تمزّق جبال الأنديز كولومبيا إلى أربعة أجزاء. على امتداد قرنين من الزمن، زادت تضاريسها المعقدة من عمق الانقسامات الحادة فيها- الليبراليون في مواجهة المحافظين، المدن في مواجهة الأرياف، والمركز في مواجهة الضواحي- وكلّها عرقلت المساعي لبناء دولة- أمة، وأدت إلى حروب أهلية وصراعات مسلحة. منذ الستينيات، تحتل مجموعات من المتمردين من أمثال "فارك" المناطق النائية، حيث تفتقر الحكومة إلى القوة أو الرغبة الكافية لفرض وجودها فيها.
وكان الرئيس خوان مانويل سانتوس (2010-2018) يدرك تماما وجود هذه التصدعات حين خطط لحجر الأساس لسياسة فترة رئاسته: السلام مع الـ "فارك". وكان في ذلك تحول لسانتوس الذي، حين خدم كوزير دفاع في حكومة الفاروس أوربي (2002-2020)، ساهم في اتباع سياسة متشددة إزاء المتمردين كانت تلاقي شعبية بين العديد من الكولومبيين الذين خسروا منازلهم وأفراد من أسرهم وأصدقائهم على أيدي أعضاء "فارك". ومدركا أن مشروعه مشحون بالعواطف وخلافي، كان سانتوس يحتاج إلى رمز وطني قاطع لا لبس فيه لتعزيز رؤيته لكولومبيا الجديدة.
في كتاب "عن كرة القدم وبناء الأمة في كولومبيا (2010-2018): الشيء الوحيد الذي يوحّدنا"، يناقش المؤرخ بيتر جي. واتسن أن الرمز الموّحد الذي اختاره سانتوس كانت كرة القدم. من خلال السياسات التي اتبعها بين القواعد الشعبية، وخاصة من خلال خطاباته وتغريداته، سعى سانتوس لاستخدام كرة القدم-أساسا فريق الرجال الوطني- لدمج الدولة والأمة.
ويصف واتسن برنامج سانتوس بأنه برنامج الرياضة-السياسة الأوسع نطاقا في تاريخ أميركا اللاتينية. وفي حين كانت حكومات سابقة، مثل المجالس العسكرية في البرازيل والأرجنتين، تبجل كرة القدم في فترات الفوز الرياضية، كانت حكومة سانتوس الأولى التي تشيد تكرارا بكرة القدم-والرياضة بشكل عام- على أنها منفعة عامة.
خلال حكمه الذي دام ثماني سنوات، لجأ سانتوس إلى الخطابات لتعزيز صفات الرياضة الموّحدة بمعدل مرة كل أسبوعين. يقول في 2014 "الرياضة تعلمنا، أن الكولومبيين كلهم، كلنا، أبناء البلاد ذاتها، إننا أخوة وأخوات." وكما يشير واتسن، فإن ملاحظات الرئيس، بالإضافة إلى وتيرة تكراره للرسالة عينها، "تفترض مسبقا وجود شكوك حول إذا كانت كولومبيا فعلا أمة احدة." وهذه شكوك تدعمها مؤشرات مثل التفاوت شديد الارتفاع (معامل جيني في البلاد في 2014 كان 52.6)، والذي يؤثر على وجه خاص على السكان الأفارقة-الكولومبيين والسكان الأصليين.
ولمواجهة تحدي "بناء الأمة"، لجأت الحكومة إلى فريق كرة القدم للرجال، "المنتخب". وأثناء ذلك، أصبح سانتوس أكثر ارتباطا بالفريق الوطني من أي رئيس قبله. كان يعطي مقابلات في الملعب قبل المباريات، وكان هاشتاغ-شعار "Un Solo País, #UnaSolaHinchada" أو "بلد واحد، مشجعون موحدون"، من أكثر الشعارات التي استخدمها خلال ولايته.
وتم تدعيم الإحساس بالتضامن الوطني- والتأييد لعملية السلام – من خلال إضفاء ابتكارات على قمصان الفريق الكولومبي. وعلى الرغم من أن واتسن لم يتمكن من إثبات إذا كان سانتوس كان يوّجه التغييرات، إلا أن اتحاد كرة القدم أجرى تعديلات ملحوظة على الملابس الموّحدة للفريق كانت تتماشى مع سياساته. في 2011، طبعت جملة "موحدين لوطن واحد" على عنق القمصان. بعدها، أضيفت إلى ملابس الفريق رمزية السلام: في كأس العالم للعام 2014، الذي انطلق عشية حملة سانتوس لإعادة انتخابه، تم تغيير السراويل القصيرة الزرقاء والجوارب الحمراء التي كانت معتمدة منذ أكثر من عشرين عاما، إلى اللون الأبيض. وخلال "كأس أميركا" للعام 2016- الذي نظم في عام الاستفتاء على السلام نفسه- كان اللاعبون يرتدون ملابس بيضاء بالكامل. وبغض النظر عن تدخل سانتوس من عدمه، كان من الواضح أن الفريق الوطني كان يشارك، رمزيا، في أكثر المشاريع السياسية تبعية من حكم سانتوس.
وبطريقة أكثر جذرية، كان العديد من تصريحات سانتوس المتمحورة حول كرة القدم، موجّهة لـ "فارك". في خطاب ألقاه أمام فريق الرجال الوطني وسائر الكولومبيين قبل "كأس أميركا" للعام 2015، نطق سانتوس بالتالي: "الجميع في هذه البلاد، الجميع، من المقاتلين وصولا إلى ألّد أعدائهم، الجميع متحد خلفكم، خلف الفريق الوطني الكولومبي." وهذا الخطاب هو النموذج الأكثر وضوحا على مسعى سانتوس لخلق إحساس من "الكولومبيانية" المشتركة من خلال "المنتخب". بالنسبة لسانتوس، لم يعد أفراد "فارك"- وهي مجموعة مصنفة إرهابية شنت حربا على الدولة على امتداد نصف قرن- دخلاء منبوذين، بل أفرادا من أبناء الأمة الكولومبية.
ويبين واتسن كيف استند هذا الخطاب على حملتي علاقات عامة في وقت سابق من رئاسته. قبل كأس العالم 2014، تظهر إعلانات "كولومبيا تحجز لك مقعدا" كولومبيين، ومن بينهم مشاهير وجنود، يقدمون لمقاتلين مسرحين من "فارك" أماكن بالقرب منهم لمشاهدة مباراة. وفي 2011، حين استضافت كولومبيا كأس العالم للاعبين دون العشرين سنة-وهي البطولة الكروية الدولية الأهم التي تنظم على أرض الوطن- أطلقت حكومة سانتوس إعلانا يظهر كرات قدم تلقى في الأدغال من مروحيات عسكرية. وثبتت على كل منها ملصقات تقول "تسرحوا، عودوا والعبوا".
وكان أعضاء "فارك" المسرحين يلعبون كرة القدم بانتظام في المخيمات الانتقالية. وأخبر مدرب في أحد المخيمات واتسن: "أعتقد فعليا أن مسألة كرة القدم والرياضة في هذه المناطق هي في غاية الأهمية، لأننا رأينا كيف تندمج المجموعات من خلال الرياضة، مجموعات لا يخطر لك على الأطلاق أنك سوف تراها تتشارك المكان ذاته[...] ننظم بطولة يشارك فيها فريق شرطة، وفريق عسكري، وفريق محلي، وفريق "فارك".
إلّا أنّه، وكما يشير واتسن، فإن كرة القدم ليست الحل السحري الذي سيلغي الفروقات بين الطبقات، والأعراق، والجندر. والأكثر من ذلك، هو أنه عوضا عن توحيدهم، فإن كرة القدم غالبا ما تنتج المزيد من الانقسامات بين الكولومبيين. هناك موجات من العنف المخمور بعد المباريات الكولومبية، والدوري المحلي في البلاد يتضعضع بسبب المواجهات داخل مجموعات المشجعين وبين بعضهم البعض. وخلال الأسبوع الأخير، وبعد سلسلة من النتائج السيئة، قام مشجعو ديبورتيفو كالي بتهديد لاعبي النادي ومديريه.
ويحتوي كتاب واتسن على الكثير من النظريات العلمية، إلا أنه مكتوب بطريقة متاحة للقراءة. وهو يثير أيضا المزيد من الأسئلة، ويلمح باختصار إلى أنها مجالات لإجراء المزيد من الأبحاث. أولا، ما هو مدى فعالية استخدام سانتوس للمنتخب لتوحيد الكولومبيين وحشد الدعم لعملية السلام، خاصة وأنه خسر الاستفتاء اللاحق؟ ثانيا، كم من استخدام سانتوس للمنتخب يهدف لبناء الأمة وليس لبناء مسيرته المهنية؟ فربط نفسه بالفريق لا يسمح لسانتوس- وهو سليل النخب في بوغوتا- بالاتصال مع العامة فحسب، بل يسمح له أيضا بالوصول إلى جمهور أوسع، ربما أقل التزاما سياسيا. ومن المحتمل أن هذا الرابط كان قيّما للغاية بالنظر إلى نوعية أداء المنتخب التي تحسنت بصورة هائلة منذ 2012. ويبدو من المعقول للغاية أن ديناميكيات فوز كولومبيا 3-0 في مباراتها الأولى منذ 16 عاما في كأس العالم، والتي جرت قبل يوم واحد من الجولة الثانية من انتخابات 2014، قد دعمت تفاؤلا وطنيا أعطى الأفضلية للمرشح شاغل الوظيفة.
بعد أربع سنوات على مغادرة سانتوس لمنصبه، باتت عملية السلام ممزقة و"المنتخب"، الذي فشل في التأهل لكأس العالم 2022، خسر بريقه.
ورئيس كولومبيا الجديد، اليساري غوستافو بيترو، فاز في اقتراع جولة الإعادة الأضيق في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من الفروقات الكثيرة بين بيترو ومنافسه، رجل الأعمال غير التقليدي سياسيا رودولفو هيرنانديز، إلا أن كلاهما أعربا عن تأييدهما لعملية السلام ووعدا بأن برامجهما ستتعامل مع الفقر، واللامساواة، والجوع. ووسط التحديات الملحة المستمرة في كولومبيا حاليا أمنيا، واقتصاديا، وبيئيا، هناك دعوة لسياسات دمج اجتماعي. ومن غير المرجح أن يكون لـ"المنتخب" دور في ذلك، ولكن الأمة بحاجة للبناء.
[ترجمة: هنادي سلمان، نشرت في آب 2022 على موقع NACLA].