يُمَارَسُ الفسادُ عَبْرَ الواقعين في مراتب الإدارة الدنيا، وهو نظام قِوامُهُ الاستغلالُ والانحيازُ الاجتماعي.
لذا، جَرَى التركيزُ على فساد العُمَد، وحِرْصِهم على البقاء، وإمعانهم في ممارساتٍ تجعلهم يُصَوَّرُون بوصفهم أهمَّ مصدرٍ للسلطوية، وأنهم أتباعٌ خُلَصَاءٌ للمستبدين، وأداتِهِم للسيطرة على الريف. ونحن هنا نتحدث عن عصرٍ تَلَى أهمَّ ظاهرة أثرت على ديموجرافيا الريف حينها، وهي ظاهرة "المُتَسَحِّبِين". وجرى تكثيف الصورة على أن هؤلاء يَهربون من اضطهاد العمد والمشايخ المباشر، وبعد إصلاح النظام لم تعد هناك دواع للهرب. فيما أخفي من ينتهي إليهم حصيلة هذا النهب، أي الاحتلال وكبار الملاك.
ولا غرابة أن اعتمد العُمَد الفاسدون على أساليب مراوغة لنزع الملكية، أبرزها توريطِ الفلاحين في الديون بعد إثقالِهم بالالتزامات الجبائية، وكانوا الوكلاءَ في تسييرِ تجارةِ رَهْن الأراضي، وهي تجارة أسهمت في جَعل مِلْكِيات عدد كبير من هؤلاء العمد تتضخم بشكل متسارع. لكنهم ودون شك لم يبتدعوا هذا النظام ولا أقروا ضرورته، وفيه كمن اضطراب الريف.
والحقيقة إنه قلما مال المستعمر وطبقة الحكم لمناقشة الملكية، إلا حين تنحدر القدرة على الانتاج الزراعي وتقف سلاسل استنزاف القيمة. حتى حين طرح كرومر قرارات لمنع بعض صور تركيز الملكية، لم يكن غرضه الانتصار أبداً للفلاح، وليس علينا أن نتوهم أن الإمبريالي العتيد قد نحى للمساواة، بل رام وحسب إبقاء نظام للاستغلال فاعل ومستديم.
دائما ما كانت مناقشة أسباب قلق الريف واضطرابه تؤجل لصالح النقاشات حول مسؤولية العمد. ولعل البعض يندهش من ادعاءات اللورد كرومر وخلفائه بخصوص نظام القرية الذي ابتدعوه، والقول بأن قوامه الديمقراطية ويستهدف تعويد الأهالي على تدبير شؤونهم عبر الانتخاب. وظاهرُ الأمرِ تحديثٌ تقدميُّ الوجهةِ، لكنَّ يبقى غَرَضُ أولاء وهؤلاء منصباً على إيجادَ ذِراعٍ جِبَائي وأمني يُعِينُهُم على فَرْض السياسة الزراعية الكبيرة، بعدما باتت تُمَثل أهمَّ عناصر المصلحة البريطانية في مصر بعد السيطرة على الممرات الملاحية الدولية.
ربما إضافة إلى هذا تفيد مُطَالعة الجدلَ حول تطوير نظام العمودية، وكونها لعبة حزبية ومدينية أكثر من كونها معنية بالريف. خذ مثلاً ما أثير حول لائحةٍ ابتدعها محمد محمود باشا حين تولى رئاسة الوزارة، قَصَرَتْ انتخابَ العُمْدة على "أعيان القرية"، مِمَّن يتمتعون بحد معين للمِلْكية! ولم يَكُنْ غريباً أنْ بادرت حكومةُ النحاس باشا، في 1942م، بإلغاء قرارات محمد محمود، وقَدَّمَتْ في 1947م مشروعَ قانون مختلفاً لاختيار العُمَد، يميل للانتخابات أكثر مِن التعيين المُسْتَتِر بمسمى الانتخابات الذي مال إليه محمد محمود. وفي كل الأحوال، لم يُضبط نظامُ الانتخاب أبداً، ولا طُبِّقَ بأي صورة معتبرة . فيما تعديلات أنماط الملكية والإيجارات لم تتحسن، وظلت أولوية متأخرة.
ولا جديد إن قلنا إن انحياز النظم والقوانين للمُلاك ظل أقربَ لقانونٍ عامٍّ في مصر، ولوقتنا الراهن، لذا، نجد السمات التي حَدَّدَها النظامُ الذي طرحه كرومر يميل لصنف من الملاك طفيلي، ذي ملكية محدودة يرتبط نماؤها بخدمة كبار الملاك وتضخم ملكياتهم. ومن هنا آثر الإبقاء على تولية المنتمين للعائلات الكبيرة، ولم يكن شرطاً أن يكونوا من وجهاء القرية الوارثين لوضعيات المكانة التقليدية ولا من مشايخها، بل ابتدعت لهؤلاء المكانة بيد السلطة.
ولا غرابة أن حرصت السلطة على أن يبدو العُمَدُ "صورةً مُصَغرة" من السلطة المركزية، وأُلْزِمَ مَن يتولى العُمُدية بتخصيص دارٍ كبيرةٍ مُجَهزة، بوصفها مقراً رسمياً (دَوَّاراً)، ويكون بها مَضْيَفَةٌ لاستقبالِ رجال الحكومة ومُفَتشي وزارة الداخلية والحقانية (العدل) والمالية والأشغال العامة.
كان شَرْطُ ألا تقل مِلْكية العمدة عن عشرة أفدنة شرطاً لازماً؛ وأنَّ على مَن يترشح للعُمُدية أنْ يُثبت أنه مِمَّن يسددون ضريبةَ أطيانٍ لا تقل عن خمسة جنيهات (وهو مبلغ كبير بمعايير بداية القرن العشرين)؛ هذا فضلاً عن اشتراطُ إلمامِ المرشح بالقراءة والكتابة. لكنَّ حقيقةَ الأمر أن العُمَدَ، في غالبهم، بقيوا من الأميين، وكان يَصْعُب عليهم فَهْمُ القوانين الواقعة في اختصاصاتهم، مكتفين بوضع العُرْف الإداري الموروث فوق القوانين الجديدة، لتظهر من ثم فجوةُ كبيرة بين الممارسات الواقعية لنظام الإدارة الريفية من أدنى، وبين البنية القانونية النظرية.
ثمة قوانين عديدة أَسْنَدَتْ للعُمَد أدواراً أساسية في تنفيذ السياسات العامةِ الخاصةِ، منها مثلاً ما اتَّصَلَ بمكافحة الأمية والأمراض والأوبئة، وبحمايةِ الطفولة ومنع التشرد، وكذا منع "حمل السلاح دون ترخيص، ومنع الصيد الجائر، وأدوار في منع التعدي على مِلْكيات الدولة والمرافق العامة، فضلاً عن أدوارهم اللصيقة بالاقتصاد الزراعي" التي رَسَمَتْها القوانينُ المتعلقة بتنفيذ الدورات الزراعية، ومنع الزراعات التي يحظرها القانون (مثل زراعة الخَشْخَاش). وهناك كذلك دور للعمد في جمع الإحصاءات، والتعداد، وتسجيل الأفراد (مواليداً وموتى)، ومعاونة لجان المساحة والأشغال العامة. هذا إضافة إلى دوره في المواريث، والمسائل الحِسْبِيَّة، وقضايا الأهلية.
ومن الأدوار الطريفة مراقبةُ العِرْبَان والغَجَر، المُرْتَحِلين على حدود القرية، ومراقبةُ النساءِ سيئات السمعة، والمجرمين والمشبوهين. ولا غرابة في هذا كله آنذاك، إذ إنَّ بعضَ العِزَب اشتهرت، خاصةً في مديريات الوجه البحري، بأنها تَأْوِي بيوتَ دعارةٍ وأماكنَ فُجُورٍ، كما تَأْوِي مجرمين فَارِّين، وكان ذلك يتم بإشراف وتنفع العمدة نفسه ! لكنَّ كلَّ هذا كان يتناهي وينمحي في عين السلطة أمام الدور الأمني والجبائي للعمدة.
وثمة مثالٌ لافتٌ في مسألة اتساع اختصاصات العمدة، وحَظِيَ بالكثير من النقاش في تلك الفترة، وهو المتعلق بمهمة الفرز للتجنيد بالقرعة، والتي ظلت تأخذ منحى مأساوياً. وقد جرى التركيزُ فيها على دور العُمُد السلبي وتعددت الروايات عن تسلط العمد بل وسلوكهم الإجرامي أحياناً، لكنْ في الوقت نفسه جَرَى إخفاءُ حقيقة أنَّ هذه المهمة تنتهي إلى صالح البريطانيين، خاصةً في أجواءِ الحرب العالمية الأولى، حين سَعَوْا لدى الحكومة المصرية "للتصرف" لسد حاجة قوات بريطانيا من العمالة والدواب. وهو حال استغله بعضُ العُمَد في التخلص مِمَّن لَمْ يَرْضَوْا عن سلوكهم أو مِمَّن يَشُكُّون في ولائهم وقبولهم بممارسات العمدة! وارتفعت في هذه الفترة وتيرةُ ممارساتِ سَلْب المِلْكيات من صغار الفلاحين، وتلفيق التهم بحقهم.
وفي مقابل أدوارهم تلك، نال العُمَد والمشايخ إعفاءاتٍ ضريبيةً لقاءَ معاوناتهم للحكومة. وكان اللورد كرومر وراءَ العديد من هذه الامتيازات؛ إذ ظَلَّ يَرَى قيمة كبيرة لدور العمد في ضبط الريف، بل أيضاً وَظَّفَ كرومر خِطَابَه التحديثي الذي يَزعم سعياً لتطويرَ هذه الفئة، فيما يُخْفِيَ الرهان عليها في كَبْح أي غضب شعبي من سياسات الاحتلال. وإلى جانب الامتيازات الضريبية التي حظي بها العمد، نالوا امتياز إعفاء أبنائهم من الخدمة العسكرية، وهو ما كان عاملاً مؤثراً في تفرغ هؤلاء لمعاونة أبائهم في إدارة القرية، أو لِنَقُلْ إنَّ عُرْفَ الإدارةِ كان يعني أن العُمُدِيَّة أُسْرَةٌ، وأنَّ أبناءَ العمدة من ثم هم عُمُدٌ صغارٌ أو لنقل عٌمٌدٌ في الانتظار، ولهم عمليا نفوذ يقارب نفوذ الأب. وفي أحوال قليلة امتد هذا النفوذ للزوجات أيضاً في بعض المجتمعات التي تَقَبَّلَتْ سطوةَ النساء. واللافت أن بعضُ العُمَد رأى أنَّ سبيله للمرور إلى عالَم أعيان المدينة أنْ يَمْنَحَ أبناءه، أو بَعْضَهم على الأقل، فرصةَ التعليمِ؛ ليُلْحِقَه بـعالَم البيروقراطية الحكومية في الغالب. وبالإمكان قولُ إن نشوءَ طبقةٍ وسطى حديثة في مصر مَدِينٌ لأمرين: انتقالُ أبناءِ العُمَد وأعيانِ الريف للمدينة؛ وإغواءُ الانضمام لبيروقراطية الدولة (الإدارية والعسكرية).
إغواءُ الاحتلال لهذه الفئة جَعَلَ العُمَد يُغَالُون في صور التقرب إلى سلطة الاحتلال، لدرجة أن الزعيم مصطفى كامل نَدَّدَ بالعُمَد الذين استقبلوا كرومر بأوامر من الحكومة، وأظهروا له الاحتفاءَ، وحشدوا الفلاحين لهذه الغاية لرفع الحرج عنه بخصوص مأساة دنشواي. ولا ننسى دهاءَ التاريخ، الذي جعل نهاية كرومر ودوره في مصر تجد أسبابها في التغول على الريف، حيث كانت "حادثة دنشواي" مجرد رمزية له، وملخصٍ لنضال الفلاحين ضد قمع البريطانيين المحتلين وحكومات الاستبداد، وسُوطِها في القرى الذي مثلته العُمُدِيَّة.
وبالمثل، حفز القصر أدوار بعض العمد واستخدمهم لكَسْر الإجماع الشعبي حول مَسَاعِي الحركة الوطنية لإنهاء الاحتلال. فمثلاً، في مواجهة "لجنة مِلْنَر"، التي قُوبلت برفض شعبي عريض، كان الحل من وجهة نظر القصر يكمن في إقناع بعض العُمَد باستقبالها، والزعم بأنهم يمثلون فلاحي مصر.
لكنْ، بعيداً عن ذلك، من المهم أن نعي أن التعاملَ مع مناصب شيخ الخفر والخفراء ظلَّ أمنياً بالكامل، ونُظر إليها بوصفها مناصب تابعةً للداخلية وامتداداً لفئة عساكر الدَّرَك. صحيحٌ، جَرَى على المستوى القانوني تطويرُ نظامهم، استجابة للشكاوي من انعدام الأمن في الريف، وجَرَى زيادةُ رواتبهم، وفَرْضُ نوعٍ من التدريب على السلاح، لكنْ تضاءل كلُّ هذا مع الوقت، وبَقِيَتْ هذه الحال إلى أن جاء قانون البوليس، في 1944م، ليفرض تأطيراً جديدا لتعيين الخُفَراء ومهامهم، وجعلها تطوعاً تجنيدياً بين غير المطلوبين للخدمة العسكرية. وبالرغم من هذا تركز النقد المرعي من الجميع على ما يبدو وكأنه محو للخطوطُ الفاصلة بين العمدية كمنظومة للضبط، تضم أفراداً مهمتهم الحراسة والخفر وبين عمل رجال العصابات، وكأن ملخصها هو ممارسة السلطة الريفية مِن منظور "الكِلِيبْتُوقراطية" (أي حُكم العصابة)، ولذلك، لا نستغرب شيوع القصص عن هذه الممارسات، وأنها قد أَلْهَمَتْ العديدَ من الأعمال الأدبية الذائعة في مصر في تلك الفترة.
وفي ظني، إن فشل نظام العُمُدِيَّة في إدارة الريف إدارةً جيدة، لا مجال لنسبه إلى العُمَد، وإنما إلى مَن خَلَقَ وأوجدَ ذلك النظامَ وانتفع منه. مثلاً أجد قصة المجالس القَرَوِيَّة هزلية بالكامل، ومِثْلُها مواد القانون المتعلقة بـ "تأديب العُمَد". ويساعدنا تتبعُ تاريخِ قوانين تأديب العمد وممارسات تطبيقه على فهم جزء من الطابع السلطوي لحكومات تلك الفترة، بالرغم مِن تمتعها بـالمظهر الديمقراطي الانتخابي.
وقد تعددت أسبابَ توسلِ الحكومات، خاصة حكومات القصر الأقلوية، قضية العمد لشن حروبها الحزبية، وظلت الحكومات المتتابعة حريصةً على شيطنة العُمُدِيَّة وجَعْلِها حائطاً للرجم، مع الادعاءٍ دوماً بأنها تجد في سعيها لمنع فساد هؤلاء العُمَد. كانت قوة الحكومة تَظهر حين تقرر رَفْتَ العمدة، وكان سبب ذلك (في غير الأحوال التي يَغْضَبُ فيها الكبارُ فيقررون كشفَ فسادِ أحد العُمَد وتقديمِهِ أُمْثُولَةً لغيره). ويتضح أثر توظيف قضية فساد العمدية في الصراعات الحزبية في قضية هؤلاء العمد الذين انتموا لحزب الوفد، وغالبهم مِمَّن بَعُدُوا عن الإفساد، وجاء انتماءهم للوفد كوسيلةَ مقاومةٍ. وذلك دونَ إنكارِ أنَّهم أفادوا بدورهم من توسعَ الوفدِ، بعد سعد زغلول، في القطاعات الريفية، وأقبل أعيانِ الريف وفئةِ العُمُدِ عليه طلباً للجاه السياسي، من خلال الارتباط بـأكبر حزب شعبي.
وثمة حادثة شهيرة تُبَيِّنُ الصدامَ بين العُمُد الوفديين وغيرِ الوفديين، والتي انتهت بأنْ قامَ سعد باشا بطرد اثنين وعشرين عمدة نالت سُمْعَتَهم الاتهاماتُ، وأعادهم إسماعيل صدقي، وقد تولى حينها وزارة الداخلية إبان حكومة عدلي يكن.
لكن في العموم، ظلت ظاهرةُ تأديب العُمُد هامشية واستثناء، فلم يتعرض للتأديب فعلياَ سوى أقل من واحد في المئة، وظهرت قضاياهم، على المستوى المركزي، إما بسبب ضغائن عائلية استفحلت حتى كسرت ما تعود عليه الريف من الكتمان والخشية من المدينة، أكثر مِن خشيته مِن المظالم التي بداخله. وأغلبُ قضايا تأديب العُمُد أدارتها لجنة المديرية، وانتهت لجزاءاتٍ تافهةٍ وفرض غراماتٍ صورية وتوبيخٍ مخفف كان يُضمر تأييداً مِن السلطة لظاهرة فساد العُمُد، واعتبارها ثمناً قليلاً لقاءَ الدور المطلوب من هؤلاء.
وعلى الرغم مِن ابتداع ما عُرف بمجلس تأديب العُمُد، وضَمَّ عُمُداً من نفس المديرية، فباستثناء بِضْعِ قضايا قتلٍ ورشوةٍ، تعد على أصابع اليدين عبر عدة عقود، لم يُعْرَفْ أنَّ عمدةً قد تعرض لـلحبسِ جَزَاءَ جريمةٍ أو مخالفةٍ ارتكبها. وفي المداولات البرلمانية حول الأمر في بداية ذلك النظام، تُدُووِلَتْ مُفْرَدَةُ "هيبةِ العُمُد" بقوةٍ، واعْتُبِرَتْ أنها مِن هيبة الدولة. (أيذكرنا هذا بشيء راهن؟)
كانوا في الأحوال التي يبلغ فيها فساد العمدة وجبروته مبلغاً يهدد محيطَ القرية نفسها، يعقدون مجالس عُرْفية تَرْفَعُ آراءها للمديريةِ، وتستحثها على النظر في إبعاد العمدة. ولربما يفسر هذا سبب بقاء هذه السلطة في الريف المصري ولوقت قريب، ذلك على الرغم من تطور القوانين الجنائية وحجب سلطة العمد في شؤون الجنايات.
ليس من غرضي شيطنة وظيفة العمدة في هذه الفترة، لكن قولي هو أن دور العمدة ظل دوراً وسيطاً، شديد الحرج، في عهد كان نزع القيمة عن الريف سياسة معتمدة للاستعمار وللطبقة العليا المهيمنة على الحكومة في آن معاً. وهي لا شك وساطة منحازة؛ فالعمدة المستمر في عمله هو الذي ينجح في أن يحمي ويديم علاقة استغلالية، كان طرفها الأضعف هو الفلاح. وكان على العمدة أن يتقبل ضمن عمله في حماية السلطة دور حائط الرجم، المتحمل لغضب قد ينفجر ليطيح به في ثورة صغيرة، تأتي السلطة لتخمدها باسم النظام، ولتنتصر للفلاح نصراً شكلياً على الغول المسمى العمدة، لتصعد من ثم غيره، ليقوم بنفس دور سلفه. الفلاح الغاضب (المحاصر بسياسات عمدت إلى تجهيله وإفقاره) كان يركز غضبه على يد الظلم، أي العمدة، يصب عليه لعناته، بوعي أو دون وعي بأنه يمثل رمز سلطة هؤلاء الغاصبين، سواء محتل أجنبي أم وطني.
كان مطلب الجاه مرتبطاً بطلب الملكية، لذا نجد بعض العمد الجيدين والمتحلين بالشرف ينفرون من نزع ملكية الفلاحين أو تشغيلهم بالسخرة، وبعضهم برز حامياً لها في مواجهة طمع الأعيان، لكن حتى بين هؤلاء لم يخل الأمر من استغلال الفلاحين في خدمة أطيانه هو، وفي مصادرته لبعض حصاد الأرض بحجج عديدة. كذلك استغل العمد جهل أهل الريف بالقوانين، ليفرضوا أتاوات باسم الضرائب، بل وجمع بعضهم تبرعات ومساهمات باسم السلطة المركزية، التي كانت تطلب دائما اكساب صورة مشروعاتها الجماهيرية عبر الادعاء برغبة الأهالي الأشد فقراً في المساهمة المادية فيها (أعلم أن هذه أيضاً تستدعي بعض الصور الراهنة).
وككل فئة، لم تخل فئة العمد من ميراث للوطنية، فكثيرهم دعم عرابي، الذي تسمى باسم زعيم الفلاحين، وكذلك برز ميل بعضهم إلى الوفد في خضم ثورة 1919، التي تشارك فيها الريف مع أهل المدن في الاحتجاج ضد المحتل والسلطوية، وبما عزز جماهيرية هذا الحزب. هذا بخلاف أن بعض من نالته المحاكمات العسكرية البريطانية إثر هبة الجماهير في مارس 1919 كانوا من العمد، وعوقبوا على تركهم الاضطرابات في القرى القريبة من المدن الرئيسية، تلتحم مع حركة عناصر الغضب المدينية المحتجة.
هؤلاء القلة كانوا من العمد الميالين للفلاحين، ممن رأوا دورهم الأهم في وقاية قراهم من تغول السلطة. ولذا يميلون لكل ما يحد من عمليات نزع القيمة والتعسف بحق الفلاحين. العمد الوفديون ظاهرة تستحق أن تدرس في مقاومتهم للحكومات الأقلوية المقربة من القصر والبريطانيين، وهم من قاد الإضراب الشهير باسم اضراب العمد، والذي انهى حكومة زيور باشا بعدما أمعن في تعسفه بحق الوفديين. وتكرر الأمر مع حكومة صدقي، الذي بلغت به الجرأة أن قام بتهديد العمد على المشاع، ودفع بقرارات تضخم العقوبات التأديبية بحقهم، وظل يرعى فصلهم تعسفياً بسبب ميلهم الحزبي لغريمه الوفد. حدث هذا بشكل حاد في فترة الثورة لأجل الدستور التي استمرت بين 1930 و1935 (وهي أيضاً لم تحظ بحقها في الدراسة بشكل كاف، كظاهرة ديمقراطية شعبية غير مسبوقة في بلدان العالم الثالث).
لا أرى صواباً في تصوير العمودية بأنها - كنظام - كانت شراً محضاً، بل أراها تعبر في اضطرابها واستغلالها وسلطويتها عن مأزق السلطة المركزية. وتظل العمودية ركناً مهماً للمكانة في عالم الريف على جانب الأصول العشائرية، بما تحمله من سؤدد وجاه وارتقاء صاحبها بين أهله الريفيين قبل السلطة المركزية. لكن وبالرغم من هذا، لا يجب أن نركن إلى معلومات مجتزأة عن مكانة فئة متناهية الصغر من العمد، لإجراء تعميم على هذه الفئة ووضعياتها وتاريخها؛ فمن بين الثلاثة آلاف وخمسمئة عمدة ممن حوتهم قائمة حسام، يظل من شغل عضوية المجالس النيابية من العمد قليل نسبة لمجموع هذه الفئة، وبلوغ أحدهم منصباً رفيعاً، أو حظوته بلقب رفيع، بقي ضمن إطار الاستثناء، وحتى الحديث الموحي بحداثة هذا النظام، والدهشة أن كان للعمد جريدة، اسمها جريدة العمد، أصدرها عمدة منفلوط في هذا العقد، يجب لجمه، فهؤلاء مجرد نتوء صغير في قطاع من العمد لم يتخط دوره دور الوسيط السلطوي. ولا إنكار أن حظي بلقب الباشوية بضع منهم، في وقت كان عدد الباشوات في مصر محدوداً بعكس ما يتوهمه الناس الآن. لكن هذا الحال حدث في فترة بيع الألقاب، فيما كان لسان حال الطبقة العليا يلخصه المثل السيار آنئذ والذي يقول "لو طلع من خشب الشجر ماشة، يطلع من الفلاحين باشا"!
ولا يخدعنا كذلك أن صعدت فئة من بين العمد، لعضوية المجالس النيابية، فغالب هؤلاء، وهم نسبة محدودة قياساً لفئة العمد، ينتمون لكبار الملاك في الحقيقة، وقد آثروا الاحتفاظ بمنصب العمدة لأسباب تخص تاريخ عائلاتهم ريفية الأصل. وربما نجد واحداً من العمد وقد ارتقى من العمودية إلى مصاف الوزراء، وهو محمد فتح الله بركات عمدة منية المرشد في كفر الشيخ تولى وزارة الزراعة في 1942. لكن لا مجال لأن نتعجل تعميماً طبقياً على نحو ما قام به بعض من علقوا على منشور حسام، وبما يفوق حقيقة أوضاع الكتلة الغالبة من العمد ومواقعهم الاجتماعية والسلطوية. باختصار، ظل القطاع الأكبر من العمد في هذه الفترة من القرن العشرين واقعين في دائرة أعوان السلطة ووكلاء كبار الملاك والأعيان، ولم يكونوا منهم بحال، بل ظلوا ملاكاً صغاراً في غالبيتهم، رغم كسر البعض منهم لهذه القاعدة وارتقائه لمصاف الأعيان وكبار الملاك.
هؤلاء جميعاً كانوا بين الفئات ضئيلة الملكية قياساً لكبار الملاك المتضخمة ملكياتهم منذ قرار بيع الدائرة السنية. يدهشنا على بركات في كتابه "تطور الملكية الزراعية في مصر (1813-1914) وأثره على الحركة السياسية" بسجل لمن اشتروا الدائرة السنية (أراضي الخديوي) بعد قرار بيعها في 1898، ويكفي منه الإشارة إلى الملاك العشرة الكبار في هذه البقعة وحدها ، فنجد علي باشا فهمي، بملكية بلغت 7804 فدان، وفيكون فون تارس، وقد حاز 5080 فدان، وحبيب لطف الله، 4034 فدان، وحنا قريب قوص 3372 فدان، وعمر بك سلطان 3272 فدان، وأحمد باشا مظلوم، 3130 فدان، ومحمد بك توفيق، 2970 فدان، وشارل باغوص 2492 فدان، ولملوم بك السعدي، 2262 فدان، وباغوص باشا نوبار، 2007 فدان. وليس من بين أي من ملاك هذه الدائرة من انتمي لعائلات الريف الكبيرة، ناهيك أن يكون من العمد.
أخيرا، من الطريف أن نعلم عن وجود تيارات مبكرة سعت إلى إلغاء العمودية، ولم تنبع وحسب من التحديثيين نقاد الأوضاع في الريف، ممن رأوا في العمودية ونظامها مكبلاً لتطور الريف، فقد حمل نفس المطلب صفور وزارة الداخلية، ممن رأوا ضرورة اكساب وظيفة العمدة الطابع الشرطي الكامل، وقالوا إن وضع نقطة بوليس محلية في كل قرية كفيل بأداء وظائف العمدة، ووقف صور الفساد المنسوبة إليه. وحتى قبل ظاهرة الهوس بعسكرة الوظائف المدنية، وقبل يوليو 1952 اقترح بعضهم في البرلمان بأن يتولى ضابط صف مهمة إدارة الأمن والنظام في القرية.
قد يثور سؤال أخير، لِمَ لمْ نتخلص من ملامح هذا النظام إلى اليوم؟ والسؤال ذاته يعيدنا لسؤال البداية: لِمَ يبحث بعض المصريين عن أصول لهم في بنى السلطوية والاستغلال؟ والسؤال الأكبر الذي يصك وجهي كلما استفحلت الأوهام حول تاريخنا القريب: لماذا لا تواجه مصر تاريخها الحقيقي؟
ربما لأن الأساطير جميلة تريحنا من عبء التاريخ، أو بعبارة مبهمة: تيه الأصل في أصل التيه!
* الصورة: لوحة العمدة للفنان محسن أبو العزم