بتاريخ 11 أيار/مايو 2022 أطلق قنّاص النار على الصحافية الفلسطينية المخضرمة، شيرين أبو عاقلة، والتي كانت تؤدي مهمة صحفية في جنين صباحاً. وبحسب عدد من شهود العيان الفلسطينيين، فإن تحقيقاً أجرته منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، يوضح أن المهاجم كان ضابط أمن إسرائيلي. على الرغم من هذه الأدلة والافتراض العنصري بأنه كان من الممكن أن تكون الجريمة نتيجة نيران فلسطينية، أطلقت إسرائيل حملة علاقات عامة لزرع الشك والارتباك في محاولة للتضليل وإعفاء إسرائيل من المساءلة. في هذه المقابلة، استُضيفت نورا عريقات، محررة جدلية، لدى شبكة "سي بي أس" الإخبارية لمناقشة موضوع التحقيق في مقتل أبو عاقلة، يوم الإثنين 16 أيار/مايو 2022، قبل أيام من ظهور مقطع فيديو آخر يؤكد عدم وجود نيران فلسطينية على الإطلاق وقبل إعلان إسرائيل أنها لن تبدأ تحقيقاً لتجنب المزيد من الجدل.
محطة "سي بي أس" الإخبارية: ماذا يمكنك أن تخبرينا عن هذا التحقيق؟
(نورا): شكراً لاستضافتي. هناك أشياء أرغب بالتأكيد عليها. أولاً، أريد أن أنّوه بأن شيرين لم تكن صحافيّة وحسب. بالنسبة لأجيال عدة من الفلسطينيين، ولا سيما المقيمين منهم في الشتات، عرّفتنا شيرين على فلسطين، من خلال تقاريرها. أرشدتنا داخل الصراع المتواصل في سبيل الحرية. ثانياً، أوّد أن أشدّد على رسالة يردّدها الفلسطينيون منذ أربعة وسبعين عاماً: إن القوات الإسرائيلية التي قتلت شيرين لم يكن يتعين أن تكون هناك، على تلك الأرض، أصلاً. ثالثاً، أريد أن أؤكد أن قتل شيرين أحدث ضجّة لأنه كان من الواضح جداً لمن كان يشاهد أنها قتلت بطلقة صُوّبت بدقة. أصيبت تماماً تحت خوذتها، مباشرة في رأسها. هذه الإصابة تتطابق مع نمط إسرائيل وممارستها المنهجية في استهداف الفلسطينيين. وشيرين ليست الصحافية الفلسطينية الأولى -وبالطبع ليست الفلسطينية الأولى- التي تُستهدَف بهذه الطريقة. أمّا بالنسبة إلى سؤالك، فليس هناك تحقيق قائم لأخبرك عنه.
(سي بي أس): هل تؤكدين أن قوات الدفاع الإسرائيلية استهدفت شيرين تحديداً؟
(نورا): نعم، هذا ما توصلنا إليه من خلال شهود العيان في جنين، وهذا ما حصلنا عليه من منظمة "بتسليم" لحقوق الإنسان، التي وفرت الإحداثيات عن موقع الفلسطينيين خلال الهجوم، وعن مصدر إطلاق النار الإسرائيلي. وبالإضافة إلى هذه الأدلة الداعمة، يتطابق قتل شيرين مع ممارسات الإسرائيليين وأنماطها. لهذه الأسباب، يتعين أن يكون هناك تحقيق دولي ومحايد، وليس تحقيقاً بقيادة الإسرائيليين.
ويتعين اعتبار مطالب المسؤولين الإسرائيليين بالتحقيق بأنها محاولة لتبرئة جرائم إسرائيل. وهي أقرب إلى حملة من العلاقات العامة منها إلى تحقيق محايد في حياة شيرين أبو عاقلة وقتلها.
فمثلاً، بدأت إسرائيل "تحقيقاً" في "مسيرة العودة الكبرى" في قطاع غزّة، التي قُتل خلالها أكثر من مئتي فلسطيني. أصيب تسعون بالمئة منهم في الصدر، أو العنق، وحتى في الظهر. وجدت "بتسليم" أن التحقيق لم يصل إلى أي نتائج. وأظهرت بيانات مشابهة أن أكثر من ثمانين بالمئة من تحقيقات الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية باءت بالفشل. ومقتل قريبي عند أحد الحواجز الأمنية هو أحد الأمثلة على ذلك. قبل عامين، أصيب وقتل عند حاجز يفصل بين مدينتين فلسطينيتين. حتى اليوم، ما زالت السلطات الإسرائيلية تحتجز جثمانه في ثلاجة في جامعة تل أبيب. ورفضت إسرائيل التحقيق في قضيته أو السماح لأي طرف آخر بالنظر فيها. إلا أن منظمات مستقلة أظهرت أن قريبي قُتل بالرصاص بدم بارد.
نحن لا نثق بتحريات تقودها إسرائيل في جريمة شيرين. لا نثق بالقاضي، أو بهيئة المحلفين، أو بالمنفّذ. أي تحقيق تقوده إسرائيل يعد فاشلاً بالمعايير كلّها التي تراعي الأصول القانونية، ويجب رفضها مباشرة. على الجميع المطالبة بتحقيق دولي محايد. والأهم، على الجميع المطالبة بنهاية للاحتلال، بنهاية قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب، وبتأييد قاطع للحرية الفلسطينية.
(سي بي أس): من وجهة نظرك، أنت لا تعتقدين أنه بإمكان إسرائيل إجراء تحقيق عادل في هذه المسألة، أو في أي من عمليات إطلاق النار الأخرى التي أشرت إليها. من برأيك يجب أن يجري التحقيق، وهل توجهين الدعوة لسلطات دولية محددة للقيام بذلك؟
(نورا): دعيني أكون في غاية الوضوح. هذه ليست وجهتي نظري وحدي. هناك بيانات ميدانية من منظمات إسرائيلية وفلسطينية ودولية على حد سواء تثبت أن إسرائيل لا تستطيع أن تحقق مع نفسها.
لقد قُتل أربعمئة فلسطيني منذ 2020. كم تحقيقاً فُتح في هذه الجرائم؟ نحن لا ندعو لتحقيق دولي في مقتل شيرين وحسب. يتعين اتخاذ إجراءات ضد قتل الفلسطينيين عموماً.
هناك تقارير متعددة من منظمات دولية تعلن أن إسرائيل تمارس حالياً نظام فصل عنصري على حياة الفلسطينيين. وقد أظهرت هذه التقارير أن وضع إسرائيل الاستيطاني الاستعماري يستوجب إزالة الفلسطينيين.
أنا باحثة قانونية أدرس قوانين الحروب. لقد قامت إسرائيل بالتلاعب بقوانين الحرب لمصلحتها حتى تتمكن من الزعم بأنها ملتزمة بالقانون. مثلاً، قلّصت إسرائيل فئة من يمكن اعتبارهم "مدنيين" من الفلسطينيين، حتى تتمكن من قتل المزيد من الفلسطينيين والادعاء أن ذلك كان "قانونياً" باللغة القضائية.
ما يحتاجه الفلسطينيون هو تدخل دولي. نحتاج إلى نوع التضامن والتدخل ذاته الذي أنهى الفصل العنصري في جنوب أفريقيا: المقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات. يحتاج الفلسطينيون إلى ذلك من العواصم الدبلوماسية كلها في العالم. نحتاج إلى ذلك من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية كلّها، ونحتاجه من أشخاص مثلك. إلى كل من يشاهدنا الآن: يمكنكم المشاركة والمساعدة في تخطي التعنت الدبلوماسي الذي يستمر في احتجاز الفلسطينيين في موقع من انعدام الحرية ومن القمع.
[ترجمة هنادي سلمان].
[للغة الإنجليزية انقر هنا].