مرة أخرى تفلح إليسا في إثارة الجدل وتسليط الضوء عليها تحت وطأة الفوضى الفنية التي لا بد من عبورها في منعطفات التحول الفني، ولأن هذه الفترة يمكن أن تنطبق عليها شروط التحول ذاك، اقتراناً بالمحاولات الجادة وغير الجادة للإتيان بشكل جديد للأغنية، وهذه بالمناسبة أزمة عالمية وليست عربية فقط، إذ تكتسب بعداً أعمق تزامناً مع الانفتاح الثقافي الكبير الذي جاء بجريرة ثورة الاتصالات، حين جعلت الكون كله منصة واحدة للمنتج الثقافي على تنوع حقوله، فيمكن التكهن بأن نجوماً يذهبون إلى الجدل بخطى ثابتة كبديل سحري عن المغامرة بشكل الأغنية، قرابة 47 مليون استماع على موقع يوتيوب حتى كتابة هذه المادة، تؤكد نجاح إليسا في تحقيق ضربة فنية جديدة، على مستوى الانتشار والتداول، صحيح أن هذه الضربة اقتضت مجازفة كبيرة متعلقة بالغناء جنباً إلى جنب مع سعد لمجرد النجم اللامع الذي تُوشِّحُ لمعانَه تهم التحرش والاغتصاب، والقضايا غير المحسومة لصالحه في هذا الصدد، وصحيح أن الجدل المحيط بالعمل جاء بمجمله في اتجاه انتقاد إليسا واستهجان تعاونها مع لمجرد بما يشبه تلميع صورته، إلا أنه للحق يجب الاعتراف بأن نجم لمجرد لم يخفت بفعل هذه التهم مطلقاً منذ أن كانت، ولا بفعل تهمة سرقة ألحان مثل لحن أغنية "غلطانة" من أغنية "بلا بيك" للجزائري قادر الجابوني، وتهمة سرقة الكليب من فيلم Mad Max Fury Road.
الأهم من ذلك أن هذه الانتقادات رفعت من استماعات الأغنية ومنحتها انتشاراً أوسع، انطلاقا من الفضول، والأهم حتى من ذلك أن مراجعات الأغنية انطلقت أيضاً من هذا السياق، بل وانزوت فيه، دون أن تقفز إلى سوية التحليل المطلوبة للحن والكلمات والأداء.
كلمات الأغنية جاءت كنص عادي من نصوص أمير طعيمة، ولو أمعنّا التفحص، لأمكننا ذلك من القول إن الأغنية ناتج تجميع نصين أو ثلاثة، فالمذهب مكتوب على وزن، والكوبليهات على وزن آخر، واللازمة على وزن ثالث، هذا طبعاً لا يؤكد نظرية أن تكون الأغنية "كولاجاً"، لكنه يصنع سؤالاً حول سبب التنويع الوزني، أو أن تكون الكلمات رُكِّبت على لحن معد مسبقاً.
ليس في الكلمات على كل حال اجتراحاً لحالة جديدة، وليس فيها اختراقاً للمنتج المكدّس في السوق، من حيث القوافي والتخييل والحالة العاطفية، فهي مجرد غزل متبادل فيه مبالغة محببة ومطلوبة، إلا أن المقطع الأجمل في الأغنية والذي غنته إليسا:
"فيه واحدة تملّي في ضهرك وفي ضعفك هتقويك
تؤمرها حبيبي وأمرك هتقول شبيك لبيك
جنبك ولآخر عمرك هتعيش علشان ترضيك"
هو ما تسبب في الهجوم عليها إذ اختارت عبره أن تكون على هامش حياة الرجل وفق الانتقادات، إلا أنه يمكن قراءته على نحو مضاد، إن كان المقصود أن المرأة سر قوة الرجل، وبذلك ينجو طعيمة وتنجو إليسا من تهمة الانسياق.
المشكلة الحقيقية في الأغنية تتركز في اللحن، الذي وزعه أحمد إبراهيم، وأنجزه رامي جمال، وهو ملحن مشهود له بالقدرة حاله حال أمير طعيمة كشاعر غنائي، إلا أنه على ما يبدو أخفق إخفاقتين، الأولى تمثلت في عدم التمكن من صوغ لحن منساب كألحانه السابقة، فجاءت الأغنية متقطعة الأنفاس ومتقلبة المزاج اللحني، مما قد يعيق حفظها وترديدها، وهذه بالمناسبة غاية أي ملحن أو مغن: أن يسمع الناسَ يرددون اللحن أثناء انشغالهم بأمورهم اليومية.
الإخفاقة الثانية تمثلت بتشابه اللحن حد التطابق مع لحن كوبليهات أوبريت "لا مستحيلا" من ألحان المغربي ريد ون، خصوصاً أن لمجرد شارك في الأوبريت مما ساعد في إحالة أذن المستمع سريعاً للأوبريت واكتشاف الإخفاقة دون عناء.
في المقابل تحسب لرامي جمال استطاعته تلحين الديو لمغنيين متقاربين في طبقة الصوت، حيث يعتبر صوت إليسا ميزو سوبرانو وهو متوسط طبقة الغناء لدى النساء، وسعد لمجرد تينور وهو أعلى طبقة غناء لدى الرجل إذا استثنينا ظواهر صوتية مثل نبيل شعيل وإبراهيم الحكمي وحسين الجسمي وأمثاهم، وهذا تحد كبير يجيب على سؤال شح الأغنيات الثنائية لمغنيتين، إذ يعتمد ملحنو الأغنيات الجماعية عادة على توزيع القرار والجواب بين المؤدّين، للحؤول دون إيقاع ظلم على أحد المؤدين دون الآخر بسبب طبقة اللحن التي من المنطقي أن تتغير ومن غير المنطقي أن تصبح فخاً يرفع من سوية أداء أحد المغنين على حساب الآخر.
في المحصلة يمكن القول إن الجدل شكّل رافعة للعمل، رغم أن العمل لم يأت على قدر الضجة من حيث الصنعة، وهذا ما يوقع القائمين عليه موقع النجاح والإخفاق في آن معاً.