ندوة: الزراعة البيئية من فلسطين إلى الشتات

ندوة: الزراعة البيئية من فلسطين إلى الشتات

ندوة: الزراعة البيئية من فلسطين إلى الشتات

By : نادين فتالة وآدم البرغوثي

بمشاركة: سعد داغر، محمد خويرة، مهاب العلمي، أدهم كراجة، عرفات البرغوثي، رامي مسعد، قيس حماد. 

إعداد: نادين فتالة وآدم البرغوثي

أمام مركز الفن الشعبي في رام الله، تقوم التعاونيات الزراعية بعرض منتجاتها على بسطات منصوبة على الرصيف. يأتي عدد من التعاونيات من البلدات المجاورة لبيع منتجاتها العضوية للزبائن العابرين والمتضامنين. معظم هذه التعاونيات تابعة لمزارع شبابية مهتمة بالنماذج الجديدة للزراعة البيئية المدعومة مجتمعياً.

تسمى المبادرة "حسبة التعاونيات"، وهي ليست مجرد مكان لشراء المنتجات العضوية، بل إنها بمثابة انطلاقة لفكر تعاوني زراعي. يمهد الشباب في فلسطين اليوم الطريق نحو ترسيخ السيادة على الغذاء وتقليل الاعتماد على منتجات ووظائف الاحتلال. إنهم يدعمون قيمهم ومبادئهم من خلال نموذج تنظيمي تعاوني يرتكز على مفهوم التبادل بين المزارعين ومجتمعاتهم.

نشارك معكم أدناه توثيقاً لندوة عُقدت افتراضياً، والتي جمعت عدة مبادرات فردية وجماعية فاعلة في الزراعة البديلة من أنحاء عديدة في فلسطين والشتات.

سعد داغر: أنا مهندس زراعي، وأعمل في مجال الزراعة الإيكولوجية منذ عام ١٩٩٦. في عام ٢٠٠٧، بدأت بإنشاء "المزرعة الإنسانية"، والتي مرت بمراحل مختلفة أثرت على تجربتي. أعمل بشكل أساسي على متابعة هذه المزرعة الخاصة، بالإضافة إلى عقد تدريبات مع مزارعين ومهندسين زراعيين في فلسطين وحول العالم. عملت خارجياً في بلدان مختلفة منها اليمن والأردن عام ٢٠٠٣، ثم انتقلت للعمل في المغرب ولبنان والبرتغال. قبل ثلاث سنوات، أنشأت مع مجموعة أصدقاء "الملتقى الفلسطيني للزراعة البيئية"، وأطلقنا بعدها اليوم الفلسطيني للزراعة البيئية المدعومة مجتمعياً أو شعبياً، ويُعقد سنوياً بتاريخ ٢٣ شباط.

من خلال عملي مع اتحاد المهندسين الزراعيين العرب، نسّقت عدة مؤتمرات تتعلق بالزراعة البيئية. في الوقت ذاته، بدأت العمل على جمع البذور البلدية وتحسينها والاحتفاظ عليها وتطويرها. أما حالياً، أقوم بإنشاء مشروع في قريتي أسميته "خابية"، يهدف لمشاركة وتوسيع البذور البلدية مع مجتمعات المزارعين. أنا عضو في عدة حركات عالمية معنية بالزراعة والحفاظ على البيئة.

محمد خويرة: خبرة والدتي في مجال الزراعة وبالإضافة إلى مجموعة دورات وتدريبات كانت من أهم الركائز كي أستطيع أن أبدأ رحلتي في الزراعة. وهذا الشيء دفعني بشغف كي أشارك كعضو وجزء من مبادرات عديدة منها: مزرعة "أرض الفلاح" وهي مزرعتي العائلية الخاصة أعمل فيها أنا وأخي عبدالله. علاوة على ذلك أنا عضو في تعاونية "أرض الفلاحين" في كفر نعمة، حيث أعمل بشكل أساسي في جوانب فنية مختلفة منها إنتاج السماد العضوي. وقبل عدة أشهر علمت بمزرعة "أم سليمان"، التي تدير برنامجاً زراعياً مدعوماً شعبياً.

بشكل عام، نسعى لإنتاج كمية كبيرة من الفواكه والخضرة بأقل التكاليف، مما يعني تقليل اعتمادنا على الموارد الخارجية. نتعلم تدريجياً في العمل في غرب رام الله، ونضجت تجربتنا في مجالات عديدة مثل تسويق المنتجات. وفي هذا المجال، كانت بداياتنا عفوية: أمهاتنا يخبرن صديقاتهن ويشجعون المجتمع المحلي والدوائر الصغيرة على شراء منتجاتنا. مؤخراً بدأنا نقول إننا نريد فتح بسطات، وكانت الأمور صادمة بشكل إيجابي عندما بعنا بقيمة ٩٠٠ شيكل (٢٨٠ دولارًا أمريكيًا) في يوم واحد، ويعتبر هذا المبلغ ليس بالزهيد. شخصياً، شغفي الأساسي كمزارع أن أسوّق لقريتي التي يبلغ عدد سكانها من ٥ إلى ٦ آلاف نسمة. نسعى مؤخراً إلى السيطرة على مواردنا المحلية، ليس بالاحتكار بل بالشراكة مع المزارعين في منطقة غرب رام الله.

مهاب العلمي: مزرعة "أم سليمان". كنت سعيد الحظ في تأسيس المزرعة مع شاب اسمه محمد أبو جياب، وهو لاجئ من قطاع غزة، استطاع أن يأتي إلى الضفة الغربية بالصدفة. تعرفت إليه في تلك الفترة، خطرت لنا فكرة إنشاء مزرعة ولكن لم يكن لدينا أي رأس مال حينذاك. كان محمد مطّلعاً على تجربة الزراعة المدعومة مجتمعياً، فكان ذلك هو المبدأ الرئيسي الذي عملنا به، فبدأنا بقطعة أرض وبدعم من المجتمع. في أول موسم أنتجنا لثمانية عائلات، ثم عشرة عائلات، واليوم نخدم نحو ستين عائلة. المزرعة قائمة في غرب رام الله في قرية اسمها بلعين، مباشرة قرب جدار الفصل العنصري. أنا متحمس لمشاركة تجربتنا والتعلم من الآخرين في التغلب على تحدياتنا في الإنتاج والتسويق، وربما المجتمع هو الذي يربط التحديين.

أدهم كراجة: أنا من قرية صفا وعضو في تعاونية "أرض اليأس". بدأت تعاونيتنا في أواخر عام ٢٠١٧ بأربعة أشخاص، والآن نحن ١٦ عضواً. بدأت مسيرتنا بالزراعة البعلية، وتطورت إلى الزراعة المروية المكشوفة، واليوم نزرع داخل البيوت البلاستيكية. نراهن على هذه التطورات لتكملة مسيرتنا، من ناحية أسلوب الزراعة ومن ناحية أخرى الخبرات التي نكتسبها من خلال التدريبات وزيارة التعاونيات والمزارع الأخرى.

اسم "أرض اليأس" شيء عفوي يشبه حياتنا كشباب فلسطينيين وفكرتنا عن المستقبل. المصطلح مأخوذ من مقولة فريدريك نيتشه لليأس باعتباره الثمن المدفوع لاكتساب الوعي الذاتي. في هذا العالم، يبدو أنه كلما عرفنا أكثر، زاد شعورنا باليأس، لكن في نفس الوقت، نعلم أن هذا اليأس هو المحرك لتكملة المسيرة والسعي نحو المستقبل. الموضوع فلسفي إلى حدٍ ما، وقد يكون مهماً وقد لا يكون، لكنه أصبح اسم التعاونية وجزءاً من هويتنا. لكن أهم شيء بالنسبة لنا هي أهدافنا المجتمعية وتحقيقها، والقيم التي نأخذها من الفكر التعاوني ومن التعامل مع الطبيعة بشكل متبادل.

عرفات البرغوثي: أنا من قرية دير غسانة في رام الله وعضو في تعاونية "أرض كنعان"، وهي مبادرة بسيطة بدأت منذ عامين. نحن مجموعة من الشباب معظمنا أسرى محررون، كنا نحاول البحث على وظائف في البلد، لتوفير مصدر دخل وأمن اقتصادي وفي نفس الوقت نقوم بتقديم رسالة قومية. ما هو الشيء الذي يعتمد على عملنا وجهدنا في الأرض، وبنفس الوقت يتيح لنا فضاء خارج قطاع الخدمات وثقافة الاستهلاك التي تُعمّم في فلسطين. وصل التفكير بنا إلى تربية الدجاج البلدي، وإنتاج البيض ولحم الدجاج الذي يدفع المستهلكين بعيداً عن الاعتماد على الاستيراد من الاحتلال. على قطعة أرض تبلغ مساحتها ٩ دونمات بدأنا بزراعة أعلاف لدجاجنا وتطويرها، فهدفنا تسويقها للمزارعين الفلسطينيين تحت مظلة الاعتماد على الأغذية الطبيعية الخالية من الكيماويات. لقد ركزنا على خمسة أنواع من النباتات للعلف فيها قيم غذائية عالية، ونعمل على استيراد ماكينة تصنيع الأعلاف.

رامي مسعد: أنا أمثل "ملتقى الشراكة الشبابي"، وهي مظلة لمجموعة من المراكز والنوادي الشبابية الفاعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتواصل مع الداخل المحتل والشتات. نقود لجنة تم تشكيلها من نشطاء شباب فاعلين، يعملوا على بناء قائمة قضايا وتصورات وأولويات العمل. أحد هذه القضايا هي التعاونيات. برؤيتنا، التي تم الاتفاق عليها بالإجماع، التعاونيات بديل اقتصادي واجتماعي مهم في سياقنا الفلسطيني، بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما أننا نؤكد على مسألة الحاضنة الشعبية لاستدامة هذه التجربة.

عملنا يشمل توفير مساحة للتعاونيات والتجارب الشبابية للانتقاء والتعلم والاستفادة والنضوج من خلال التجربة. فمثلاً، نسعى إلى نشر الفكر التعاوني من خلال جلسات وندوات جماعية تسعى إلى زيادة الوعي وإلى توفير التدريب الإداري وبناء النظم الداخلية وتوزيع الأدوار للتعاونيات الناشئة من خلال مجموعة من التدريبات حول الزراعة البيئية، وتربية النحل وتدريبات تقنية مختلفة. إضافة إلى ذلك، نهتم بمسألة تسويق المنتجات، حيث يتم تنسيق أيام تسويقية مختلفة في المحافظات بناءً على احتياجات صغار المزارعين والتعاونيات. تطورت تجربة التسويق إلى حسبة التعاونيات التي تُنظم مرة كل أسبوعين في رام الله، وتعرض التعاونيات منتجاتها وتشتري الناس الخضار والفاكهة العضوية بسعر عادل.

التدخل الأخير يتعلق بالحشد الشعبي لمساندة التعاونيات الشبابية حرصاً على ديمومتها واستمراريتها. نعمل الآن على تشكيل دائرة أصدقاء التعاونيات وهم ناشطين وفاعلين يساهمون بتبرعات فردية لإسناد التعاونيات في حالات طارئة تحتاج لتدخل سريع. هذا يضمن الحاضنة الشعبية للتعاونيات وحفظ استقلاليتها بعيداً عن مسألة التمويل الخارجي، ونختبر الآن إمكانية توسيع وترسيخ التجربة لتشمل صندوقاً تعاونياً يوفر التأمين والحماية للتعاونيات.

الزراعة هي مهنة بينما الفلاحة منهج حياة. نحن بحاجة لمنهجية حياة مختلفة تكون فيها قضايا إنتاج الغذاء جوهرية.

قيس حمد: أنا فلسطيني من طبريا، هُجّرت مرتين، منذ عام ١٩٤٨ وحالياً مقيم في الشتات في اليونان، حيث أعمل مع تعاونية تأسست قبل عام ونصف اسمها "حاكورة"، قد توجهنا للزراعة لأننا نشعر دائماً أننا كفلسطينيين نتمتع بعلاقة حميمية وثرية مع الأرض.

في مواجهة الوضع الاقتصادي الخانق في اليونان وفي ظل غياب برنامج دمج للاجئين، جعلنا الأمر نفكّر في ماهية البدائل التي يمكن أن تشق لنا طريق العمل في الشتات. تعلمنا من أصدقائنا اليونانيين، الذين لجأوا أيضاً إلى الزراعة بعد الانهيار الاقتصادي وعثرنا من خلال شبكاتنا على مناطق زراعية خصبة تشبه التربة في فلسطين. قبل عام ونصف، استأجرنا قطعة أرض وزرعنا الخضار والفاكهة للموسم الأول، لكن تجربتنا توقفت لأن سعر الإنتاج، وخاصة تكلفة السيارة ونقل المنتجات من الريف إلى المدينة كانت مرتفعة. حاولنا تقييم المخاطر والاحتياجات، وبدأنا من جديد على قطعة أرض بمساحة ١٠ دونمات فيها بئر ماء وزرعنا نصفها لحد الآن. ونهدف إلى تأسيس بنك بذور في المستقبل. حجم التضامن من الذي رأيناه في الفترات التأسيسية ضخم جداً، إذ ساندنا المجتمع بحملة التمويل الجماعي التي أطلقناها على أسس التضامن الشعبي وليس التبرع أو التمويل المشروط من المؤسسات. بينما نحاول الوقوف على أقدامنا، نشعر بالحيوية والطاقة من خلال علاقتنا وتعاوننا مع المزارعين الشباب الآخرين والتعاونيات في فلسطين. يجب أن نستمر في الحفاظ على ارتباطنا بالوطن، والزراعة في اليونان هي عودتنا الخاصة لأرض قرانا، من خلال زراعة البذور المحلية للاستمتاع برائحة وطعم فلسطين.

سؤال: لماذا الزراعة البيئية، ولماذا التعاونيات؟ هل يمكن أن تكون ذات جدوى اقتصادية؟

قيس: لماذا التعاونيات؟ عموماً، عضويتي بالتعاونية تشرفني وأفضلها على الوظيفة الرسمية. من الناحية النفسية أشعر أن أي عضو في التعاونية يتحكم بالجهد والإنتاج، بعيداً عن سلطة رب العمل أو الإقطاعي أو الرأسمالي. التعاون يرسخ مبادئ الكرامة والوجود، ويزيد من الإنتاج أيضاً.

محمد: الزراعة البيئية أو العضوية، قد تختلف بمسمياتها، ولكن من المُتفق عليه أنها في الفترة الحالية لا تحتوي على المواد الكيماوية ونأمل ألا تكون هناك مدخلات خارجية في المستقبل. بالدرجة الأولى، طعم خضار وفاكهة الفلاح البيئي أثبت جدارته. زبائننا من سكان القرى استطاعوا التفريق بين منتجات السوق ومنتجاتنا البلدية. أنا على إيمان أن لب الزراعة الطبيعية يتكون من نظام بيئي متكامل لا ينقصه أي مدخلات خارجية. يوجد أشجار ونباتات موسمية وحيوانات، والمطلوب تشكيل رابط بينهم لتحقيق الاكتفاء الذاتي. نحن مزارعون، لسنا صناعيين ولا نعيش في مختبر علمي، ونؤمن بالطبيعة وليس لدينا إلا الأدوات المتوفرة من حولنا. هذه هي الزراعة البيئية، ولذلك نربي الدجاج البلدي، ولا نرمي أي شيء يأتي من الأرض بل نحاول إعادة استخدامه.

مهاب: مزرعة "أم سليمان" ليست تعاونية، مع كل احترامي للتعاونيات، فإنني أقدر عملهم. كنا في طريقنا للعمل كتعاونية رسمية، لكننا قررنا أننا لا نثق بالأمور الإدارية والمصاريف المطلوبة والتسجيل الذي يجلب مراقبة. بينما نؤمن بجوهر التعاونيات، في العمل مع بعض والاستفادة من الخبرات الجماعية بعيداً عن النظام الرأسمالي.

بالنسبة للزراعة البيئية، فإنها تقلل من مصاريفنا لأنها تستثني الكيماويات وتقلل من الأسمدة وتتكل على تقليب البيئة الموجودة. ومن ناحية إنتاجية، أعتقد أن الفكرة القائلة بأن الزراعة البيئية تنتج أقل مقارنة بغيرها هي مجرد مغالطة، بل على العكس، فهي تنتج أكثر. الشيء السلبي الوحيد الذي وجدته من خلال خبرتي هو انخفاض فترة تخزين الخضار والفاكهة، أو ما يسمى بالـ"shelf life". على سبيل المثال، معظم البندورة في السوق اليوم التي نأكلها هي مهجنة أو معدلة جينياً "GMO"، تطورت لتسهيل شحن وتوزيع المنتجات. الزراعة البيئية بالنسبة لصغار المزارعين مثلنا، هي الأنسب والأكثر استقلالية وتشكل المستقبل للأمان الزراعي والغذائي.

سعد: أميل حالياً للتفكير بالفلاحة البيئية وليس الزراعة البيئية. الزراعة هي مهنة بينما الفلاحة منهج حياة. نحن بحاجة لمنهجية حياة مختلفة تكون فيها قضايا إنتاج الغذاء جوهرية. على مسألة التعاونيات: معنى التعاون هو "كيف نعمل معاً". ما أبعدنا عن مسألة التعاونيات الرسمية هو التشويه الذي سببته المؤسسات ولاحقاً السلطة. أنا أتحدث من منطلق تجربة شخصية خضتها من خلال عملي مع العديد من المؤسسات، ورأيت الدور السلبي الذي تلعبه بتخريب المفهوم التعاوني عند التعاونيات. التعاونيات التي نتكلم عنها، مثل أرض اليأس وكفر نعمة وغيرها، تختلف عن الجمعيات التعاونية المسجلة رسمياً؛ الفكر، والمنهج، والعلاقات مختلفة.

لماذا الزراعة أو الفلاحة البيئية؟ يوجد أبعاد مختلفة، وأولها البعد الوطني. أسأل نفسي دائماً عما أستطيع تقديمه لوطني. فربما يمكنني العمل على تطوير نموذج لإنتاج غذائي مستقل، بعيداً عن الاتكال على المحتل، فإن كل المدخلات الزراعية الكيماوية يتحكم فيها المحتل. إذا استمر المحتل بالسيطرة على مسألة إنتاج الغذاء، فهو يسيطر عليّ. لا يمكن أن أتحرر وهو قابض على لقمة العيش. بالتالي، وجدت أن الزراعة البيئية يمكن أن توصلنا للتحرر بمسألة الغذاء. وإذا تحررنا غذائياً، يمكننا التكلم بالتحرر السياسي لاحقاً.

رامي: التعاونيات في فلسطين ليست جديدة، نشأت أول تعاونية عام ١٩٢٤، ولعبت التعاونيات دوراً اقتصادياً ووطنياً مهماً، فنحن نعرف كم وضع الاحتلال من عراقيل أمام هذه المسألة. أتفق أنه تم تشويه التعاونيات المسجلة والرسمية بعد دخول التمويل الخارجي، وقدوم السلطة واتفاق أوسلو.

لماذا التعاونيات؟ لأن الأرض هي جوهر معركتنا مع الاحتلال، وحماية الأرض واجب لإثبات الحقيقة على الأرض وليس بالشعارات والخطابات. البعد الاقتصادي مهم إثر الهيمنة الاقتصادية الاستهلاكية التي تحدث عنها الشباب. كيف بإمكاننا أن نتكلم عن اقتصاد مقاوم أو اقتصاد صمود ونحن لا نملك قدرة الإنتاج؟ كيف بإمكاننا أن نتكلم عن مقاطعة بضائع الاحتلال من غير أن نملك بديلاً؟ أما بالنسبة للبعد المجتمعي، قامت السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتّبعة للسلطة الفلسطينية والمؤسسات بتعزيز مفهوم الفردانية وجعلت كل شخص يفكر في ذاته، وهذا انعكس على نمط حياتنا. لذلك العودة الجماعية تلعب دوراً مهماً في تعزيز مفاهيم التضامن والتكافل، وتبرز أهمية التعاونيات في سعيها للخلاص الجماعي وليس الفردي.

بالنسبة للتسويق، فإنها قصة طويلة. اقتصادنا تحت احتلال والمزارع يواجه مشكلة في بيع البضائع لأن السوق في الضفة الغربية غارق ببضائع الاحتلال الرخيصة إثر سياسات السلطة الفلسطينية وتهريب البضائع من الداخل الفلسطيني. هناك ضرورة فرض مسألة الحاضنة الشعبية والتسويق الذاتي لمساعدة المزارعين والتعاونيات.

لنفحص مثلاً قصة البطيخ: تم التخلي عن البطيخ قبل عامين في وادي الأردن على أرضه لأن السعر كان متدنياً لدرجة أن المزارعين لم يبذلوا جهد أخذه إلى السوق. وفي النهاية تم تنظيم مبادرات من ملتقى الشراكة الشبابي أو مبادرة شراكة، عقد من خلالها أيام تسويقية بالمحافظات المختلفة وتم بيع طن من البطيخ. أثبتت هذه التجربة أن البطيخ إذا وصل للناس وعلمت بأنه بطيخ فلسطيني، فإن له حاضنة. لا تحتوي المنتجات الزراعية في السوق بشكل عام على علامة تسمح للمستهلك التفرقة بين المنتج الفلسطيني والمنتج الإسرائيلي. يذهب الناس لشراء الخيار والبندورة دون معرفة أصلها. مسألة الوعي بهذا الجانب مفصلية وجوهرية. علينا الحثّ من خلال المؤسسات القاعدية والرسمية على منع تهريب البضائع الإسرائيلية من الداخل وتسويقها، ولكننا مكبلون باتفاقيات، ولذلك نقترح مسألة التسويق الشعبي. من خلال تجربتنا رأينا في حسبة التعاونيات أن الناس تتفاعل وتدعم تجارب شبابية وتشتري منتجات خالية من الكيماويات. هذه الدوائر تتوسع وتنتشر، وهي تشكل نواة أو جزءاً من الحل. يتطلب المستقبل جهداً جماعياً لتستطيع التعاونيات تشكيل حالة بديلة لنظام الاستهلاك بأكمله.

عرفات: نحن في المجتمع الفلسطيني ملزمون بالتحدث في السياسة حتى عندما نعمل في الزراعة وعلى الأرض، لأن أزمتنا سياسية في الأساس. من بعد أوسلو، وحتى اللحظة الحالية، تم تدمير القيم الأساسية للمجتمع تحت الاحتلال. كنا نجد قيم التعاون والعمل التطوعي، كان يُضرب فيها المثل على مستوى المنطقة. لماذا التعاونيات؟ لأنها أحد الخيارات البديلة للمنظومة السائدة من بعد أوسلو، تُعطينا المجال للعودة إلى الأرض والاهتمام بها، وإنتاج غذائنا وعيشنا، كما أنها تعزز قيم التضامن والتعاون، والتي تُعتبر ركيزة أساسية في النسيج التراكمي للعلاقات الاجتماعية. في تعاونية "أرض كنعان"، المزرعة عندنا مثل المضافة، يأتي الناس من جميع الطبقات والتوجهات السياسية والفكرية للاطلاع على التجربة والتعلم منها.

قيس: نحن في اليونان وفي الشتات لاحظنا شيئاً؛ اعتدنا أن نعتقد أنه عندما نريد بيع المنتجات، نحتاج إلى التفكير بأنماط التسويق السائدة التي تبنتها الشركات الأخرى، لأننا في سوق أوروبي ضخم. ولكن عندما بدأنا العمل في التعاونيات وبدأنا الإنتاج، أطلق أحمد، شاب معنا في "حاكورة"، رابطاً بسيطاً على صفحتنا للتسجيل في برنامج صندوق الخضرة الأسبوعي أو السنوي. حجم التضامن الذي رأيناه كان هائلاً، خاصة من اليونانيين الذين لا نعرفهم ولا تجمعنا بهم علاقات اجتماعية. حتى عندما وصلنا إلى المنازل لتوصيل المنتجات، كان الناس يدفعون أكثر من السعر المطلوب حتى يشعروننا بالتضامن. يجب أن تفكر كل تعاونية في مسألة التسويق وفقاً لسياق المنطقة التي تعمل بها.

سعد: قد أشارك معكم المخاوف التي أراها والمتعلقة بدور المؤسسات والتشويه الذي قد يحدث في المستقبل. بالنسبة لقضية الزراعة، فهناك تحدٍ أمام بقاء الفلاحة البيئية حاضرة بكامل طاقتها، وبالفكر الإنتاجي، التعاوني، التحرري الذي نؤمن به. واليوم، بدأت المؤسسات بتبنّي نهج الزراعة البيئية في قشرته وبعيداً عن الجوهر الحقيقي. على سبيل المثال، اقترحت بعض الأطراف المانحة دمج الزراعة البيئية مع البذور المعدلة وراثياً، طالما أنها تؤدي لإنتاج أعلى. الحل هو مواجهة المؤسسات الغربية، وتمويلها الذي يفرض سياساتها، وكذلك الحث على الحاضنة الشعبية.

 

[نُشر هذا الحوار أيضًا في مجلة "العلم للشعب" ٢٥، ١ (ربيع ٢٠٢٢)].

المغرب العربي في مواجهة خطر نقص المياه

تراجع توفر المياه الجارية بنسبة 60% في شمال أفريقيا منذ 40 سنة، ويعود ذلك إلى تغير تهاطل الأمطار بسبب الاحتباس الحراري وسوء صيانة شبكة التوزيع ونقص في البنى التحتية لتطهير المياه، ما يدفع المختصين للحديث عن إجهاد مائي، سيكون أولى ضحاياه في المنطقة صغار المزارعين.

أكد وزير الموارد المائية أرزقي براقي في فبراير/شباط 2020 أن “الجزائر ليست في حالة تأهب أو إجهاد مائي”. وذلك رغم كون معدل ألف متر مكعب للساكن الواحد في السنة لم يعد متوفرا في الجزائر أو لدى جيرانها، وهو المستوى الذي تصبح الحياة الاجتماعية أو التنمية الاقتصادية دونه صعبة، وفق الباحث السويدي مارتن فالكنمارك. ما جعل الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ1 ومعهد الموارد العالمية2 يعلنان -على عكس الوزير الجزائري- المغرب العربي في وضع إجهاد مائي حاد.

تركز الفترات الممطرة

انخفاض مخزون المياه يعود لارتباطه بتهاطل الأمطار. لكن جميلة طرهوني -مديرة مختبر علوم وتقنيات المياه في المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس- تستدرك قائلة: “إن نسبة تهاطل الأمطار السنوية لم تتراجع بشكل مهم. ما تغير هو تركز الفترات الممطرة. ففي الماضي، كانت الأمطار تتهاطل خلال فترة زمنية أطول ما يعود بالنفع على التربة. أما الآن، فقد أصبحت فترة تهاطل الأمطار قصيرة لكن بكميات مهمة. هذا الأمر يتسبب في فيضانات وانجرافات، بسبب مخلفات إزالة الغابات والتحضر.”

يضيف مالك عبد السلام -وهو محاضر في جيولوجيا المياه بتيزي وزو- قائلا: “الفترات الممطرة ليست قصيرة فحسب، بل يعقبها طقس مشمس وجاف. وفي هذه الظروف، تتبخر المياه بسرعة ويرتفع التنقيب في المياه الجوفية، إذ لم تعد الأمطار تكفي الفلاحين وتمنعهم من ضخ المياه.”

شبكات تطهير غير كافية

رفعت بلدان المغرب العربي من قدرتها على تخزين المياه السطحية. فالمغرب يتمتع بـ 144 سدا، وهو عدد تطمح الجزائر في الاقتراب منه مع حلول سنة 2030. أما تونس، فتعد 34 سدا وهو ضعف ما تتمتع به ليبيا التي لا يتجاوز العدد عندها 16. 

كما تهتم هذه البلدان بالمياه غير التقليدية، إذ أن عدد مصانع تحلية المياه في ارتفاع في الشريط الساحلي المغاربي الذي يمتد على مسافة 7000 كيلومتر. وتحتل الجزائر المرتبة الأولى في ذلك بفضل إنشاء 21 مصنعا في أقل من 20 سنة. أما المغرب، فقد اقترض 130 مليون يورو لبناء محطة تحلية في المنطقة بأكادير، والتي تحتل المرتبة الثانية وراء محطة المقطع بوهران. من جهتها، تعلق تونس آمالها بقرض بقيمة 306 مليون يورو لتقيم مصنع تحلية في صفاقس.

لكن نقطة ضعف منطقة شمال أفريقيا تبقى معالجة مياه الصرف الصحي، والتي لا تحظى سوى بـ 260 مصنعا، تحتكر الجزائر 170 منها. وعلى سبيل المقارنة، تعد فرنسا 20 ألف مصنعا لهذا الغرض. ويستنكر مالك عبد السلام ذلك مذكرا بأن “80% من المياه المنزلية تذهب إلى المجاري لتصب في البحر”.

تم بعث بعض المشاريع المهمة في هذا الصدد هنا وهناك، استجابا لمتطلبات المستهلكين، مثل مشروع “المغرب الأخضر” و“جيل أخضر 2020-2030” و“غابات المغرب”. وتراهن تونس على زراعة 100 مليون شجرة زيتون، بينما كانت ليبيا قد شهدت مشروع معمر القذافي الفرعوني للنهر الاصطناعي الكبير، والمتمثل في محطات لضخ المياه الجوفية في الصحراء لمد السكان بالماء الصالح للشراب وتطوير زراعة محلية، بهدف تحويل مناطق صحراوية بأسرها إلى بيوت زراعية بلاستيكية.

رغم كل هذه المجهودات، فإن “توفر المياه العذبة للساكن الواحد في بلدان المغرب تراجع بنسبة 60% خلال الأربعين سنة الأخيرة”3، لاسيما بسبب محدودية طاقة تخزين المياه والتي تعود إلى سوء الصيانة.

بسبب هذا، لا تشتغل مصانع التحلية بكامل قدرتها. أما كميات المياه التي تحتفظ بها السدود، فهي في تراجع بسبب الطمي. وتتحسر جميلة طرهوني قائلة: “توقف سد واد الكبير عن العمل -وهو الأول في شمال أفريقيا إذ بني سنة 1928- بسبب الترسبات”. ويضيف مالك عبد السلام: “لا توجد صيانة للمصانع والسدود وشبكات توزيع المياه. فعلى رغم توصيات الدولة، تفضل الشركات استخدام المواد الصينية لبخس ثمنها مقارنة بالمنتوج المحلي وهو أحسن جودة، ما يجعل التسريبات تتزايد بسرعة”.

يؤكد فرانك غالند -وهو باحث مشارك في مؤسسة البحوث الاستراتيجية- هذا التشخيص: “تزيد بلدان المغرب من عرض المياه. لكنها لا تعنى بما فيه الكفاية بشبكات التوريد وأنابيب المياه. ما يجعل مستوى التسريبات مهما، خاصة في الشبكات الحضرية حيث تصل إلى نسبة 30 إلى 40% من المياه غير المخزونة. من المؤسف أيضا أن الحرب أضرت بمشروع النهر الكبير في ليبيا، إذ تم قصف بنى تحتية ومحطات ضخ أو احتكارها”.

عدم التكافؤ في الولوج إلى المياه

يرى محمد تعباني -وهو محاضر في الجغرافيا بجامعة بواتييه- أن “أولى ضحايا نقص المياه هم صغار الفلاحين ومربي الماشية”. وهو ما تؤكده جميلة طرهوني: “لاحظت في 2016 أن سكان الأرياف يتنقلون بانتظام في فترات الجفاف، حتى أنهم يتخلون عن ممتلكاتهم لاستئجار منزل في المدينة أو في ضواحيها، ما ينجر عنه سرقة خطوط أنابيب للحصول على المياه.”

تنقل السكان مظهر من مظاهر عدم التكافؤ في الحصول على المياه. فوفق اليونيسف4، يشكو 36% من سكان المغرب من عدم حصولهم على المياه، في حين لا تتجاوز هذه النسبة 4% في المدن. أما في الجزائر، فتبلغ نسبة المحرومين من المياه 11% في حين لا تتجاوز 5% في المدن.

لكن هذه الأرقام تخفي تفاوتا آخر، وهو تردد الحصول على المياه. فسد تاقسبت الذي يقع قرب تزي وزو يوزع المياه خاصة على المدن الكبرى، من بينها الجزائر العاصمة. أما سكان القرى الذي يقطنون قرب السد والذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء، فيكتفون بملأ الدبابات والأحواض وغيرها كل أسبوع أو أسبوعين.

تفضيل السلطات لسكان الحضر أمر واقع. ويلخص مالك عبد السلام المشهد قائلا: “تحتضن المدن أكبر كثافة سكانية. لذا تسعى السلطة لاتقاء غضبها”. لكن هكذا خيار يتسبب في غضب الآخرين، كما تعاينه جميلة طرهوني: “يرى الجنوب التونسي كيف تستخرج مياهه الجوفية لتنتفع بها المدن السياحية، ما يتسبب في تفاقم الاحتجاجات مثلما هو الحال في سيدي بوزيد، حيث يطالب السكان بحصص ترفضها السلطة دون مبرر. وردا عن ذلك، يمنع المتظاهرون مشاريع التنقيب ويحاولون كسر أنابيب المياه”.

يمثل الماء في تونس والجزائر طريقة لابتياع السلم الاجتماعي. أما في ليبيا، فقد جعل منه القذافي وسيلة ضغط سياسية، كما يشير إلى ذلك محمد العربي بوقرة: “كان الإنذار والتهديد واضحين: إن لم تطيعوا القائد، فسنقطع المياه”5.

ولكي يزيد الطين بلّة، يساهم ملايين السياح الذين يزورون المنطقة سنويا في إهدار كميات كبيرة من المياه. وهنا أيضا، يقول محمد تعباني: “يتراوح معدل الاستهلاك السنوي لكل سائح بين ضعف وخمسة أضعاف ما يستهلكه الساكن المحلي. فالمرافق السياحية لا تتمتع بمحطات ناجعة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وإعادة تطهير المياه فيها ضعيفة جدا”. حتى أن تونس وضعت “كهدف عدم تجاوز استهلاك 300 لتر في اليوم لكل شخص”، وهو ضعف ما يستعمله الساكن المحلي.

تداعيات الجفاف على النسيج الاجتماعي

يثني سعيد دومي -رئيس جمعية الواحات للتنمية المتكاملة- على سياسة إمدادات المياه بالمغرب التي حدت من نروح سكان الواحات قائلا: “إن السلطات المغربية متضامنة مع مزارعي الواحات. فللجفاف هنا تداعيات سلبية على النسيج الاجتماعي واقتصاده. غياب الأمطار يزيد من طمي الأراضي الزراعية ويجتاح مرض البيوض الواحات، فتفقد جمالها ويتلاشى التضامن وينزح السكان. لكن منذ أن قام الملك بتشييد سدود لري حقولنا، صرنا نتمتع بالمياه الجارية”.

لكن نقص الأمطار يحد من طاقة السدود في الاستجابة لاحتياجات الفلاحين، ما يدفع بهؤلاء إلى حفر آبار تستنزف المياه الجوفية غير المتجددة. “يبلغ عمق هذه الآبار بين 30 و50 مترا لكن وحدهم كبار أصحاب الأراضي من يستطيعون فعل ذلك. أما الباقي، فهم يعتمدون على المياه السطحية. لذا أنوي حفر بئر وسط الواحة حتى أحميها نهائيا من الجفاف”.

إن الإشكاليات التي يواجهها سكان الواحات تلخص ما يجري في جميع البلدان النامية حيث “تستهلك الزراعة نسبة قد تصل إلى 90% من الموارد المتجددة”، وفق غالند. فعلى غرار ما يحدث في ليبيا وفي تونس، “تستغل المياه الجوفية بشكل مفرط في المغرب، وتفوق السحوبات السنوية إعادة التخزين الطبيعية. ويرجح حجم الاستغلال المفرط -أي الاستغلال دون إعادة تخزين- مليار متر مكعب في السنة”، وفق محمد تعباني.

يقول مالك عبد السلام: “في ماض غير بعيد، كان السكان يدلون بدلوهم في سهول متيجة، أما اليوم، فقد انخفض مستوى المياه الجوفية من 30 إلى 50 مترا”. من جهتها، تقدر جميلة طرهوني أن مستوى المياه الجوفية في تونس ينخفض بحوالي 30 مترا كل عقد، بسبب “غياب استراتيجية سياسية تجمع بين الاهتمام بالموارد المائية والأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الزراعية”.

تعبر شهادة سعيد دومي عن التوجه السياسي الذي دفع به محمد السادس لخلق طبقة متوسطة من المزارعين. لكن لهذ السياسة حدودها والتي يلخصها تعباني قائلا: “الأمن الغذائي أولوية في المغرب، لكن السلطات العمومية تحاول الحد من الإجهاد المائي من خلال اللجوء إلى الري بتعبئة المياه وتحسين طرق الي أو استعمال أصناف زراعية أكثر مقاومة للجفاف. لكن هذا لا يكفي لإرضاء جميع الطلبات. لذا تقبل السلطات بالاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية، لا سيما لتضمن السلم الاجتماعي في الأرياف.”

صغار المزارعين أكثر عرضة

يعلق غالند على الوضع قائلا: “إن الوضع ليس ميؤوسا منه بالنسبة للبلدان التي تبدي إرادة حقيقية في هذا المجال. يجب توعية السكان وحثهم على التخفيض من استهلاكهم المنزلي والزراعي والحد من المنتوجات غير المعيشية”. يشاطره محمد تعباني الرأي قائلا: “ترجح تقارير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بالنسبة للمغرب العربي ارتفاعا في درجات الحرارة يتراوح بين درجتين وأربع درجات، وانخفاضا في تهاطل الأمطار بـ10 إلى 30% في أفق 2080-2099. منطقيا، ستسجل السدود والمياه الجوفية انخفاضا للتخزين بنسب مماثلة. واعتبارا لأولويات الحصول على المياه، فإن الزراعة هي المجال الذي سيشهد نقصا في المياه. أي أن صغار المزارعين الذين يقومون بالري خارج المساحات سيكونون أولى ضحايا نقص المياه”.

ويتكهن محاضر الجغرافيا قائلا: “ستستعمل السلطات ثمن المتر المكعب للحث على ترشيد الاستهلاك. لكن صعوبات الحصول على المياه في الأرياف ستتواصل. لذا لن يكون هناك مفر من اللجوء إلى المياه غير التقليدية. قد تمكن الطاقة الشمسية مع توربينات الرياح من تطوير مصانع صغرى للتحلية والتخفيض من تكلفة الإنتاج، لكن هذا الأمر يشترط إتقان تقنية صيانة هذه المعدات.”

[تنشر المقالة ضمن اتفاقية شراكة مع موقع اورينت]