[في الحادي والعشرين من تشرين الأول 21، وبعد مماطلة حوالي الشهر من قبل مصلحة السجون بالرد على طلبها بالزيارة، زارت المحامية جنان عبده الأسيرين محمود العارضة ومناضل نفيعات في سجن الرملة. وكان الأسيران، العارضة (المسؤول عن تخطيط وتنفيذ عملية الهرب من سجن الجلبوع)، ومناضل نفيعات في عزل تام منذ اليوم الأول لاعتقالهما. حيث بدأ التحقيق معهما مباشرة في معتقل الجلمة قرب حيفا ولم يلتق الأسرى الستة في السجن رغم سجنهم كلهم في معتقل الجلمة ولا في المحاكم. ومن ثم تم توزيعهم على عدد من السجون واستمرار سجنهم بظروف عزل فردي قاسية. حين زارتهم المحامية جنان لم تكن تعلم أنهم قرروا خوض الإضراب عن الطعام في اليوم ذاته، وذلك ضد التضييقات والعقوبات التي فرضتها مصلحة السجون على أسرى الجهاد الإسلامي بعد عملية الفرار. هذا النص عن تلك الزيارة].
من واجهة سيارتي بدأت تقترب معالم سجن؛ سور طويل مرتفع وطبقات من الشِباك والأسلاك الفولاذية المحدّدة تلفّ به وبرج مراقبة. عرفت أننّي وصلت سجن الرملة، لكن كان عليّ أن أدور حول السجن مسافة طويلة لأصل المدخل، وداخله كان عبارة عن مُجمّع سجون. لم يكن أول سجنٍ بلغته هو "أيالون" حيث يُحتجز في قسم العزل كل من محمود العارضة ومناضل نفيعات- أسرى النفق، بل كان عليّ أن أسير مسافة طويلة قبل أن أصل إلى قسم العزل وبرفقتي سجّان كما تتطلب الإجراءات، وذلك بعد أن أخذوا منيّ في قسم الاستقبال نسخة من أوراق تصريح الزيارة وبطاقة المحاماة، وزودوني بقلادة كتب عليها بالعبرية «محاميّة».
ومن حسن حظي أن اليوم لم يكن ماطرا حيث كان من النادر السير هذه المسافة دون أن أتبلل أنا وأوراقي التي أحملها كما يحدث في فصل الشتاء مع العديد من السجون حيث لا غرفة انتظار محترمة للمحامين وبغالبيتها لا يسمح بدخول مصف السجن المعدّ لطواقمه فقط. مما يعني السير مسافة لحين وصول باب الدخول وفي بعض السجون يطول الانتظار أحيانا تحت أشعة الشمس الحارقة وأخرى تحت زخات المطر رغم أن الزيارة منسقة مسبقاً.
لفتت نظري ضخامة وكبر المكان الذي تجتمع فيه عدة سجون ومستشفى الرملة المعروف برداءته، وكون السجن محطة عبور إلى بقية السجون باتجاهي الشمال والجنوب على السواء، إضافة الى أن قيادة مصلحة السجون تحتل أحد مبانيه الذي تتخذه مقرّاً مركزياً لها. اصطفت في الساحة الداخلية الواسعة حوالي عشر حافلات نقل أسرى من الحجم الكبير- المسماة بلغة الأسرى "بوسطة".
سرنا أنا والسجّان مسافة الى أن وصلنا في النهاية إلى المبنى الأخير وهو عبارة عن طابق واحد - للناظر على الأقل - وبمحاذاة أسوار السجن، كتب بلافتة واضحة "قسم العزل". كان القسم مُغلقاً من الخارج من جهة الزوار بجدران حديدية وكانت غرفة المحامين من الجهة اليسرى مفتوحة، وقد لمحت بداخلها شخصاً واحداً وأسيراً واحداً. طُلب مني الانتظار بضع دقائق إلى حين إحضار الأسيرين اللذين طلبتهما للزيارة. وهذا يعني فحصهما جسديا والتأكد أنهما لا يحملان على أجسادهم وداخل ملابسهم أي شيء.
لقاء محمود العارضة
دخل محمود الغرفة والابتسامة تعلو وجهه وأسارير وجهه كلها تبتسم، فقد حظي بزيارة رغم أنه لا يعرف هوية الزائرة. والزيارة بالنسبة للأسرى كما أعرف هي مناسبة للاحتفال، فكيف إن كانت الزيارة لمن هو في العزل لا يرى سوى سجّانيه، وحتى زملاؤه في القسم لا يراهم.
بادرته التحيّة وكان بفمه سؤال عن اسمي الكامل، وحين عرّفته بنفسي كما تتطلب أصول الزيارة اسمي الكامل[1] وظيفتي، مكان عملي ومكان سكني، كاد يصرخ فرحا وضحكا، حتى تخيّلت أنّ السجّان سيحضر مُسرعاً ليرى ما يحدث، لكن السجّان كان قد غاب، أو على الأقل قد غاب عن ناظري.
سألني محمود إن كنت من مواليد حيفا فقلت من مواليد الناصرة وأسكن في حيفا. أخبرني كم يسعده كوني من الناصرة وحيفا البلدين الأحب إليه.
***
أخبرته أنّي حضرت للاطمئنان عليه وعلى صحته هو ومناضل ومعرفة ظروف الاعتقال في السجن الحالي خاصة كونه يخضع منذ الاعتقال للعزل والقلق أن يكون يتعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة والمهينة واللاإنسانية. حيث أنّ إجراء العزل لوحده كاف لأن يكون جواباً لكل هذه الانتهاكات دون أي عقوبات إضافية. أخبرته أنيّ كنت قد طلبت زيارته وباقي أسرى النفق الآخرين في سجن الجلمة منذ بداية الاعتقال في شهر أيلول لكن المماطلة استمرت حتى آخر يوم في أيلول حيث قيل لي إنهم لم يعودوا في الجلمة. قدمت طلباً لمصلحة السجون لمعرفة السجون التي نُقلوا إليها، علمت أنه ومناضل نفيعات في قسم العزل في سجن بالرملة وقررت الزيارة.
كنت أريد أن أساله عن ظروف العزل الإنفرادي في سجنه الحالي وفي الجلمة، لكن كان به شغف للحديث، شغف أسير يخضع للعزل لا يرى إلا سجانه. بادرني الحديث حتى قبل أن أسال، حدثني عن لحظات الحريّة الأولى وما سبقها وأيام الحريّة خارج جدران السجن لخصها بقوله:
"كنا بفم التنين مثل الطائر الطنان يحرُسنا البقر ونحن بنعمة. هدفنا كان نطلع يوم واحد، نعتبر خروجنا من النفق دق للخزان. لنقول للعالم هذا الوحش اللي بتخافوا منه سهل وأيضا نحنا شعب برفض القهر بدنا حريّة. حتى قبل ما حفرنا النفق وطلعنا، قلنا اذا طلعنا يوم هذا انتصار كان علينا أن نطرق جدران الخزان وطرقناها".
وعن كل يوم حُريّة إضافي خارج السجن قال: "بقينا أسبوعين[2] هاي زيادة وانتصار كبير" وكان من المهم له التأكيد والتوضيح "ما كان فراغ تحت أرضية السجن، بل صنعنا الفراغ بأيدينا وحفرنا 100 متر عشان نعمل فراغ لـ 35 متر". وأكد أنهم قرروا تسمية العملية "الطريق الى القدس" وكل جزء منها من الغرفة للقسم للسجن على اسم أحد الأسرى والشهداء.
كان من المهم لمحمود كما لمناضل العودة والتأكيد عما حدث وقت الاعتقال والتأكيد على حُبه لأهل الناصرة وعن محاولات الدس ودق الأسافين وإطلاق الشائعات وأن كل ما نشر بوسائل الإعلام العبري حول تسليمهم من قبل عائلة نصراوية كان عارياً عن الصحة.
كان لديه شغف واضح للحديث عن أيام الحرية وما تحمله بالنسبة له من معان، وكأن التجربة التي يمر بها اليوم من عزل تقزّمت أمام عظمة الحرية التي عاشها بعد أكثر من 25 عاماً في الأسر بشكل متواصل.
حدثني عن ظروف العزل بسجن الرملة وعن صغر الزنزانة وكونها غير مناسبة لمعيشة إنسان وأنها عبارة عن جدران بدون شبابيك وقال إنها "من العصر الحجري"، القسم غير مناسب لحياة إنسان.
إنه وحيد في زنزانة العزل أو ما يسمى العزل الانفرادي، كل شيء ممنوع: جهاز الراديو، وقلم الرصاص وقصاصة الورق. لا تلفاز ولا بلاطة كهربائية فكل الاجهزة الكهربائية محظورة. الكتب محظورة باستثناء نسخة من القرآن الكريم، الزيارات ممنوعة وكذلك إدخال أية ملابس، فلديه بلوزة كم قصير وملابس السجن البنية اللون. ينام على فرشة من فراش السجن الرديئة وحِرام يتبع للسجن ويبدو أنهم لم يغسلوه منذ زمن طويل. لا وسادة، ويقيم على الفرشة طوال النهار. لا يرى النور فلا نوافذ بالزنزانة. يتحدث مع خياله وفي وجدانه إذ لا يوجد مع من يتحدث إلا بالصراخ من داخل الزنزانة ليستعير خبراً من أسير لديه جهاز راديو صغير في زنزانة أخرى في ذات قسم العزل. كيف تقضي وقتك؟ أجاب: بالصلاة وقراءة القرآن والتأمل. كذلك كان شبيها الرد على السؤال: كيف تشعر؟ المعنويات عالية جداً. بل قررا يومها الانضمام إلى الإضراب عن الطعام والذي أعلنه أسرى الجهاد الإسلامي. والمطلب من وراء خطوة الإضراب هو إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل نفق الحريّة والتراجع عن كل الخطوات الانتقامية والعقابية تجاه الأسرى التي اتخذتها مصلحة السجون وأعلنت عنها، وحصرياً تجاه أسرى الجهاد الإسلامي.
لا تهوية في الزنزانة وللهواء المغلق رائحة النتانة ولكون القسم هو بالأساس لعزل السجناء الجنائيين والمتميز بكثافة التدخين سواء للسجائر أم المخدرات والحشيش، مما يزيد النتانة نتانةً. يضاف إليها الضوضاء والضجة التي يحدثها السجانون وكذلك السجناء الجنائيون في القسم.
زمن الفورة (التنزّه) هو ساعة يومياً. وحين زرته كان محمود محكوماً بالعقاب لمدة أسبوعين ويحظر عليه حتى هذه الفورة. حين نتحدث عن الفورة، فلا توجد ساحة يخرج إليها بل فورة في غرفة صغيرة سقفها مغطى بالصفائح ونصف مساحته مُغطّاة بالشبك الحديدي. الفورة أيضاً انفرادية، أي لا يخرج أكثر من أسير واحد في ذات الوقت. بعد الفورة يجري تفتيشه بكاشف المعادن على الرغم من أنه لم يلتق أحداً ولا مجال ليلتقي بأحد.
تتكرر مداهمات التفتيش في الزنزانة الخالية من أية أغراض أسبوعياً، ويتم التفتيش ما بين الساعات الثانية بعد منتصف الليل والرابعة فجراً، ويُلزَم الأسير بالوقوف طوال التفتيش وهو مقيّد اليدين والرجلين الى أن يخرج السجانون، ليحاول لملمة ما بعثره المداهمون، وإن كان محظوظاً يعود ليواصل نومه بعد أن يصلي صلاة الفجر. والصلاة، إضافة الى التعبّد، هي وسيلة أيضاً لتمضية الوقت بالتأمّل.
منع الكانتين يعني أن الأسير لا يستطيع اقتناء أي شيء، من مأكل وقهوة وشاي ومواد تنظيف وملابس داخلية ولا ماء رغم رداءة مياه السجن التي يضطر إلى شربها.
تكاد تكون القصة ذاتها كما رواها لي اليوم الأسيران محمود العارضة ومناضل نفيعات، على الرغم من أنهما متجاوران لكن لا يلتقيان لا في القسم ولا في الفورة. هكذا هي رتابة الحياة غير الرتيبة في السجن وفي قسم العزل منه.
لقاء مناضل نفيعات
فاجأني صغر سنه كان من مواليد منتصف التسعينيات. كاد عمره يعادل العمر الاعتقالي لمحمود، كنت أعلم أنه صغير السجن، حين تابعت من خلال شاشات التلفزيون عملية إعادة اعتقاله من جنين بعد 11 يوماً من النجاح بالخروج مع رفاقه من نفق الحريّة الذي حفروه في سجن الجلبوع. صورة البطولة التي ارتسمت بمخيلة الناس جعلتني لا أصدق صغر سنه.
مناضل شاب في منتصف العشرينيات أسمر البشرة حاد الملامح، تبدو لمحة من الخجل في وجنته. رغم صغر سنه إلا أنه قضى في السجون ما يقارب نصف عمره، منذ العام 2011 أعيد سجنه واعتقاله أكثر من مرة بعضها إداري. وكان ما زال موقوفاً لعامين قبل مشاركته بالخروج من النفق.
بعد الاطمئنان على صحته وسؤاله عن الوضع الحالي في سجن الرملة وسماع تفاصيل العزل الانتقامي، حدثني عن الخروج من النفق. كان وجهه يمتلئ فرحاً وهو يصف تفاصيل الخروج من النفق، تلك التفاصيل التي تسمر العالم أمام شاشات التلفاز وأجهزة الراديو يتابعها وقلوب الناس تنبض فرحاً وقلقاً في آنٍ واحد.
حدثني مناضل عن شعور الحريّة الذي لا يوصف، وعن طيبة الناس الذين استقبلوهم وعن قرارهم بتسليم أنفسهم من منطلق المسؤولية ولحماية أهل الدار حيث كان البيت الذي نزلوا فيه في جنين محاصراً بقوات الجيش. أمور سمعناها من المحامين الذين التقوهم في الأيام الأولى بعد السماح باللقاء. لكن هذه المشاعر كانت زاده المستمر الذي يقويه في عزلته ويضيء زنزانته المعتمة، إنّه نور الحريّة. نور يضيء لمناضل ومحمود عتمة العزل القاسية.
من أكثر الأمور التي شغلته وبادرني بالسؤال عنها وتوضيحها من بداية الزيارة هي التأكيد مجدداً عن أن الحديث عن أهل الناصرة غير صحيح "إحنا اخوة وهذه إشاعات مغرضة" قال.
حدثني عن قراره خوض الإضراب عند خروجه من الزيارة وعن معنى الزيارة وأهميتها في ظروف العزل وخاصة قبيل الدخول بالإضراب، ففي طمأنة الأهل ومعرفة الناس بالإضراب إراحة للذات. وعن ظروف العزل سمعت وصفاً وواقعاً مشابهاً للذي حدثني عنه محمود.
تأخر السجان عن الحضور فامتدت الزيارة وامتد الحديث لربع ساعة إضافية. وعدته بالاتصال بالأهل وطمأنتهم عليه خاصة أن الزيارات ممنوعة لمدة ستة أشهر كجزء من الإجراءات العقابية. وفي طمأنة الأهل راحة نفسية للأسير.
حضر السجان، أعاد وضع القيود على معصميه للخلف، وكانت القيود الحديدية موضوعة على رجليه طيلة وقت الزيارة، الأمر الذي علمت به حين وقف للخروج فلم يكن بمقدوري رؤيته حين دخوله الغرفة.
خرج مناضل بعد أن مرر السجان جهاز الماغنومتر، ودخل السجان للغرفة من الجهة التي جلس بها مناضل وتفصل بيني وبينها جدران زجاجية. دخل وتفقد الغرفة تحت الكرسي وتحت الرف الذي يتكئ عليه الأسير بيديه.
قلت لنفسي يبدو أن الإجراءات الصارمة هي جزء من سياسة "تحسين" صورة السجن والسجان، بعد أن قام أسرى الحريّة بتشويهها. كان من الواضح أنه لم يكن بالإمكان تخبئة أي شيء أو نقل أي شيء بالغرفة كون الغرفة مقسومة لجزئيين بحائط نصفي اسمنتي يمتد نصفه الأعلى بحاجز زجاجي مقوّى يفصل بين جهة المحامين وجهة الأسرى. وهناك سماعة هاتف تتوسط الحاجز من كلا الطرفين. واحدة يستعملها الأسير والأخرى من جهة المحامين. لكنها التعليمات المشددة لنزلاء قسم العزل ويبلغ عددهم العشرين، كلٌّ بزنزانة منفردة غالبيتهم من الجنائيين إضافة لثلاثة أسرى مصنفين أمنيين بينهم محمود ومناضل.
الخروج من السجن
خرجت من السجن، كنت مفعمة بالمشاعر، اعتقدت أني أطمئن عليهم وأني سأرفع من معنوياتهم، لكنّي وجدتهم يشحنونني بالطاقة والأمل. لم اشعر بمرور المسافة من سجن الرملة لحيفا ولم أشعر بطول الطريق رغم اكتظاظ حركة السير عصر يوم الخميس التي استغرقت أكثر من ساعتين ونصف كما أشارت ساعتي.
خرجت وأنا أعلم أني سأفعل ما بوسعي كمحامية وإنسانة لإيصال هذا الصوت ومحاولة وقف وفضح الانتهاكات القاسية التي يتعرضون لها في زنازين العزل تحت مسمى «عقوبات» في ظروف لا إنسانية ومهينة وقاسية بل تعتبر نوعاً من التعذيب النفسي الذي يهدف إلى كسر روح الأسير وإحباطه من خلال استمرار عزله في قفص من الحيطان ومن منعه من كافة وسائل الرائحة والتضييق عليه لأقصى الحدود وإلى قتل إنسانية الإنسان الأسير وتحويله إلى لا شيء.. وفي العزل انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تطلب حماية الأسرى، ومعاملة السجناء معاملة حسنة ومنها "قوانين منديلا" الخاصة بالسجناء وفيها انتهاك لاتفاقية جنيف الثالثة والرابعة فيما يتعلق بأسرى الحرب والأشخاص الموجودين تحت الاحتلال. بل إن اتفاقية جنيف الثالثة تمنع معاقبة من يفرون من السجن من أسرى الحرب[3].
لكنني، رغم قسوة الظروف التي يعيشونها، شعرت بنوع من السعادة مع تزامن زيارتي لساعات قبل دخولهم الإضراب[4] وإعلانهم لي أن هذه الزيارة تشحنهم بالقوة والامل. وهو أقل واجب إنساني أخلاقي أقوم به كمحامية وإنسانة.
من رسالة محمود العارضة للمحامية جنان:
"بسم الله الرحمن الرحيم لقد بدأنا اليوم 21/10 اليوم الأول بالإضراب، كانت المفاجأة لي أن زائرتي بنت أحب البلدان، بلد مريم البتول، بنت الناصرة وقد اختلطت المشاعر وكان القلب يكاد يطير فرحاً فقد جمعت بين الناصرة وحيفا بظل أحمد دحبور يقاسمه الأمل أمير مخول الرجل الهمام الذي عرَفتُه مثل جبل الكرمل في السجون، لا ينحني إلاّ كشجر ونخل بيسان عندما تهب العاصفة، لكن جذوره ثابتة بالأرض كشجرة طيبة تؤتي الوطن أكلها كل حين.
إن زيارة جنان الأرض لي كانت بمثابة زيارة الأم لولدها والأخت لأخيها. قلبي كان دائما نحو الناصرة ونحو حيفا وعكا والجليل. إنني أرى بهؤلاء العظماء الذين ثبتوا في الأرض مثل عجولها يحرثونها من جديد ويقرأون قصة أحمد العربي بوجه أمير مخول. سلام إلى حيفا وسلام إلى الناصرة الحبيبة التي تتلفع بجبالها وشجرها مثل عباءة المسيح ومرة أخرى أقول لكل المغرضين الذين يحاولون تحطيم النسيج الاجتماعي بين فلسطيني الداخل، شجرة السنديان الملتف حول الكرمل، لن تنطلي علينا المؤامرة وإذا كانت مريم البتول خانت فإن نساء الناصرة خنّ العهد. وإن كان المسيح غدر فرجال الناصرة غدروا، وهذا مستحيل.
تحية إلى الناصرة وحيفا وإلى أكسال وسولم وكل البلدات العربية التي مررنا بها. ونحن نعرف الحب بعيون الناس. سلام لكم وعليكم، والسلام عليكم".
الهوامش:
[1]: فهمت منه أن محاميه الذي يترافع عنه من قبل هيئة شؤون الأسرى في قضية "الهرب والتخطيط للهرب من السجن" كان قد أخبره باحتمالية زيارتي.
[2]: والقصد آخر من تم اعتقالهم من مجموعة الستة.
[3]: المادة 91 من الاتفاقية تنص على ما يلي: یعتبر ھروب أسرى الحرب ناجحاً في الحالات التالیة:١. إذا لحق بالقوات المسلحة للدولة التي یتبعھا أو بقوات دولة متحالفة، ٢: إذا غادر الأراضي الواقعة تحت سلطة الدولة الحاجزة أو دولة حلیفة لھا، ٣: إذا انضم إلى سفینة ترفع علم الدولة التي یتبعھا، أو علم دولة حلیفة لھا في المیاه الإقلیمیة للدولة الحاجزة، شریطة ألا تكون السفینة المذكورة خاضعة لسلطة الدولة الحاجزة. أسرى الحرب الذین ینجحون في الھروب بمفھوم ھذه المادة ویقعون في الأسر مرة أخرى لا یعرضون لأیة عقوبة بسبب ھروبھم السابق".
[4]: الإضراب العام المذكور الذي يخوضه أسرى الجهاد الإسلامي والذي انضم إليه محمود ومناضل، تم تعليقه في اليوم الثاني كما أُعلن في وسائل الإعلام لاحقاً، بعد تراجع مصلحة السجون عن إجراءات انتقامية عقابية كانت فرضتها مؤخراً.