قبل أعوام نشرت تغريدة، قلت فيها: [أمرٌ مضحكٌ أن يربطَ النَّاسُ بينَ الشاعر والرومانسية؛ وكأنَّهما توأم سيامي! إنَّ الجمهور -في الغالب- عائقٌ، والكثير من الشُّعراء ليسوا رومانسيين بهذا المعنى، أبدًا!] واليوم سأحاول التوسع في هذه الفكرة التي لا تُحاط بسهولة.
يقفُ المتأمل أمام الكثير من الأوهام حول الشعر والشعراء والشِّعرية، على البشرية أن تتجارزها، وتحديدًا على الذهنية العربية المسكونة بخيال محدود تُجاه هذا اللون (الخاص) من الإبداع الأدبي؛ يشبه وهم نظرة الاستشراق لـ المشرق.
من بين تلك الأوهام: علاقة الشاعر بالمرأة/ علاقة الشاعرة بالرجل. إذ ساهمت مواريث الثقافة العربية (والشعر أحد أهم منابعها وركائزها) بأسْطرةٍ ما للشعراء، بل أنها وضعتهم في منزلة بالغة الحساسية والحذر دون (النبوة) وبين (السحر) و(الجنون). وقد يكون للشعراء حظ من كل هذا لكنهم ليسوا أنبياء ولا سحرة ولا مجانين، هذا مؤكد!
سيُصعقُ الناظر في محركات البحث من كمِّ المواضيع والنصوص (السطحية) التي تحمل عناوين مغرية ولافتة من قبيل (لا تحبي شاعرًا) (لا تعشقي الشعراء) (أن تحب شاعرةً) (علاقة الشعراء بزوجاتهم) (الشعراء يمارسون الجنس أكثر من سواهم) (هل ثمة رجل خلف كل شاعرةٍ)… إلخ. عناوين تحاول الالتفاف على حقيقة لا يجهلها عاقل: أغلب الشعراء لا يملكون خطة محكمة للغد، ولا وقتًا لكل هذا السياق التآمري على الآخرين!
يعرفُ الشعراء الكثير عن أسرار اللغة ومقاصد المعنى وألعاب الإيقاع وغير ذلك، لكنهم بالكاد يفوقون غيرهم في معارف فنون الكاماسوترا ووصايا الجيشا وأخبار نواضر الأيك وأساليب الروض العاطر؛ فتلك في النهاية ليست قضيتهم.
هناك طواويس بلا شك، ولكن إجمالاً: الشعراء كائنات بشرية أرضية حقيقية تقارب الحياة وأسئلتها من زاوية غير التي تعودها الآخرون، ولم يهبط الشعراء من المشتري. فأرواحهم تحمل ظلامها وظلالها -وضلالاتها- على ذمة المجاز والتورية كما يحملون قمصانهم على تعب أكتافهم، نعم، إلى هذا الحد يناوشون هشاشتهم وانكساراتهم ومعاركهم وسجالاتهم -ومباهجهم كذلك- بأقل السُبل صخبًا وكلفةً وبلاغة، وبأكثرها أحيانًا.
لسنا أبطالاً ولا حتى رومانسيين بالضرورة، لكننا عشاق معقولون لا تنقصنا الفروسية إن لزم الأمر. فلا تخلعوا على الشعر والشعراء ثياب الأسطورة وقبعة الغموض، ولا تحملوه وزر تفسيراتٍ مراهقةٍ. قفوا فقط على حواف السؤال الشعري واللحظة الدامعة.. لأننا نشبه قصائدنا ومَن يتراءى لكم حيًّا خلفَ قصائدنا.
أخيرًا، وسأزعم هنا بأنني أتحدث باسم الألوف من أشقائي وشقيقاتي الشعراء؛ نحن أهونُ من عبءِ خيالاتكم الجامح؛ وإنْ بدونا خارقين دون أن نتعمَّد ذلك!