خاتون أريكا هيلتون شاعرة من أصول سورية ولبنانية، هاجرت عائلتها إلى تركيا وولدتْ في مرسين، ثم هاجرت مع أمها حين كانت في سن السادسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استقرت نهائياً. تعيش حالياً في شيكاغو حيث تدير صالة هيلتون/أزموس التي تعرض لفنانين تشكيليين ومصورين فوتوغرافيين من كل أنحاء العالم، يعبرون في أعمالهم عن فكرة التغيير والتحول.
شعرها يصدر عن هذا المركّب الذي تجتمع فيه ثقافات مختلفة، فإلى جانب تأثيرات الشعر الأمريكي ثمة أنفاس صوفية من محي الدين ابن عربي والرومي وينعكس هذا التأثير في لوحاتها فهي فنانة تشكيلية بارزة، وخاصة في معرضها الذي تجول في دول كثيرة وحمل عنوان "أتدفق كالماء".
شغلت سابقاً منصب رئيسة مركز الشعر في شيكاغو، أما حالياً ومن خلال غاليري هيلتون/أزموس، التي تديرها، فإنها تعرض لفنانين عالميين يسعون إلى تغيير العالم إلى عالم أفضل. شاركت في معارض فردية وجماعية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي جميع أنحاء العالم.
نشرت في كثير من المجلات والصحف المرموقة مثل أوشن جيوغرافيك ماجازين، شيكاغو تربيون، توركواز ماجازين، أوثوريتي ماجازين ومجلات أخرى، يصدر لها ديوان خلال هذا العام في الإنكليزية والعربية والتركية في وقت واحد بعنوان "لستَ بحاجة لفيزا كي تدخل: قصائد حب لله ولآخرين".
هذه مختارات من ديوان الشاعرة، خصت بها "جدلية".
دعني أُحدِّثَك عن الرياح
دعني أحدّثكَ عن الرياح.
بوسعها أن تذهب إلى أي مكان.
ليست بحاجة إلى تأشيرةٍ كي تدخل شعركَ
أو بلاداً رسمها قلمُ واضع الخرائط.
بوسعها أن تحمل الأشياء
أن تحمل حبيبات الرمال عبر
قرن، أو أن تحمل بتلات وردة متفتحة نحو
موتها.
بوسعها أن تفرش الأمواج في مد
على أرض المحيط
أو تنشر دفئك في همسات عبْر روحي.
بوسعها أن تثير الأشجار
أن تجعلها تؤدي رقصة باليه
وأن تقود أغنيتك في أمم قلبي.
دعْني أحدّثك عن الرياح
إنها تصفر شائعات للأبدية
للزمن والرمال والسماء
ولكل ما لا نهاية له.
وها هي قد حملتك إليَّ
ومدّتني بنَفَسٍ
كي أواصل الحياة.
سمعتُ شجرة بلوط
حدث أن سمعتُ صوتها في حديقة
كان أنيناً عميقاً
كمثل لحنٍ موسيقي خافتٍ
يبحث عن جذرٍ.
سمعتُ اصطداماً،
كيدين تدفعان التراب جانباً
كي تفتحا طريقاً للضوء.
سمعتُ وتراً يردّد صدى شائعات
عن غروب الشمس
يقبّل تيجان الأشجار
وسلالات أمطارٍ
تتدفق حياة في أعضائك.
سمعتُ عن معرفة تقول:
إننا ننتمي إلى الجوهر نفسه
إلى التراب والشمس والنجوم،
العناصر التي تكونك وتكوِّنني.
وفيما كانت النافذة مفتوحة
(طريقتك المفضلة للنوم)
سمعتُ شجرة بلوط
تشكو في النسيم
"كنتُ هنا قبلك،
متأصلة مثلك،
مثلك أواصل نموي".
أريد أن أمدد عقلي على سرير من الصمت
أريد أن أمدّد عقلي على سرير من الصمت
أن أستريح على مخدة ريش من العزلة
حيث لا أصوات،
لا ضجيج يغزو أفكاري
حيث يرين هدوء كجدول متدفق
يبحر عميقاً إلى موانئ روحي.
أريد أن أروي ظمأي فقط
بملء كشتبانٍ من الصمت
وأتجرّع موسيقى شعاع بلا صوت
وأصوغ شعر أفكاري
في خربشات صامتة على أوراقي.
أريد أن أريح عينيَّ على شاشة صمتٍ مخملية
وأترك الأنهار تجري عبر جمار ذهني،
متمنيةً في هدوء بركة ياقوتية
كمداعبات هادئة للضوء
أغاني متدفقةً عبر أراضي حلمي.
بعد قراءة نشيد دانتي الثالث والثلاثين
رأيتُ الأودية الأعمق للنسور
قُيدتُ إلى ظلمة القدر التي تقطع خيط
الحياة مشيرة أن ”الوقت قد حان لإحضار الفاكهة
إلى برج الجوع الخائن ذاك“.
كماء يأخذ شكل آسره
تذوقتْ عيناي طعم حزنٍ عميق
لم يكن هناك مجاري للدموع … أو المخاوف
رأيتُ الذين سافروا عابرين للتوبة يتأرجحون
على جرْفٍ من الندم أو الإلهام. أيهما؟ أودّ أن أسألكم؟
خطوة إلى الأعلى؟
أم إلى الخلف إلى أنانية الهيمنة المموهة بالرفض؟
هل من الأسهل تسلق صخرة مقدسة
أو مطاردة جزة ذهبية؟
هل من الأسهل أن تكون ممتناً للسقوط؟
أو أن تتقلب في البؤس لأن التسلق صعب جداً،
إذا كان بوسع المرء الزحف؟
يزحف الإعياء عبر النهر. الطموح
يركع مستسلماً
لقوى ببواعث ملتبسة
السماء تكشف نفسها
فارغة من المعنى، كوهم.
هل تبتَ؟
تبدّدْتَ في وجهاتٍ ضائعة؟
قلْ وداعاً للأذى،
اتركه على مدرج المدن المنسية ذاك
حيث ترك الزمن بصماته
على رمال بلا بذور.
من سيتذكر؟
أم هل سيتذكرون
لأن هزيمتهم قد تكون هزيمتك؟
قف عارياً أمام الخراب،
جسدك المغطى بالكدمات مدفون عميقاً في التشوش.
حين تغلق الأبواب كلها، هل يفتح الله شباكاً؟
وما الذي في الجانب الآخر؟
أهو واد من مصاطب خضراء
تتدفق في جدول من العقل أم الحقيقة؟
تخطو في نَهْرٍ،
الصخور تُسلمُ حافتها لقدميكَ،
شرائط قرمزية تلفّ الإدراك حول كاحليك.
مشوهاً وموسوماً بالنار
موسوماً بالإذلال
نَفَسُكَ يتقطر في همسات، ودموع هادئة
في شكل لحن،
متقطع وبائس
نهاية معركة
خسرتها قوى الظلام.
هل تستطيع سماع موسيقا الندم تخوض
عبر وهْد إدمان الأنا، والجشع؟
هل تستطيع الاستسلام للهدوء؟
للضوء؟ للصوت؟
وتصل لأرض أعلى؟
تعيد الهوى للتعاطف؟
تكون وردة في الندم؟
ثمة طريقة للسباحة خارج الدائرة الداخلية للجحيم، أقول لك،
هناك طريق.
عدْ
عدْ إلى النهر ثانية
طوال الطريق إلى الخلف
إلى أن تصل
إلى أن تبلغ
رحم المياه المعالجة
ثم نمْ وواصل النوم إلى أن يعود النبضُ
وتعلنُ صرخةٌ الحياة.
وقت للشفاء
حان الوقت، يا أصدقائي،
حان الوقت.
ذلك البعد السحري للزمن
حيث لا نستطيع إيقاف القمر عن الانطفاء
أو أن نسجن شعاع الشمس عند مولده.
نختار ملابسَ بألوانٍ جديدة.
واقفين باتزان، مستعدّين للفعل،
ليوم جديد،
يوم جديد.
يستسلم البعض لرياح التغيير.
ويفوز البعض كي يقوموا بالتغيير.
لكنّ السعيد والمكتئب
يعيشان في المنزل نفسه.
تسألون: كيف يمكن أن نعيش معاً؟
كيف نتحرّر من مخاوفنا،
أنانا،
حزننا،
استيائنا،
وغضبنا؟
أنا هنا … كي أخبركم.
أنتَ، يا من تُشهر مسدّساً في يدك
عانقْ جارك
الذي يخاف منك.
وأنتَ، بسلاح ذهنكَ
عانقْ جارك
الذي يخشى كلماتك.
وأنت خذ بيدي،
يا من ترعبه فكرةٌ مختلفة عن فكرته.
تحسّسْ نبضَ تلك التي تشعر
أنها ليست صحيحة مثلك.
وأنتَ، يا من يشعر بأنه خِين
أصْغِ إلى قلبِ الذي خانك،
والذي يظنُّ أنك خنته.
لأنه، في النهاية.
كلنا سواء.
استغلَّ هذه اللحظة كي تمسك بيدٍ
وانظر إلى ذلك الوجه،
ومهما كانت فكرته أو لونه
انحنِ باحترام.
يا من يريدون أن يتوهجوا من بحر إلى آخر
افعلوا شيئاً رائعاً!
قدّموا اللطف والكرم
حتى ولو كنتم تخشون أن هذا لن يُقدَّر
افعلوا ذلك بأية حال،
كونوا كباراً.
وأنتم يا من يملكون السلطة
ارأفوا بالبشر،
ولتتسع قلوبنا
للعالم كله.
طلبتم التغيير
هذا هو يا أصدقائي.
كلُّ واحد منكم يريد المزيد من الآخر.
لكن كيف تطلبون
إذا كنتم لا تقدرون على العطاء؟
وكيف تفهمون
إذا كنتم لا تصغون؟
كل منكم يريد الحب والمتعة والسلام والهدوء
بطريقته الخاصة
في يومه الخاص.
حان الوقت يا أصدقائي
حان الوقت.
هذا زمن للعلاج،
للحصاد
للتغيير.
وليبدأ
في قلوبكم
في عقولكم
في أذهانكم
في أعينكم
في شفاهكم
في أيديكم…
خذوا بيدي وقودوني.
خذوا بيدي واتبعوني.
دعونا نعانق بعضنا بعضاً باحترام
وبحبٍّ
في الضوء
ونحمي بعضناً بعضاً
ونحمي بيتنا، أرضنا، سماءنا.
تتساءلون:
من أنا كي أطلب منكم هذا؟
أنا ابنةُ الحالمين
روّاد الإيمان
العمل الدؤوب
الإلهام
الخيال
الشجاعة
المرونة.
أنا أم وابنة وأخت
عاشقة وشريكة وصديقة،
أنا حمراء وسوداء وقرمزية وبيضاء وبنية وصفراء،
أنا أب وابن وأخ،
وعاشق وشريك وصديق.
أعيش في عالم واسع،
في قمة من التألق والاحتمال.
جاهدَ أسلافي كي يوحّدوا
شمالي وجنوبي وشرقي وغربي
لي ولكم ولنا.
لنقم بالخطوة معاً.
لننهِ مخاوفنا.
لنقفز
في شروق جديد!
لديّ جناح واحد،
لديكم آخر،
معاً، نستطيع أن نطير.
أيها الحب الهارب، أتوق إلى إيقاظ الأبدية
أتوق إلى إيقاظ الأبدية
إلى جعل النجوم تطارد بعضها بعضاً
حول الكواكب كالقبّرات
وهي تغرد عالياً فوق الكون
ألحاناً لا يضاهيها جمال.
يداك، جناحاي.
لنقفز عن جروف دنيوية
ونرتفع كمناطيد هاربة
في كون الضحك.
لنهمس كلمات غير قابلة للذكر حارة جداً
بحيث لا يمكن التلفظ بها في السماء العامة،
لكنها رغم ذلك آمنة كي تُطلق في سحابة سرية، تعوم، تعوم
إلى عتبة ظلك الصباحي.
صورة هيروغليفية
لو اختُزلتُ إلى صورةٍ هيروغليفية
كيف سيترجمني أحدٌ
بعد ألف سنة من الآن؟
نعم، يختزلونني،
كالصلصة في مطعم فرنسي غال جداً.
يمكن أن يقولوا: نعم، إنها اختزال
لابنة، أو أم، أو عاشقة
أو أخت، أو شريكة، أو صديقة“.
” صارتهنّ
عاماً بعد آخر“.
أو يمكن أن يقولوا
شاهدتُ الأودية الأكثر عمقاً
حيث تُقصقص الأجنحة
ويتم إسكات الألسنة.
الطيران غير مرجح
لكنه غير مستحيل بالنسبة لها.
غالباً ما زارت أمكنة في منطقة البحرالأحمر
حيث الخطر يكمن خلف كل ابتسامة.
حين لم يكن هناك مخرج، ولا طريق للعودة
عثرت على طريق يقود مباشرة إلى الأمام.
لم يكن للخوف معنى...
لم تتوقع أن تحملها الملائكة.
صاغت جناحيها
من حيطان الآجر التي تهدمت
أمام إرادتها.
يمكن أن يقولوا
بعد كثير من العمل
وبعد كثير من التدريب
أصابت الهدف بسهمها.
سبحت أسرع من دلفين
وجرت عبر خط النهاية
كنجم.
صارت بطلة
لا لأنها أرادت ذلك
لم يكن لديها خيار.
يمكن أن يسألوا:
"هل تشكل دمها ولحمها وعظامها وعضلاتها
من سحابة من الغبار والغازات؟
هل نبعت قوتها
في الأيام الأخيرة من وجود نجم ضخم
قبل أن تمزق نفسها إلى قطع
كمثل ”المستعر الأعظم“؟
الضوء المنبعث منها أكثر توهجاً من المجرات
طاقتها أقوى من طاقة الشمس.
يجتمع الناس حولها
ترفع وتوجه
وأحياناً تسقط.
إذا سألكم أحد: من أين أتت؟
قولوا لهم:
جاءت من النجوم
وستكون على بعد ألف سنة
من الآن.
[ترجمة أسامة إسبر عن الإنجليزية].