أخطاء النخبة وفن التسامح: من يحزر أين أور؟

[زقورة أور] [زقورة أور]

أخطاء النخبة وفن التسامح: من يحزر أين أور؟

By : Abbas Obeid عباس عبيد

كم تبعد أور عن مركز مدينة الناصرية الواقعة في جنوب العراق؟ أور التي زارها قداسة البابا حاجَّاً في شهر آذار من العام الماضي، وجعل العراقيون من تلك الزيارة يوماً للتسامح، وها هي ذكراه الأولى تطل علينا هذه الأيام. سؤال قد لا يعني شيئاً بالنسبة لكثيرين، فضلاً عن أن معرفة الجواب تبدو أمراً سهلاً للغاية. فبإمكان أي واحد منا أن يجد الإجابة في بضع ثوانٍ فقط. ولن يكلفه ذلك سوى الرجوع لخرائط غوغل، بوساطة هواتفنا الذكية التي لا تفارق أيدينا ليل نهار. لكن يبدو أن الأمور لا تمضي بالاتجاه الصحيح دائماً، وأنّ من يعتمدون الخطوات العلمية الكفيلة بالوصول للمعلومة الصحيحة أصبحوا نادرين حقاً، وليس أكثر ندرة منهم سوى أولئك الذين يوفرونها لنا بموثوقية وتثبُّت. إننا في الحقيقة نعوم من غير أن نعلم في بحر من أخطاء ليس لها نهاية.

لا تتحدث هذه السطور عن أور، المدينة التاريخية التي عرفت بزقورتها الشهيرة، وكانت أكبر عاصمة في العالم القديم، أيام ملكها العظيم أور نمو مؤسس سلالة أور الثالثة (2112 – 2004 ق.م)، ولا ترغب بتكرار تفاصيل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، برغم من أنها مثَّلت حدثاً تاريخياً بامتياز، وقد سبق لي أن كتبت مقالاً عن ذلك. ولأضف أيضاً أن ما يهدف له المقال هو أبعد من تحديد مسافة بين مدينة وأخرى. في الواقع، إن جوهر ما أريد قوله -مستفيداً من روح المناسبة- له صلة بنا جميعاً، بسبلنا المستعجلة في تحصيل المعلومة، بتعصبنا لها، والوثوق بها أياً كان مصدرها، بأخطائنا التي نجهلها تماماً، وبغرورنا المعرفي الذي يطيب له أن يدعي امتلاك بيانات وخبرات لا وجود لها، بل لا نفكر في أن نبذل جهداً لتحصيلها. وإليكم الحكاية الغريبة التي عشت تفاصيلها، وقررت الكتابة عنها قبل عام، ثم تركت الأمر لأسباب سأذكر بعضها لاحقاً.

المصادفة

كنت أتابع باهتمام تفاصيل اليوم الثاني لزيارة الحبر الأعظم، متنقّلاً بين الفضائيات العربية والأجنبية، مثلما هو حال غيري من العراقيين. لحظتها كان العراق يتصدر أخبار العالم، واسم المدينة القديمة التي تأسست قبل أكثر من أربعة آلاف وخمس مئة سنة لتصبح مهد الحضارة الإنسانية يتردد على كل الألسنة. فها هو البابا فرنسيس برغم كبر سنه قد أتى حاجَّاً إلى مدينة النبي ابراهيم، مع ما يشهده العالم من تمدد مرعب لوباء كورونا، وما يواجه العراق من تحديات أمنية. وجدت في أثناء متابعتي لإحدى الفضائيات الغربية التي تبثُّ برامجها باللغة العربية صحفية عربية معروفة تسهم بالتعليق على الزيارة. ذكرت تلك الصحفية في معرض حديثها أن أور تبعد عن الناصرية بمسافة بضعة كيلومترات فقط. هكذا، من غير تحديد أي رقم. ولا مشكلة في ذلك، إذ لم تكن المسافة تهمني بشيء. بدت لي مجرد تفصيل غير مؤثر عن المدينة التي أعرف عنها أشياء كثيرة، بحكم ولعي القديم بتاريخ العراق. انتقل لمتابعة قناة فضائية عربية تقدم برنامجاً حوارياً عن الحدث، وفيه ذكر أحد الضيوف أن المسافة بين المدينتين هي 40 كم. لا مشكلة حتى الآن أيضاً. لكن في تلك اللحظة بالضبط، صادف أن قمت بتحريك جهاز التحكم بسرعة، لينقلني لفضائية محلية لم أكن لأتابعها، لولا تغطيتها المباشرة لتفاصيل الزيارة، وإذا بإعلامي عراقي يجعل المسافة بين أور والناصرية 20 كم. حسناً. هنا علينا أن نتريث قليلاً. فحين يكون الخلاف في تحديد رقم ما هو الضعف فذلك يعني أننا أمام خطأ كبير. من هنا ولدت الخطوة الأولى لكتابة هذه السطور، وبالنسبة لي، لا أجمل من أن تلهمك المصادفة موضوعاً للكتابة، أنْ تمنحك فجأة فكرة طريفة ومثيرة للشغف، وكأنّ إحدى ربِّأت الجمال والإلهام التسع تهمس في إذنك بسرّ لن يكون في مقدورك أن تكتمه. لقد لعبت الصدفة أدواراً حاسمة في حركة التاريخ، فقررت مصير شعوب وأباطرة وممالك، فما بالنا بمقال بسيط.

بين الرقمي والورقي: أين الحقيقة؟

لم أكن أتخيل ما سألاقيه من عجائب لاحقاً. بدأ الأمر وأنا لا أزال أتابع كلمة قداسة البابا، حين لجأتُ عبر هاتفي المحمول إلى محرك البحث غوغل. كانت موسوعة ويكيبيديا تحتل صدارة النتائج كالعادة. وقد وجدتها تذكر – سأنقل الكلام بنصه - في مادة أور أنها (تقع حالياً على بعد بضعة كيلومترات عن مدينة الناصرية)، أي مثلما ذكرت الصحفية العربية. لكن محتويات أخرى كثيرة تمثلت بمقالات وتقارير صحفية مبثوثة في عالم الإنترنت ستقول لنا أيضاً أن أور تقع على بعد 40 كم إلى الغرب من مدينة الناصرية. وهنا نجد اتفاقاً مع ما ذهب إليه ضيف الفضائية العربية. وماذا بعد؟ المفارقة تتمثل في إني وجدت مواد أخرى يصعب حصرها تذكر أرقاماً مختلفة إلى حدود تدعو للعجب. منها -على سبيل المثال- مقال يتحدث عن 30 كم، ويجعل أور شرق الناصرية لا غربها، وثان يقول إنها 20 كم، وثالث يذكر 19 كم، ورابع يدعى إنها 18 كم، وخامس يقول إنها 17 كم. وحدث أن عثرت على بحث يقرر أن المسافة هي 15 كم فقط. لنلاحظ هنا أن الرقم قد أخذ بالتراجع، وأن الفرق بين الأرقام الأخيرة ليس كبيراً. فهل يعني ذلك أننا قد اقتربنا من معرفة الحقيقة؟ لا شيء مؤكد بالمرة. ومن يقول إن لعجائب ما يُنشر نهاية ما فعليه أن يفكر ملياً. فها هي المسافة تعود لتتراجع إلى 11 كم، ثم إلى 8 كم فحسب! 

 

[الصورتان لمنشورين في مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت].

لقد شعرت في البدء بعجب كبير من فارق بلغ الضعف، وها هي الأرقام تتوالى والفارق يزداد وكأننا في متاهة. قلت في نفسي سأحسم هذه اللعبة التي طالت بلا مبرر بالرجوع لمن يؤخذ عنهم من أهل الاختصاص والخبرة. وحين تناولت من مكتبتي مصدراً من تأليف أحد أساتذة علم الآثار المشهورين في العراق، وجدت المسافة فيه 10 كم فحسب. وبرغم الفارق الكبير بين ما بدأنا به (40 كم)، وما انتهينا إليه (8 كم) وجدت نفسي تميل لتبني رأي مؤلف الكتاب، لا لأن الكتب المطبوعة ورقياً أكثر موثوقية مما ينشر في فضاء الإنترنت كما يتصور الكثيرون، فالخطأ هو الخطأ أينما ورد، بل لأننا أمام رأي لأكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه، ودرجة الأستاذية (بروفيسور)، وله خبرة طويلة في العمل الأكاديمي وميدان البحث والتأليف، كما سبق له أن أدار مؤسسة كبيرة مهتمة بالآثار. إذن، فلأرجع لمتابعة تفاصيل الزيارة الاستثنائية على الفور. لكن مرة ثانية، ستقودني المصادفة لأقلب صفحات مصدر غربي، يرد فيه أن أور تبعد عن المجرى الحديث لنهر الفرات -أي عن مركز مدينة الناصرية- بحدود 10 أميال،. وهو ما يساوي 16 كم تقريباً.

 

[الصورة من كتاب: أور، مدينة إله القمر لهارييت كروفوورد، الصفحة رقم 4].

كان من الأنسب أن أعود مرة ثانية لكتاب الأكاديمي العراقي الذي لا زلت أحسن الظن بعلمه، فربما لم أنتبه إلى أن وحدة قياس الطول التي استخدمها هي الميل أيضاً، لكنني وجدته -في سائر صفحات الكتاب- يعتمد القياس المتري، مثلما يفضل العراقيون. ذلك يجعل الفارق بين المصدرين ستة كيلو مترات، وهي مسافة ليست بقليلة. لكن لماذا نميل لتصديق المصادر الغربية، فليس ثمة ما يضمن عدم وقوعها في أخطاء هي الأخرى؟ هذا ما تأكدت منه لاحقاً، حين قمت بالبحث في كثير من المواقع الإلكترونية الغربية، فوجدت بعضاً منها -وإن على نحو قليل- يكرر شيئاً مما تقدم. كان الحلُّ الأخير بالنسبة لي هو الرجوع للإنسكلوبيديا البريطانية، وتحت عنوان (Ur) كانت المسافة هي 10 أميال (16 كم) أيضاً.

روح التسامح

كنت قد بدأت بالكتابة في الموضوع الذي نطالعه الآن قبل عام، مباشرة إثر نشر مقالي المشار إليه على هامش زيارة البابا، لكني قررت التوقف بعد بضعة أسطر. ربما بسبب الكم الهائل من الأخطاء التي تمر بنا يومياً، أخطاء لا نهاية لها، تتناسل في الكتب والصحف والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، في الدراسات والأبحاث، في رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه التي ينجزها طلبة الدراسات العليا تحت إشراف أساتذة يتلقون أموالاً لقاء عملهم، ويفترض أن يكونوا قد تأكدوا من كل حرف فيها قبل أن يجيزوها. قلت في نفسي: ما الجدوى من الكتابة؟ وما الذي ستضيفه كلماتي في حال أكملت المقال؟ هي لن تكون قادرة على الوصول لأولئك الذين استقبلوا المعلومات الخاطئة، ومن المؤكد أن أكثرهم قد أخذوها بوصفها حقائق، فهي صادرة من صحفيين وباحثين ومحللين وأساتذة أكاديميين، أي عمن يفترض أنهم يمثلون نخبة نجحت بامتلاك رأس مال معرفي يميزها عن الآخرين. لكن أور هنا ليست سوى مثال عن ظاهرة كبيرة مثلما قلت، ونحن للأسف لا نلتفت إلى خطورة آثارها.

خطر المشكلة هو في الإصرار على الخطأ، وفي عدم التنبه إليه والاعتذار عن تبعاته. من بوسعه أن يمنحنا رقماً تقريبياً للأخطاء العلمية التي تم الاعتذار عنها، والمبادرة لتصحيحها؟ إن روح التعنت والمكابرة ستجعل المثقف عاملاً مساعداً على إشاعة الجهل، سواء أجاء ذلك بعلم منه أم لا.

بالأمس فقط، قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى لزيارة البابا فرنسيس، قررت العودة للكتابة. وجدت نفسي أفكر في دلالة الاحتفاء بالمناسبة، في التسامح الذي تحتاج إليه مجتمعاتنا العربية أيَّما احتياج. التسامح بين الأديان والطوائف والأعراق بالتأكيد، وقبل ذلك فيمن يمكنه فهم فن التسامح، ويحسن التبشير به، بعد أن يجعل منه سلوكاً يُحتذى لا كلاماً شعاراتياً فارغاً، باختصار فيما له صلة وثقى بسلوك النخب العالمة، تلك المؤهلة أكثر من سواها لإشاعة ثقافة السلام واحترام الآخر، والأهم نبذ التعصب، لأنه النقيض المباشر لمعنى التسامح. ليس الخطأ عيباً بذاته، فهذا هو شأن الإنسان، ينتابه السهو، وتأخذه العجلة أحياناً، كمثال الأستاذ الأكاديمي الذي فضَّلت عدم ذكر اسمه هنا، وتجنب الإشارة لأسماء سواه أيضاً. أو كما كدت أنا نفسي أن أقع فيه لولا المصادفة التي قادتني للتنقل بين الفضائيات، ثم في وجود المصدر الغربي المشار إليه في مكتبتي، وانتباهي إليه لحظتها، من غير ذلك ما كنت لأصل إلى الحقيقة، ولا كان هذا المقال. ألا يشير ذلك إلى احتمال أن تكون كثير من قناعاتنا الراسخة التي تمنعنا عن قبول فكرة التعددية وقبول الاختلاف والتعايش معه قابلة للمراجعة والتعديل؟

في الواقع إن خطر المشكلة هو في الإصرار على الخطأ، وفي عدم التنبه إليه والاعتذار عن تبعاته. من بوسعه أن يمنحنا رقماً تقريبياً للأخطاء العلمية التي تم الاعتذار عنها، والمبادرة لتصحيحها؟ إن روح التعنت والمكابرة ستجعل المثقف عاملاً مساعداً على إشاعة الجهل، سواء أجاء ذلك بعلم منه أم لا. ومن بين ما يعنيه ذلك أيضاً أن النخبة يمكن أن تنشر الزيف بين الناس وهي تظن أنها تمارس دوراً توعوياً. وإلا كيف نفهم هذا التراجع السافر في المستوى العلمي لغالبية الشباب العربي، وذلك الإصرار على قناعات آيديولوجية كُلِّيَانِية تجاوزها الزمن، بينما لا تزال تنشط في فضائنا العربي لتبث البغضاء والكراهية. إنها بطبيعتها رافضة لمنطق التسامح، مع الذات ومع الآخر. من أجل ذلك عدت لكتابة المقال، بأمل أن يكون في الأمثلة التي تضمنها درس لنا جميعاً، وأولهم كاتب السطور، درس يوضح لنا كيف أن أكثر الناس خبرة وصلة بالواقع الثقافي، وأصحاب أعلى الشهادات هم بشر في المحصلة، يؤخذ منهم ويُرَدُّ عليهم، فما بالنا بمن صاروا اليوم، بعد التراجع السافر لدور الدولة من أبرز المؤثرين في الرأي العام، بزعيم الحزب ورجل الدين وشيخ القبيلة، أولئك الذين نجحوا باستعادة نفوذهم القديم، بينما تراجع دور النخبة إلى أدنى مستوياته. إنه العجز الثقافي، والوهم الذي يجعلنا نفكر بمنطق كل شيء أو لا شيء. ولأنَّ تراكم الأخطاء البسيطة لن يجعلنا بقبال أخطاء كثيرة فحسب، وإنما أمام خطايا، ها أنا أعود لتدوين هذه السطور، لعلها تلهم شاباً واحداً، تعلمه أن متبنيات الآخرين مثل متبنياته، أفكار نسبية، لا سبيل أمامها غير التعايش بسلام ومحبة. وأن تصل إلى هدفك متأخراً خير من أن لا تصل إليه أبداً.

شيوعيو السلطان: اليهود المغاربة وسياسات الانتماء

ألمى راشيل هكمان

(دار نشر جامعة ستانفورد، 2021)

جدلية (ج): ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب؟

ألمى راشيل هكمان (أ.ر.هـ.): سافرت إلى المغرب للمرّة الأولى سنة 2009 بمنحة من فولبرايت لدراسة المواقع الأثريّة اليهوديّة المغربيّة. هناك، تطوعت للعمل مع "مؤسّسة ومتحف التراث اليهودي المغربي" في ضاحية "الواحة" أو "لوازيس" في الدار البيضاء، حيث كنت أقوم أساساً بتصنيف الوثائق الأرشيفيّة. وكان مؤسس المتحف ومديره هو سيمون ليفي (1934-2011)، وهو مغربي يهودي كان ناشطاً على امتداد عقود في الحزب الشيوعي المغربي، وقد ناضل من خلاله من أجل التحرّر الوطني من الحكمين الاستعماريين الفرنسي والاسباني (1912-1965). كنت قد تخرجّت حديثاً من الجامعة ولم أكن قد سمعت من قبل عن يهود في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا يناضلون من أجل الاستقلال- كنت أعرف فقط عن يهود يغادرون بلادهم الأصليّة في أعقاب تداعيات النزاعات المعادية للاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. كنت أريد أن أعرف مدى استثنائيّة قصّة ليفي، فبدأت أتحرّى أكثر. وقادت هذه التحريات في النهاية إلى سرديّة جديدة للتاريخ السياسي لليهود المغاربة في القرن العشرين، مع ما لذلك من تبعات على التاريخ اليهودي الحديث كما تاريخ المنطقة الحديث كما هو مدوّن، بشكل عام.

تاريخياً، أهمل التأريخ اليهودي التاريخ السياسي اليهودي في المنطقة في سرديته المعهودة، فيما أهمل التأريخ الحديث للمنطقة في الغالب مساهمات الأقليّات في التنظيمات الوطنيّة. إن تاريخ الشيوعيين اليهود المغاربة يتقاطع مع هذه الدوائر التأريخية كلّها.

(ج): ما هي الموضوعات والمسائل والأدبيات التي يتناولها الكتاب؟

(أ.ر.هـ.): يستكشف هذا الكتاب المشاركة اليهودية المغربيّة في حركة مناهضة الاستعمار المغربية ويتابع قصص يهود مغاربة ناشطين سياسياً بقوا في البلاد بعد الاستقلال سنة 1956 وصولاً إلى التسعينيات. وهو يعد بذلك جزء من مجموعة متنامية من المؤلفات التي تناقش (علاقة) يهود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمشاريع الوطنية للقرن العشرين. وتتضمن هذه المؤلفات أعمالاً لكل من جويل بينين ورامي غينات عن مصر، وأوريت باشكين عن العراق، ليور سترنفلد عن إيران، بيار جان لو فول لوتشياني عن الجزائر، وكاميليا رحموني عن تونس. 

وحتى وقت قريب نسبياً، لم يكن التأريخ المهيمن ليهود المنطقة يأخذ في عين الاعتبار مسارات اليهود الذين حاربوا الاستعمار وسعوا للمساهمة في المشروع الوطني لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الاستقلال. عوضاً عن ذلك، شدّدت غالبيّة السرديات على الهجرات الجماعية لليهود وعلى العداوات بين فئات المجتمع. عبر هذا الكتاب، أقوم بالتدخّل بهذه السردية التي كانت سائدة من قبل لكشف تاريخ من الوطنية اليهودية المغربية والمثاليّة السياسيّة التي صمدت في وجه المطبّات التقليدية الناجمة عن تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، وعن الاستقلال المغربي سنة 1956، وعن الحروب الإقليمية مع إسرائيل في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وبالنسبة لليهود المسيّسين في المغرب، كما هو الحال بالنسبة لليهود في أماكن أخرى في العالم، وفّرت الشيوعية أكثر السبل عمليّة وإقناعاً للمساهمة في حركة التحرر الوطني حيث أنّها كانت الحركة السياسيّة الوحيدة التي لم تركّز على أي هوية إثنية أو دينية وطنية محدّدة. 

(ج): كيف يرتبط هذا الكتاب أو يبتعد عن عملك السابق؟

(أ.ر.هـ.): هذا هو كتابي الأوّل. معظم المقالات والفصول التي نشرتها لها علاقة بهذا الكتاب بشكل ما، وهي تتناول موضوعات متعدّدة. فمثلاً، نشرت عدداً من الفصول والمقالات عن الحرب العالمية الثانية في المغرب وتسييس اليهود المغاربة، لاسيما في إطار السياسات الشيوعيّة. إن القضيّة الأساسية للكتاب ولمنشورات متّصلة أكثر إيجازاً، هي مسألة الانتماء السياسي اليهودي في المغرب وموقع اليهود في سياسات التحرر الوطني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

(ج): من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب، وما نوع التأثير الذي ترغبين أن يخلّفه؟

(أ.ر.هـ.): حاولت أن أكتب "شيوعيو السلطان" بأسلوب سردي ميسّر، وهو يتتبع قصص خمسة يهود مغاربة راديكاليين (ليون رينيه سلطان، إدمون عمران المالح، أبراهام سرفاتي، سيمون ليفي وسيون أسيدون)، كما حاولت صياغة كل فصل بحسب المواضيع والتسلسل الزمني. آمل بذلك أن يجد الكتاب قراء إضافيين من خارج الإطار الأكاديمي وأن يصل إلى كلّ المهتّمين بالتاريخ اليهودي في المنطقة، وبتاريخ اليهود والسياسات الراديكاليّة، وبتاريخ اليهود المناهض للصهيونيّة في المنطقة، وتاريخ الحركات المناهضة للاستعمار. 

بصورة أساسيّة، آمل أن يستخرج القارئ من الكتاب إدراكاً بتنوّع المسارات التاريخية السياسيّة ليهود الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، مستخدمة المغرب كنموذج دراسي. 

(ج): ما هي المشاريع الأخرى التي تعملين على إنجازها الآن؟

(أ.ر.هـ.): أعمل مع كل من ناثانييل دويتش من جامعة "كاليفورنيا في سانتا كروز" وطوني ميتشلز من جامعة "ويسكنسن" في ماديسون، على المشاركة في تحرير مجلّد عن اليهود والسياسات الراديكاليّة حول العالم. ففي حين لاحظ العديدون الانخراط غير المتكافئ لليهود في السياسات الراديكاليّة اليساريّة في عدد من المجالات المحدّدة، نسعى من خلال هذا المجلّد إلى دراسة هذه الظاهرة عبر هذه المجالات، ومن ضمنها السياقات الاستعمارية التي كانت مهملة سابقاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للإضاءة أكثر على التاريخ السياسي اليهودي الحديث. 

بالإضافة إلى هذا المجلّد، بدأت البحث من أجل مشروع كتاب ثان. ويستكشف هذا المشروع مشاركة اليهود والمسلمين في منظمات مناهضة للفاشيّة في المنطقة خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، مع تركيز خاص على "الرابطة الدولية المناهضة لمعاداة الساميّة". وقد أسّس الرابطة في 1928 برنار لوكاش وهو يهودي فرنسي، وكان لها فروع في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واشتّدت فعالية عملها خاصة في الثلاثينيات. 

(ج): ما هي مصادر الكتاب، وبأي لغات؟

(أ.ر.هـ.): مصادر الكتاب هي مجموعات أرشيفية مختلفة بعضها رسمي وبعضها شخصي، بالإضافة إلى شهادات شفهيّة، ومؤلفات أدبية ومناشير سياسيّة. عملت على المحفوظات الأرشيفية في كل من المغرب وفرنسا وإسرائيل وإسبانيا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. ومواقع المحفوظات الأرشيفيّة، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الموضوعات البحثية عن الاستعمار والمراحل التالية للاستقلال، تعكس الأنماط السياسية وتلك المتعلقة بالهجرة للمواد المعنية، وهي في هذه الحالة التاريخ السياسي اليهودي المغربي في القرن العشرين. 

كان الأرشيف الشخصي لسيمون ليفي في غاية الأهميّة، وأنا ممتنة لأسرته لأنها منحتني حق الاطلاع على هذه المواد التي تتضمن وثائق داخلية للحزب الشيوعي المغربي، ومواد ترويجية، وعرائض وغيرها. معظم المواد التي قدّمها اليهود المغاربة كانت بالفرنسيّة، مع القليل جداً من المواد المطبوعة بالعربية، وهو دليل على السياسات التربوية التي بدأت في القرن التاسع عشر وتم تكثيفها خلال الحكم الاستعماري. ومن اللغات البحثية الأخرى العربية والعبرية والإسبانية والعربية المغربية اليهودية.

مقتطفات من الكتاب

تشظي: الخذلان والحياة السياسية اليهودية في المغرب الجديد

أبي، رحمه الله، كان يقول لي دوماً: "إن المغرب هو أسد يجب توجيهه برسن. يجب ألّا يشعر أبداً بالقيد (...) حين يسحب هو كثيراً، أُرخي قليلاً، وحين يهدأ، أشدُ قليلاً. إنّها مساومة دائمة، مشتركة وفي اللاوعي. نحن غارقون في المغطس نفسه، وهو مغطس من الحب ومغطس من النزاع. تحوّله هذه العلاقة إلى تضامن مثالي حين تكون الأمّة في خطر"... الملك الحسن الثاني

خلال الانتفاضة الدامية في الدار البيضاء في آذار 1965، اعتقلت الشرطة سيمون ليفي. تم تعذيبه على امتداد ثمانية أيام، فيما كانت زوجته انكارنايشن تعاني من القلق البالغ. لم تكن تعرف مكان زوجها، إلا أنها كانت تخشى الأسوأ. انتظرت في البيت مع ابنيهما حتى تم أخيراً اللقاء بسيمون، عرضاً، عند سلم مبناهم عند الرابعة صباحاً، وهو مصاب بكسور وكدمات. بحسب فهد يعتة، وهو ابن علي يعتة (مسؤول الحزب الشيوعي المغربي) كما أنه ابن اخت سيمون، فإن ليفي قد ضُرب، وتعرض لصدمات كهربائية وأجبر على شرب سائل لغسيل الملابس. وأكّد ابنا سيمون هذه الرواية حول تعذيب والدهما. ولم يكن باستطاعة سيمون المشي حين وصل أخيراً إلى المنزل، كان قد ألقي من سيارة متحركة وظلّ يعاني من مشاكل معوية لبقية حياته.

ومع تقاطع الصراع العربي الإسرائيلي مع سياسات الحرب الباردة والأممية، وجد اليهود المغاربة المنتمون لأحزاب يسارية أنفسهم مستبعدين باستمرار عن الجالية اليهودية المغربية الأوسع. وكان اليساريون اليهود المغاربة، المخلصون للشيوعية بأوجهها كافة خلال الستينيات ومطلع السبعينيات، أكثر اتساقاً أيديولوجياً مع مواقفهم خلال العقود السابقة، إن لم يكن أكثر تناسقاً حتى من وطنتيهم التي كانت تستفز باستمرار أمام الهجرة الجماعية للأسر اليهودية وللأصدقاء.

بعد الحادثة، تضرّعت والدة سيمون لأسرته للانتقال إلى فرنسا، إلا أن سيمون كان صلباً في وفائه للمغرب. بعد إطلاق سراح ليفي بأشهر قليلة، قام الحزب الشيوعي المجري، وفي لفتة إزاء الرفاق في الخارج، بدعوة الأسرة لقضاء شهر على ضفة بحيرة بالاتون الريفية في بلدة سيوفيك الصغيرة. تتذكر انكارنايشن أنها لم تحب الطعام هناك. 

شكّل تأسيس دولة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي محنة بالنسبة للمغرب المستقل. كان النظام الملكي يسيطر على الدولة بقيادة الحسن الثاني بعد موت والده خلال تدخل جراحي بسيط نسبياً في 1961. واجهت الدولة اختبارات- تخللتها أحياناً عواقب عنيفة وقمعية إلى درجة كبيرة- إزاء توازن البرلمان والملكية الدستورية وحال الطوارئ، مراراً وتكراراً. تفككت الأحزاب السياسيّة، ثم عادت وتوحّدت، ثم تحدى بعضها البعض الآخر، كما تحدت السلطة المركزية بطريقة كانت مربكة بعمق للقصر. وكانت الجهود الأساسية في القصر تنصب، كما يظهر الاقتباس أعلاه للحسن الثاني، على توجيه "أسد" السلطة من دون أن يشعر بيد "المخزن" والقمع والسيطرة، حتى يتمكن أخيراً من استيعاب أي اعتراض سياسي. وفي غياب أي جهات سياسية متعاونة، قامت السلطة بتعذيب أفراد القوى السياسية الجامحة، أوبنفيهم وسجنهم و"إخفائهم" قسرا.ً 

وعانت بعض الأحزاب، مثل "الاستقلال" والحزب الشيوعي المغربي على نحو مماثل. فقد تحوّل حزب "الاستقلال" ذو التوجّه اليساري بقيادة المهدي بن بركة (الذي اختطف في وضح النهار في باريس سنة 1965 ومن ثم اغتيل، وسط تكهنات أن الفاعل هو الجنرال أوفقير، مساعد الملك الحسن الثاني الذي عاد وقاد لاحقاً انقلاباً في 1972) إلى "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". أمّا الحزب الشيوعي، فبعد حظره قانونياً بقرار من المحكمة سنة 1960، استمر يعمل سراً. ثم عاد وظهر باسم "حزب التحرر والاشتراكية" في 1968 ثم صار أخيراً باسمه الحالي "حزب التقدم والاشتراكية" منذ 1974.

واليسار نفسه بدأ ينقسم في نهاية الستينيات. في 1970، قام ابراهام سرفاتي وآخرون، بعدما اشمأزوا مما اعتبروه خيانة للمبادئ الشيوعية من قبل الحزبين الشيوعي والتحرر والاشتراكية، بتأسيس مجموعة أكثر يسارية، ماركسية لينينية، هي "إلى الأمام"، وأخذوا غالبية الطلاب معهم. وأدت هذه الخطوة إلى حنق مستمر بين سرفاتي وبين ليفي، الذي بقي مخلصاً بقوة لحزب التحرر والاشتراكية. وفي حين واجه الفصيلان الاضطهاد والملاحقة من حكم الملك الحسن الثاني في بداية "سنوت الرصاص" سيئة السمعة- وهي فترة من القمع السياسي امتدت نحو عقدين من الزمن- إلا أنه في النهاية، قام حزب التحرر والاشتراكية باختيار مسار من المهادنة فيما أعطى "إلى الأمام" الأولوية لأهداف أيديولوجية متطرفة. وهذه الانقسامات والانصهارات السياسية تشير إلى وجود خيار أساسي أمام قادة الأحزاب والمنتمين إليها، بعيداً عن أي منصة أو توجه سياسي: العمل مع النظام والإبقاء على وضعية قانونية أو العمل سراً. ويشهد ازدهار أدب المعتقلات والعمل على حقوق الانسان في المغرب على العواقب الوخيمة للخيار الثاني. 

ومثلما انقسمت السياسات اليسارية، انقسمت الجالية اليهودية المغربية. وفي مواجهة غياب الاستقرار السياسي في الفترة التي تلت الاستقلال مباشرة إن كان في ما يتعلق بموقع المغرب في العالم العربي أو بالنسبة إلى المخاوف المتنامية من عدم استقرار نظام الملك، غادر اليهود المغاربة بمئات الآلاف. بين 1948، سنة قيام دولة إسرائيل، وبين 1956، سنة الاستقلال المغربي، غادر نحو تسعون ألف يهودي البلاد. ثم غادر 92 ألف مغربي يهودي بين 1961 و1964 في "عملية ياخين" وهي عملية هجرة جماعية لليهود المغربيين أدارتها إسرائيل ونفذت في إطار الموافقة الضمنية للمخزن. وغادرت الغالبية العظمى من اليهود إلى إسرائيل، إلا أن العديدين هاجروا إلى كل من فرنسا وكندا بالإضافة إلى دول في أميركا اللاتينية مثل وفنزويلا والبرازيل. 

وكان سبب هذا التدفق في الهجرة يكمن جزئياً في المخاوف الداخلية والتهديدات بأعمال العنف، بالإضافة إلى المقاطعة الاقتصادية المرتبطة بالنزاع العربي الإسرائيلي البعيد جغرافياً ولكن المؤثر بعمق (على المغرب). كان العام 1961 نفسه نقطة تحول لهجرة اليهود المغاربة لثلاثة أسباب رئيسية. السبب الأول هو استضافة المغرب لقمة أفريقية واجتماعاً مشتركاً لجامعة الدول العربية حضره جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة في 1961، في حركة دبلوماسية عالمية دقيقة ضمن الحرب الباردة وقوى عدم الانحياز. اندلعت أعمال العنف ضد اليهود في الدار البيضاء خلال زيارة عبد الناصر، مما فاقم من قلق الجالية المتنامي. وكان السبب الثاني هو تحطم مركب تهريب للمهاجرين اليهود اسمه "الحوت" بعد مغادرة الأرجنتين ته المغرب، مسبباً ضجة وانتقاماً من نوع الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية بالإضافة إلى احتجاجات عالمية من جمعيات خيرية يهودية. أما السبب الثالث فكان موت الملك محمد الخامس بصورة غير متوقعة بسبب مضاعفات جراحة بسيطة، مما رفع ابنه الذي لا يتمتع بأي شعبية، من ولي العهد مولاي الحسن إلى الملك الحسن الثاني. فرحل اليهود المغاربة بدافع الخوف، مشككين بمستقبلهم السياسي وقدرة هذا الملك الجديد غير المحبوب على "حمايتهم" كما وعد.

ومع تقاطع الصراع العربي الإسرائيلي مع سياسات الحرب الباردة والأممية، وجد اليهود المغاربة المنتمون لأحزاب يسارية أنفسهم مستبعدين باستمرار عن الجالية اليهودية المغربية الأوسع. وكان اليساريون اليهود المغاربة، المخلصون للشيوعية بأوجهها كافة خلال الستينيات ومطلع السبعينيات، أكثر اتساقاً أيديولوجياً مع مواقفهم خلال العقود السابقة، إن لم يكن أكثر تناسقاً حتى من وطنتيهم التي كانت تستفز باستمرار أمام الهجرة الجماعية للأسر اليهودية وللأصدقاء. 

يغطي هذا الفصل الفترة من الستينيات وصولاً إلى "المسيرة الخضراء" التي نظمت لمطالبة المغرب بالصحراء الغربية في 1975. وهو يشمل توترات الهويتين اليهودية والمغربية، الوطنية والأممية، الاستيعاب وأحلام ثورة ما بعد الاستقلال. وعلى الرغم من السياق السياسي المغربي الضبابي والقاتم، بقي الأعضاء اليهود في الأحزاب اليسارية مخلصين بقوة لمغربيتهم ولآمالهم إزاء وطنهم في وجه الهجرة الجماعية اليهودية والقمع السياسي. 

يعالج القسم الأول الانقسامات السياسية في الأحزاب السياسية المغربية السائدة وقدرة المخزن على السيطرة عليها أو استيعابها قبل 1967، مناقشاً العنف الدموي لسنة 1965 الذي أدى إلى فتح هذا الفصل كما إلى اغتيال المهدي بن بركة. ويدرس الجزء الثاني الصهيونية، والهجرة السرية، والعلاقة المعقدة بين الحسن الثاني وإسرائيل والوكالة اليهودية. أما الجزء الثالث فيتناول التطورات في الأحزاب السياسية اليسارية المغربية بعد 1967 ، لاسيما تأسيس "إلى الأمام" والارتباطات مع الحركات العالمثالثية، وكيف تعقدت هذه الجهود وغيرها بسبب القمع في أعقاب محاولتي انقلاب فاشلتين في 1971 و1972. إنه فصل عن الآمال التي خابت، والتسويات، والهجرات وعلاقات التعاون. وهو أيضاً فصل عن المثابرة. ويجسد نضال سيمون ليفي هذه المثابرة. 

بعد عودة سيمون ليفي وأسرته من الإجازة في المجر، رجعت الأسرة المناضلة (سوف يذكر أن شقيقة انكارنايشن، روزالي، تزوجت من علي يعتة) إلى نشاطاتها السابقة. وقصص الشيوعيين اليهود المغاربة خلال هذه الفترة من القمع في ما بعد الاستقلال استثنائية ورمزية في آن، تلقي الضوء على تاريخ المغرب السياسي وتاريخ يهوده في العون الذي توفره الهوامش.

[نشر في جدلية. ترجمة هنادي سلمان].