(شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، بيروت، 2022)
[جان دوست شاعر وقاص وروائي ومترجم سوري كردي، من مواليد عام 1965 في بلدة عين العرب (كوباني) بمحافظة حلب السورية. حصل على جوائز منها: جائزة القصة الكردية القصيرة في سوريا 1993، وجائزة الشعر عن مهرجان الشعر الكردي في ألمانيا 2012، وجائزة الكتاب الشرقي عن ترجمته لقصص كردية في كتاب بعنوان رماد النجوم 2013، وخلال مهرجان "گلاويز"، الذي يقام سنويًا في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، حصل على جائزة "حسين عارف".
صدر له من الروايات باللغتين الكردية والعربية: "مدينة الضباب"، واسمها بالكردية (Mijabad)، ترجمها جان دوست بنفسه إلى العربية، صدرت في عدة طبعات، آخرها عن دار مقام، القاهرة 2014. "ثلاث خطوات ومشنقة"، باللغة الكردية، صدرت عن دار "آفستا" للنشر، اسطنبول 2007. "ميرمانة"، باللغة الكردية صدرت عن دار "آفستا" للنشر، اسطنبول 2008، وقد تُرجمت هذه الرواية إلى اللغة العربية من قبل "مشروع كلمة للترجمة"، التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في الإمارات العربية المتحدة بعنوان: "ميرمانة – الشاعر والأمير"].
جدلية (ج): كيف ولدت فكرة الرواية؟ ما هي منابعها وروافدها، ومراحل تطوّرها؟
جان دوست (ج. د.): ولدت فكرة الرواية من خلال التأمل في نصوص قرأتها سابقاً وعلى فترات متباعدة جداً ابتداءً من بداية شبابي إلى الآن. وفاءً لقراءاتي الكثيرة اخترت نصوصاً بعينها أعجبتني واشتغلت عليها. ثلاث عشر رواية اخترتها بعناية وأعدت قراءتها في قالب حواري وقصصي أثرت من خلاله مواضيع مختلفة تناولتها الروايات الأصلية.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسة؟ ما هو العالم الذي يأخذنا إليه نص الرواية؟
(ج. د.): الموضوع في هذه الرواية هو تجريبي بحت يحاول كسر الكليشيهات المتداولة عن بعض الشخصيات الروائية الشهيرة. هناك اشتباكات نصية أظنها ستأخذ بيد القارئ إلى أعمق نقطة في كل رواية تناولتها. والقصة باختصار كما في كلمة الغلاف أن روائياً عجوزاً يعتزل في مكتبته ويكتب رواية بعد أن يستلهم من الروايات التي قرأها سابقاً. يحاول هذا الروائي العجوز خلق حوارات جديدة وإحياء ذكرى بعض الشخصيات الشهيرة في عالم الرواية.
(ج): ما هي التحديات والصعوبات التي جابهتك أثناء الكتابة؟
(ج. د.): كانت هذه أول رواية أنجزها في فترة قياسية أخشى الإعلان عنها لأن الكثيرين لن يصدقوا. التحدي الأساس كان التوتر الشديد الذي أصابني خلال الكتابة فقد كانت المتعة بالغة لدرجة أن الرواية استحوذت على تفكيري وكتبتها في نفس واحد.
(ج): هل هناك نصوص كانت لها تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز النص؟
(ج. د.): بالتأكيد. الروايات التي أصبح أبطالها شخصيات رئيسة في روايتي كلها لها تأثير مباشر. منها مثلاً زوربا اليوناني. مدام بوفاري. عشيق الليدي تشاترلي. صحراء التتار. إلخ.
(ج): ما الذي يجب أن تحققه الرواية بحيث يمكن القول إنها رواية إبداعية وتشكل إضافة في جنسها الكتابي؟
(ج. د.): لا أستطيع استباق الأحداث أو التنبؤ بها. إنما آمل أن تلفت نظر الأوساط الأدبية قراء ونقاداً فهي نقلة نوعية في مسيرتي.
(ج): ما هو مشروعك القادم؟
(ج. د.): رواية جديدة تاريخية هذه المرة أشتغل عليها منذ مدة وأوشكت أن تنتهي.
مقتطف من الرواية
خفتت الموسيقى الهادئة حتى صمتت الميكروفونات نهائياً، وأضاءت بعض المصابيح الكاشفة المنصةَ التي صعد إليها بهدوء تامِّ رجلٌ عجوز ببدلة بيضاء، يلفّ على عنقه شالاً حريرياً أحمر. سكت العجوز وهو يقف بقامته الفارعة، وأخذ يتأمل وجوه الحاضرات والحاضرين من وراء نظارته الطبية. ثم تحدث بهدوء:
"أيتها السيدات والسادة، بطلات وأبطال الروايات الخالدة. أهلاً بكم في عالمكم الجديد. هذا العالم الذي بنيته بعد أن تعمقت في دراسة شخصياتكم بعلاقاتها المتشابكة وبنيتها النفسية وسلوكياتها المعبرة عن ذوات محطّمة أو متمرّدة: ذوات رسم لها القدر مساراً محدداً فاختارت آخر مختلفاً، ذوات كافحت في سبيل قناعاتها وضحَّتْ بالكثير من أجل أن تعيش كما تريد هاربة من قوانين البشر والآلهة، لكنها وقعت ضحية أقدارها التي سحقتها فعانت ما عانته دون أن تعرف سبيلاً إلى الخلاص.
لقد أتحتُ لكم فرصة الخروج من هذه السجون الورقية لتتعارفوا من جهة، ولكي أرى كيف ستمضي بكم سفينة السرد في بحر الخيال المطلق من جهة أخرى. لقد آن لكم أن تخرجوا إلى النور من جديد وتجتمعوا في صعيد واحد وتختبروا حياة مغايرة لما عشتموه. ارموا أقنعتكم التي حجب الروائيون الأنذال وجوهكم وراءها. إنَّ ما سأقوم به هنا لعبة ميتاسردية. وأنا على يقين من أنكم ستستمتعون كثيراً وأنتم تمثلون فيها أدواركم الجديدة. وستفاجئ هذه الأدوار الجديدة الصادمة القرّاء الذين بنوا تصوراتهم عنكم من خلال حياتكم في السجون الورقية التي حررْتُكم منها اليوم. إنّها قيامتكم أيها الأفاضل وأيتها الفاضلات. سنرى كيف تعيشون إنْ تجاوَرْتم، أنتم الذين خلقَتْكم آلهة مختلفة ووزعتْكم على جغرافيات خيالية متباعدة. سنرى كيف ستتصرفون إن نفيناكم من بيئاتكم المعهودة وانتزعناكم من حواضنكم الورقية الدافئة لنحشركم هنا! لقد أتيت بكم من مواطن مختلفة لأبني لكم وطناً جديداً أرجو أن تعجبكم الإقامة فيه".
التفت إليه الجميع بفضول. لم يفهموا كثيراً ذلك الحديث الغريب لكنهم أبدوا اهتماماً كبيراً بحديث العجوز وأظهروا رغبة في الإصغاء إليه. استغل الكاتب العجوز ذلك الاهتمام الذي ظهر بشكل واضح على جميع الوجوه فقال:
والآن أيها الحضور اللطيف سأقيم بينكم حفل تعارفٍ مبدئياً:
"أنتم أيها السادة وأيتها السيدتان ثلاثة عشر شخصاً، وقد اخترتكم بعناية تامة من بين مئات الأشخاص، ومنحْتُكم فرصة جديدة للظهور في رواية الأُلْهية لأجل الحديث إلى الناس وخلق حوارات جديدة وعالم جديد تؤسسونه أنتم معاً كما تشاؤون".