رنا الضويانية
(رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2022)
[رنا الضويانية باحثة عُمانية حاصلة على درجة الدكتوراه، وسبق أن صدر لها كتابٌ آخر بعنوان "جمال عبد الناصر والحركات السياسية في عُمان"].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
رنا الضويانية (ر. ض.): الكتاب عبارة عن أطروحة الدكتوراه والتي كانت توسعًا لمرحلة دراسة الماجستير الموسومة بـ"جمال عبد الناصر والحركات السياسية في عُمان"، وجاءت فكرة الموضوع بعد نقاش مطول مع الوالد حمدان بن سيف الضوياني -أطال الله بعمره- الذي خاض تجارب التنظيمات السياسية والتيارات الفكرية في عُمان ومنطقة الخليج العربي، إضافة إلى أن فترة الدراسة تمثل زخمًا فكريًا وحراكًا سياسيًا شهده الوطن العربي عامةً، ومنطقة الخليج العربي خاصةً، ورغبة في دراسة الأسباب التي نشأت من أجلها هذه التنظيمات بمختلف الأيديولوجيات وأسباب تراجعها، من هنا جاءت فكرة البحث ودراسة الحركة القومية في منطقة الخليج العربي خلال الفترة (1948- 1968م) ونشرها بعد ذلك على هيئة كتاب؛ حتى تعم الفائدة.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(ر. ض.): يعالج الكتاب مجموعة من الإشكاليات، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. ما العوامل والأسباب التي ساهمت في ظهور التنظيمات الفكرية والسياسية في منطقة الخليج العربي.
2. كيف برز النشاط الفكري والسياسي للتنظيمات القومية العربية في منطقة الخليج العربي؟
3. ما أهم القضايا العربية التي اهتمت بها التنظيمات القومية العربية في منطقة الخليج العربي.
4. لماذا تراجعت الحركة القومية العربية في منطقة الخليج العربي واستبدلت بتوجهات فكرية جديدة؟
كما سعت الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1. تتبّع النمو السياسي والفكري في منطقة الخليج العربي وأهم الأسباب التي كان لها دورٌ في ظهور التنظيمات والأيديولوجيات الفكرية والسياسية.
2. إبراز النشاط الفكري القومي في منطقة الخليج العربي، من خلال عرض التنظيمات القومية التي نشأت وتشكلت في المنطقة.
3. عرض أهم القضايا التي اهتمت بها القوى والأحزاب القومية في منطقة الخليج العربي، وبيان موقفها تجاه القضايا العربية.
4. الكشف عن التغيّرات السياسية في الوطن العربي، وتأثيرها على الحركة القومية في منطقة الخليج العربي والأسباب التي أدت إلى تبني الأيديولوجيات الفكرية الماركسية.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(ر. ض.): بطبيعة الحال كتابة البحث التاريخي وتحديدًا في التاريخ الحديث والمعاصر، تتطلب قراءة الوثائق والاستناد عليها وتحليلها في طرح إشكالية البحث والدراسة، لذا كان الحصول على هذه الوثائق تحديًا لا سيما وأن بعض الأشخاص الذين عاصروا وكانوا جزءاً من التطورات السياسية في المنطقة يحتفظون بعددٍ من الوثائق والمنشورات، إلا أنه -وبتوفيق من الله وبمساعدة أساتذة قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس، وعدد من الأساتذة في البحرين والكويت منهم: عبد النبي العكري من البحرين، ود. عبد المنعم الشيراوي من البحرين، والأستاذ علي العوضي من الكويت، وغيرهم الكثير- تمكنت من الحصول على نشرات ووثائق تتعلق بفترة البحث والدراسة، إضافة إلى تحدي التوصل إلى مجموعة ممن شاركوا في هذا الحراك السياسي والنضال القومي، تحقيقًا لقيم ومبادئ الحركة القومية في منطقة الخليج العربي.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(ر. ض.): الكتاب دراسة تاريخية لحركة سياسية وتيار فكري نشأ في الوطن العربي، ووصل إلى منطقة الخليج العربي عبر وسائل مختلفة منها: البعثات الدراسية للطلبة إلى أقطار الوطن العربي، توافد الأخوة العرب إلى منطقة الخليج العربي بعد ظهور النفط وغيرها من الوسائل، ويتحدث عن فترة التغيرات التي صاحبت نهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)، والأوضاع التي عاشتها المنطقة وكان لها دور مباشر في نشاط الحركة القومية العربية في منطقة الخليج العربي، وقد ناقش الكتاب الأسباب التي جعلت من المنطقة موطنًا خصبًا لتقبل هذه التيارات السياسية، وكيف زاول أعضاء هذه التنظيمات حراكهم السياسي، وقد لاحظتُ أن التنظيمات بمختلف مسمياتها ومع تغيير توجهاتها إلا أنها تشترك في فكرة مشروع الوحدة العربية، ولكن الأفكار القومية العربية واجهت تحدي التيار الشيوعي واليساري، وظلت هذه التنظيمات (القومية واليسارية) تحارب الاستعمار الإمبريالي والأنظمة التقليدية الحاكمة، وقد عالجت الدراسة الأسباب التي جعلت التيار القومي العربي في منطقة الخليج العربي تحل محله الأيديولوجية اليسارية-الماركسية، والتي ظهرت في الحركة السياسية التي قادت الثورة في ظفار-جنوب عُمان.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(ر. ض.): يعد الكتاب الإصدار العلمي الثاني لي، وهو أطروحة الدكتوراه التي حزتها في عام 2020م، من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأملين أن يصل إليه القراء؟
(ر. ض.): الكتاب موجه لكل قارئ في تاريخ الخليج العربي، وفي التاريخ العربي الحديث والمعاصر، ولكل من يهتم بالقراءة في الأيديولوجيات، والتعرف على التطورات الفكرية والثقافية التي مرت بها المنطقة في الفترة التاريخية المحددة، وكل من يحب الاطلاع وإضافة رصيد معرفته عن التيار القومي العربي الذي برزت تنظيماته في أقطار الخليج العربي، وبرز فيه عدد من الأعضاء ممن كانوا مؤسسي الحركة القومية العربية، وتركوا أثرًا واضحًا في التاريخ الحديث والمعاصر في المنطقة.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ر. ض.): أعمل حاليًا على إعداد إصدار جديد يتعلق بجزء من تاريخ عُمان العريق الحديث، وسيتحدث عن الأوضاع المختلفة من خلال شهادة حية، إضافة إلى المشاركة في أبحاث علمية في مؤتمرات محلية ودولية.
مقتطف من الكتاب
كما يتضح أنه على الرغم من الطفرة الاقتصادية التي أوجدها النفط، إلا أن المجتمع في منطقة الخليج العربي كان طبقيًا متباينًا، ومتفاوتًا في التركيب الفكري، حيث تضاعف عدد العمال الأجانب فيها مع تدفق عائدات النفط، فأوجد خللًا سكانيًا، بتكون طبقة عاملة لا ترتبط مع الوعي السياسي القومي للمنطقة، إضافة إلى أن مجتمع منطقة الخليج العربي مجتمع تقليدي، وقبلي، وبدوي يهيمن عليه التيار المحافظ، الذي لم يتقبل ظهور تيارات ثورية سياسية شعبية، تدعو إلى النضال السياسي وفق أيديولوجية فكرية تحررهم من العقائد الطائفية، والقبلية العشائرية، وقد رفض التيار المحافظ فكرة الأسس الحزبية في إطارها التنظيمي ذات التوجه القومي العربي، أو تلك التي تحمل التوجه اليساري الماركسي، إذ أن الخطاب الفكري لهذا التيار-الديني- يختلف عن الخطاب القومي العربي، فالحركة القومية العربية هي حركة فكرية وسياسية مستقلة عن الانتماء الديني والإيمان المرتبط بالإنسان، سعت لبناء كيان سياسي عروبي مستقل عن التسلط الأجنبي.
وفي تجربة القضية العُمانية مثال على الخلط في التجربة القومية، فقد قاد القضية العُمانية التيار الديني المتمثل بالإمامة، وحصل على الدعم العربي العسكري والمادي من مصر والجزائر وسوريا وبغداد، ما ساهم في تدويل القضية العُمانية وجعلها قضية عربية تناقش في هيئة الأمم المتحدة؛ إلا أن الدافع وراء لجوء أصحاب القضية للحصول على دعم الدول ذات التوجه القومي، هو التخلص من الوجود البريطاني الذي كان متحكمًا في شؤون عُمان الداخلية والخارجية، وليس الإيمان بالمبادئ القومية العربية، فقد ظلت القضية العُمانية متمسكة بالعقائد الفكرية ذاتها، ومتقوقعة في فكر القبيلة والعشيرة، والتنظيم الداخلي ذاته دون وجود برنامج سياسي واضح لها، وربما خشيت الإمامة أنها إذ نقلت توجهها إلى الفكر القومي ستفقد الزعامة الدينية المحركة للقبائل المؤيدة لها؛ نظرًا لأن الوعي السياسي للقاعدة الجماهيرية في عُمان في تلك الفترة لن يصل إلى خارج نطاق التيار الديني.
وعلى الرغم من المزاعم بأن الحركة القومية العربية، حركة سياسية تخالف الدين الإسلامي، إلا أنها تؤكد في خطابها إيمانها بأن علاقة الدين بالعروبة علاقة وثيقة جدًا، فحزب البعث العربي الاشتراكي في أفكاره يرى بأن القومية العربية جسد روحه الإسلام، وهو تعبير صادق عن إنسانية الإنسان، والإسلام حركة عربية معناها تجدد العروبة وتكاملها، وهذا ما أكده جمال عبد الناصر عند تحدثه عن الدائرة العربية والدائرة الإسلامية والدائرة الأفريقية. ويؤكد ساطع الحصري أن مفهوم القومية العربية ظهرت في آراء عبد الرحمن الكواكبي (1849 - 1902م) في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" عندما دعا إلى النهوض بدولة قومية عربية مستقلة يديرها مجموعة تربط بينهم ويجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين، كما دعا في كتابه "أم القرى" إلى إنشاء جمعية لإحياء الفكر والإسلام. وفي مؤلفات جمال الدين الأفغاني (1838 - 1897م) -أشهر الدعاة في العالم الإسلامي- سعى بدعوته أن تكون الدولة الإسلامية متحررة من المستعمر الأجنبي، ولها نهضتها الفكرية والروحية؛ وقد كانت دعوته سببًا في قيام حركات إحياء الدين الإسلامي، وقد صرح بأن: "تأثير رابطة اللغة أقوى من تأثير رابطة الدين".
فكانت دعوة هؤلاء المفكرين ودعاة الإسلام، مرتبطة بضرورة تطوير مفهوم جديد للإسلام، تجاه المستجدات العربية بموجب الوحدة الإسلامية، ومؤكدين بأن المنظور الإسلامي له دور مهم في مفهوم القومية العربية، ويؤكد ساطع الحصري أن الدين كان القوة الدافعة للفتوحات الإسلامية التي أسهمت في نشر اللغة العربية؛ إلا أن التيار المحافظ جعل من الدين غطاء سياسيًا له، وهو ما لا يتوافق مع التوجهات الفكرية للحركة القومية العربية، التي تسعى لتوحيد الأقطار العربية بانتماءاتهم وطوائفهم الدينية وروابطهم المشتركة".