باري شاوبسكي
لماذا لدينا متاحف فنية أصلًا؟ كان هذا سؤالًا بدأ ألكسندر دورنر بطرحه في عشرينيات القرن الماضي. من المستبعد أن يكون أول من طرحه، ولكن بوصفه مديراً للمتحف الإقليمي في هانوفر في ألمانيا، كان في وضع سمح له بفعل شيء حيال ذلك. في عام 1927، كُلف الفنان الروسي آل ليسيتسكي بتغيير النمط التقليدي لعرض الفن في ذلك الوقت عن طريق إنشاء "خزانة مجردة" - وهي مساحة معيارية كانت تستجيب بمرونة للفن المعروض، ولكنها أيضًا تحدت الفن من خلال الأنماط المخططة والألوان. كانت البنية التجريبية لدورنر وليسيتسكي استفزازية بدرجة كافية في عشرينيات القرن الماضي. ولكن عندما وصل النازيون إلى السلطة في عام 1933 أصبحت هذه الأفكار بدعة: تم تفكيك الخزانة المجردة، واضطر دورنر إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة.
هناك، استمرت مسألة وظيفة الفن في المجتمع الحديث في استنزاف دورنر، الذي أصبح مديرًا لمتحف الفن في كلية رود آيلاند للتصميم عام 1938. وكتب أطروحة حول هذا الموضوع بعنوان "لماذا توجد المتاحف الفنية؟" كان من المقرر نشرها من قبل مطبعة متحف كلية رود آيلاند للتصميم، ولكنها رُفضت من قبل مجلس المتحف قبل النشر بتهمة "الإهمال في التعامل مع المواد الفنية، وعدم التشاور حول القرارات مع أعضاء آخرين في المتحف وموظفي الكلية، وتجاهل المانحين، وتزوير أعداد الزائرين ". ومع ذلك، أثار الكتيب مجموعة من الأسئلة التي ما تزال تطارد المتاحف حتى اليوم. اتهم دورنر عالم المتاحف بإغراء وخدمة النخب أثناء الانغماس في انتقائية غير متسقة، وذلك بفضل فلسفة عفا عليها الزمن، كما قال، "تمنعهم من أن يصبحوا جزءًا فعالاً من ثقافة عمل متكاملة". وأعلن أن المتحف بحاجة إلى "تغيير طابعه من مخزن إلى عامل نشط وفعال لثقافتنا المستقبلية".
منذ ذلك الحين ظلت المتاحف كما هي. وصاروا يخزنون أكثر من أي وقت مضى. وفي جميع أنحاء العالم، ارتفع عدد المتاحف الجديدة، ولا سيما تلك المخصصة للفن الحديث والمعاصر: في الصين وحدها تم إنشاء أكثر من ألف متحف جديد بين عامي 2000 و2011. وقد توسعت المتاحف الموجودة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بشكل كبير أيضاً. لنأخذ على سبيل المثال متحف الفن الحديث في نيويورك. أقيم في موقع مؤقت بعد تأسيسه في عام 1929، وحصّل موقعه الدائم بعد 10 سنوات في شارع 53، حيث ما يزال متواجداً حتى يومنا هذا. وقد نما بسرعة على مدى السنوات الخمسين الماضية. وحدثت زيادة في مساحة المعرض عام 1948 إلى أكثر من الضعف قام بها سيزار بيلي، تلاها توسع آخر أكمله يوشو تانيغوتشي عام 2004، تضاعفت المساحة مرة أخرى، وكذلك في عام 2017، مع زيادة إضافية بنسبة 30 في المئة في مساحة العرض.
ربما بدأت المتاحف في قبول دورها كعوامل للتغيير – إن كان هناك أي تغيير، فهي تحاول كتابة التاريخ مقدمًا من خلال اقتنائها للفن المعاصر - ولكن في مضاعفتها لهذا الاقتناء فإنها تخاطر في الوقت نفسه بإلزام نفسها بمستقبل لن يتحقق أبدًا. على الأقل بين أولئك الذين كانت لديهم الوسائل لبناء المتاحف، كان السؤال الوحيد الذي طُرح على المتحف هو "كيف وكم نكبّر حجم المتحف؟" آه، وأيضًا "كم من المال يمكننا الحصول عليه ومن مَنء؟". يبدو أن تانيغوتشي قال لمجلس متحف الفن الحديث قبل أن يتلقى عمولة توسيع المتحف: "اجمعوا لي الكثير من المال، وسأمنحكم هندسة معمارية جيدة، أجمعوا أكثر وسأجعل الهندسة المعمارية تختفي".
كم يبدو ذلك العصر التوسعي بعيداً ومنذ مدة الآن. يُطرح سؤال دورنر اليوم بصوت عالٍ أكثر من أي وقت مضى حول دور المتاحف وما إذا كان ينبغي لها، في الواقع، أن يكون لها أي سلطة ثقافية. بشّر دورنر في عام 1941 بأن "الطموحات والمسؤوليات المتزايدة" أدت بالمتاحف إلى "أزمتها الحالية" - التي يبدو أنها وصلت أخيرًا بعد حوالي 80 عامًا - وأنهم لن يسلّموا إلا "إذا كانوا مستعدين لبدء فصل جديد في قصة حياتهم". في هذه الأيام، لا يبدو أن للمتاحف طموحات أو مسؤوليات متنامية؛ وبدلًا من ذلك، يبدو أنها أصيبت بوعكة شديدة. كان دورنر على الأقل يمتلك إيمانًا كبيرًا بتحليله المفترض حول ما جعل المتاحف غير مواكبة للزمن. يبدو أن المسؤولين عن المتاحف أقل ثقة في أنفسهم؛ فالمتاحف والقيمون عليها جميعهم في موقف ضعيف. قد تستمر في النمو والنمو من حيث المساحة، لكن القيّمين على الأعمال ومديريها لم يعودوا واثقين من مكانتهم لإصدار أحكام ذات قيمة.
هذه الأزمة ليست جمالية أو فلسفية بالدرجة الأولى. إنها قبل كل شيء اجتماعية وسياسية، وبالتالي اقتصادية أيضًا. أشار فيليب دي مونتيبيلو، المدير السابق لمتحف متروبوليتان للفنون، في آخر كتاب له "المتاحف الحية: محادثات مع مديري المتاحف البارزين" إلى أنه عندما كان يكبر، "كان المتحف واجهة كلاسيكية جديدة لذلك المبنى الضخم الذي عكس إحساسًا بالسلطة والرفاهية والعظمة وتجربة أرفع في داخله". هذا يدل على الكثير، وأعتقد أنه صحيح جدًا، أنه في الماضي - حتى الماضي القريب - كانت "الرفاهية" و"التجربة الأرفع" مرتبطتان معًا. كما يشير بيتر كلاوس شوستر المدير السابق لمتاحف ولاية برلين في نفس الكتاب، "لم تعد المتاحف قادرة على الاختباء خلف سلطة، ولا حتى سلطتها هي.. لقد أصبحنا أكثر حذرًا، وربما أيضًا غير آمنين، ولكننا بالتأكيد أكثر تفكيرًا وهدوءًا فيما يتعلق بجماهير الآراء المثيرة للجدل التي يتعين على المؤسسات العامة التي تواجهها اليوم بشكل أكبر وأن تناقشها". ويخلص إلى أن المتاحف "يجب أن تكون قادرة على تبرير ما تقوم به بالتفصيل ولماذا تقوم بفعله". قد تنعكس صعوبة القيام بذلك في حقيقة أنه، كما أفاد موقع آرت نت مؤخرًا بأن 22 متحفًا أمريكيًا يبحثون عن مديرين جدد، وما وجدوه وفقًا للمديرة التنفيذية السابقة لمتحف كوينز لورا رايكوفيتش أن "الناس حقًا لا يريدون أن يصبحوا مديرين الآن لأنها وظائف غير محتملة على المستوى العاطفي".
يأخذ فقدان السلطة هذا عددًا من الأشكال. بينما كنت أركز في الغالب على متاحف الفن المعاصر والحديث، فإن الأزمة تتجاوز ذلك بكثير لتشمل المؤسسات المعنية بفترات أخرى من الفن، وربما قبل كل شيء تلك التي تعتبر نفسها متاحف "موسوعية". فيما يتعلق بالأخيرة، هناك إدراك متزايد بأن مجموعاتهم قد تم تجميعها بوسائل أصبحت الآن سيئة السمعة بشكل واضح إلى حد كبير، وحتى إجرامية؛ باختصار، عن طريق النهب (المقنن في بعض الأحيان) والغزو والسلب. في حين أن دعوات اليونان إلى المتحف البريطاني من أجل إعادة ما يسمى برخام إلجين لا تزال تلقى آذانًا صماء، فإن متحف دو كواي برانلي جاك شيراك في باريس، والمتحف الوطني للفنون الأفريقية في واشنطن العاصمة، ومنتدى هومبولت في برلين - حتى وقت كتابة هذا التقرير – يصدرون أصواتًا واعدة بشأن عودة البرونزيات البنينية التي نُهبت من القصر الملكي في بنين في نيجيريا الحالية عام 1897. بينما تعمل المتاحف الأمريكية (وإن لم تكن بالضرورة متاحف فنية) منذ عقود على إعادة القطع الأثرية المقدسة (وحتى الرفات البشرية) المأخوذة من الشعوب الأصلية.
ومهما تأخرت أو كانت هذه الإعادة قليلة، إلا أنه يجب الإشادة بها. وأعتقد أن الحراس السابقين لتلك الأشياء المعادة سوف يدركون أنهم قد تحرروا من العبء الأخلاقي. ولكن هذه المسائل يترتب عليها تداعيات أشد تأثيراً: أن المؤسسات الأوروبية والأمريكية الشمالية يجب ألا تطمح بعد الآن إلى حلمها طويل الأمد بالعالمية. لم يعد يُفهم حقًا أن لندن وباريس وبرلين ونيويورك هي المراكز التي يمكن من خلالها مسح جميع الفنون والثقافات في العالم وتنظيمها وحصرها. يجب أن تبقى بعض الأشياء قريبة من مواطنها. ومع ذلك، حتى على المستويات المحلية هناك الآن شك بين المتاحف حول ما يمكن أن تعرضه بشكل صحيح، بحيث أن مدير أوفيزي في فلورنسا إيك شميدت على سبيل المثال طرح فكرة أن اللوحات التعبدية للعصور الوسطى وعصر النهضة قد تُعاد إلى الكنائس التي كانت توجد فيها سابقًا - حيث ويمكن أن تُعاد لوحة روسيلاى مادونا (حوالي 1285) لدوتشيو مرة أخرى إلى كنيسة سانتا ماريا نوفيلا الواقعة في الطرف الآخر من المدينة. ففي الحقيقة تعمل الكنائس العظيمة في فلورنسا كمتاحف أكثر مما تعمل كدور العبادة، وتخدم عشاق الفن أكثر من المتدينين. اقتراح شميت هو اعتراف بأن المتاحف لم تعد تشعر بمهمة إسكان الفن، والأهم من ذلك تسهيل التجربة الشخصية والنقدية لهذه الأشياء، وضمن هذه العملية توسيع نطاق معانيها.
تثير فكرة إرسال روسيلاى مادونا مرة أخرى إلى الكنيسة حيث كانت مُعلقة قضية تاريخية أخرى - وهي قضية يتردد صداها مع الاهتمامات المعاصرة. لم يتم رسم مريم العذراء هذه من أجل روسيلاى، وهي عائلة تجارية فلورنسية أو للكنيسة التي بنوها بعد وفاة دوتشيو بفترة طويلة؛ تم تعليقها في جزء أصغر في نفس الكنيسة حتى طلب روسيلاى رسماً أعظم بعد قرن من الزمان. ولكن لماذا كان هؤلاء التجار الفلورنسيون حريصين جدًا على تقديم المنح للكنائس على أي حال؟
إحدى الإجابات هي الشعور بالخطيئة: كانت أنشطتهم المالية شبيهة بشكل كبير بالربا، الذي حكم عليه باعتباره خطيئة؛ وهكذا من أجل ضمان حياة سعيدة في الآخرة واحترام في هذه الحياة، كان من الدهاء الإنفاق ببذخ على العمارة والفنون الكنسية. يسمى هذا اليوم "غسل الفن" - استخدام رأس المال الثقافي الذي تم الحصول عليه من خلال الرعاية الظاهرة لتلميع صورة الفرد الاجتماعية على الرغم من الضرر الناجم عن تكديس الثروة التي تجعل هذه الرعاية ممكنة.
لم يتم تجاوز مثل هذا الغسل الفني اليوم بسهولة. فقط اسألوا وارن كاندرز، الذي ترك مجلس إدارة متحف ويتني والذي كان نائبًا لرئيسه بعد احتجاجات صارخة من الفنانين عند ارتباطه بالمؤسسة عندما عُرف أنه من بين الشركات التي يمتلكها شركة تنتج معدات للجيش وحفظ النظام. معدات حفظ النظام بما في ذلك قنابل الغاز المسيل للدموع التي تم استخدامها على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك كما يُزعم وفي فلسطين وأماكن أخرى. بعد ذلك، أعلن كاندرز أن شركته سفاري لاند سوف تتخلص من جزء أعمالها الذي ينتج الغاز المسيل للدموع. ثم هناك ليون بلاك الذي استقال من منصبه كرئيس مجلس إدارة في متحف الفن الحديث بسبب علاقاته مع جيفري إبستين. والأكثر شهرة على الإطلاق، عائلة ساكلر رعاة متحف متروبوليتان للفنون ومتحف تيت ومتحف اللوفر وغيرها الكثير، الذين يتنصلون من المسؤولية الكاملة عن أزمة المواد الأفيونية التي عززوها والتي قتلت ما يقرب من نصف مليون أمريكي.
هذا ليس مجرد عدد قليل من التفاح الفاسد في نظام نظيف. بدلاً من ذلك، أصبح أفراد عائلة ساكلر والبقية يجسدون عالمًا يهيمن فيه غير اللائق وغير الأخلاقي على المتاحف. وعلى الرغم من أن هذه المؤسسات قد تظل من الناحية الفنية مؤسسات تعليمية غير ربحية، إلا أنها محكومة وفقًا لقيم الشركة وتعمل وفقًا للمبادئ السياسية التي يميل الفنانون الذين تُعرض أعمالهم فيها إلى اعتبارها بغيضة. كتب الفنان مايكل راكويتز الذي دعا إلى إزالة بلاك من مجلس إدارة متحف الفن الحديث، "أتطلع إلى تخيل جماعي لنظام بيئي لا يجند المحتوى الخاص بنا للعرض في المؤسسات التي يخلق أعضاء مجلس إدارتها الظروف ذاتها في العالم التي يكرس العديد من الأشخاص منا جهودهم لتفكيكها". في حين أن هناك عددًا قليلاً من الفنانين الناشطين المتحمسين مثل راكويتز، فليس من المبالغة القول إن العديد منهم يعتقدون أن عملهم يجسد قيمًا تتعارض مع قيم الأشخاص الذين يمتلكون سلطة مالية على المتاحف.
ومع ذلك، فإن الفنانين ليسوا الوحيدين المستائين بشكل متزايد من النظام البيئي الحالي للمتاحف: فالكثير من الأشخاص الذين يقومون بالعمل الشاق المتمثل في الحفاظ على عمل المتاحف يعملون على خلاف مع رؤسائهم. كانت جهود تشكيل النقابات في تصاعد - وكذلك الأمر بالنسبة لخرق النقابات. في المتحف الجديد للفن المعاصر، قارن أحد العمال الظروف هناك بظروف مصنع استغلالي. ووجد الموظفون بعد معركة تم كسبها بشق الأنفس من أجل عقد نقابي، أن عمليات التسريح والإجازة استجابةً لوباء فيروس كوفيد-19 كانت تستهدف العمال الذين كانوا أكثر نشاطًا في تنظيم النقابات. ظل الخطاب من الأعلى كما هو: كان المتحف الجديد "مساحة متنوعة ومثيرة وإبداعية للتجارب لأعضاء الفريق والزوار". لكن الصورة التقدمية المعلنة والمزروعة بعناية والتي يأمل المتحف والعديد من المتاحف الأخرى في إبرازها يناقضها التسلسل الهرمي الساحق وعدم المساواة الذي يميز هذه المنظمات.
جعلت هذه الحقائق المنسقين والمديرين أهدافًا للاحتجاج، مما أدى أحيانًا إلى مغادرتهم. في عام 2020 على سبيل المثال واجه متحف غوغنهايم في نيويورك مطالب من مجموعة من الموظفين الحاليين والسابقين لمغادرة كبار المسؤولين التنفيذيين الثلاثة وهم المدير ومدير العمليات والمنسق الرئيسي بسبب "العنصرية الممنهجة" للمؤسسة. استقالت نانسي سبيكتور كبيرة أمناء المتحف المحترمة منذ فترة طويلة، بعد ذلك بوقت قصير. وفي حالة ثانية في نفس العام، استقالت شخصية أخرى تحظى بإعجاب واسع وهي جاريلز كبير أمناء الرسم والنحت في متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث بعد أن أعلن بأن المتحف لن يستغني عن الفنانين الذكور ذوي البشرة البيضاء؛ وكان استخدامه لعبارة "التمييز العنصري العكسي" – والتي لها تاريخ سيئ للغاية - جريمةً واضحة.
هل هناك أي حلول لضيق وأزمة السلطة التي تواجهها متاحف اليوم؟ من نواح عديدة، يجب أن تأتي هذه الحلول من خارج عالم المتاحف أولاً. على عكس المظاهر، فإن المشاكل التي تواجهها المتاحف ليست داخلية في الأساس: إنها تتعلق بالتناقضات المتأصلة في علاقة المتحف بالمجتمع ككل، وهناك تاريخ طويل وراءها. ما جعل هذه المشاكل في المقدمة هو عدم المساواة المتزايدة التي نعيش بها، سواء من حيث العرق أو الطبقة، ولهذا السبب، فإن أحد الحلول لمشاكل المتاحف قد يكون ببساطة: الاشتراكية. حتى لو لم يكن ذلك في الأفق، فإن أي شيء يحد من قوة 1 في المئة المسيطرة سيساعد.
لكن ما الذي يمكن أن تفعله المتاحف نفسها؟ من الملاحظ أن الشباب، بمن فيهم الفنانون، يطرحون أسئلة ومطالب مختلفة على الأعمال الفنية أكثر مما يفعله كثير من كبار السن. التغيير أعمق مما قد يبدو - ربما تحول تكتوني في الفن نفسه، والذي سيعني إعادة التفكير في فكرة المتحف ذاتها. يتحدث جاك رانسيير، في كتابه الأطروحة عام 2011 عن كيف بدأ "النظام الجمالي للفن" بالهيمنة على أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، خلفًا للأنظمة التمثيلية والأخلاقية السابقة للفن وأدى إلى ظهور متاحف مثل متحف اللوفر. جادل بأن الجمالية الفنية كانت نتيجة للثورة الفرنسية: تمت الإطاحة بالملك، وأصبحت أعماله الفنية الآن ملكًا للشعب عن طريق الدولة. لكن العديد من هذه الأعمال كانت في الأساس أنشودة بصرية للملوك، وأكثر من ذلك كانت أعمالًا تعبدية، وشهادات على قوة الكنيسة، التي صمم الثوار على قمعها. كيف يمكن اعتبار هذه الصور الملكية ورجال الدين أمجاد أمة حرة وعلمانية؟
كان الحل جذريًا: تمت إعادة صياغة هذه الأشياء التي صنعت لتكريم الملك والكنيسة، ببساطة، كأمثلة للفن الراقي - أي ذات الشكل الجميل والمهارة الفائقة. لأسباب سياسية على وجه التحديد، كان لا بد من أن تسود رؤية جمالية في الأساس. أصر رانسيير على أن حلاً واحداً كان متاحًا لإبطال محتوى اللوحات من خلال "تثبيتها في الفضاء الفني الخاص"، وبالتالي "تدريب نظرة منفصلة عن معنى الأعمال". بعبارة أخرى، من خلال ما أصبح يُعرف لاحقًا بالشكليات، فإن أي موضوع، حتى عندما يكون محتوى العمل موضوعًا لم يعد من الممكن دعمه، يمكن الإعجاب به من أجل الفن. وبالتالي يأتي الفن من الفن: "الرسامون، من الآن فصاعدًا، يقلدون الرسم".
لكن يبدو أن هذا "النظام الجمالي" يتراجع اليوم - ربما لأن السلطات التي قامت بإرسائه تبدو أقل مصداقية. ما زلت أسمع أصدقاء يدرسون في مدارس الفنون يشكون من أن عددًا أقل وأقل من طلابهم مستعدون للتعامل مع الفن كمسألة شكل، والشيء نفسه من مؤرخي الفن بشأن الطلاب الذين يقومون بتدريسهم. يبدو أن أكثر ما يثير قلق الفنانين الشباب هو موضوعهم، والرسالة التي يريدون نقلها - وبالمثل، في تقديرهم لفن الآخرين، يبحث هؤلاء الشباب عن المحتوى الذي يلبي تطلعاتهم الأخلاقية.
قد يمثل هذا التحول في معنى ما يجب أن يكون عليه الفن لمحة عابرة للأجيال أو على العكس تمامًا، قد يكون طوفانًا من التغيير الذي لم نشهده منذ قرنين من الزمان . ويشكل تحديًا كبيرًا للمتاحف، التي لم تعد قادرة على تقديم نفسها كمحكمين محايدين لثروة العالم من الأشكال البصرية. لا مانع من الاعتراف بأني أتمنى أن يكون ذلك مجرد صورة عابرة، على الرغم من رغبتي في أن يكون للمتاحف دور أخلاقي أكبر. أفضّل دورًا أكبر لأولئك الذين لديهم رهانات أعلى على كل من تاريخ الفن ومستقبله - أي الفنانين أنفسهم - لكني أظن أن آمالي تذهب سدى. ما أسماه رانسيير "النظام الجمالي للفن" ومتحف الفن جعل كل منهما الآخر ممكنًا، ولا أحد يعرف كيف يكون لديه وجود دون الآخر. ماذا لو كان ما نشهده اليوم هو عودة إلى زمن يُقدَّر فيه الفن لمنفعته الاجتماعية، وتأثيره التنويري على المُشاهد، أكثر من تكافؤه الجمالي؟ قد يتحول الفن إلى شيء مختلف تمامًا عما كان عليه، وسيتعين على المتاحف أن تتغير كما الفن. وقد تكون ضائقة المتاحف قد بدأت للتو.
[ترجمة وعد النمري، عن موقع ذا نايشن].