"ليلة سعيدة"
إنها المرةُ السابعة
رُبما
من يدري؟
أقفزُ من فراشي
بِكُل يَقَظَة الواوية
مُبحلقاً في الظلام
في عِزّ الليل
لأفتشَ عن شيءٍ أضعتهُ
عن أثر نأمةٍ
عن حُلمٍ كدتُ أقفزُ من السطح
في بيت الغزالية الكبير
وأنا أمشي
نصف نائمٍ نصف صحيان
لو لم تأخُذ بيدي أُمي
وتعيدني، صغيراً
إلى دفءِ الفراش
أبحثُ عن...
عن من يدري عن ماذا؟
هِندس!
وأسيرُ في شقتي جيئةً وذهابا
بين أطيافٍ ترتعُ في ظلام الزوايا
حفاةٌ
يُبَسبِسون طوال الليل
حلفوا يميناً
أن لا يَغمُضَ لي جفنٌ
حتى يكشف نورُ الفجر
عُري هذه المدينة التابوت:
The Capital of the Nation
التي جِئتها
مُحمَلاً بكوابيسي
من مدينةٍ أُخرى
صارتْ مَرتعاً لحراميةٍ
بَصقتهمُ لنا خيسةُ الأيام
هِتليةٌ
أراهمُ على شاشة التلفاز
يرقصونَ حول جُثة العراق
يشكونها بالسكاكين
تنزف
ويضحكون!
على الحافة
بينكَ وبينَ لَدغة الألم أُلفةٌ
الصرخةُ المذبوحةُ
على لسانِ الأرملةِ التي تضربُ
وجهها بكفيها أمامك الآن
في إطار الصورةِ الصَمّاء
حيثُ بابُ المشفى
مفتوحٌ على مصراعيهِ
لاستقبال الجرحى
قبل أن يَدخُل فاصلُ الاعلانات
إطارَ الشاشة كخليفةٍ فاتح...
تسمَعُها، ولا تجفل
الجُثةُ النازفةُ على الأسفلت
في وسط الساحة المُكتظة
بمَگاريد المحلة
المرأةُ العجوز
أمام رَّدْهة الحَجر
في مُستشفى الكاظِميّة
الاِبن على السدية في طريقه
تحت الشمس
لثلاجة الموتى:
"يُمَة أحمد گوم، شوف أصدقائك جَوي"!
هذا الدَمُ الجاري بين ساقيك
من ساقيةٍ في بيت جدك في الكرخ
حتى منفاك البعيد
أين تمشي دون رايةٍ خفاقةٍ للحداد
تُبشرُ بهولِ الفجيعة
ولا يراها سواك
في هذا المأتم الذي يُرافقكُ
كجواز سفرك المَنبوذ
بعد دهرٍ عن عويلِ أوَّل غارة
حلّت "لعَتقِ أسلافك من البربرية"
والرجفة في صوت أُمّك ساعة الفَزَع
أهونُ من اِستعادة لحظة الفرح
من كتابة كلمةٍ عن لحظةٍ
في فَيء نخلةٍ على أرصفة الطفولة:
السيجارةُ في يدِ أبيك
كوبُ الشاي على الطاولة
وجوهٌ باسمةٌ
تُناديك من عزّ الظّهاري من هُناك:
أن تعال!
- كيفَ؟
هيهات أن تَخطُو نحوهم!
تبقى هُنا، مُكلبَشاً بالصمت
مُرسلاً نظرتك اليتيمةَ
عبر هوةٍ في صدر التاريخ
إلى ما يأكلهُ الحريق
إلى ما لن يكون
إلى ما لن تجرُأ أن تكتبهُ
هذه الليلة.
نهارٌ آخر في واشنطن
تعبت المدينةُ
مِن طول ضَرب السَّهر
في حُضن العِربيد
وها هو نور الصُّبح يّتدهدهُ
على الأسفَلت والأسطح
هِبةٌ
مِن سماء الرَبّ النعسان
على شُّباكي تَنعقُ غربان
ويعضُ الزمانُ نِعالهُ خلف باب العمارة
(أينَ صار يتقرفصُ، لِصق سلة الزبالةِ،
مع الفئران)
وكعادتي، ألقي نظرة إلى الشيب
يركضُ في رأسي في المرآة
بعد أن ارتشف قهوتي
مُتطلعاً بصفحةٍ من كتابٍ لشاعرٍ ميت
على نعيقِ غرابٍ أسود
يُمزعُ صمتَ الصباحِ الأخرس
نهارٌ أقتحمهُ
بعد أن أُقفل باب الشقة
وأعود لأتأكد
ثم أعود لأتأكد
ثم أعود...
بعد أن أعوذَ من شر الشيطان الرجيم
وأضيع في بحرٍ من العميان
يمورُ في محطات المترو
أمام الحوانيت وبرك المياه
مجانين يُتمتمون تعاويذاً على السابلة
على أطراف أرصفةٍ مُكتضة
بالسائحين والكلاب والمرجوانا
حيثُ ينامُ المُشردون
وأستاههم إلى المارة
حتى يحلّ المساء
وأنا أساوم نفسي في طريق العودة
على أن لا أرمي بنفسي
من على جسر المُشاة
هذه الليلة
أغنية إلى ليل بغداد
سأُغمضُ عينيّ
وأمضي
إلى حيثُ السدر
وأُمي
السعفُ يُمشطُ شعر الليل
ثمّ نسيمٌ في السطح
نجومٌ تتلألأُ جذلى
قمرٌ يَهبطُ للأطفالِ
"وغداً سنزور جدتنا"!
كم كُنا فقراء
كم كنا سُعداء إلهي!
ومن خلف دُخان سجائره
أبي يحكي قِصتهُ الأُخرى
عن الحربِ
عن سندباد
عن الأسفارِ
سأُغمضُ عينيّ وأمضي
سأغفو في كف أبي
[الوحة للفنان محمد مهر الدين]