من المبكر التحليل والتنظير في الحركة العسكرية الروسية ضد جارتها أوكرانيا والتي سقطت قبل مئة عام (١٩٢١) في قبضة الاتحاد السوفيتي وما انفكت حتى سقط الاتحاد. من الطبيعي أن يبدي الجميع آراءهم عن هذه المعركة على مواقع التواصل وفي المقالات، آراءٌ تتراوح بين السفاهة في فكاهة عن اللاجئات ومنها ما هو جاد على نحو مبالغ فيه عن أخذ طرف أو وقفة على الحياد، بالإضافة إلى تجلي ملاحظات كأنها حقائق مثل ملاحظة أن من صادَق الغرب فلا صديق له، ولكنه استنتاج عجول بعض الشيء، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأسلحة نووية لم تواجه أي دولتين نوويتين بعضهما، ولذا تحولت استراتيجيات الحروب في ما يعرف بالحرب الباردة وما يليها إلى حروب بالنيابة في أفلاك النفوذ، وربما لن تكون الحرب في أوكرانيا استثناء لذلك على الرغم من أوروبيتها.
لقد كتبت هذه المقالة قبل ثلاثة أعوام وهي نواة لفكرة نمت منذئذ لتثمر في مسائل تصنيفية، الرابط بينها وبين ما يحصل الآن هو قراءة العديد من التعليقات التي تهاجم "اليسار العربي" أو ما سبقها من وصم كل رأي فيه لمحة من التدين بأنه "إخونجي" أو "داعشي"، وهذا الغصن من المسألة لا يُعنى بالدفاع أو الهجوم على أي اتجاه، بل كان القصد منها طرح سؤال أكثر جذرية والدعوة إلى إجابة راوية، أين اليمين واليسار في بلادنا؟
الرمز والتاريخ
أحد الاختلافات الذي قد يغفل عنها المسافر عبر الدول هي عدم تراضي القوابس من بلده الأصل والمقابس في وجهته، وفقاً للمفوضية الكهروميكانيكية الدولية هناك خمسة عشر نوعاً من القوابس. على الرغم من اتحاد الهدف من ثنائية القابس والمقبس نجد اختلافاً بتصنيعها وعدد الرؤوس المعدنية فيها، لكن هنالك اختلافات بين الدول لا حاجة للسفر كي ندركها، مثل استخدام اتجاهي اليمين واليسار لوصف المواقف التي يتخذها المواطنون بخصوص السياسات الحكومية وقضايا الرأي العام، وكيف تختلف الاتجاهات في الواقع على الرغم من تساوي التسميات.
لم تكن البداية الرمزية سياسيةً بحتة إذ حمل هذان الاتجاهان منذ آلاف السنين، في الإسلام يؤتى أهل الجنة الكتاب بيمينهم وأهل النار بشمالهم (سورة الحاقة آية ١٩ و٢٥) عند الوضوء يجب غسل الأطراف اليمنى أولاً، من السنّة استخدام اليد اليمنى لتناول الطعام. في المسيحية يقضي الرب بين الناس ليصفّهم إلى يمينه وشماله، يثني على من هم إلى يمينه ويعاقب من وضعهم إلى شماله (ماثيو ٢٥: ٣١-٤٦) كما أن قلب الحكيم يرشده إلى اليمين وقلب الجاهل إلى اليسار (إقليزيا ١٠:٢). حتى في سحر الباطنية الغربية هناك اختلاف بين ما يسمى بسبيل اليد اليمنى وهو سبيل السحر الأبيض وسبيل اليد اليسرى وهو السحر الأسود. أما في اليهودية ترتبط اليد اليمنى بالقوة واليسرى بالضعف.
اكتسب الاتجاهان بعدهما السياسي أثناء الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر في المجلس الوطني الفرنسي الذي اجتمع لصياغة الدستور والبت بصلاحيات الملك لويس السادس عشر، حيث وقف الموالون للملك والّذين فضّلوا الحفاظ على سلطته في يمين المجلس بينما وقف الثوريون المعادون للملكية والساعين إلى تقليص صلاحياته إلى يسار المجلس. اختفى هذا الاصطفاف في حكم نابليون بونابارت لكنه عاد لاحقاً وهذه المرة بسابق إصرارٍ وتصميم للإشارة إلى الاتجاهات السياسية لا المكانية فحسب. في منتصف القرن التاسع عشر صُبِغت الاتجاهات بالمواقف المتضادة سياسياً واندرجت تحتها تصنيفات أدق كأقصى اليمين وأقصى اليسار واليمين الوسطي واليسار الوسطي. لو عدنا في الزمن إلى القرن السابع عشر (أي قبل قرنين أو لنقل لويسين) نجد الملك تشارلز الثاني (ابن عم الملك لويس الرابع عشر) يواجه ما يعرف بأزمة الإقصاء والتي فتقت الحزبين السياسيين المعروفين بالويغز والتوريز[1]، لينمو مع مرور الزمن الحزب المحافظ من التوريز والحزب الليبرالي من الويغز. الاتجاهان لم ينتشرا كمؤشرات سياسية مباشرة في الدول المتحدثة بالإنجليزية وإنما حصل ذلك لاحقاً في بدايات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا حمل كِلا المؤشرين قيماً ومعاني تختلف باختلاف المكان والزمان.
إذاً في البداية الفرنسية كان اليمين يشير إلى الوقوف مع التقاليد والملك والمؤسسة الدينية. بينما وقف اليسار مع التغيير والثورة والتحرر. بعد تبني الدول المتحدثة بالإنجليزية ثنائية اليمين واليسار نجد في بريطانيا امتداداً للويغز والتوريز وفي الولايات المتحدة إشارة اليمين إلى المحافظين والحزب الجمهوري واليسار إلى الليبراليين والحزب الديمقراطي. أحد الأوصاف للفروق الأساسية بين اليمين واليسار هي ثنائية الهرمية مقابل المساواة: اليمين يثمّن أهمية أو طبيعية المفاضلة بين أبناء المجتمع وفق اعتبارات مختلفة بينما يركز اليسار على ضرورة المساواة ولفظ أي نوعٍ من الإقصاء. مع الثورة الصناعية وآثارها من تغيرات اقتصادية حملت الاتجاهات مواقفاً إزاء السياسات الاقتصادية للدولة أيضاً، ليشير اليمين إلى الرأسمالية واليسار إلى الاشتراكية أو الشيوعية عموماً.
لم ولن تتوقف المعتقدات السياسية عن التغيّر في أي لحظة من التاريخ، الحركات الثورية التي كانت تعيد صياغة صلاحيات الملك وصلت لاحقاً لمرحلة التشكيك في مبدأ السلطة ذاتها. مع ظهور وتفشي الليبرالية التي قدّست الحقوق الفردية أصبح التضاد السياسي يدعو لتقليص سطوة الحكومة بالمجمل ممهداً الطريق للأفكار الأناركية الداعية لمحوها كلياً. لم يعد المجتمع فقط ما يحظى بالاهتمام وإنما نال الفرد قسطاً كبيراً منه. تولّدت حركات تحرير المرأة من كتابات ماري وولستونكرافت التي عاصرت وعاينت الثورة الفرنسية ومفاهيم كالمُلكية الفردية مع أبي الليبرالية جون لوك، وأسهب مفكرو الليبرالية مثل جون ستوارت ميل عن الحرية عموماً وعن حرية المرأة.
في يومنا هذا أي في بدايات القرن الحادي والعشرين نجد أن الميول الفردية والهوية تلعب دوراً مركزياً في السياسة والفكر الغربي، التحرر الجنسي أو الهوية العرقية أو الدينية التي تقلصت إلى تفضيل شخصي من الحياة في ظل الأنظمة العلمانية. لذا خلقت النظرة المركبة للمجتمع محوراً آخر لفهم الفروق الأيدولوجية، ففي عام ١٩٦٩ قام الأمريكي الليبرتاري ديفيد نولان وبناءاً على دراسات سابقة بإضافة محورٍ عامودي يتقاطع مع محور إحداثيات اليمين واليسار. المحور الأفقي/السيني في الشكل الناتج يشير إلى الحريات الاقتصادية، كلما اتجهنا نحو اليمين كلما زادت الرغبة بترك الأسواق لتعمل دون تدخل حكومي أو مجتمعي وبحرية شركاتية وعلى يسار المحور نجد الاقتصاد المخطط بشكل مركزي أي تحت سيطرة تامة للحكومة. المحور العامودي/الصادي يشير إلى المسائل الاجتماعية أي الحريات الفردية ودرجة التدخل الحكومي فيها. في رسم نولان كانت السلطوية في أسفل الرسم والفردانية أعلاه، أي كلما اتجهنا للأعلى كلما قلّ التدخل الحكومي (زادت قيمة الحرية) في المسائل الاجتماعية والشؤون الشخصية للمواطنين. لاحقاً تم إنشاء موقع البوصلة السياسية والذي يعتمد على رسم نولان ورسمِ يشبهه من جيري بورنيل، يقدم للزائرين امتحاناً قصيراً ليساعدهم على تحديد موقعهم على الإحداثيات السياسية الاقتصادية والاجتماعية ويضع الأحزاب في العديد من الدول على المخطط، الترتيب الديكارتي بهذا الشكل دخل بعض الكتب السياسية وأشادت الكثير من المواقع بموقع البوصلة السياسية[2].
الحاضر المحلي
لنعد الآن إلى واقعنا في الهلال الخصيب ولنسأل أنفسنا عن إمكانية استخدام هذا القابس الغربي مع المقبس العربي. للوهلة الأولى يبدو أن الاتجاهان قادران على وصف الساحة السياسية في العالم العربي. المحافظون هم اليمنيون والمتحررون هم اليساريون. لكن هذه النظرة في رأيي اختزال للاتجاهات وتناسي الزمان (مرور فترة ليست بيسيرة منذ انطلاق هذه الصيغة الثنائية في فهم السياسة) والمكان (مما يحتم اختلاف المناخ السياسي والفكري). على سبيل المثال، المحافظ الأمريكي في يومنا ليبرالي مسبقاً لتقبله المساواة بين الأعراق أو المثلية الجنسية. أما مكانياً، الأمريكي برفضه للملَكية ووضعه للدستور فوق الإنجيل يختلف عن الأوروبي الذي ما زال يملك ممالك (وإن كانت دستورية) وتاريخ الأخير مجبولٌ بالمسيحية لا بالعلمانية مثل الأمريكي. الشيوعية (اليسارية) والفاشية (اليمينية) كانتا عدوتان أيدولوجيتان للولايات المتحدة ولبعضهن في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وحتى الآن نجد مصطلحات مثل إزالة النازية في تصريح الرئيس بوتين عن غزو أوكرانيا. لذا علينا التفكير مليّاً بكيفية استخدامهم في فهم محيطنا مع إدراك التلميحات التي تحملها هذه المصطلحات لأنها بالاستخدام المتخبط الحالي تترك البعض يستغربون ما لا غرابة فيه، مثلاً عندما يظن أحدهم بأن اليساري ملزم بالوقوف ضد الحكومة.
السؤال هنا هو هل ينفع استخدام مصطلحي اليمين واليسار لوصف الإحداثيات السياسية في العالم العربي؟
الإجابة المتحذلقة دائماً تأتي بصيغة نعم ولا. وهي ليست إجابة فهي تعيد صياغة السؤال بطريقتين كي نصل إلى الإجابتين المتعاكستين. الإجابة الأولى بالنفي تتم بصياغة السؤال على الشكل الآتي: هل ينفع استخدام المصطلحات "كما هي"، والإجابة لا لأن مفهومي اليمين واليسار كما لاحظنا يتولدان من انشطار فكري وتضاد سياسي، مثل الثورة في فرنسا وأزمة الإقصاء في بريطانيا. ودون الحاجة لدراسة تاريخ الأزمة في كل دولة نستطيع الوصول للنتيجة منطقياً من تعريف اليمين واليسار، هما ببساطة اتجاهان متعاكسان. لذلك من المهم أن ندرك أن القيمة السياسية والفكرية تسبق الصيغة الاتجاهية، الوقوف مع صلاحيات أكثر أو أقل للملك لويس السادس عشر تسبق الوقوف إلى اليمين واليسار. لو أردنا استخدام اليمين واليسار في العالم العربي علينا أن نسأل المفكرين والأحزاب السياسية العربية عن أي انشطار نتحدث؟ مما ينقلنا لصياغة السؤال التي تجاب بالإيجاب وهي تعتمد على فهم اليمين واليسار كأنهما اقترانان فارغان نحملُ مسؤولية تعبئتهما بالمتغيرات من القيم ووجهات النظر السياسية المحلية.
إلى يمين وإلى يسار ماذا؟
وبما أن نقطة البدء هي في انشطار الآراء، تتوالى الأسئلة على سبيل الذكر لا الحصر كي نملأ الاقتران، هل نتحدث عن الموقف من الثورة العربية الكبرى أم من ثورات الربيع العربي؟ هل نتحدث في إطار الحدود التي رسمها سايكس وبيكو، أي هل يحمل اليمين واليسار نفس المعنى في جميع الدول العربية أم يتباين المعنى من رقعة لأخرى؟ هل نتحدث عن معركتنا مع الكيان الصهيوني أم المعارك بين دول عربية؟ ماذا عن دول الجوار، الأزمة بين السعودية وإيران، بين تركيا وسوريا؟ عند كل مفصلٍ تاريخي نجد اختلافاً في الآراء وتأتي سلاسة الصيغة الثنائية من يمين ويسار للتعبير عن الاتجاهات المتقابلة، السلاسة ليست دائمة فقد يختلف الغربيون حول مدى يمينية ويسارية الحزب أو الشخص لكنها ما تزال أداة تصنيفية ممتازة عند فهم العقائد المختلفة. لسوء الحظ يسرع الكثيرون من مفكرينا في المقابل بإسقاطات مفكرين ومحللين من ثقافات أخرى وفهمهم لما يحصل في دولهم وثقافاتهم على ما يحصل هنا، متجاهلين بذلك التعقيد الثقافي والتاريخي في المشهد السياسي هنا. مثلاً تُوصَف الحركات الإسلامية بحركات فاشية إسلامية، المصطلح تم سكّه في الهند عندما انتقد أخطر حسين محمد إقبال، لاحقاً انتقل إلى الأوساط الغربية ومنه على ما يبدو للمفكرين العرب. كلمة الفاشية والمستخدمة بشكلٍ مفرط في الأوساط الغربية غريبة علينا وتستخدم كأنها مرادفة للديكتاتورية دون توضيح الحاجة لاستخدامها بدل الديكتاتورية، ومفهوم الأحزاب والحركات الإسلامية بحد ذاته معقد ويتطلب لتفصيلٍ قبل أن نحكم عليها بعدسة أيدولوجيات جاءت بعد ألفية من قيام الخلافة الإسلامية.
هل نستطيع وصف التيارات الإسلامية بصيغة ثنائية يمينية ويسارية؟ من هم اليمينيون واليساريون بين السنة والشيعة؟ الشيعة يؤمنون بشرعية وراثية لآل البيت وعصمة مما يوازي وجهة النظر اليمينية التفاضلية لكنهم كأقلية أميل إلى تقبل الأقليات ويأخذ اضطهاد الأغلبية حيزاً واسعاً من وعيهم كما يفعل في وعي اليسار الغربي. هل يصح أصلاً استخدام تصنيف علماني لشرح فروقٍ دينية كهذه؟ أم يمكن اعتبار كل البدائل الغربية يسارية مقابل إحداثيات إسلامية تساويها في التعقيد مما يتيح لنا مجالاً أوسع من الأفكار للانتقاء منها؟
نجد في العالم العربي ممالك وإمارات تزدهر بالتزامن مع تساقط الجمهوريات. وهي ليست صدفة أن اليمين واليسار انبثقا من ثورة مهدت لسقوط المَلَكية، لأن وجود الملك بالمعنى التقليدي لا الدستوري يُحتّم انعدام التعددية السياسية. مع هذا الفارق الصارخ كيف لنا أن نستخدم الاتجاهات في سياقاتنا وهل الممالك سواء؟ هل يصح وصف الملك سلمان بأنه يساري بسبب إصدار قانون يسمح للنسوة بقيادة السيارات؟ هل هناك حاجة لوجود الأحزاب كي ندرك الاتجاهات أم هل يمكن العمل بالتوازي بين فهم أبعاد الواقع السياسي لرسم الاتجاهات وبين ملئها؟ هنا ألاحظ تنصل المفكرين من واجبهم التحليلي ويكتفون بهجاء عدم التعددية الحزبية بدلاً من توضيح الطريق إليها أو لماذا علينا التسليم بضرورتها.
وماذا عن الحركات القومية العربية التي نجدها من جانب وقفت ضد الممالك "الرجعية" ومن جانب آخر قمعت الأحزاب الشيوعية، أين تقع الناصرية ويقع حزب البعث؟ العلمانية والاشتراكية تضعهم على اليسار بينما تضعهم السلطوية وقمع التعددية على اليمين[3]. هل يصح القول بأن الحركات القومية العربية هي حركات وسطية؟ من الضروري في التعاطي التحليلي مع كل الحركات أن نميّز بين الادعاء الأيديولوجي وبين التطبيق العملي.
قد يتطلب التعقيد رسوماً وأبعاداً أكثر تفصيلاً لفهم العقائد المتنافسة في نفوس العوام. هل يمكن للبوصلة السياسية ثنائية المحور أن تصبح ثلاثية الأبعاد بإضافة محور ديني/علماني؟ وأين تقع جماعة كالإخوان المسلمين في هذا التصنيف؟ فهي إسلامية وديمقراطية في الوقت ذاته. وربما من الممكن أن نحذف أبعاداً لا أن نضيف فقط، على سبيل المثال لا يبدو أن الأناركية والليبرتارية لها أي ممثل محلي[4].
قد تتراكم الأسئلة النظرية المعاصرة للإجابة عن منطق الاتجاهات لتسأل أسئلة محرجة عن فراغات فكرية، هل يقدم أي من التيارات السياسية العربية والدينية أطروحات تعالج المشاكل الاقتصادية المعاصرة وبطش البنوك الدولية بالشعوب كي نتمكن من تصنيفها بطريقة مختلفة عن الغربية؟ الإسلاميون يكتفون بإجابة عامة مثل "النظام الاقتصادي الإسلامي" دون أن يذكروا كيف يساعدنا على التخلص من القيود الربوية الدولية بطريقة واقعية، ويكتفي اليساريون بتكرار نظرة ماركسية عفى عليها الزمن فيها ذم مستحق للرأسمالية مع تباكي دون بديل نافع. مما قد يعني أنهما ليسا قادرين على إجابة المشكلة إجابة شافية.
هذه الأسئلة التي تنبع من محاولة فهم الاتجاهات تستحق إجابات حتى لو لم نكن بحاجة إلى التصنيف. على أي تيار ذو قيمة أو مفكر ذو وزن أن يتعاطى مع العديد من الأحداث المعاصرة والتاريخية والأسئلة من شتى المجالات بمنهجية واضحة وهذا مستحيل مع التقاعس التحليلي والتلون التصنيفي. ولعل المعضلة الحقيقية التي يكون الفشل التصنيفي عرضاً من أعراضها هي غياب الفلسفة بالمعنى الكامل للكلمة، وانعدام المنهجية في التحليل وفهم العالم، كل العالم لا سياساته واقتصاده فحسب، فهمه بصورة متكاملة تحترم تعقيده بدلاً من اكتفاء المفكرين بأي فتات فكري يجيب المسائل الشائكة على حدة والارتكاز على الأهواء وجمع ما لا يصح جمعه والخوف مما قد يفضي إليه النظر بعمقٍ إلى معضلاتنا الدموية.
الهوامش:
[1]: يجدر بالذكر أن المصطلحات كانت تستخدم للإساءة للأحزاب المقابلة، الويغز تعني سارقي الأحصنة والخروج عن القانون والتوريز تعني البابوي الخارج عن القانون، هذه المعلومة قد تفيدنا لاحقاً لفهم إحدى فوائد استخدام اليمين و اليسار كما نجدها حاضرة بما يخص الحرب الروسية الأوكرانية.
[2]: على الرغم من جودته في تحليل الأبعاد السياسية الغربية إلا أنني وجدته قاصراً في فهم الواقع العربي وكان هذا أحد أسباب كتابة المقال.
[3]: لاحظ أن البوصلة السياسية تستطيع الإجابة بشكل أدق على هذا التساؤل.
[4]: وهذا بحد ذاته قد يفتح المجال لمفكرين يملؤون هذا الفراغ أو نعترف بانعدام الميول السياسية الفردية، مما يفتح المجال للتحليل بشكل عام، وبذلك لا داعي لأن يستغرب البعض من سلطوية جميع الأحزاب.