من بين جميع القطاعات التي تتسبب في انبعاث غازات الدفيئة، يعد قطاع النقل المساهم الأكبر في الاحتباس الحراري، والقطاع الأكثر استهلاكاً للوقود بجميع فروعه، من الشحن البحري والطيران، إلى النقل البري. وعلى الرغم من أن معظم القطاعات المتسببة في انبعاثات الكربون قد خفضت انبعاثاتها، إلا أن النقل زاد من مساهمته في الانبعاثات، فقطاع النقل هو أكثر القطاعات الملوثة للبيئة نمواً، حيث من المتوقع أن يأتي ما يصل إلى 50% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع النقل بحلول 2050، مقارنةً بنحو 30% حالياً.
تؤثر الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل على المناخ من خلال أربع آليات، الآلية الأولى هي انبعاث غازات الدفيئة المباشرة، وخاصةً ثاني أكسيد الكربون، حيث تتسبب هذه الغازات باحتجاز الحرارة في الغلاف الجوي بشكل يرفع من درجة حرارة الأرض، والآلية الثانية هي انبعاث غازات الدفيئة غير المباشرة، وهي الغازات التي تؤثر في قدرة الغلاف الجوي على الأكسدة، مثل أكاسيد النيتروجين، حيث تؤثر هذه الغازات في التفاعلات الكيميائية التي تحدث في طبقة التروبوسفير وبالتالي طبقة الأوزون، أما الآلية الثالثة فهي انبعاث الهباء الجوي مثل الكربون العضوي ومركبات الكبريت، بالإضافة إلى الآلية الرابعة وهي التأثير غير المباشر للهباء الجوي.
إن تقييم التأثير المناخي لقطاع النقل يعتمد على كيفية تقييم الآثار المستقبلية من منظور طويل الأمد، فعلى سبيل المثال تقوم مركبات الهباء الجوي مثل الكربون العضوي وأكاسيد الكبريت بحجب جزء من أشعة الشمس، وبالتالي تساهم هذه الآلية في التبريد، بينما يعمل التأثير غير المباشر للهباء الجوي على إحداث تغييرات كبيرة في توزيع وخصائص السحب بشكل يؤدي إلى حالات طقس عنيفة، وبالتالي فإن المهمة تبدو صعبة لمقارنة كل هذه التأثيرات.
تعطي الكثير من الدراسات مؤشرات واضحة حول مسؤولية قطاع النقل عن الانبعاثات، فالنقل البري مسؤول بشكل أساسي عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى التي تؤثر في طبقة التروبوسفير، بينما يتسبب الشحن بالنسبة الأكبر من انبعاثات الميثان والكبريتات، وفي ظل اقتصاد يعتمد نموه بشكل رئيسي على حركة السلع والبضائع والأفراد بين مختلف المدن والبلدان حول العالم، فإن الخيارات أمامنا محدودة: إما وضع الحلول والبدء جدياً بتنفيذها عبر آليات ملزمة قانونياً، أو أن نترك الأجيال المقبلة تواجه الآثار المدمرة للاستهلاك غير المحدود واللامبالاة تجاه قضايا الأرض البيئية.
على الرغم من أن النقل البري هو أكبر مساهم في الانبعاثات مقارنةً مع باقي فروع قطاع النقل، إلا أن المسؤولية عنه والقدرة على اجتراح الحلول وتقديمها كبرنامج تنفيذي خلال فترة زمنية معقولة أمر ممكن، لكن القطاعات الأخرى مثل الشحن البحري والطيران يصعب فيها تحديد المسؤولية عن الانبعاثات وبالتالي فمن غير الممكن مطالبة جهة محددة بالتزمات مناخية تخص هذين القطاعين.
إن إرساء نظام نقل نظيف عبر استخدام الكهرباء في منظومة النقل البري هو أكثر الحلول نجاعةً فيما يتعلق بتقليل انبعاثات هذا القطاع، وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن استخدام الكهرباء في النقل البري سيخفض انبعاثات قطاع النقل بنسبة كبيرة تصل إلى 72% بحلول عام 2050.
لا تتوقف الحلول النظيفة لقطاع النقل عند استخدام الكهرباء، إن مدناً مصممة بشكل يوفر مرافق آمنة للمشي وركوب الدراجات، ووسائل نقل عامة نظيفة تعتمد على الكهرباء ستؤدي إلى تحسن كبير ليس على مستوى الانبعاثات بشكل مباشر فحسب، بل على صحة السكان عبر تقليل تلوث الهواء، إذ يؤثر التلوث بشكل كبير على الصحة العامة، حيث يؤدي التلوث بحسب منظمة الصحة العالمية إلى أكثر من 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً.
ينظر البعض إلى قضايا البيئة باعتبارها "قضايا العالم الأول"، لكن بالنظر إلى تأثيرها السلبي على البشر في كل مكان، تتعزز القناعة بأن البيئة وتلوث الهواء هي قضية كل إنسان على كوكب الأرض، ففي إقليم شرق المتوسط يتسبب التلوث في 400 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً، ويسهم بشكل واضح في أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة والجهاز التنفسي.
إن تطبيق الحلول البيئية مثل كهربة النقل ليست مجرد تضحيات من أجل الكوكب، بل تمثل فرصاً اقتصادية كبيرة من خلال تقليل تكاليف النقل وتوفير آلاف فرص العمل في مشاريع التحول نحو النقل الكهربائي، وتنعكس بشكل إيجابي على صحة وسلامة السكان عبر تقليل التلوث في المدن، بالإضافة إلى أن تهيئة البنى التحتية في المدن لدمج نظام نقل حديث ومستدام من الحلول القابلة للتطبيق في غضون سنوات قليلة، ولذلك تدعم الأمم المتحدة برنامجاً يضم خمسين دولة من الدول متوسطة ومنخفضة الدخل بهدف التحول نحو التنقل الكهربائي، لتكتمل دائرة الحوافز فيما يتعلق بالتحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام، يراعي قضية البيئة التي تستحق لتأثيراتها الكبيرة أن تكون قضية الإنسان الأولى.