خزعل الماجدي
(أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، بغداد، 2022)
[خزعل الماجدي أكاديمي وباحث في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير. كاتب مسرحي وشاعر. حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم، وعمل أستاذاً جامعياً في جامعة درنة في ليبيا، وفي هولندا حاضر في جامعة لايدن وعمل في عدد من الجامعات العربية المفتوحة في أوروبا. كما أصدر عشرات الكتب، وتُرجمت له كتب ونصوصٌ باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والرومانية والفارسية والكردية].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
خزعل الماجدي (خ. م.): الفكرة قديمة، فهي جزء من مشروع تاريخ الفن الذي بدأت به منذ زمن بعيد ودرّسته للطلبة، وقد أصدرت منه كتابين هما "فنون ما قبل التاريخ" و"الفن الإغريقي"، وكان كتاب الفن الشرقي القادم قد اكتمل إعداده العام منذ زمن، فوجدت نفسي أعيد ترتيبه وبناءه وحضّرته للنشر كجزء من الفنون القديمة. ولا شك أن إطلالتي على تاريخ الفن كانت واحدة من المحطات النوعية التي أغنت حياتي الثقافية والفنيّة.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(خ. م.): الكتاب يعرض لخمسة أنواعٍ من الفنون التشكيلية القديمة كنماذج نوعية ظهرت في الشرق القديم، وهي فنون ما قبل التاريخ، والفن الرافديني القديم، والفن المصري القديم وهما نموذجا فنون الشرق الأدنى القديمة، ثم الفن الهندي القديم والفن الصيني القديم، وهما نموذجا فنون الشرق الأقصى القديمة، يتناول الكتاب شرح وتحليل أنواع الفن التشكيلي في العمارة والنحت والرسم والفنون التطبيقية.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(خ. م.): أكبر التحديات في هذا النوع من الكتب هو عدم التكرار والتشابه مع كتبٍ سبقتها، إذ لا بد من معالجةٍ جديدة تضعها في سياقٍ منسجمٍ ونوعيّ. الشيء الذي كنت أود إضافته لهذا الكتاب كان في تناول بقية فنون الشرق القديم لكي أضع الكتاب في فضاءٍ جديد أوسع وأعلى، لكن حجم الكتاب لم يسمح لي بذلك فقد يتضاعف مرتين أو ثلاثة ولذلك كان لا بد من الاقتصار على ما دونته.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(خ. م.): الكتاب ينتمي لحقل أكاديمي واسع ومعروف هو تاريخ الفن، وهو تخصصٌ أكاديميّ يدرسه طلبة الفنون في مراحل دراستهم الأولية والعليا. فضلاً عن كونه يستهوي القارئ المثقف.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(خ. م.): تعلّمت الكثير من تاريخ الفن وقرأته بعمق ودرّسته للطلبة، ووجدته أحد أهم عناصر الحضارة ، ثم بدأت التأليف فيه، فهو حقل عضويّ من حقول تجربتي الفكرية أعتز به كثيراً وأجده مرافقاً لتجربتي الإبداعية ومثرياً لها.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(خ. م.): متذوقو وطلبة الفنون، المثقفون بشكل عام، وعشّاق تراث الحضارات والفنون.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(خ. م.): الكتاب الذي سيكمّل هذا الكتاب هو الفن الغربيّ القديم الذي أعدّه الآن للنشر، وهناك كتب جديدة في تاريخ الحضارات.
مقتطف من الكتاب
ينقسم تاريخ الفن أكاديمياً، إلى فنون (ما قبل التاريخ، القديم، الوسيط، الحديث، المعاصر)، ويؤكد مصطلح تأريخ الفن على (الفن التشكيلي)، بشكلٍ خاص، والذي يتضمن أربعة حقولٍ أساسية هي (فن العمارة، النحت، الرسم أو التصوير، الفنون الصغرى أو التطبيقية).
لا بد من ملاحظة أمرٍ في غاية الأهمية وهو أن الفنون لا تتطور تاريخياً بطريقة مستقيمة أو تصاعدية، بل تسلك طرقاً معقدة في التطور يلعب فيها التأثير والتأثر دوراً أساسياً، ويأخذ منحاها التطوريّ أشكالاً مختلفة حسب عصورها بالدرجة الأساس.
يشمل تاريخ الفن القديم، في الغالب، فنون ما قبل التاريخ وفنون الشرق القديم وفنون الغرب القديم ويوضع معها أحياناً الفن البدائي المعاصر الذي أنتجته الأقوام البدائية التي عاشت ما زالت تعيش بيننا في تاريخنا الحديث والمعاصر.
يضمّ كتابنا هذا مقدمة لعرض طبيعة الفنون وتصنيفها وتاريخها والطريقة التي يدرس بها هذا التاريخ بتتابعه الزمني. وأوضحنا أصناف الفنون التشكيلية من عمارة إلى نحت إلى تصوير (رسم) إلى فنون تطبيقية. ثم عرضنا لتقسيم تاريخ الفن إلى مراحل أساسية ومجموعات حضارية وإثنية. شغلت فنون ما قبل التاريخ زمناً طويلاً من تاريخ الإنسان ابتدأ تقريباً مع ظهور الإنسان العاقل فقد وثّقت الكهوف أول لوحات الإنسان في حدود 40000 ق.م، أي بعد ظهور الإنسان العاقل، واستطاعت ملكة الإنسان الفنية أن تجمع في خيوطها الجمال والعمل والدين والسحر وأن تعطي نبضات فنية ظلت تتصاعد كلما اقتربنا من العصور التاريخية في الألف الرابع قبل الميلاد. ولكن جمال وعفوية وفطرة هذه الفنون أمور ظلت صامدة بوجه الزمن بسبب من أصالتها وجذورها العميقة. ومن بذور فنون ما قبل التاريخ تسربت أشكال العمارة الدينية والدنيوية والتصوير والنحت والفنون الصغرى. وكان من ضمن منهجنا التأكيد على الفنون أولاً قبل تاريخها فلم نقدّم تاريخ الفن على نوعه، أي أننا كنا نتناول الفن المعين ونتتبع آثاره في المراحل التاريخية المتلاحقة، فعلى سبيل المثال تناولنا النحت العراقي القديم بمراحله السومرية والأكدية والبابلية والآشورية فاتضحت لنا لمسات التطور والاختلافات في فن النحت العراقي القديم ولم نتناول الفنون السومرية كلها من عمارة ونحت وتصوير وفنون صغرى كما جرت العادة وقد أعطى هذا المنهج تأكيداً واضحاً على نوع الفن وتطوره لا على الحقبة التاريخية كلها. على أننا كنا نقدّم دائماً نبذة عن تطور هذه الفنون بصورة شاملة.
في الفن العراقي القديم تتبعنا تطورات العمارة أولاً ثم النحت ثم التصوير ثم الفنون التطبيقية في حضارات العراق القديم الأربع (السومرية ، الأكدية ، البابلية ، الآشورية) وقد قدمنا قبل ذلك صورة تطورية شاملة لفنون هذه الحضارات الأربع. فكان لنا جمع الطريقتين مع أرجحية التأكيد على الفنون لا على التاريخ. وقد انسحب هذا على فنون مصر القديمة (الفرعونية) حيث رصدنا الفنون الأربعة، كلّ واحدة على حدة، في العصور الخمسة المعروفة لتاريخ مصر القديمة (العتيق ، القديم ، الوسيط ، الحديث ، المتأخر) رغم الخيط الواضح الذي يربطها فهي حضارة واحدة غزيرة الإنتاج ظلت تنتج وفق قانون داخلي خاص بها. وكنّا قد قدمنا أيضاً صورة شاملة لتطور هذه الفنون عبر هذه المراحل التاريخية.
لقد اتخذنا من فنون العراق القديم وفنون مصر القديمة نموذجين كبيرين ومؤثرين لفنون الشرق الأدنى لما لهما من ثقل حضاري معروف وتواصل تاريخي عميق ولأنهما بؤرتان كبيرتان في أديم الشرق الأدنى ولم يكن بالإمكان في كتاب كهذا تغطية كل فنون الشرق الأدنى من إيرانية وأناضولية وسورية وجزيرية وخليجية وشمال أفريقية رغم أهميتها الكبيرة ونتاجها المتنوع. وقد حصل هذا مع فنون الشرق الأقصى حيث تناولنا أيضاً الهند والصين كبؤرتين واضحتين دون بقية حضارات الشرق الأقصى الأخرى مثل كوريا واليابان والفلبين وتايلند وغيرها.
في الفن الهندي القديم حاولنا تسليط الضوء على الفن الدرافيدي الذي سبق الهجرات الآرية إلى الهند ثم تحدثنا عن ظروف ضمور الفن الآري الفيدي وحاولنا رصد الفن البوذي المبكر عندما كانت البوذية ديانة هندية محلية وقبل تحولها إلى ديانة عالمية (شرق أقصوية) لأن انتشارها اللاحق أدخل الشرق الأقصى في التاريخ الوسيط وهو خارج كتابنا هذا.
أما في الفن الصيني القديم فقد لاحقنا الفنون التي ظهرت مع الأسرات الخمس الأولى التي يمثل تاريخها التاريخ القديم للصين. هذا الكتاب هو الأول في سلسلة طموحة تحاول أن تغطي تاريخ الفن وصولاً إلى زمننا الحالي. ونحنُ ندرك تماماً أن هناك أموراً كثيرة غابت عنا أو تعذر ذكرها بسبب ضيق المجال. لقد أعانتنا السنوات الخمس، التي درّسنا فيها مادة (تاريخ الفن) بمراحله الثلاث (القديم، الوسيط، الحديث) لطلبة قسم الفنون في جامعة درنة في ليبيا، على تأليف هذا الكتاب الذي نعدّه منهجياً لطلبة تاريخ الفن وممتعاً للقارىء المتنور، ونتمنى أن نكون وفقنا في سعينا هذا.