محمد محسن
(أبجد للنشر والتوزيع، العراق، 2022)
[محمد محسن شاعر وكاتب عراقي].
جدلية (ج): كيف ولدت فكرة نصوص المجموعة؟ ما هي منابعها وروافدها، ومراحل تطوّرها؟
محمد محسن (م. م.): تولد نصوصي كلما وضعت رأسي على الوسادة. لا تولد في النهار كأنها تخاف الفضيحة أو أن لها عداوة مع الشمس، منابعها المشاهدة اليومية. تتطور نصوصي كلما نظرت بوجه امرأة حلوة أو مراهق خائف خلف مدرسة البنات.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسية التي تحتوي عليها؟ ما هو العالم الذي تأخذنا إليه النصوص؟
(م. م.): الحسّ. أن يرتعشَ الأنسان حتى لو حسّ. تأخذنا المجموعة إلى عالم الجمال المعزول تاريخياً وراء الجثث الرومانسية.
(ج): كتابُك الأخير مجموعة شعرية، هل لاختيارك جنسًا أدبيًّا بذاته تأثير فيما تريد أن تقول، وما هي طبيعة هذا التأثير؟
(م. م.): لم أختر شيئاً. الشعر هو من اختارني منذ نعومة خوفي. أعتقد أن الشعر يحتاج رقبة طويلة خائفة وتتلفت. لذلك اختارني. أظن أن تأثير قصائدي جيد في المتابعين قبل النخبة ذات الطبيعة الحساسة، كما قلت، طبيعةٌ تثيرً الرعشة.
(ج): ما هي التحديات والصعوبات التي جابهتك أثناء الكتابة؟
(م. م.): في الحقيقة لا توجد صعوبات، وكل من يقول ذلك يكذب. الشعر متعة ومتعته أن تكتبه تحت سطوة الخوف.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الإبداعية؟
(م. م.): هذا الكتاب مجموعتي الأولى بكل تأكيد وعصارة حياتي الأولى وخوفي الأول كله. هذا الكتاب مهم في مسيرتي ومستقبلي.
(ج): هل تُفكّر بقارئ محدّد أثناء الكتابة، صفه لنا؟
(م. م.): أفكر بالقارئ المرتبك أمام امرأة جميلة. هذا من يدرك نصوصي، أفكر بالقارئ الذي يتذكر حبيبته الجميلة أو العاهرة.
(ج): ما هو مشروعك القادم؟
(م. م.): فحص التأريخ. إذ جلبت لنفسي مهمة شاقة بدراسة التأريخ الإسلامي. أنا طالب ماجستير تأريخ إسلامي ولي مجموعة أخرى أنوي طباعتها هذه السنة أيضاً، وأبحاث كثيرة عن التأريخ والنساء وبعض البيرة.
مقتطفات من المجموعة
المحروم
من أين لي حُسبانُ هذا؟
خيبةٌ ثمَّ قصيدةٌ أخرى
أفتحُ النافذةِ
بدل النسيمِ،
كواغدُ تَصفعُ وجهي
وأكياسٌ طائرةٌ،
تحملُ بين العيبِ والحرامِ
بيوتً مشوهةً بأرحامِهَا.
وكأسُ نبيذٍ يتلفتُ بيدِ صاحبهِ
يريدُ أن يترعَ نفسهُ،
وطفلةٌ تنامُ في كفنٍ
على أملِ يومٍ ما تخلو المقابرُ،
أغلقُ النافذةَ.
لا شيءَ يدعو لفتحِها،
سوى دخانِ سجائري المسجونِ
في فضاءِ غرفتي
لا نساءَ في الخارجِ أيضاً
الجنسُ يفضحُني،
في المرحاضِ أمام أفلامِ (البورنو)
ويدي ترتعشُ دائماً
نحو اثنينْ:
الخبزُ والجنسُ.
تعلمتُ الكبتَ المقنعَ
من أفواهِ المنابرِ
تعلمتُ العادةَ الحبرّيةَ،
وهي تغضُ النظرَ
عن نُطفِ قصائدي.
لا ماءَ يغسلُ خوفي
ولا أنا جاموسٌ يفركُ نفسهُ بالقصبِ
مُشيراً إلى النهرِ.
لهذا ارتبطتُ بالدمى
التي ترتدي ثوباً بلا ثوبٍ.
مُستقبلُ يدي،
يهشُ الذُبابَ عن حِلماتِ التماثيلِ
المعروضةِ لجائعي العالمِ الثالثْ
الذين تسيلُ نطفَهُم على سراويلِهمِ
وهم يسيرونَ إلى صلاةِ الفجْرِ
يدعون بامرأةٍ صالحةٍ،
أو أيّةِ عاهرةٍ تقومُ بمُهمةِ الصنميةِ.
لماذا صنعتم منّا تماثيل؟
لأرى العالم يقفزُ
في أيّ ستيانةٍ تنبضُ بالنهودِ
لأرى الجميعَ يتضاجعُون
فوقَ حطامِ
المهورِ العاليةْ
لأرى العالمَ امرأةٍ
انسلخت من لعنةِ الجاريةْ
لأرى هذا التهميش
على وجْهِ طفلٍ حديثِ الولادةْ
يلمسُ أيَّةِ فتاةٍ بلا مقابلْ|
يهمسُ لها: "تعاليْ نحضنُ بعضنا
كوجهٍ يهبطُ على وجْهِ المرايا
تعاليْ نجرحَ صوتَنا
ليتذكر إرهاصاتِ أسلافه الزجاجيةَ
تعاليْ نصمتْ إلى الأبد"
من أجلِ هذا
كسرْتُ النافذةَ.
خرائط إليكِ
1- ليس بيدي شيئٌ سوى أصابع.
2- لستُ نبياً كي تهبطي عليّ
كالوحي كل ليلةٍ.
3- أقاتلُ وجعي بضحكتِها
لذلك إلى الآن مازلتُ حيّاً
4- شعركِ الطويلُ
يُغطي الملكين
اللذين على كتفيكِ
وتاريخُ الأديانُ لا يذكرُ نبَّيةُ!
5- لا أرى شيئاً بصدري
سُوى دُخانٍ...
صافحتُ كلَّ المارةِ ظننتُهم أنتِ.
6- لم أنسَ أغُنيتكِ المُفضلةَ
والرمل الافتراضيِ في الجزيرة الخاليةِ
من فراملِ العشوائيات،
وأبواقِ البقالين
والصور التي التقطتِها لي
وأنتِ تتلفتين
لن أدُافع عن وطنٍ لا وطنَ لي فيهِ مجددٌ.
7- الحريةُ أن أرفعكِ على كتفي
كنملةٍ تحملُ حبة القمح
تقعُ ملايين المرات،
دون أنف حذاءِ احدهِم.
8- كيف توقدين ثلجاً على شفاهكِ؟
حتى أمي...
وضعَت أناءً تحت سِماعةِ الهاتف
تجمعُ فيه...
صوتكِ للأيامِ الحارة.
9- تطلقتُ كثيراً
من كلِ الغرف الحمر
التي نطقتُ بها اسمكِ
على أسرةِ النساءِ
اللواتي كنْ يُراقبن
ضحكتكِ الأولى
حين نطقتُ شفاهي بأذنكِ.
10- وصلتُ الجسر
معي أعزُّ ما أملكُ
سيجارتي الأخيرةَ
النهرُ حقيرٌ جداً،
فرّق كل المياهِ
على المنتحرين الجدد
لم يترك لي ولو قطرةً واحدةً
أختنقُ بها.
11- الثانية صباحاً
بحثتُ عنكِ
في كل المواقعِ المحظورةِ
أتلفتُ.
12- الحُبُّ مصدرُ رزقهِ
إن كانت أنثاهُ غنيةً.
13- لو تلتفتين سأقولُ أحبكِ
عيناكِ رصاصةٌ،
لا تعطي فرصاً أخرى.
14- يحلقُ ذقنهُ
ينتصبُ تحت الشجرةِ
مر أربعٍ وعشرين وجعاً
صدئتْ شفرةُ الحروفِ
تجعدَ وجهُ الكلامِ
ولم تخرج من المدرسةِ
15- اليوم رأيتكِ
بثوبكِ الأسود الملطخِ بالطحينِ
ركضتُ ملهوفاً
ارتطمتُ بالزجاجِ
صُنِع من ثوبكِ موضةً
ترتديها الدمى يا حبيبتي.
16- تحومينَ حول عقلي
كطيرِ الأضرحة المقدسةِ
لا أنتِ لي
ولا أنتِ راحلةٌ.
17- المرأةُ التي ماتتْ على كتفي
تدعوني عند أيّ جنازةٍ أحملها
لا وفاء إلا الموت.
18- يلحقُكِ لساني كالطفل البخيل
يلحسُ الكاكو المتبقي
على غلافِ شفاهكِ.
19- صوتُ أنفاسِها
عندما تنامُ
من علاماتِ
الساعة الكُبرى لقيامِ قلبي.
20- غرقت مدينتي بالمطرِ
انقطعت أنفاسُها
أرتدى الله سماعة الطبيبِ
وجد ضحكتكِ نبضاً
ضغطَ على صدرِ المدينة
شهقتُ أحبّكِ
21- هل تذكرين شجرةَ الصفصافِ؟
التي وقعت خلفنا
عيناكِ فأسٌ!
تاجُ زهرةِ الشمسِ
أفشلُ في امتحانكِ
هاربٌ من أبي وراء الشجر،
كان جزاراً في تربيتي
ذات مرة لم يخرجْ مني دمٌ،
علمتُ قد شاخ.
كتبتُ على كلِ جذعٍ أحبكِ
بميراث عمي من البستانِ،
تمدد هناك ذات مرةٍ،
سقطتِ على رأسه بعد أن نضجتِ.
يا موجةً تلاعبُ البطَّ،
الطيرانُ نكستي
يا ساحرةً تمشي على نار قلبي،
يا خجولةً مثل خيطٍ ملونٍ بثوبٍ أسودَ.
تلك الحقولُ تسمعُ لولا الترابُ
كم أودُّ مرور طفلٍ يلهو،
يهزُّ أغصانها.
الحكمةُ لا تملك شفاهاً
ماذا يعني أن لا أحبّ،
من يقضم أظافري قلقاً،
أمتطي الخطايا إليكِ،
راكباً جذع النزهةِ
والكلابُ تحرسُ أذني،
لو نادى العالم كله أرجع.
أبي يطفئ الضَّوء،
لئلا تقعين من رأسي،
بخاصرةٍ لم ترضع السقوط بعد.
الفم الوردي يجب أن لا يحب،
بلا ازرقاقٍ.
وعلى طريقة المزارعين الإيطاليين
(دللني أنا، كي تتمتع أنت).
لا نصيحة تدفئُني،
لا حكمة تقبلني بأحمرِ شفاههاِ،
مثلما تفعلين أنتِ.
الخبزُ في المكتبةِ،
الكتبُ في الفرنِ،
المالُ في الحانةِ،
الخمرُ بفمِ أصدقائي الأثرياء،
وأنتِ الوحيدةُ بجيبي،
قايضتكِ في سبيلِ الشهوة،
مثلما قايض اللهُ راحتي بكِ.
لا أحبُّ مثل عداءٍ لا يجدُ خطاً،
حتى الفجرِ يواصلُ السباق بلا متفرجينَ.
الساعةُ الثامنةُ صباحاً أُقّلبُ جُثتي الجائعةَ،
أقنعُ ذلك النهم بكأسِ عانسٍ
يتظاهرُ بحبّ الوحدة.
من يعرفُ جوع الساعةِ العاشرةِ صباحاً؟
من يُقنعُ الضّحى غيركِ